المسلمون في جمهورية البيرو

  • | الإثنين, 24 ديسمبر, 2018
المسلمون في جمهورية البيرو


انطلاقًا من حرص مرصد الأزهر لمكافحة التطرف على متابعة أحوال الإسلام والمسلمين في شتى بقاع الأرض، وذلك للوقوف على أهم المشكلات والمصاعب التي تواجه المسلمين، تقوم وحدة الرصد باللغة الإسبانية بمرصد الأزهر بإعداد مجموعة من التقارير المُفصلة عن أحوال الإسلام والمسلمين في إسبانيا، وفي دول أمريكا اللاتينية.
وفي هذا التقرير نستعرض أحوال الإسلام والمسلمين في جمهورية "بيرو" باعتبارها إحدى دول أمريكا اللاتينية المتحدثة بالإسبانية.
بداية تشير الإحصائيات الرسمية إلى أن تعداد السكان في جمهورية بيرو، وصل إلى ما يقرب من 32,17 مليون نسمة لعام 2018، وتبلغ مساحتها 1,285,220 كم2.
وتقع جمهورية بيرو في غرب أمريكا اللاتينية، وتحدها الإكوادور وكولومبيا من الشمال، وبوليفيا والجمهورية البرازيلية من الشرق، وتشيلي من الجنوب، والمحيط الهادي من الغرب، وكانت بيرو من قبل إمبراطورية كُبرى حيث كانت تضم الإكوادور وتشيلي وبيرو والأرجنتين، وقد غزتها إسبانيا إثر توسعها في العالم الجديد عام 1532.
 واستمر الاحتلال الإسباني حتى أعلنت استقلالها في عام 1820 إثر ثورة عارمة قام بها الشعب البيرواني، ويعتنق 93.8% من سكانها الديانة المسيحية، بينما هناك نسبة قليلة من المسلمين واليهود والبوذيين وبعض أتباع الديانات الأخرى.
ورغم أن الدستور البيرواني ينص على الحرية الدينية وتعليم الدين في المدارس، فإن المسيحية هي الديانة الوحيدة التي تُدرس في المدارس، وتتمركز الجالية المسلمة في مدينتي "تاكنا" و"ليما"، وتتكون من الفلسطينيين والأتراك والسوريين والأردنيين واللبنانيين والمصريين والمغاربة والباكستانيين والعراقيين والإيرانيين.

Image

-    وصول العرب والمسلمين الأوائل إلى بيرو:

هناك العديد من المصادر التي تؤكد أن الإسلام وصل إلى دولة البيرو في 18 يناير  1535 ذلك عندما رافقت زوجة مسلمة مغربية أحد المستعمرين المرافقين للقائد "فرانثيسكو بيثارّو جونثالِث" (Francisco Pizarro González) والذي فتح إمبراطورية "الإنكا" وأسس مدينة ليما عاصمة البلاد.
وفي السنوات الأولى للغزو وصل إلى بيرو نحو 400 امرأة مسلمة، الغالبية العظمي منهن كُن زوجات للمستعمرين وبعضهن كُن من الإماء.
ومع قدوم النساء انتشرت بعض العادات مثل: الجلباب العربي والذي أصبح أحد الأزياء الرئيسية التي فضلّها السكان الأصليين على النموذج الأوروبي، كذلك كانت الكثير من النساء يرتدين الحجاب.
وفي النصف الثاني من القرن السادس عشر أمر الأسقف الثاني في "ليما" توريبيو ألفونصو دي موجريبيخو   Toribio  Alfonso de Mogrovejo النساء بخلع الحجاب وإلا فسيطردن من الكنيسة؛ إلا أنهن تمردن وأصررن على ارتدائه منذ منتصف القرن السادس عشر تقريبا حتى حوالي عام 1860.
ومن أبرز شواهد الوجود الإسلامي العربي في دولة البيرو وجود الطابع المعماري الأندلسي، الذي يميّز مساكن العاصمة ليما، حتى يُخيّل إلى من يجول في شوارعها أنه في قرطبة أو إشبيلية، حيث تتميز العاصمة بأنها المدينة الوحيدة في أمريكا اللاتينية التي بها هذا النوع من الشُرفات والمآذن المُصممة على الطراز العربي.
ولقد ظهر تأثير المسلمين بجلاء في أساليب البناء وفنون العمارة، والدليل على ذلك هو بناء قصر "برج تاجلى" Palacio Torre Tagle عام 1735 على الطراز الإسلامي.
ورغم أن المسلمين وصلوا بيرو منذ عدة قرون، فإن الهجرة الإسلامية الأكثر وضوحًا هي تلك التي حدثت خلال أواخر القرن التاسع عشر وأثناء القرن العشرين.
وفي هذا السياق يقول الرئيس السابق للجمعية الإسلامية بدولة البيرو السيد ضمين حسين عوض "إن الوصول الفعلي للإسلام نشأ عن هجرة المسلمين إلى بيرو بين عامي 1930م و1935 عندما هاجر إليها أعداد كبيرة من سوريا ولبنان وفلسطين وغيرها من البلدان".
وبالنسبة لعدد المسلمين في بيرو، فقد أفادت السيدة "زولما بينيا"، المسلمة البيروانية أن العدد وصل إلى ما يقرب من 2000 مسلم، نصفهم تقريبًا من البيروانيين، الغالبية العظمي منهم يتبعون المذهب السني، بينما هناك قلة قلية تتبع المذهب الشيعي، وتجدر الإشارة إلى أن خطبة الجمعة في المساجد تكون باللغتين الإسبانية والعربية.
وكان المسلمون الأوائل في "بيرو" من المهاجرين العرب كما هو الحال في باقي دول أمريكا اللاتينية، واستمر الحال هكذا حتى العقد الأخير، حيث ازدادت عملية انتشار الإسلام تدريجيًا – لا سيَّما في مدينتي "ليما" و"تاكنا" إلا أنه لا توجد أعداد رسمية صادرة من الدولة حتى الآن.
ويمكننا القول أن المرحلة الجديدة من الإسلام في بيرو، قد بدأت بالعمل المشترك بين المسلمين من أصول مختلفة، في محاولة منهم لتقديم الإسلام إلى سكان "بيرو" وساكني دول أمريكا اللاتينية بشكل عام. وحاليًا يوجد داعية مصري في الجمعية الإسلامية وهو الشيخ أحمد عثمان قاسم، خريج جامعة الأزهر، وكذلك في مصلى "سان بورخا" يوجد داعية مغربي وهو الشيخ محمد قبي، وكلاهما يشارك في المؤتمرات والندوات واللقاءات المختلفة مع كافة طوائف المجتمع.
وعلى المستوى السياسي، تقلَّد المسلمون في بيرو العديد من المناصب السياسية مثل: السيد عمر كريم شحادة مويا Omar Karim Chehade Moya  الذي تقلد سابقًا منصب النائب الثاني لرئيس الجمهورية، إضافة إلى الأعضاء الذين تقلدوا بعض المناصب في المجالس النيابية.
ويعيش أغلب المسلمين في بيرو، بمنطقة "سانتا ماريا ديل مار" التي تقع على مسافة 50 كيلومترا من العاصمة حيث يعيش بها مجموعة كبيرة من العرب المسلمين وغير المسلمين.
وفي بلدية تاكنا Tacna يعيش الكثير من المسلمين الباكستانيين، وأغلبهم يعمل بالتجارة في المنطقة الحرة على الحدود مع تشيلي، ويوجد مسجد في هذه المنطقة، وقد اعتنقت الكثير من النساء البروانيات الإسلام بعد زواجهن.
ورغم قلة عدد المسلمين في بيرو، حيث يشكلون أقل نسبة لمجتمع إسلامي في الدول اللاتينية، فإنهم يمتلكون تأثيرًا كبيرًا على الصعيدين الاقتصادي والسياسي، لكن في الوقت نفسه يواجهون العديد من المشكلات، مثل أي مجتمع مسلم في البلدان الغربية، وذلك وفقاً لما ذكره الرئيس السابق للجمعية الإسلامية في "ليما" الأستاذ ضمين عوض، معربًا عن أسفه لأن المسلمين في البيرو يدفنون موتاهم في مقابر النصارى "لعدم وجود مقابر إسلامية يُدفن فيها موتى المسلمين وفقًا لمبادئ الشريعة الإسلامية".


-    المساجد في بيرو:

  تُعد العاصمة "ليما" أكثر من الأماكن التي ينتشر فيها الإسلام في بيرو، تليها مدينة تاكنا، التي وصل إليها المسلمون عبر الحدود مع تشيلي، ثم كوسكو وبيورا. و أُنشئت الجمعية الإسلامية في ليما عام 1988، وتقوم بدور دعوي كبير هناك، حيث تتولى مسئولية حماية المسلمين، والدعوة إلى الإسلام، ومحاولة اجتذاب مسلمين جُدد من مواطني بيرو.
أما عن أهم المساجد الموجودة في بيرو، فنذكر منها:
1-الجمعية الإسلامية في البيرو: تعتبر من الأماكن التي جذبت الكثيرين للإسلام، تقع في شارع تاكنا 556، بحي مجدالينا، في العاصمة ليما، وهي عبارة عن مسجد يقوم بالإشراف عليه شيخ مصري تلقى دراساته الدينية  في جامعة الأزهر. وتقوم الجمعية بجانب العمل الدعوي وإقامة الشعائر ببعض الأنشطة مثل تعليم اللغة العربية للمسلمين وغير المسلمين، وعقد محاضرات وندوات تعريفية بالإسلام، إلى جانب استقبال الطلبة من المدارس والجامعات وتعريفهم بالإسلام، بالإضافة إلى دورات شرعية لأبناء الجالية الإسلامي. وحاليًا تم إنشاء مصليين في العاصمة "ليما" بجانب المركز الرئيسي، وهما مصلى "سان بورخا" ويترأسه الشيخ المغربي محمد قبي ومصلى "إسلام بيرو".

Image

Image

2-    مسجد باب الإسلام: يقع في مدينة "تاكنا" وهو أكبر بناء إسلامي في بيرو، ويقع عند المدخل الجنوبي للمدينة، على مسافة قريبة من وسط المدينة.
وقد شيّده مواطنون مسلمون في عام 2000، معظمهم من باكستان، ويعتبر أحد المباني القليلة التي تعكس فن العمارة الإسلامية، وملحق بالمسجد مصلى للسيدات في الطابق الثاني، ومدرسة لتعليم الإسلام واللغات، معتمدة من جامعة كامبريدج.
وهي مدرسة متعددة الثقافات ويدرس بها 340 طالبًا من المرحلة الابتدائية حتى الثانوية، وعند الانتهاء من المدرسة الثانوية يحصل الطلاب على شهادات معتمدة من جامعة كامبريدج، إضافة إلى دراسة ثلاث أو أربع لغات، ولهذا يأتي الطلاب من مدارس أخرى من "تاكنا" للدراسة في هذه المدرسة، حسبما ذكر "حسام إقبال" مدير المدرسة.

Image


ودائما تؤكد الجالية المسلمة في بيرو -وعلى رأسها رئيس الجمعية الإسلامية- أن المجتمع الإسلامي ينكر وبشدة الأعمال الإجرامية التي يرتكبها المتطرفون باسم الإسلام وهم أعداء للدين، ويؤكدون أن الإسلام دين تسامح وسلام وتراحم حتى في أوقات الحروب، والدليل على ذلك قوله تعالى "مَن قَتَلَ نَفْسًا بِغَيْرِ نَفْسٍ أَوْ فَسَادٍ فِي الْأَرْضِ فَكَأَنَّمَا قَتَلَ النَّاسَ جَمِيعًا وَمَنْ أَحْيَاهَا فَكَأَنَّمَا أَحْيَا النَّاسَ جَمِيعًا" (المائدة‏:32‏).
وتجدر الإشارة إلى أن المجتمعات الإسلامية الكبرى في أمريكا اللاتينية تتركز في الأرجنتين والبرازيل، مما يسمح للمسلمين فيها بالتكامل والتعايش بشكل جيد داخل هذه المجتمعات، مثل بناء المدارس والمساجد، بينما في بيرو يمثل المسلمون نسبة قليلة، حيث يصل عددهم إلى ما يقرب من ألفي  مسلم، وهو ما يحول دون تنمية المنظمات الإسلامية داخل المجتمع  البيرواني.
وو وضعت منظمة الوحدة الإسلامية لأمريكا اللاتينية (Lamu)، ومقرها في فريسنو بولاية كاليفورنيا، الولايات المتحدة، اقتراحا لأول دار للأيتام المسلمين في بيرو، لكن هذا الاقتراح لم يتحقق بعد.

-    المرأة المسلمة في بيرو:

 تعاني المرأة المسملة في بيرو من بعض الصعوبات والمشاكل مثل: صعوبة الحصول على فرصة عمل ومشكلة ارتداء الحجاب خلال أوقات العمل والسماح للأطفال بارتداء الحجاب في المدارس، وهي مشكلات تواجه المسلمين في أمريكا اللاتينية بصورة عامة.
والغالبية العظمى من النساء اعتنقن الإسلام بعد بحثهن عن طريق الإنترنت أو قراءة بعض الكتب الإسلامية أو عن طريق سؤال أحد أئمة المساجد.
وبصفة عامة، فإن الكثير من البروانيين يجهلون تماما، ما هو الإسلام؟ فــهم يحكمون ويتكلمون دون أن يعرفوا ماهية الإسلام، ويجعلون من لباس المرأة المسلمة أحيانًا مدعاة للسخرية. وتروي بعض من النساء قصة إسلامهن:
فتقول "عائشة فرح" Aisha Farah إن أول معرفة لها بالإسلام كانت عن طريق أبيها عندما كانت في سن صغيرة - وهو لا يعرف الكثير عن هذا الدين- والذي أخبرها أن القرآن الكريم هو كلام الله الحق وآخر كُتبه، وهو ما لفت انتباهها، لكنها لم تستطع التحقق من ذلك- على حد قولها- ومر الوقت وعاشت حياتها الطبيعية.
 وكانت عائشة تتعلم الصلاة المسيحية، لكنها عندما تصبح وحيدة تفكر أنها فقط بحاجة إلى الله، وأضافت أنها اعتنقت الإسلام بسبب التعاليم الإسلامية السمحة التي أمر بها النبي محمد (عليه الصلاة والسلام)، إضافة إلى وجود تفسير وفهم لكل شيء.
ومع البحث توصلت إلى معلومات حول الإسلام ومن بعدها قررت الذهاب فقط للبحث عن هذا الدين، ومع استمرار قراءتها شعرت بالسعادة والارتياح خاصة بعد سماعها للقرآن الكريم، ومن ثم قررت اعتناق الإسلام وبدأت في البحث عن أقرانها من المسلمين في بيرو، وأضافت أنه منذ اعتناقها الإسلام تغيرت الكثير من أحوالها فتعلمت الصبر، وطاعة واحترام الوالدين.
وتقول "سوسي هاك" Sussy Haque إن أول معرفتها بالإسلام كان في عام 1977 عندما نشرت جريدة "الكوميرسيو" البروانية على صفحتها الأولى صورة لمسلمين يصلون، ومن بعدها قررت البحث عن الإسلام حتى اعتنقته وحينها تعرضت للعديد من الانتقادات، إلا إنها أكدت أن الإسلام أعطى الحقوق الكاملة للنساء عكس ما يُثار في العديد من وسائل الإعلام.
وتقول "هانيا هيلالي" Hania Hilali أنها عرفت الإسلام من خلال أحد المواقع على الإنترنت، ، ودائما كانت تعتقد أن الله واحد، وكان هذا كافيًا بالنسبة لها لقبول الإسلام واعتناقه، مضيفة أنها تعلمت من الإسلام عدم التدخل في شئون الغير، والصبر وعدم الغضب.
ويرى المرصد أنه حرصاً على صورة الإسلام في القارة اللاتينية، فإنه ينبغي على المسلمين هناك توحيد صوتهم وجمع كلمتهم إلى جانب ضرورة إنشاء مركز إسلامي كبير لنشر الفكر المعتدل فى بيرو، التي تعد أرضًا خصبة لنشر التعاليم الإسلامية السمحة، ومحاربة الفكر المتطرف الذي بدأ يتغلغل شيئا فشيئا في القارة اللاتينية وفقاً لبعض التقارير السابقة التي أصدرتها وحدة الرصد باللغة الإسبانية، بعد ملاحظة أن الغالبية يستمدون معلوماتهم الدينية عن طريق الإنترنت في المقام الأول.
 ويوصي المرصد بضرورة التواصل مع الجمعيات الإسلامية هناك، وترجمة المزيد من الكتب الإسلامية الصحيحة إلى الإسبانية، فضلًا عن إرسال قوافل السلام التي يكون لها دور فاعل في التعريف بالإسلام في إطار خطة قصيرة المدى، إضافة إلى إرسال المزيد من البعثات من الأزهريين المعتدلين، باعتبارها خطة موازية على المدى الطويل.

وحدة الرصد باللغة الإسبانية

 

طباعة