الإرهاب يعصف بـ"فرنسا" للمرة الثالثة خلال عام واحد!!

  • | الإثنين, 31 ديسمبر, 2018
الإرهاب يعصف بـ"فرنسا" للمرة الثالثة خلال عام واحد!!

     رُغم أنّ "فرنسا" تشن حربًا ضروسًا ضد التطرّف والإرهاب، إلا أنها قد تعرّضت خلال عام 2018م، والذي أوشك على الانصرام، لثلاث هجمات إرهابية دامية تبنّاهها تنظيم "داعش" وراح ضحيتها العديد من الفرنسيين الأبرياء، وهو ما يؤكد أنّ "فرنسا" كانت وما زالت "هدفًا" لــــ"داعش".

كما يُعَدًّ حادث إطلاق النار في حوالي الساعة الثامنة من ليل الثلاثاء 11 من ديسمبر 2018، وسط المدينة "الألزاسية" والذي استهدف سوق الميلاد في مدينة "ستراسبورغ"، على يد الإرهابي "شريف شيكات" البالغ من العمر 29 عامًا، والمُدرج ضمن القائمة "S"، والتي تضم الأشخاص الذين يشكلون خطرا على أمن فرنسا، والمُراقَب من قِبَلِ الإدارة العامة للأمن الداخلي (DGSI)، والمعروف لدى السلطات الفرنسية بجرائم القانون العام، هو الحادث الثالث خلال هذا العام، والهجوم رقم 80 في مسلسل الهجمات الإرهابية التي تضرب العاصمة الفرنسية، منذ وقوع حادث "تولوز" على يد "محمد مراح"، وهو الحادث الذي يَعُدُّهُ الخبراء نقطة الانطلاق لموجة الهجمات الإرهابية التي لم تتوقف حتى اليوم.

ويأتي هجوم "ستراسبورغ" في الوقت الذي تعيش فيه "فرنسا" حالة من القلق بسبب موجة الهجمات الإرهابية غير المسبوقة، والتي أراقت دماء العديد من الفرنسيين في أكبر عملية إرهابية شهدتها "فرنسا" عام 2015م، وكذلك في مذبحة "نيس" 14 يوليو 2016م.

وقبل هذا الحادث الأليم كانت "فرنسا" قد تعرّضت لهجومين إرهابيين خلال العام الحالي، أسفرا عن مقتل خمسة أشخاص، وكان آخر الضحايا إثْر هجوم بسكين من قِبَلِ "حمزة عظيموف" البالغ من العمر 20 عامًا، والمُدرج أيضًا على القائمة "S"، والذي قُتِلَ برصاص الشرطة في الحى السياحي لدار الأوبرا في "باريس" في 12 مايو 2018م. بينما وقع الهجوم الأول يوم 23 من مارس، في مدينتي "كاركاسون" و"تريب"، التابعتين لإقليم "الأود"، على يد المتطرّف "رضوان لكديم" البالغ من العمر 25 عامًا، والمُدرج هو الآخر ضمن القائمة "S"، والمُراقب من أجهزة الأمن منذ عام 2013، والذي كان قد قضى فترة قصيرة بأحد السجون عام 2016 في إحدى قضايا القانون العام.

وإذا ما نظرنا إلى منفِّذي الهجمات الإرهابية الأخيرة على الأراضي الفرنسية، نجد أنّ جميعهم من المُدرج أسماؤهم ضمن السِّجل "S"، ومن أصحاب "السوابق الإجرامية"، والتي لعبت السجون الفرنسية دورًا مهمًا في تطرفهم وإقدامهم على تنفيذ العمليات الإرهابية. فعقِبَ كل هجوم يخرج علينا مرتكبه مُدرجًا اسمه ضمن السِّجل "S"، فمن أصحاب ذلك السِّجل؟ ولماذا مصنفوه هم أصحاب الهجمات دون غيرهم؟ وهل هناك فائدة وراء تصنيف بعض الأشخاص ضمنه؟

انّ  السِّجل الذي يضم نحو 26.000 شخصًا، هو باختصار سجل وُضع عام 1969، يُسجِل به أجهزة الأمن المختلفة أسماء الأشخاص الذين يُشكلون خطرًا على الأمن القومي الفرنسي بدرجات متفاوتة، فمنهم مثيرو الشغب، وأفراد مجموعات من اليسار أو اليمين المتطرّف، والفارَّون من السجون، والأفراد الذين تربطهم علاقات أو أيّة صلات بشبكات متطرفة، أو مَن يُتابعون الإصدارات الدعائية المتطرفة المختلفة عبر الشبكة العنكبوتية.

وإدراج شخص ما في هذا السِّجل من قِبَلِ الأجهزة الأمنية لا يعني وجوب توقيفه، بقدر ما يعني مراقبة هذا الشخص بشكل مكثف تبعًا لدرجة خطورته؛ للحيلولة دون قيامه بأيّ عمل إرهابي. ويتم تحديث تلك القائمة باستمرار من خلال بلاغات الأجهزة الأمنية، أو عبر الخط الساخن – سجلات بلاغات الوقاية من التطرّف الإرهابي (FSPRT) – الذي خصصته وزارة الداخلية الفرنسية منذ أبريل 2014م.

لكن المعضلة هنا تكمن في أنه بعد إدراج اسم المشتبه به في هذا السِّجل يبقى ضمنه لمدة خمسة سنوات، لكن قد لا تَتِمُّ مراقبتُهُ بشكلٍ نشط خلال تلك المدة؛ لأنّ قوات حفظ النظام تقوم بالمراقبة عن قرب لقرابة 4000 مُسجَّلًا فقط، حيث إنّ الإمكانات اللازمة لمراقبة جميع المسجَّلين به ليست متاحة، فلكي يتم تحقيق أفضل مراقبة لأحد المشتبه به، يلزم 20 شرطيًا على الأقل لمراقبته كل يوم، وذلك لتحقيق الرقابة الكاملة على صعيد الرقابة المادية والهاتفية والإلكترونية والسمعية.

وبدورهم طالب الكثير من الساسة الفرنسيين على خلفية تلك الحوادث الإرهابية بحبس جميع المدرجين على السِّجل "S"، وكانت تلك المطالبات ليست حكرًا على اليمين المتطرّف فحسب، بل تخطت هذا الحيز حتى طالب أيضًا بها الجمهوريون.

كما طالب الرئيس الفرنسي السابق "نيكولا ساركوزي"، بتحديد إقامة المدرجين بهذا السِّجل، مع مراقبتهم بواسطة تقيديهم بأساور إلكترونية. إلا أنّ قدرة "داعش" على تجنيد المزيد والمزيد من المُدرجين بهذا السِّجل قد زاد مُعدله، لاسيما من الشباب أصحاب السوابق الإجرامية، إضافة إلى إمكانية كسر القيود لتصبح الرقابة الشُرطية لهم ربما غير مجدية.

وكانت السِّجل "S" محل جدل في الأوساط الإعلامية والسياسية الفرنسية، حيث يرى البعض أنّ فعاليته ليست كبيرة، مدللين على ذلك بالعدد الكبير من المتورطين في العمليات الإرهابية رُغم إدراج أسمائهم بها، بينما ترى الحكومة، التي تواصل بلا هوادة مكافحة الإرهاب والتطرّف وحماية القِيم الفرنسية، أنّ هذا السِّجل مهم جدًا لمراقبة تحركات المدرجين به، وأنه سمح لهم في أوقات سابقة بإفشال وإحباط عدة عمليات إرهابية على الأراضي الفرنسية.

ومن جهة أخرى، تُبرهن الأحداث الإرهابية التي وقعت على التراب الفرنسي على أنّ السجون قد لعبت دورًا مهمًا في إقدام بعض المسجلين بالسِّجل "S" من أصحاب السوابق الإجرامية على ارتكاب الأعمال الإرهابية؛ لصالح التنظيمات المتطرفة، حيث يزداد خطر تعدّي الفِكر المتطرّف إلى الفعل المتطرّف عندما يمرُّ الشخصُ المتطرّف بالسجن.

وهذا يضعنا أمام معضلة جديدة وهي التصدي لانتشار الفِكر المتطرّف داخل أروقة السجون، والتي باتت مسرحًا لتجنيد مقاتلين من أصحاب السوابق الإجرامية في صفوف الجماعات المتطرفة، و"حضانة ومفرخة" لنوع جديد من الإرهاب ناتج عن تزاوج الأفكار المتطرفة مع السجلات الإجرامية، بالرغم من وقوع تلك السجون تحت القبضة الأمنية للدولة.

كما نجد أنّ "فرنسا" من أكثر الدول الأوربية استهدافًا من قِبَلِ "داعش"، وهو ما يدل على أنّ الأيديولوجية المتطرفة تُحرز تقدمًا في القارة العجوز، وهو ما يُعَدُّ مؤشرًا لخطر حقيقي يكاد يعصف بــــ"أوروبا"، بالرغم من تراجع معدل الهجمات الإرهابية على مستوى العالم في الأعوام الثلاثة الأخيرة، بعد أن بلغت ذِرْوَتها (17000 هجومًا و45000 قتيلًا) مع ظهور "داعش" عام 2014.

وكان لتراجع هذا المؤشر في العمليات الإرهابية علاقة بخسارة تنظيم "داعش" معاقله في "سوريا والعراق"، إلا أنّ التهديد الإرهابي مستمر على الأراضي الفرنسية، وأنّ الهزائم العسكرية التي تكبَّدها تنظيم "داعش" لم تُقلل من ارتكابه لهجمات على "فرنسا". فالوضع الآن خطير تمامًا مثل الوضع أعوام 2014، 2015، 2016، 2017، وأنّ ما تغيّر بالمقارنة مع ذلك الوقت هو عامل التوقعات.

ويجب أن نضع نُصب أعيننا أنه ليس هناك علاقة سببية بين وضع "داعش" في معاقله الرئيسية في "العراق وسوريا" وتحريضه على ارتكاب هجمات إرهابية على الأراضي الأوروبية، فقدرتها على التعبئة مازالت تتنفس، ولكي نفهم مدى قدرتها على التعبئة، يجب أن نضع في مخيلتنا ما يؤمن به مقاتلو داعش أنفسهم في أنهم – من وجهة نظرهم – يواجهون العالم كله، بالإضافة إلى أنها تروّج "للجهاد"، حسب زعم التنظيم، على أنه "مسار حقيقي للخلاص من مشاكله وبلوغ المجد"، وهو ما يلعب دورًا مهمًا في قرار تفعيل الإرهابيين، حيث يؤمن المتعاطفون مع "داعش" بأنّ الموت من أجل التنظيم يغفر جميع الذنوب السابقة، فالتفعيل هو ما يعطى قوة لأيديولوجية التنظيم...

كما أنّ تنظيم "داعش" يتبنى تلك الهجمات ليُظْهِر للعالم، أنه لا يزال موجودًا، كما أنه لا توجد قواعد محددة يعتمد عليها التنظيم في تبني هجماته، فهو يُفضل تخفيف العقوبة على منفِّذ الهجوم بالابتعاد عن تبني الهجوم إذا ما زال هاربًا أو موقوفًا؛ أملًا في أن يصبح هذا المنفِّذ مخلصًا له خلال فترة سجنه أو فراره، وليتمكن من تفعيله مرات عديدة. كما هو الحال مع "صلاح عبدالسلام" الذي لم يتم ذكره قط من قِبَلِ "داعش". بالإضافة إلى أنه يُوصي أنصاره بعدم التواصل مع التنظيم قبل تنفيذ الهجمات؛ لأنّ هذا التواصل قد يساعد أجهزة الأمن على إحباط هجماتهم، فنجد أنّ التنظيم يحاول أن يتكيّف دائمًا مع القيود الأمنية للبلدان التي يستهدفها بهجماته..

طباعة
كلمات دالة: مرصد الأزهر