الأطفال في صفوف داعش – الجزء الثاني

  • | الإثنين, 31 ديسمبر, 2018
الأطفال في صفوف داعش – الجزء الثاني

في جزئها الثاني تجيب الدراسة  التي نشرها المرصد عن الأطفال في صفوف الجماعات الإرهابية عن التساؤلات التالية:

  • ما هي العمليات الإرهابية التي نفذها أطفال داعش؟والتي تؤكد على جرم هذا التنظيم في انتهاكه الصارخ لحرمة الطفولة بما يؤكد على أن كل من ينتسب لهذه ‏الجماعات الإجرامية قد نُزعت الرحمة والإنسانية من قلبه.
  • ما الأسباب التي ساعدت على تحويل هؤلاء الأطفال إلى وحوش مفترسة؟وفي هذا الإطار تشير الدراسة إلى أن التعليم يمثل الركيزة الأساسية التي استطاع بها داعش الوصول إلى هذه النتيجة المفجعة، فخصصتالدراسة جزءًا للمنظومة التعليمية لداعش؛ نلقي الضوء فيه على المناهج ‏ الكاملة التي طبقها التنظيم في مدارسه التي تتعدد أنواعها لدى داعش.
  • ما هي الإستراتيجيات التي تبنتها بعض الدول للتعامل مع العائدين من داعش؟نقلت الدراسة تجربة بعض البلدان في التعامل معهم وإعادة تأهيلهم وإدماجهم في المجتمعات، وذلك بعد سقوط تنظيم داعش، وخسارته لأغلب المناطق التي كان يسيطر عليها في العراق وسوريا، ‏ومع تزايد المخاوف من عودة هؤلاء الأطفال الذين تشرّبوا الفكر المنحرف، وتلقَّوا تدريبات عسكرية جعلتهم قادرين ‏على تنفيذ عمليات إجرامية‏.
  • ما هي أبرز ‏ملامح التطرف التي قد يلحظها أولياء الأمور على الأطفال الصغار، وكيفية حمايتهم من الوقوع في براثن هذه التنظيمات ‏الإرهابية والخطوات اللازمة لتجنيبهم التأثر بهذا الفكر المتطرف؟

العمليات الإرهابية التي نفذها أطفال داعش

لا يمكن أن نمحوَ من ذاكرتنا مقطع الفيديو الذي قام فيه أب سوري بتوجيه طفلتيه نحو الاستشهاد في سبيل الله - حسب زعمه -  ذلك المشهد الذي ينتهك حرمة الطفولة انتهاكًا صارخًا، ويغتال براءتها ويؤكد على أن كل من ينتسب لهذه الجماعات الإجرامية قد نُزعت الرحمة والإنسانية من قلبه.

إن هذه العناصر الإرهابية فقدت إنسانيتها ليس فقط تجاه غيرها، بل تجاه أقرب الناس إليها، فتحولوا إلى وحوش على استعداد للتضحية بفلذات أكبادها من أجل تحقيق انتصار زائف. إنهم حفنة من الإرهابيين يحاولون إقناع أنفسهم والآخرين بمشروعية ما يقومون به وما تقترفه أياديهم الآثمة، حيث يدَّعون زورًا أنهم يُطَبِّقون شرع الله وأنهم الأكثر حرصًا على الدين، لدرجة التضحية بأبنائهم من أجل الجهاد في سبيله.

لقد تعددت استخدامات الأطفال داخل تنظيم داعش: ما بين تنفيذ عمليات تفجيرية أو انتحارية أو إعدام أشخاص ممن أسرهم التنظيم أو تعذيبهم. وقد سلط تقريرٌ للأمم المتحدة الضوء على الاستخدام الممنهج من تنظيم داعش الإرهابي للأطفال دون سن الثامنةَ عشرةَ كجَلّادين، متحدّثًا عن المقاتل الذي يبلغ عمره ستةَ عشرَ عامًا، والذي نفّذ عملية قطع رأس جنديين كان التنظيم قد اختطفهما من قاعدة "طبقة" الجوية بمدينة "الرَّقَّة".

ولعل أبرز العمليات الإرهابية التي قام بها الأطفال داخل التنظيم إعدام عدد من جنود قوات الجيش السوري في ساحة مسرح مدينة "تدمر" الأثرية على يد مجموعة منهم ممن لا تتجاوز أعمارهم السادسةَ عشرَ عامًا.  كما نشر التنظيم مجموعة من الصور لطفل لم يتجاوز سن العاشرة مرتديًا الزي العسكري وهو يمسك رأس أحد ضباط الجيش السوري ليذبحه. كذلك نشر فيديو يظهر فيه عشرات الأطفال دون سن العاشرة وهم يتلقَّون التعاليم الداعشية ويتدربون على القتال، ثم يظهر أحد الدواعش وهو يردد: "لقد اخترنا أطفالًا فائزين، ستكون مكافأتهم قتل المرتدين". وبالفعل تم اختيار ستة أطفال منهم لقتل عناصر تابعة للنظام السوري ممن كانوا محتجزين لدى الدواعش. وأظهر شريط فيديو آخَر طفلًا لا يتجاوز عمره الثامنة وهو ينفّذ حكم الإعدام في رجلين اتهمهما التنظيم بأنهما جاسوسان لصالح روسيا.

أما بالنسبة للعمليات التفجيرية التي نُفّذت على أيدي هؤلاء الأطفال؛ فقد نَفّذت طفلتان نيجيريتان في السابعة والثامنة من عمرهما عملية انتحارية وذلك بتفجير أنفسهما داخل أحد أسواق مدينة "مايدوجوري"، بإقليم "بورنو"، الواقع شمالَ شرقِ نيجيريا؛ مما أسفر عن مقتل شخص وسقوط العديد من الجرحى حيث نزلت الطفلتان من إحدى العربات، ثم اتجهتا إلى أحد المباني التي تضم العديد من  المحلات التجارية ومن ثم قامَتا بتنفيذ هذه العملية الانتحارية. وكانت منظمة "اليونيسيف" في وقتٍ سابق قد أشارت إلى أنّ واحدة من كل خَمْسِ هجماتٍ انتحارية تتبنّاها الجماعة المسلحة في "نيجيريا" و"الكاميرون" و"تشاد"، يُنفّذها أطفال.

ولم تقتصر العمليات الإرهابية على أطفال التنظيم ممن يوجدون في المناطق الخاضعة لسيطرته فقط، بل حاول البعض منهم ممن يوجدون في أوروبا ويعتنقون الفكر الداعشي -إما تأثرًا بهذا الفكر الذي وصل إليهم عبر آلاته الإعلامية المختلفة، أو بسبب انتماء عائلاتهم لهذا التنظيم ولم يتمكنوا من الهرب إلى دولة الخلافة المزعومة لسبب أو لآخَر- تنفيذ عدد من الهجمات الإرهابية والانتحارية، مثل: المحاولة التي نفّذها أحد أطفال داعش، والذي يبلغ من العمر اثني عشرَ عامًا، لتفجير سوق لأعياد الميلاد في إحدى المدن الألمانية من خلال وضع قنبلة تحتوي على مواد متفجرة ومسامير، كان الطفل قد قام بتصنيعها سابقًا لكنها لم تنفجر. لقد تَشَبَّع هذا الطفل بالفكر الداعشي؛ بسبب تواصله مع التنظيم الإرهابي من خلال تطبيق الرسائل "تليجرام". وفي "بلجيكا" حاول طفل آخر لا يتجاوز عمره اثني عشرَ عامًا تفجيرَ نفسِه في إحدى الأسواق البلجيكية.

تجدر الإشارة إلى أن "بلجيكا" كانت قد أودعت عشرة أطفال في دور الرعاية؛ وذلك بعد تورطهم في الانتماء لجماعات إرهابية من خلال الشبكة العنكبوتية (الإنترنت)، ومحاولة استغلالهم لتنفيذ عمليات إرهابية بها. فقد ذكر موقع "bfmtv" أن هناك عشرة من القُصَّر قد خضعوا للتحقيقات على خلفية تورطهم في أنشطةٍ قتالية، وتخطيطِهم لهجماتٍ إرهابية خلال أعياد الميلاد. ونقَل الموقع عن مكتب المدعي العام البلجيكي؛ أن هؤلاء القُصَّر تمّ تجنيدُهم لتنفيذ أنشطة مختلفة للتنظيم. كما أشار مكتب المدعي العامّ إلى أن المتهمين الصغار قد تلقَّوا أوامرَهم عَبْرَ شبكات التواصل الاجتماعي وتم تزويدهم بمعلومات عن كيفية القتل وإعداد القنابل اليدوية بُدائية الصنع.

تجدر الإشارة إلى أن "بلجيكا" تُعَدّ واحدة من أكثر الدول الأوروبية إصابةً بهذه الظاهرة إلى جانب "فرنسا"، والتي تُقَدِّرُ أعداد مواطنيها القُصَّر الذين التحقوا بصفوف التنظيم في الأراضي السورية والعراقية بحوالي أربعمائةٍ وخمسين قاصرًا.

من جانبها تُقَدِّر الحكومة البلجيكية تَعدادَ الأطفال البلجيكيين الذين تَقِلّ أعمارهم عن اثني عشرَ عامًا ممن يقيمون في سوريا بحوالَي مائة طفل على أقل التقديرات، سواء ممن وُلدوا هناك أو رحلوا من بلجيكا في السنوات الأخيرة مع أحد البالغين إلى مناطق النفوذ الداعشي، وأنَّ أربعةَ عشرَ طفلًا قد عادوا إلى بلجيكا مرة أخرى، بينهم أحدَ عشرَ طفلاً دون سنّ السادسة.

معاناة الأطفال في المناطق محل الصراع

تسعى المنظمات والمؤسسات الدولية إلى حماية المدنيين في أوقات الحروب، عن طريق صياغة الاتفاقات والمعاهدات الدولية لتجنيب الأبرياء مخاطر الحروب وويلاتها؛ إلا أن تلك الجهود لم تحقق الهدف المنشود منها، وكثيرًا ما كان المدنيون الأبرياء أبرز ضحايا تلك الحروب، خاصة الأطفال ممن يتعرضون للخطر المزدوج: إما الموت أو التشرد من جانب أو الوقوع في براثن الجماعات الإرهابية والمتطرفة من جانب آخر، كما تستخدمهم تلك الجماعات وقودًا لتحقيق أغراضهم الدنيئة.

وتشير الأرقام المحددة إلى أن "داعش" هو التنظيم الأكثر استغلالًا للأطفال في حربه، حيث جنّد التنظيم أكثر من أربعة آلاف طفل في سوريا منذ 2014، وقد قُتل عدد هائل منهم في مُختلِف المعارك. كما استغل التنظيم الأطفال في تنفيذ العمليات الانتحارية بمناطق عدة في سوريا والعراق. وفي السياق ذاته، بث تنظيم داعش مقاطع فيديو تُظهر أطفالًا يُنفّذون عمليات إعدام في سوريا، وهي الصور التي يريد من خلالها التنظيم الإرهابي الإعلان عن إعداد وتنشئة جيل جديد لتنفيذ مهمة التنظيم في حال قُضي عليه عسكريًّا.

وبعد مرور نحو سبع سنوات على الحرب في سوريا، يبقى الأطفال هم الفئة الأكثر تضررًا، إذ يُعَدّ عام 2017 أسوأ عام مرّ عليهم بحسب التقرير السنوي لمنظمة الأمم المتحدة للطفولة (اليونيسف) حول الوضع الإنساني للأطفال في البلاد. وبحسب التقرير، فإن 13.1 مليون شخص، من بينهم 5.3 مليون طفل، بحاجة إلى المساعدة. كما تحدث التقرير عن نزوح نحو ستة ملايين شخص، منهم 2.8 مليون طفل وتعرض العديد منهم للتهجير لمرات عديدة، بالإضافة إلى لجوء أكثر من خمسة ملايين سوري، نصفهم من الأطفال، إلى الدول المجاورة منها: مصر ولبنان والأردن والعراق، ومن بينهم 10 آلاف طفل فرّوا دون عائلاتهم. واستعرض التقرير عدة محاور أخرى، منها:

Image

 

تجنيد الأطفال

وفقًا للتقرير، خلال عام 2017، لقي ما لا يَقِلّ عن 910 أطفالٍ مصرعهم وأُصيب 361 طفلًا آخَرون، مقارنة بسقوط 652 طفلًا على الأقل خلال 2016، وذلك بزيادة 20% عن 2015 على أقل تقدير. كما جنّدت الجماعات الإرهابية 961 قاصرًا على الأقل خلال عام  2017، في حين كان العدد 850 طفلًا في عام 2016 ، أي أكثر من ضعف عددهم في 2015، ومن هذه الأرقام يتضح أن عملية تجنيد الأطفال كانت في تصاعد مستمر داخل التنظيم.

 

 

Image

 

 

 

الحرمان من التعليم

في عام 2017 وُثّقت 67 حالة اعتداء على المدارس والمؤسسات التعليمية، فضلًا عن صعوبة وصول الطلاب إلى أكثر من 7400 مدرسة، بسبب تدميرها أو إتلافها أو استغلالها لأهداف أخرى. كما افتقر قطاع التعليم إلى حوالَي 180 ألف موظف،  بالإضافة إلى عدم التحاق حوالَي 1.7 مليون طفل بالمدارس.

Image

 

 

الإعاقة

تحدث التقرير عن تعرض 3.3 مليون طفل في سوريا للخطر بسبب توالي التفجيرات. جدير بالذكر أن الأطفال الذين أصيبوا بإعاقات جسدية جَرّاءَ الحرب، لا يتلقَّون غالبًا العلاج المناسب لحالاتهم والمقدَّر عددهم بحوالَي 1.5 مليون شخص.

شدة الفقر

يعيش 69 % من سكان سوريا في فقر شديد، حيث يبلغ دخل الفرد الواحد أقل من دولارين في اليوم، وتؤدّي حوالَي نصف المستشفيات والمرافق الصحية فقط في البلاد عملها بشكل كامل.

سوء التغذية

ذكر التقرير معاناة حوالي 40 % من إجمالي 200 ألف طفل- في منطقة الغوطة الشرقية المحاصرة - من سوء التغذية المزمن، كما لا يملك ثلث سكان سوريا المياه الصالحة للشرب.

الأمراض النفسية

ذكر التقرير أن العديد من الأطفال يعانون أمراضًا نفسية جراء العنف وفقدان ذويهم وأصدقائهم وتدمير منازلهم، وتشمل الأعراض النفسية التي يعاني منها الأطفال السوريين، رؤية الكوابيس والميل إلى العدوانية وفقدان القدرة على الكلام.

وفي هذا السياق، قال بيتر سلامة، المدير الإقليمي لليونيسيف لمنطقة الشرق الأوسط وشمال إفريقيا: "أصبح العنف في سوريا أمرًا مألوفًا، حيث طال العنف البيوت والمدارس والمستشفيات والعيادات، والحدائق والملاعب ودور العبادة، وهناك حوالي سبعة ملايين طفل يعيشون في فقر، مما يجعلهم يعانون الخسارة والحرمان في طفولتهم". وأضاف سلامة:أن الملايين من الأطفال السوريين يبدو عليهم كِبَر السن؛ بسبب سنوات الحرب، موضحًا أنه كلما استمر هذا الوضع،تزايدات عملية ترك الأطفال لمدارسهم، وإجبارهم على العمل، كما تزداد حالات الزواج المبكر للفتيات.  

وحسب أحد التقارير الإعلامية المبنية على شهادة إحدى الأمهات السوريات تروي "أليس عساف"، الأم السورية تفاصيل خاصة عن دموية هذا التنظيم، فتقول: "قبل نحو عامين كان داعش يقوم بقطع رءوس الأطفال أمام أعين آبائهم.. ولم يتوقف أتباعه عند هذا الحد، وإنما أرادوا أن يتفنّنوا في ابتكار وسائل تعذيب أخرى، تحمل بصمتهم الداعشية.. خلال إقامتي بسوريا، قام الدواعش باختطاف ستة رجال أقوياء يعملون بأحد المخابز وإحراقهم داخل الفرن وهم أحياء، بعدها قاموا بأسر نحو 250 طفلًا، أكبرهم يبلغ من العمر أربع سنوات، قاموا بعجنهم داخل العَجّان الخاصّ بأحد أفران الخبز.. ليس هذا فحسب، بل كانوا يقومون بنقل المئات من الفتيات إلى مدينة دوما السورية من أجل نحرهن".

تسترسل السيدة في كلامها فتقول: "كانت العناصر التابعة للتنظيم تستهدف في ذلك الوقت المسيحيين، فكانوا يقومون بقتل كل من يرفض تغيير اسمه إلى اسم إسلامي، وكان ابنها جورج من بين هؤلاء القتلى.. قُتل لأنه رفض تغيير اسمه.. فضَّل الموت، ورفض الإذعان إلى طلبي له بالاختباء".

صرّح أحد العناصر التابعة لداعش بأن التنظيم يجبر الأطفال على ذبح الأسرى حتى يألفوا طبيعة الحروب. وقد جاء ذلك على لسان بريطاني داعشي يُدعى وربد عمر حسين، يكنى بـــ"أبو سعيد البريطاني"، والذي كان يعمل حارسًا أمنيًّا لشركة "موريسونز". ففي حديثه مع صحيفة "The Daily Star"، قال "حسين": ربما يصاب كثير من الأطفال بالإغماء لمجرد رؤيتهم طريقة ذبح قطة، لذلك فإن قتل الأطفال للأسرى يُعَدّ طريقة لتربيتهم على عدم الخوف من الحروب.

ونشرت وكالة أنباء "سبوتنيك" الروسية أعدادًا رسمية بعدد أطفال عناصر تنظيم "داعش" الإرهابي، الذين أَجْلَتْهم القوات ‏الأمنية وأنقذتهم من الموت أثناء عمليات تحرير محافظات: الأنبار، وصلاح الدين، وأجزاء من كركوك، ونينوى، شمالي ‏وغربي البلاد، على مدى الأعوام الثلاثة الماضية.‏

وتُبَيِّن الأعداد التي كشَف تفاصيلَها عضوُ المفوضية العُليا لحقوق الإنسان في العراق، "علي البياتي"، في تصريح خاص ‏لمراسلة "سبوتنيك" في بغداد، أن عدد أطفال تنظيم "داعش"، الأجانب، الموجودين في ‏مراكز إيواء خُصِّصت لهم من قِبَل وزارة العمل والشئون الاجتماعية، بلغ حتى الآنَ 1127 طفلًا -ذكورًا وإناثًا-‏.

ذكر "البياتي"، الفئات العمرية للأطفال وهي: عدد أطفال "داعش"، في مراكز وزارة العمل، بعمر أقل من ‏‏3 سنوات، بلغ 514 طفلًا، والفئة العمرية ما بين 3-9 سنوات، ضمّت 460 طفلًا.‏ وتضمنت الفئتان العمريتان، عدد إناث بلغ 296 و 208 أنثى، وعدد ذكور بلغ  218 و 252 ذكرًا.‏

وأكمل "البياتي": أن عدد أطفال تنظيم "داعش"، المصنَّفين في خانة "الأحداث" من عمر التاسعة وحتى سن الرُّشد 18 سنة، ‏يبلغ 153 حدثًا أغلبهم فتيات وعددهن 94 أنثى، والباقي 59 ذكرًا.‏

‏ وهؤلاء الأطفال، من جنسيات أجنبية مختلفة، ذكرها "البياتي"، وهي: "تركية، أذربيجانية، روسية، طاجكستانية، ‏قيرغستانية، وأوزبكستانية، ومغربية، وأوكرانية، وإيرانية، وجزائرية، وألمانية، وفرنسية، ومن أمريكا الجنوبية".‏

Image

 

استراتيجية بعض الدول من الأطفال العائدين

يبقى السؤال الأهم: "ماهو مصير أطفال داعش بعد الخسارة التي تلقّاها هذا التنظيم الإرهابي فى سوريا والعراق، وبعد أن تشتّت جنده سواء بالقتل أو الهرب؟

هناك تفاوت في ردود فعل عدد من الدول تجاه العائدين من داعش، وفي هذا الصدد أشار مسئول إنجليزي إلى أن نساء داعش اللاتي تركن المملكة المتحدة من أجل الانضمام لصفوف هذا التنظيم عليهن تحمل مسئولية قرارهن، ولا يحق لهن العودة، بخلاف الأطفال الذين يستحقون العطف.

من جانبها أشارت وزيرة الدفاع الفرنسي "فلورانس بارلي" بأنها ستقبل بعودة الأطفال ولكن لن تقبل بعودة أمهاتهم. وأضافت أن "الأطفال الموجودين تحت سلطة الحكومة المحلية يمكنهم أن يظلوا هناك كما هم، ويمكن أن يذهبوا إلي فرنسا من قِبَل المؤسسات الاجتماعية، وهذا وفقًا لقرار أسرهم".

وفي العراق اعتبر أحد المسئولين العراقيين أطفال داعش ضحايا، وأشار إلى أن "المعنيين بالأمر في الموصل يرغبون في إيجاد حل لمئات الأطفال المشَتَّتين في مخيمات المنطقة، وأن هناك ثلاثةَ عشرَ طفلًا من أبناء داعش قد أُرسلوا إلىإحدى دُور الأيتام، بينما أُرسل البعض الآخَر إلى المدارس دون أن يكون معهم المستندات اللازمة لذلك.وأنه قد تمّ فصل الأطفال المحليين عن الأطفال الأجانب ولكنهم لا يعلمون ماذا سيفعلون؟فليس هناك خطة إستراتيجية بشأنهم". وأضاف: أن "أحد قادة الشيشان قد قام بمساعدة أربع فتيات شيشانيات، وقام وفد روسي باصطحاب فتاة روسية، غير أن بقية الأطفال وضعهم أسوأ بكثير، فمن سيأخذهم؟".

ويرى "المرصد" أن عودة أطفال داعش إلى أوطانهم مرة أخرى تُمَثِّل إشكالية ذاتَ شقّين، أولًا:لأنهم أطفال بريئون من العنف ولكن البيئة المحيطة هي التي دفعتهم ليصبحوا نَواةً للتطرف. ثانيًا: أنهم يُمَثِّلون خطورة على مجتمعاتهم الأصلية حال عدم تعامل الحكومات معهم بالصورة المطلوبة لإعادة تأهيلهم وإدماجهم مجتمعيًّا.

وفيما يلي نستعرض إستراتجيات بعض الدول في التعامل مع الأطفال العائدين من داعش وسبل تأهيلهم:

  •  استراتيجية الحكومة الفرنسية في التعامل مع أطفال العائدين من داعش:

يقول الوزير الفرنسي ‏السابق "فاليري بيكريس" في تصريح له إن "هؤلاء المتطرفين قد ‏‏حدثت لهم انحرافات فكرية، وأنه ‏حال عودتهم لا يمكن التعامل ‏معهم كأي شخص يمارس أي نوع آخر من الإجرام؛ لأنه حال ‏‏وضعهم في السجن يمكن أن يستقطبوا أفرادًا آخرين من ‏المسجونين".‏

كما أعلن رئيس الوزراء ‏الفرنسي، "برنار ‏كازنوف" أن أوضاع هؤلاء الأطفال متباينة، فهم ما ‏بين قُصَّر انتهجوا ‏التطرف وغادروا بمحض إرادتهم أو أبناء ‏مقاتلين غادروا ‏بصحبة ذويهم، ويقاتلون في صفوف ‏داعش ‏باعتبارهم "أشبال الخلافة" أو أطفال وُلدوا في  مناطق النزاع. ‏

وأوضحت رئاسة الوزراء أن نيابة قضائية مؤهلة ستقوم ‏بتقويم كل حالة على حِدَة، وسيكون ‏بإمكانها تقرير احتمالية ‏الملاحقة القضائية. وستلجأ أيضًا ‏إلى قاضي الأحداث من أجل ‏توفير كافة ‏إجراءات الحماية اللازمة"، وذلك بهدف حماية هؤلاء ‏الأطفال ومساعدتهم على الاندماج مجددًا ‏في ‏الحياة المدنية، ‏والتخلص من براثن الفكر المتطرف. ويؤكد المصدر ذاته ودون ‏الإفصاح عن ‏التفاصيل أن "الأطفال  العائدين من داعش ‏‏سيخضعون لمتابعة طبية نفسية مناسبة إذا استدعى ‏الأمر ذلك. ‏وسيتم تأهيل المختصين وتوعيتهم بمتابعة هؤلاء القُصَّر بهذه ‏الإشكالية ذات ‏الطابع ‏الخاص". وتخشى أجهزة مكافحة الإرهاب ‏أن يصبح هؤلاء الأطفال - المتورطون في القتال سواء ‏‏باختيارهم أو  بإجبار من آبائهم - بمثابة ‏‏"قنابل موقوتة" ‏يستخدمها تنظيم داعش عند الحاجة؛ لذا ‏تسعى فرنسا سعيًا ‏حثيثًا إلى التعاطي مع هذه الكارثة بحذر وحيطة بالغيْن.‏

• استراتيجية الحكومة البلجيكية في التعامل مع أطفال ‏العائدين من داعش:‏

تشعر ‏السلطات البلجيكية بحالة ‏من القلق الشديد بسبب ‏مصير نحو 80 طفلًا من أبناء المقاتلين ‏في سوريا، أقاموا لفترة في الأراضي التي ‏يسيطر ‏عليها تنظيم ‏داعش. ويأتي تخوُّف بلجيكا من توقُّعها قيام هؤلاء ‏الأطفال ‏بتدمير ما يمكن تدميره في بلادهم فور عودتهم؛ لذا ‏تعتزم تجهيز أماكن ‏مناسبة ومخصصة لهؤلاء الأطفال حال عودتهم من مناطق الصراع.‏

من جانبه ذكر المتحدث باسم وزير الداخلية "جان جامبو"، أن ‏السلطات البلجيكية قد تلقت إشارة برغبة ما يقرب من ‏عشرين  مقاتلًا في ‏سوريا، معظمهم من ‏النساء في العودة إلى بلجيكا، بصحبة أطفالهن الذين وُلد بعضهم في سوريا أو  اصطحبهم ذووهم إلى المناطق التي كان التنظيم يسيطر عليها. وأشار إلى أن ‏أجهزة الأمن البلجيكية سوف تفحص هذه الملفات عن كَثَبٍ. ‏ووفقًا للهيئة ‏التنسيقية لتحليل التهديد ‏"l'OCA"‎، ‏يوجد 35 ‏طفلًا قد أقاموا في  معاقل داعش بصحبة آباؤهم، ثم ارتفع عددهم بعد ذلك ليصل إلى 80 طفلًا.‏

كما أشار المتحدث باسم وزير الداخلية "جان ‏جامبو" إلى أن جميع ‏المقاتلين ‏البلجيكيين في صفوف تنظيم داعش ‏تم تصنيفهم جنائيًّا على المستوى الدولي، وفي حال ‏عودتهم ‏سيكون مصيرهم السجن، وأن محكمة ‏الأحداث ستنظر في أمر هؤلاء ‏الأطفال حسبما يقتضيه الأمر، وسيقوم المجتمع الفلمنكي ‏و"اتحاد والونيا‏ - ‏بروكسل" بتقديم الدعم الكامل لهؤلاء الأطفال، ‏خاصة من الناحية النفسية. وكذلك ستقوم الشرطة ‏المحلية ‏وقوات الأمن بتقديم المساعدات لهم.‏

• ‏استراتيجية الحكومة الكندية في التعامل مع  الأطفال ‏العائدين من داعش:‏

حسب القانون الكندي فإن كل مَن يُسهِم في ‏أنشطة جماعة إرهابية مجرمٌ. ولهذا ‏سيواجَه هؤلاء الكنديون ‏عند عودتهم بتهمة المشاركة ‏في أنشطة إرهابية. لكن تحتل عودة ‏هؤلاء ‏الأطفال إلى كندا أولوية لدى جهاز الاستخبارات الكندي؛ ‏ولهذا يطرح "ميشيل تيسير"، مساعد ‏مدير ‏المخابرات الكندية في ‏مقابلة مع الإعلام الكندي تساؤلًا وهو: "هل سيعود هؤلاء لتنفيذ ‏‏اعتداءاتٍ على الأراضي الكندية؟ أم أنهم قد عزموا ‏على ترك الإرهاب؟ مضيفًا: أن  التحقيق لا يزال ‏مستمرًّا في هذا الشأن، ‏لأن أمن كندا يُشَكِّل أولوية قُصوى، ولأنها كانت هدفًا لــ داعش، ‏وأضاف: "نحن جميعًا على علمٍ بذلك. لقد عاد ما يقرب من 60 كنديًّا، بعضهم لا يزال قيد التحقيق، لكن لم  تُوَجَّه ‏لهم أي تهمة حتى الآن".‏

ومن جهة أخرى،أشار "جيمس ماليزيا"، مساعد مفوّض ‏الشرطة الكندية أنه "من الصعب للغاية ‏جمع الأدلة اللازمة لتغطية ‏جميع الأنشطة ‏الإرهابية التي قاموا بها في سوريا أو العراق"؛ ‏لأنهم لم ‏يظهروا في أشرطة الفيديو الدعائية.

ومن جانبه يشير "‏المرصد" إلى أن الإسلامَ قد أَوْلى تربية ‏الأطفال ‏أهمية بالغة، ‏وحرَص على تنشئتهم تنشئة نفسية وصحية وفكرية قويمة، ‏تجعلهم بمنأى عن الزلل ‏والوقوع في براثن التطرف وشَرَك ‏الإرهاب ‏وفخاخ العنف حتى لا يصبحوا بين عشيّةٍ وضُحاها ‏أداة ‏تُستخدم في تقويض كِيانات الأمم والشعوب. ويؤكد "المرصد" ‏على أنه بعودة هؤلاء، سيبقى الغرب بين أملٍ  في أوبة أبنائه ‏وخوفٍ من أن يصبحوا "قنابل موقوتة".‏

ويرى "مرصد الأزهر"؛ أن تَعامُل كلِّ دولةٍ مع المقاتلين ‏العائدين ‏إليها سيُحدِّد إلى أيّ مدى ‏يمكن ‏أنْ يُشَكِّلَ هؤلاء ‏العائدون خطرًا ‏على الدولة، أو عاملًا إضافيًّا يُسهِم في تعزيز ‏فهم الدولة ‏المعنية ‏‏لفكر هذه الجماعات وكيفية محاربته. ومن ثَمّ ‏فمن المؤكد أنه كلّما ‏امتلكت الدولة برامجَ ‏متقدِّمةً ‏لتأهيل هؤلاء ‏العائدين وتيسير إعادة ‏دمجهم في مجتمعاتهم؛ عَظُمت الاستفادة ‏منهم، وقَلّ ‏ما ‏يُمثِّلونه ‏من خطورة. ‏

وأخشى ما تخشاه أوروبا في الوقت الراهن هو عودة ‏جماعية لنحو 5000 مقاتل أوروبي يحاربون في صفوف تنظيم ‏داعش‎‎الإرهابي، خاصة بعد التدخل العسكري لروسيا في سوريا، ‏علمًا بأن معظم العائدين حتى الآنَ هم الذين خاب أملهم في ‏داعش، أما الإرهابيون الأشدّ تطرفًا فلم يَصِلوا بعدُ؛ لذا بدأت ‏بعض الأصوات تعلو في الدول الأوروبية مطالبةً بضرورة ‏التعاطي مع قضية العائدين من منظور جديد، بحيث يُنظَر ‏إليهم على أنهم ليسوا سوى قُصّر ومراهقين غُرِّر بهم عن طريق ‏وسائل التواصل الاجتماعي، وأن بعضهم ذهب إلى سوريا ‏والعراق بنية تقديم المساعدات الإنسانية، لكنهم أُجبروا على ‏حمل السلاح وتم استغلالهم لتحقيق أغراض دنيئة، مما تسبّب ‏في تدميرهم جسديًّا ونفسيًّا؛ لهذا بدأت بعض الدول تجهيز مراكز ‏للتأهيل النفسي للعائدين؛حتى يتمكنوا من الاندماج مرة ‏أخرى في المجتمع. ‏جدير بالذكر أن البعض ما زال يرى أن اهتمام الدول ‏والجهات المعنية بالمتطرفين ما هو إلا ضرب من ‏السذاجة ومضيعة للوقت.

 

اكتشاف ميول التطرف لدى الأطفال وسبل الوقاية منه

تستهدف التنظيمات المتطرفة أكثر ما تستهدف فئة الشباب والأطفال،فَهُم طاقة متدفقة يستهويهم حلم المال والسلطة وتجاوز الحدود المألوفة للخروج من روتين الأسرة والمجتمع، وخوض غمار كل جديد للبحث عن الإثارة والمتعة، لاسيما على صفحات الإنترنت التي لا تكلف الكثير وتتسم بالتفاعل الاجتماعي المحفز للاستمرار. ومن الطبيعي أن يطرح الشباب والأطفال استفسارات تتعلق بالهُوِيَّة والدين والانتماء؛ وحين لا يجدون الإجابات الشافية التي تُشبِع شغفهم في الفهم، تجدهم فريسة سهلةً في أيدي المتطرفينالذين يفسرون أمور الدين والحياة تفسيرات شاذة لا أصل لها في مبادئ الإسلام على مختلف مستوياته التشريعية. والسؤال الذي يطرح نفسه الآن: ما هي ملامح التطرف التي قد يلحظها الأب أو وليّ الأمر على أطفاله الصغار؟ وكيف يحميهم من الوقوع في براثن التنظيمات الإرهابية؟

ملامح التطرف:

  • أن يصبح الطفل سياسيًّا أو دينيًّا بشكل لافت.
  • التغيُّر في الزي أو المظهر.
  • النظر بازدراء لكل من لم يؤيد أفكاره الجديدة، فيصبح الطفل متعصبًا تجاه المختلفين معه في الدين أو العِرْق أو غير ذلك.
  • قضاء فترات طويلة على مواقع الإنترنت المختلفة.
  • العزلة عن المجتمع.
  • تصفح المواقع المتطرفة.
  • التشاجر كثيرًا مع العائلة أو الأصدقاء بسبب نزعة العنف والتطرف التي تمكنت منهم.

 

الخطوات اللازمة لتجنيب الأطفال الوقوع في براثن التطرف  (سبل الوقاية)

  • عدم ممارسة العنصرية داخل الأسرة: فالأسرة هي عالم الطفل الأول، فمنها يكتسب الخبرات ويتعلم بالمحاكاة ويتخذ من الوالدين قدوة له.
  • قضاء وقت كبير مع الأطفال.
  • زيادة الاهتمام بهم في مرحلة النشأة ومراقبة أفعالهم المختلفة وتحليلها.
  • خلق بيئة مفتوحة لهم، بحيث يمكنهم مناقشة أي فكرة لديهم دون خوف من العقاب أو المساءلة.
  • توعيتهم بخطر المتطرفين الذين ينشرون أفكارهم عبر صفحات مواقع التواصل الاجتماعي وغيرها؛ بما يُعَزِّز تَشَكُّل وعيهم في وقت مبكر بما يقيهم التطرف.
  • غرس قيمة الاعتزاز بالنفس واحترام الآخرين من مختلف الأديان والأعراق والأجناس والثقافات المتعددة في أنفسهم منذ الصغر.
  • غرس قيم التسامح وحب الوطن والانتماء، والتركيز على المعاملات اليومية فالدين المعاملة.
  • تدشين حملات حول مفاهيم بعينها في المراكز التوعوية الثقافية ومراكز الشباب وقصور الثقافة، بهدف الوجود بين الشباب والأطفال، لتصحيح المفاهيم والرد على كل ما يثار من جانبهم. وقد يشمل ذلك تنظيم حملات إعلامية مُصَوَّرة عن الإرهاب والفكر المتطرف لتجيبَ عن معظم تساؤلاتهم الملحّة مثل: "من هو الإرهابي ولماذا يريد أن يؤذيَني؟". ويُعتبر هذا الجزء تفاعليًّا بدرجة كبيرة، فهو يعطي الأطفال فرصة التعبير عن مشاعرهم ويُقَدِّم لهم نصائح لتحصين أنفسهم من الإرهابيين وأفكارهم المسمومة.
  • الدفع بالأطفال للمشاركة في الأعمال التطوعية والخيرية، لغرس رُوح التعاون والمحبة داخل الطفل في سن مبكر. فمساعدة الآخر طريقة حضارية لحل الأزمات المحلية والعالمية.
  • عمل المؤسسات التعليمية على وضع منهج تربويّ وتعليميّ شامل يَهدِفُ إلى احترام آدمية الإنسان، وتَقَبُّل الاختلاف في الرأي والتسامح وإعلاء قيمة الحوار، كلّ هذه القيَم من الأهمية بمكانٍ، في مجال محاربة الفكر الهدّام.
  • تقديم النصوص الدينية التي تعبّر عن التسامح واحترام دين الآخَر، فلابد أن ننتقيَ ما ينشر المحبة والسلام وليس ما يجلب الخراب.
  • تفعيل عمل دُور العبادة في التوعية ومواجهة دعاة الفتنة، فالمؤسسات الدينية هي خط الحماية الأول، ويجب أن نُعَوِّدَ الأطفالَ منذ الصغر على التردد على دُور العبادة وحمايتهم من الاستقطاب.

الخاتمة

  • إن فترة الطفولة من أمتع الفترات التي يقضيها الأطفال في المرح واللهو دون أيّ مسئوليات، وهي الفترة التي ينبغي أن ‏يستغلها الآباء والأمهات والمُـرَبّون؛ لكي يغرسوا فيهم قيَم الحب والخير والجمال والتعاون والسلام، ولقد كان الرسول ‏الأكرم (صلى الله عليه وسلم) حريصًا على أن يتمتع الأطفال بهذه الفترة المبكرة؛ لكي ينشئوا نشأةً صالحة وصحية، فكان عليه الصلاة ‏والسلام يلاطفهم ويصبر عليهم ويرفق بهم ويحنو عليهم، بل إنه كان يلعب معهم في بعض الأحيان؛ وذات مرة جاءه صبيّان ‏صغيران لكي ينضمّا للقتال الذي كان مفروضًا على المسلمين للدفاع عن أنفسهم ودولتهم الناشئة، فردّهم صلى الله عليه وسلم لحداثة ‏سنهم. وهذه التنظيمات المتطرفة التي تدّعي زورًا وبهتانًا أنها تقيم الشريعة وتُطبّق تعاليم الإسلام ‏تستنزف هذه الطفولة البريئة، وتنشئ جيلًا جديدًا من الأطفال المنفصلين عن واقعهم البريء، وتُجبرهم على القيام بأدوار لا تناسب طبيعتهم العمرية أو الجسدية أو العقلية
  • وعلاوة على جناية هذه التنظيمات الإرهابية على الأطفال المنضمين إلى صفوفها من خلال استخدامهم كجلّادين ومُنَفِّذين لعمليات الإعدام، فإن جنايتها كذلك على الأطفال غير المنضمين إليها، فقد تعمدوا التعذيب والتشويه والقتل للأطفال والرُضّع ـــــ كما نقلنا في الدراسة ــــــ بما يدل على موت ضمائرهم وقلوبهم التي صارت كالحجارة ‏أو أشد قسوة‏
  • ‎‎ وبعد سقوط تنظيم داعش، وفقدانه السيطرةَ على جميع المناطق التي كان يسيطر عليها في العراق وسوريا تقريبًا، ‏تتزايد المخاوف من عودة هؤلاء الأطفال الذين تَشَرّبوا هذا الفكر المنحرف، وتَلَقَّوْا تدريباتٍ عسكريّةً شاقّة جعلتهم قادرين ‏على القيام بعملياتٍ إجرامية قد تُسقِط العديد من الضحايا الأبرياء؛ ولذلك حذّرت العديد من جهات مكافحة الإرهاب في العديد من الدول من عودة هؤلاء الأطفال الذين تمّ تدريبهم إلى أراضيها؛ مَخافةَ ارتكابهم أعمالًا ‏وحشيّة بل إن لجنة الأمن والاستخبارات البريطانية، قد ذكرت في بيانٍ لها أصدرته في سياقِ تقريرها السنوي: أن تنشئة هؤلاء الأطفال في بيئةٍ مثلِ تلك إنما يُمثِّل ‏تحديًا قويًّا للحكومات والهيئات في بريطانيا، وذلك حسب موقع "إيسترن آي" الإلكتروني.

والحق أن هؤلاء الأطفال يُمثّلون ‏تهديدًا حقيقيًّا وخطيرًا؛ لأنهم عاشوا في تلك البيئة المُلَوَّثة أيدلوجيًّا، وتَشَرَّبوا أفكارًا متطرفة تَستلزِم بذْلَ المزيد من ‏الجهود لإعادتهم مرّةً أخرى.

  • ونتركك الآن أيها القارئ الكريم مع جملة من المواقف النبوية الشريفة التي تكشف لك عن مدى زيغ هؤلاء عن منهج رسول الله -صلى الله عليه وسلم- القويم وصراطه المستقيم، وتُميط اللثام عن هؤلاء اللئام الذين يتسترون برداء الدين والدين منهم بَراء. فهذا سيدنا أنس بن مالك يصف تعامل رسول الله صلى الله عليه وسلم مع الأطفال: "ما رأيت أحدًا كان أرحم بالعيال من رسول الله ﷺ: "[ مسلم[. وذات يوم رؤي النبي ﷺ يُقَبِّل ابنَ بنته الحسنَ بن علي، وعنده الأقرع بن حابس التميمي جالسًا، فقال الأقرع: إن لي عشرةً من الولد ما قبَّلتُ منهم أحدًا، فنظر إليه رسول الله ﷺ ثم قال: «من لا يَرحَم، لا يُرحَم» [متفق عليه[. وعن عبد الله بن شدّاد، عن أبيه قال: خرج علينا رسول الله صلى الله عليه وسلم في إحدى صلاتي العَشيّ؛ الظهر أو العصر، وهو حاملٌ الحسنَ أوالحسين، فتقدّم النبي صلى الله عليه وسلم فوضعه، ثم كبَّر للصلاة، فصلى فسجد بين ظَهْرَي صلاته سجدةً أطالها، قال: إني رفعتُ رأسي، فإذا الصبي على ظهر رسول الله صلى الله عليه وسلم وهو ساجد، فرجعتُ في سجودي، فلما قضى رسول الله صلى الله عليه وسلم الصلاة، قال الناس: يا رسول الله، إنك سجدتَ بين ظهري الصلاة سجدة أطلتها، حتى ظننا أنه قد حدث أمرٌ، أو أنه يُوحى إليك، قال: «كل ذلك لم يكن، ولكن ابني ارتحلني -ركب على ظهري-، فكرهتُ أن أُعجله حتى يقضيَ حاجته» ]رواه النَّسائيّ[. وعن أنس بن مالك قال: كان النبي صلى الله عليه وسلم يدخل على أم سليم، ولها ابن من أبي طلحة يُكَنَّى أبا عُمير، وكان يمازحه، فدخل عليه فرآه حزينًا، فقال: "ما لي أرى أبا عُمير حزينًا؟!" فقالوا: مات نُغَرُه الذي كان يلعب به، قال: فجعل يقول: "أبَا عُمَيْر، مَا فَعَلَ النُّغَيْر؟" ]البُخاريّ[. يَروي أنس بن مالك أيضًا أن رسول الله -صلى الله عليه وسلم- قال: "إِنِّي لأَدْخُلُ فِي الصَّلاةِ وَأَنَا أُرِيدُ إِطَالَتَهَا فَأَسْمَعُ بُكَاءَ الصَّبِيِّ، فَأَتَجَوَّزُ فِي صَلاتِي مِمَّا أَعْلَمُ مِنْ شِدَّةِ وَجْدِ أُمِّهِ مِنْ بُكَائِهِ" ]البُخاريّ[.

والله وليّ التوفيق

وصلّى الله وسلّم وبارَكَ على سيدنا ومولانا رسول الله محمد وعلى آله وصحبه

 

طباعة
كلمات دالة: مرصد الأزهر