القضاء على داعش وتحديات الخلافة الافتراضية

  • | الإثنين, 24 ديسمبر, 2018
القضاء على داعش وتحديات الخلافة الافتراضية

     في عام 2014، أعلن تنظيم داعش الإرهابي المتطرف عن إقامة خلافته المزعومة بزعم تطبيق الشريعة الإسلامية، وقد سيطر التنظيم على مساحات واسعة في سوريا والعراق في مدة وجيزة للغاية، مما مكنه من التحكم في أعداد كبيرة من المواطنين العراقيين والسوريين، وأتاح له استقبال الكثير من المقاتلين الأجانب الذين جاءوا من مختلف دول العالم، سواء أكانت دولًا إسلامية أو غير إسلامية، متقدمة أم غير متقدمة.
وشهدت فترة ذروة النشاط الميداني لداعش نشاطًا موازيًا ولا يقل كثافة وذلك عبر العالم الافتراضي والمتمثل في وسائل التواصل الاجتماعي والمنصات الإلكترونية المختلفة، والتي من خلالها نشر التنظيم عشرات المجلات بمختلف اللغات الرئيسية في العالم، إضافة إلى مقاطع فيديو ترويجية بلغات عدة، مما حدا ببعض الباحثين إلى تسمية هذا النشاط الإلكتروني بـ "الخلافة الافتراضية" في مقابل الخلافة المزعومة على أرض الواقع.
واليوم وبعد ما يقرب من عام على إعلان العراق القضاء على داعش نهائيًّا، واشتداد المعارك مع داعش في سوريا لإنهاء سيطرتها على آخر معاقلها المتمثل في مدينة "هجين" السورية الواقعة على الحدود السورية ـ العراقية، يبدو الأمر وكأننا سنشهد انتهاء داعش في هذه المنطقة، ولكن هل هذا يعني انتهاء التهديد الداعشي بشكل عام؟ في تقارير سابقة لمرصد الأزهر لمكافحة التطرف، ناقش المرصد السيناريوهات المتوقعة لما يمكن أن يقوم به داعش إذا تمت محاصرته والقضاء عليه في سوريا والعراق، وتضمنت تلك السيناريوهات تحول مقاتلي داعش إلى حرب العصابات غير المنظمة في محاولة لإحداث حالة من عدم الاستقرار في المنطقة، أو التحول إلى مناطق أخرى تتشابه في طبيعتها وتحدياتها مع بيئة العراق وسوريا. وقد شهد العام الماضي تجسد السيناريو الأول، ومحاولة التنظيم المستمرة لتجميع صفوفه من جديد في مكان جديد، ولكن هذا المقال يركز بشكل خاص على تحديات ما يطلق عليه "الخلافة الافتراضية".
لقد كانت الجبهة الإعلامية للتنظيم المتطرف ونشاطه الدعائي عبر مختلف المنصات عاملًا في غاية الأهمية للترويج لهذا الفكر المتطرف واستقطاب الكثير من المقاتلين الأجانب، ولم يترك التنظيم وسيلة أو منصة يمكنه من خلالها الترويج لما يقوم به أو محاولة ضم أتباع جدد إلا استخدمها.
وعندما تنبه العالم لخطورة ذلك وبدأ في إجبار هذه المنصات على حذف المحتوى المتطرف وحظر الحسابات التي تساعد في نشر هذا المحتوى، اتجه التنظيم إلى المنصات المشفرة مثل "التيلجرام" لكي يضمنوا سلامة عناصرهم، ويواصلوا نشر أفكارهم.
وتأكيدًا على أهمية الإعلام بالنسبة له، أولى التنظيم قتلاه ممن يعملون في جهازه الإعلامي نفس الاهتمام والتركيز الإعلامي؛ حيث اعتاد على نشر فيديوهات عمن قضوا نحبهم في أثناء تصوير مواد تحضيرًا لفيديوهات دعائية وترويجية وأطلق عليهم شهداء، تمامًا كما يفعل مع من يموتون في اشتباكات مع القوات العراقية أو قوات التحالف، لا بد أنه يفعل هذا كي يبعث رسالة إلى أتباعه مفادها أن الحرب الإعلامية لا تقل أهمية عن الحرب الميدانية.
وقد برزت العديد من التحديات نتيجة هذا النهج الإعلامي للتنظيم المتطرف؛ حيث إنه مع تلقيه الهزائم وخاصة هزيمته في دابق في أكتوبر 2016، توجه بإعلامه إلى وجهة جديدة ركز فيها على أتباعه الأجانب الذين لم يتمكنوا من الانضمام إليه في سوريا والعراق، وتركز النهج الجديد على حث هذه العناصر البعيدة عن مركز التنظيم على القيام بعمليات في محيطهم مستخدمين ما يتاح لهم من مواد ومُحدِثين أكبر عدد ممكن من الخسائر، وهو ما يطلق عليه عمليات "الذئاب المنفردة".
ويكمن التحدي الثاني في أن التنظيم دعا عناصره حول العالم أن يقوموا بتصوير العمليات التي يقومون بها؛ لكي يقوموا بنشر هذه المقاطع التي تفيد أنهم قاموا بذلك لانتمائهم لداعش، ويعد هذا تحديًا كبيرًا للأجهزة الأمنية التي لا يمكن لها في الكثير من الأحيان التيقن من كون القائم بالعمليات الإرهابية من المنتمين لداعش أم لا.
لقد بذلت جهود كثيرة فيما يتعلق بحظر المحتوى المتطرف والحسابات التي تنشر مثل هذه المحتوى، وقد أدى هذا بالفعل إلى تقليل حجم الوجود الإعلامي لجماعات التطرف على وسائل التواصل الاجتماعي والمنصات الإلكترونية، وساعد في هذا أيضًا إنهاء سيطرة التنظيم المتطرف على مساحات واسعة وبالتالي تقليل موارده، واضطراره إلى وقف إصدار العديد من المجلات التي اعتاد على نشرها شهريًّا وبالعديد من اللغات، ولكن ينبغي بذل الكثير من الجهود من أجل منع المحتوى المتطرف نهائيًّا وإقرار تشريعات لمحاسبة كل من يسهم في نشر المواد المتطرفة عبر الإنترنت.


وحدة الرصد باللغة الإنجليزية

 

طباعة