دَور المجتمع في الوقاية من التطرف

  • | الأحد, 16 ديسمبر, 2018
دَور المجتمع في الوقاية من التطرف

     خلَق الله الإنسان وفضّله على سائر المخلوقات بالعقل الذي جعله مَناط التكليف والقدرة على التمييز بين الخير والشر والحق والباطل، ومع هذا فإن من سُنن الله الفاعلة والجارية في الكَون: أن جميع البشر-سوى الأنبياء والرسل– ليسوا بمَنأى عن الوقوع في الزلل والخطأ؛ ولذا جعل الله بابًا مفتوحًا لا يُغلق أبدًا حتى تطلعَ الشمس من مغربها؛ كي ينتهوا عن غَيّهم ويَثوبوا إلى رشدهم؛ إنه باب التوبة ومغفرة السيئات، مهما عظُمت أو كانت كبيرة.
وعلى غِرار هذا العفو الإلهي الكريم، كان لِزامًا أن يسيرَ بَنو البشر في حياتهم اليومية، وأن يغفروا الزلاتِ لبعضهم البعض، من مُنطلَق أن كلَّ إنسانٍ -مهما بلغ من العقل والحكمة- عُرضَةٌ لارتكاب الأخطاء؛ أما أن تطالعنا بعض الصحف اليومَ عن حالةٍ لشخصٍ وقع فريسةً لأنياب الإرهاب الأسود الغاشم، ثم أراد الله له أن يتوب عن غَيّه وأن يَثوبَ إلى رشده، بَيْدَ أن مجتمعه لا يتقبّله، فلا شك أن هذا لا يعني بحالٍ سوى دفعه نحو التطرف مرةً أخرى، على نحوٍ أشدَّ قسوةً من ذي قَبلُ، حيث إنه قد أنَّ هذه المرّةَ تحتَ وَطأةِ مجتمعٍ نَبَذَهُ، وعَدّه غريبًا دخيلًا عليه .
إنها قصة الأسترالي "ديفيد هيكس" (43 عامًا) الذي يُعَدّ أولَ مواطنٍ أسترالي ينضم إلى تنظيم "القاعدة" الإرهابي، ويظلّ يعمل تحت رايته لمدة عشر سنوات، أقلع بعدها عن غَيّه وبرأته المحكمة من التهم الموجهة إليه، بعد أن قضى ست سنوات في معتقل جوانتينامو، بَيْدَ أن مجتمعه قد لفَظه ونبَذه؛ بدَعوى الصالح العامّ له ولأيّ عملٍ يلتحق به، حيث أكّد والده أن ولده لا يزال يُعاني آثارَ هذه التجرِبة في المجتمع، إذ لا تزال العامّة ينظرون إليه نظرةَ المُدان.
وهنا يطرأ السؤال حول البرامج التي أعدتها الحكومات لاستيعاب هؤلاء العائدين من صفوف التنظيمات الإرهابية وغيرها من جماعات الزَّيغ والضلال؟ فهل عملت الحكومات على تأهليهم نفسيًّا لفترةٍ ما بعدَ ترْكِ هذه التنظيمات؟ وهل وفّرت لهم برامجَ تدريبيةً تَوعَويّة تحميهم بها من الوقوع في بَراثِنِ التطرف والإرهاب مرّةً ثانية؟ وهل عملت على إعداد المجتمع وتأهليه نفسيًّا ومعنويًّا لاستقبال هؤلاء العائدين؟
أسئلةٌ كثيرة يطرحها هذا المقال، لا بد أن تؤخذ بعَين الاعتبار من قِبَل السلطات المعنيّة بمكافحة الإرهاب؛ إذ حماية الإنسان من الوقوع في براثن التطرف من أول الأمر خيرٌ من محاولة انتشاله بعد الانغماس فيه، وعليه: يُطلِق "مرصد الأزهر لمكافحة التطرف" هذه الصيحةَ التحذيرية، مُطالِبًا الحكوماتِ بإعداد البرامجِ اللازمة في هذا الصَّدَد، والاستعانة بالخبراء المعنيّين في هذا الشأن، كما يوَجِّه نداءَه أيضًا للمجتمعات؛ ألّا تكونَ عاملًا مساعدًا في عَودة هؤلاء التائبين إلى دَياجِرِ الظلام وغَياهبه، فاللهُ -جَلّ شأنُه- يقبل توبةَ مَن تاب، فما بالُنا نحن البشر!

وحدة الرصد باللغة الإنجليزية

 

 

طباعة