اليوم العالمي لنَبْذ العنف ضد المرأة

  • | الأحد, 25 نوفمبر, 2018
اليوم العالمي لنَبْذ العنف ضد المرأة

   في اليوم العالمي لنَبْذ العنف ضد المرأة، دَعونا نعيد إلى الأذهان توضيحًا بسيطًا عن المرأة؛ ذلك أن الإنسان كلما اعتاد أمرًا ما ربما تغافل أو نسي معناه وأصله، فالمرأة؛ هي الأم التي حملت ورَبّتْ وباتت تحمل هَمّنا إلى أن حان وقت رحيلها عنا، هي الأخت التي نتشارك معها في جيناتنا الوراثية قبل أن نتشارك معها ألعابَ الصِّبا وذكريات الطفولة، هي الزوجة التي قبل أن يجمعنا الله القدير برباطٍ مُقَدَّس، جمعنا سويًّا بمشاعرَ وحُبٍّ ومَوَدّة، رباطًا من لدنه أسماه في قرآنه الكريم ميثاقًا غليظًا، هي البنت التي رتّبنا لها شعرها يومًا وسردنا لها الحكاياتِ والقصص قبل النوم، وبتنا نحلم باليوم الذي نهديها كعروس جميلة لرجلٍ بمعنى الكلمة، فتُكَوِّن بذاتها وبما تعلمته بيتًا جديدًا وعائلةً غنية، تضيف إلى الإنسانية وللحضارة البشرية شيئًا مفيدًا نافعًا.

بعد هذه التوطئة السريعة؛ لنَكُنْ مُنصِفين عند الحديث عن العنف ضد المرأة، المرأة التي أصبحت في يومنا هذا شريكًا قويًّا فاعلًا في إدارة شئون الأسرة والبلاد والمجتمع بأسره، فنجدها شريكًا في كفالة الأسرة، صِمام أمانٍ لها برعايتها وقُربها من أبنائها الصغار، تَتَقَلّد بدَورها المناصبَ العُليا في إدارة شئون الدول؛ فهي السفيرة والوزيرة ورئيسة الدولة، هي النصف الآخَر الذي يحفظ توَازن المجتمعات والكَون، فضلًا عن أن قضية العنف ضد المرأة تأخذ حيّزًا كبيرًا هامًّا من قضايا المجتمع على اختلاف أنواعها، وأن العنف ضد النساء والفتيات هو أحد أكثر انتهاكات حقوق الإنسان انتشارًا واستمرارًا وتدميرًا في عالمنا اليوم، على الرغم من أن معظمه لا يزال غير مُبَلَّغٍ عنه؛ بسبب انعدام العقاب والصمت والإحساس بالفضيحة ووصمة العار المحيطة به، حسبما تصف المنظمة الأممية.

فهل بعد هذا يُعقل أن نقف صامتين أمام أيّ صورةٍ من صور العنف تُجاهَ المرأة؟ سواءٌ أكان هذا العنف جسديًّا أم جنسيًّا أم نفسيًّا، بألوانه المختلفة مثل: عنف العَشير (الضرب، الإساءة النفسية، الاغتصاب الزوجي، قتل النساء)، والعنف والمضايقات الجنسية (الاغتصاب، الأفعال الجنسية القسرية، التحرش الجنسي، الاعتداء الجنسي على الأطفال، الزواج القسري، التحرش في الشوارع، الملاحقة، المضايقة الإلكترونية) والاتّجار بالبشر (العبودية والاستغلال الجنسي) وتشويه الأعضاء التناسلية للإناث، وزواج الأطفال. أيّ عقلٍ راشد يقبل تبرير العنف بأيّ صورةٍ كان؟ ما الفرق إذًا بيننا وبين الوحوش التي لا تعرف لغةً ولم تُمَيَّز بالعقل كما مَيَّزَ الله سبحانه الإنسانَ على مخلوقاته بالعقل؟

وسط العديد من حالات العنف ضد المرأة التي تسجلها مراكز الإحصاء، وتتابعها المنظمات المدافعة عن حقوق المرأة، يُحيي العالَمُ في الخامس والعشرين من نوفمبر من كل عام، اليومَ العالمي للعنف ضد المرأة، ويُعَرِّف إعلانُ القضاء على العنف ضد المرأة، الصادر عن الجمعية العامّة للأمم المتحدة عام 1993، العنفَ ضد المرأة على أنه: "أيّ فعلٍ عنيف تدفع إليه عصبية الجنس ويترتّب عنه، أو يُرَجَّح أن يترتّب عليه، أذى أو معاناة للمرأة؛ سواء من الناحية الجسمانية أو الجنسية أو النفسية، بما في ذلك التهديد بأفعالٍ من هذا القَبيل أو القسر أو الحرمان التعسفي من الحرية، سواء حدث ذلك في الحياة العامّة أو الخاصّة".

 وقد أَحيت المنظمةُ الأممية اليومَ العالميّ للعنف ضد المرأة  للمرة الاأولى في عام 1999، وقد تمّ اختيارُ يوم الخامس والعشرين من نوفمبر كذكرى لعملية الاغتيال الوحشية التي حدث في اليوم ذاته عام 1960 بأوامر من ديكتاتور الدومنيكان رافائيل تروجيلو (1930 - 1961) ضد الراهبات (ميرابال)؛ "باتريا، مينيرفا وماريا تيريزا"، الناشطات السياسيات في جمهورية الدومنيكان.

وعلى الرغم من التطور العملي والتكنولوجي لا يزال عالمنا المعاصر، على اختلاف دوله وتفافاته وأعراقه يعاني من العنف ضد المرأة، ولا تزال حالات العنف مستمرة وحاضرة يوما بعد يوم، فما هي أسباب هذا العنف وما هي الدوافع التي قد تؤدي إلى مثل هذه الجرائم المشينة؟ هل تعمل القوانين بشكل رادع على كبح جماح مرتكبي هذه الجرائم الدموية اللاأخلاقية ومعاقبتهم؟ إلى متى يظل نصف سكاننا المتمثل في النساء والفتيات ضحايا للعنف والاضطهاد يحمل ذِكراه في مخيلته؟

هناك العديد من العوامل التي تزيد من فرص العنف ضد المرأة ومن بينها على سبيل المثال: مشاهدة أو معايشة الاعتداء كطفل صغير (حيث تؤثر هذه الحوادث على الأطفال الذين يصبحون بدورهم عرضه لارتكاب العنف في المستقبل تجاه أولادهم)، تعاطي المواد المخدرة، انخفاض مستويات التعليم، انعدام الفرص الاقتصادية وزيادة نسبة البطالة، وجود اختلافات اقتصادية وتعليمية وتوظيفية بين الرجل والمرأة، الصراع والتوتر في العلاقة بين الزوجين، سيطرة الذكور على صنع القرار، بعض المواقف والممارسات التي تعزز خضوع المرأة، عدم وجود مساحات آمنة للنساء والفتيات تسمح لهن بطلب المشورة من بيئة داعمة، عدم الإدانة والشكوى والخوف من الفضيحة ووصمة العار، عدم وجود تشريعات وعقوبات رادعة متعلقة بمرتكبي العنف ضد النساء وتطبيقها بشكل فعال.

وعليه فإن الجميع مشترك في هذه الجرائم سواء بالفعل أو الصمت أو عدم التوعية، فيجب على مراكز الإحصاء ومنظمات حقوق المرأة أن توضح الأعداد والإحصائيات التي انتهت إليها بشكل مستمر كي توضح للعالم مدى خطوة هذه الجرائم ومدى عواقبها الجسدية والنفسية التي ربما تودي بحياة الضحية، مثل تلك المُعطَيات التي أوضحتها منظمةُ الأمم المتحدة، والتي تقول فيها:

- ﺗﺘﻌﺮّض واﺣﺪةٌ ﻣﻦ ﺛﻼث ﻧﺴﺎء وﻓﺘﻴﺎت ﻟﻠﻌﻨﻒ اﻟﺠﺴﺪي أو اﻟﺠﻨﺴﻲ خلال ﺣﻴﺎﺗﻬﻦ، ويكون ﻓﻲ ﻣﻌﻈﻢ اﻷﺣﻴﺎن من طرفِ عَشير.

- 52%  فقط من النساء المتزوجات يتخذن بحريةٍ قراراتِهنّ بشأن استخدام وسائل منع الحمل والرعاية الصحية.

- تُزَوَّج ما يَقرُب من 750 مليون امرأةٍ وفتاة، على قَيد الحياة اليوم، في جميع أنحاء العالم، قبل بلوغهن سن الثامنةَ عشرةَ؛ في حين خضعت 200 مليون امرأة وفتاة لتشويه الأعضاء التناسلية للإناث (ختان الإناث).

- قُتلت واحدةٌ من كل اثنتين من النساء، اللاتي قُتلن في جميع أنحاء العالم، على أيدي عَشيرهن أو أُسرهن في عام 2012؛ بينما قُتل واحدٌ فقط من بين 20 رجلًا في ظروفٍ مماثلة.

- 71٪  من جميع ضحايا الاتّجار بالبشر في العالم هم من النساء والفتيات، و 3 من أصل 4 من هؤلاء النساء والفتيات يتعرّضن للاستغلال الجنسي.

- العنف ضد المرأة، مثل السرطان؛ سببٌ جَوهريّ للوفاة والعجز للنساء في سِنّ الإنجاب، وسببٌ أخطرُ يؤدّي للعِلّة، مُقارَنةً مع حَوادثِ السَّير والملاريا معًا.

 كما يجب أيضًا على الجميع أن يُشارِكَ ويُسانِدَ الضحايا بالدعم المادي والمعنوي والتوعية في المحيط القريب منه، والأم بدَروها يجب أن تغرسَ في أطفالها حُبَّ بعضِهم بعضًا، وألّا يُفَرِّقَ المجتمعُ بين الأطفال ويُمَيِّز الذكور عن الإناث، كما يجب أن تَحظى الفتيات بحقوقهن كافّةً؛  كالتعليم والحق في الميراث والعمل... على سبيل المثال لا الحَصر.

ونحن كمؤسسةٍ دينية نقوم بدورنا بتَوضيح صحيح الدين وما اختلف أو خفي منه؛ نوَضِّح أن دين الإسلام دينٌ يرفض كلَّ مظاهر العنف، ويُقَدِّس الحياةَ الزوجية، ويدعو إلى إدارتها بتَعَقُّلٍ وبصيرة، وإذا ما تأزّمت الأمور بين الشريكين ولم تُجْدِ المفاوضاتُ نفعًا، فقد كَفَلَ لهم الإسلامُ فرصةً أخرى؛ كي يبدأ كلٌّ منهما حياةً جديدة مستقلّة، ربما تمنحه قدرَ ما يستحقّ من السعادة والحياة الآمِنة، على خلاف بعض الديانات الأخرى؛ قال تعالى: " فَإِمْسَاكٌ بِمَعْرُوفٍ أَوْ تَسْرِيحٌ بِإِحْسَانٍ" (البقرة:229)، وخاطَبَ القرآنُ الكريم كلَّ ضميرٍ حيّ نابض في قول الله تعالى "وَإِذَا الْمَوْءُودَةُ سُئِلَتْ * بِأيّ ذَنْبٍ قُتلَتْ" (التكوير: 8-9)، وحيث إن القرآن الكريم يحمل خصوصيّةً مُمَيَّزَةً؛ إذ إنه صالحٌ لكلّ زمانٍ ومكان، جمَعَ القرآنُ بين دَفَّتَيه ما فيه السلامة للجميع، وفَسَّرَ القرآنُ بعضه بعضًا، وأضافت السنة النبوية الشريفة ما خفيَ منه نورًا وإجلالًا، وإذ يحتجّ بعضهم بآيةٍ من سورة النساء، في قوله سبحانه: "وَاللاَّتِي تَخَافُونَ نُشُوزَهُنَّ فَعِظُوهُنَّ وَاهْجُرُوهُنَّ فِي الْمَضَاجِعِ وَاضْرِبُوهُنَّ فَإِنْ أَطَعْنَكُمْ فَلاَ تَبْغُواْ عَلَيْهِنَّ سَبِيلاً إِنَّ اللّهَ كَانَ عَلِيّاً كَبِيراً" (النساء: 34)، نوَضِّح أنّ معانيَ ألفاظ القرآن تُستخلَص من القرآن نفسِه؛ فبتتبُّع معاني كلمة (ضرب) في المصحف وفي صحيح لغة العرب؛ نرى أنها تعني في غالبها المفارقة والمباعدة، والانفصال والتجاهل، خلافًا للمعنى المتداوَل الآنَ لكلمة (ضرب)؛ فمثلًا: الضرب على الوجه يُستخدم له لفظ (لطم)، والضرب على القفا (صفع)، والضرب بقبضة اليد (وَكز)، والضرب بالقدم (رَكل)، وفي المعاجم: ضرَبَ الدهرُ بين القوم أي: فَرّق وباعَد، وضرَب عليه الحصارَ أي: عزله عن محيطه، فالضرب إذًا يُفيد المباعدةَ والانفصال والتجاهل، وقد وردت كلمة (ضرب) في مواضعَ عديدةٍ في القرآن الكريم، تُفيد معنى المفارقة والمباعدة مثل قوله تعالى: "وَلَقَدْ أَوْحَيْنَا إِلَى مُوسَى أَنْ أَسْرِ بِعِبَادِي فَاضْرِبْ لَهُمْ طَرِيقاً فِي الْبَحْرِ يَبَساً لَّا تَخَافُ دَرَكاً وَلَا تَخْشَى" (البقرة: 273) أي افرُق لهم بين الماء طريقًا، وقوله تعالى: "لِلْفُقَرَاء الَّذِينَ أُحصِرُواْ فِي سَبِيلِ اللّهِ لاَ يَسْتَطِيعُونَ ضَرْباً فِي الأَرْضِ"(طه: 77) أي: مباعدةً وسفرًا، وقوله تعالى: "وَآخَرُونَ يَضْرِبُونَ فِي الْأَرْضِ يَبْتَغُونَ مِن فَضْلِ اللَّهِ" (المزمل:20)، وقوله تعالى: "فَضُرِبَ بَيْنَهُم بِسُورٍ لَّهُ بَابٌ بَاطِنُهُ فِيهِ الرَّحْمَةُ وَظَاهِرُهُ مِن قِبَلِهِ الْعَذَابُ" (الحديد: 13)، أي: فُصِلَ بينهم بسور.

هذا، ويُقِرُّ المعهد الوطني للإحصاء الإيطالي (Istat)  أنه في عام 2014؛ 31,5٪ (أي: ما يُعادِل 6 مليون 788 ألفًا) من النساء بين سِنّ 16-70 سنة، قد عانَينَ من أشكال العنف الجسدي أو الجنسي خلال حياتهنّ، وأن 20,2٪ (أي: ما يُعادِل 4 مليون و 353 ألفًا) عانَينَ من العنف الجسدي، وأن 21٪ (أي: ما يُعادِل 4 ملايين و520 ألفًا) قد عانَيْنَ من العنف الجنسي، وأن 5,4٪ (أي: ما يُعادِل مليون و157 ألفًا) قد عانَينَ أخطرَ أشكالِ العنف الجنسي مثل: الاغتصاب (652 ألفًا)، ومحاولة الاغتصاب (746 ألفًا).

 

Image

 

ويوَضِّح المعهد الوطني للإحصاء الإيطالي (Istat) أن نسبة 13,6٪ (أي: ما يُعادِل مليونين و800 ألف) من النساء قد عانَينَ من العنف الجسدي أو الجنسي مِنْ قِبَل الشريك أو الشريك السابق؛ حيث إن 5,2٪ (855 ألفًا) قد عانَينَ من عنفٍ من الشركاء الحاليّين، و 18,9٪ (مليونين و 44 ألفًا) قد عانَينَ من عنفٍ من الشريك السابق، وأن معظم النساء اللواتي كان لديهن شريكٌ عنيفٌ في الماضي قد تركنه بسبب العنف الذي عانَينَ منه، وهي نسبةٌ تُقَدَّر بـ 68,6٪.، وكان العنف -على وجه الخصوص- هو السبب الرئيس لفَسخ  العَلاقة مع الشريك، بنسبةٍ تُقَدَّر بـ 41,7٪، وقد مَثّلَ العنفُ عنصرًا مهمًّا في اتخاذ قرار الانفصال، لنسبةٍ تُقَدَّر بـ 26,8 ٪.، وتوَضِّح الأرقامُ أنه منذ يناير وحتى أكتوبر من العام الجاري 2018؛ قد وقعت في إيطاليا 106 حالات من حالات قتْل النساء، بمُعَدَّل: واحدة كل 72 ساعة.

ونحن إذ نرفض أشكالَ العنف كافّةً ضد المرأة، نُثَمِّن الجهودَ التي تبذلها جميعُ المنظمات المعنيّة، مثل: منظمة الأمم المتحدة، والمركز المصري لحقوق المرأة، والمجلس القوميّ للمرأة، الذي يُطلِق تحتَ شعارِ "كونى"، حملةَ الـ 16 يومًا من الأنشطة؛ لمناهضة العنف ضد المرأة، والتي تبدأ من يوم 25 نوفمبر حتّى الـ 10 من ديسمبر، الذي يوافِق اليومَ العالميّ لحُقوق الإنسان؛ وإلى كلّ عاقلٍ نقول: "رِفقًا بالقَوارير"!

طباعة
الأبواب: قضــايا أخرى
كلمات دالة: مرصد الأزهر