مقاتلو داعش الأجانب و تحديات ما بعد الانسحاب الأمريكي من سوريا

  • | الأربعاء, 16 يناير, 2019
مقاتلو داعش الأجانب و تحديات ما بعد الانسحاب الأمريكي من سوريا

     وفقًا لأكاديمية جنيف للقانون الدولي الإنساني وحقوق الإنسان، يشير مصطلح المقاتل الأجنبي إلى "الشخص الذي يترك موطنه الأصلي أو مقر إقامته الدائم؛ للانضمام لجماعة مسلحة غير تابعة لدولة، في نزاع مسلح بالخارج، يحركه لذلك بشكل أساسي أيدولوجية أو دين أو صلة قرابة أو الثلاثة مجتمعة"[i].

وقد برزت ظاهرة المقاتلين الأجانب في الكثير من النزاعات في الفترة الماضية في أفغانستان والعراق، ومالي ونيجيريا، والصومال وسوريا واليمن.

وعلى الرغم من أن الظاهرة كانت محصورة إلى حد ما في المقاتلين الأجانب من بلدان إسلامية، والذين يخرجون من بلادهم لنصرة مسلمين آخرين في حروب أو نزاعات لتحرير البلاد، تطور الأمر بعد هجمات الحادي عشر من سبتمبر، وبعد ظاهرة المقاتلين الأجانب القادمين من البلدان الغربية في الزيادة، لا سيما بعد دخول الولايات المتحدة الأمريكية العراق.

وعلى الرغم من أنه عند إطلاقه يشير مصطلح المقاتلين الأجانب إلى الأشخاص الذين ينضمون للقتال في صفوف الجماعات المتطرفة، إلا أن ثمة توجه ظهر منذ عدة سنوات يتمثل في انضمام بعض المقاتلين الأجانب لمحاربة جماعات التطرف[ii].

يعتقد أن 5000 شخص قد سافروا من دول الاتحاد الأوروبي فقط للقتال في العراق وسوريا في صفوف داعش، وقد انخفض هذا العدد في نهاية عام 2017 إلى 2500 شخص، ويعتقد أن 1500 من بين هذا العدد قد عادوا إلى بلادهم الأصلية، بينما تم القضاء على 1000 شخص منهم.[iii] وتذكر بعض المصادر أن العدد الإجمالي للمقاتلين الأجانب في العراق وسوريا الذين وصلوا إلى هاتين البلدين قد وصل إلى نحو 40 ألف شخص من نحو أكثر من 80 دولة.

وتقدر الأمم المتحدة أنه لا يزال في سوريا والعراق من هؤلاء المقاتلين ما بين 20 ألف و30 ألف مقاتل متخفٍّ موزعين على الدولتين بالتساوي[iv].        

 وهكذا أصبح حال المقاتلين الأجانب في سوريا أحد ثلاثة: إما مقاتلين قد قتلوا خلال الاشتباكات مع قوات التحالف أو قوات سوريا الديمقراطية، أو مقاتلين متخفين ينتظرون فرصة لترتيب صفوفهم من جديد، أو الوصول إلى مكان آخر يبدأون فيه رحلة التطرف من جديد، أو محتجزين في سجون أنشأتها قوات سوريا الديمقراطية في شمال سوريا. ومنذ تطاول الأيام وعدم حسم القضاء على داعش وتجدد المواجهات بين حين وآخر، تبرز مشكلة هؤلاء المحتجزين في السجون، ويبدو أنها سوف تتفاقم بعد إعلان الرئيس الأمريكي ترامب عزمه سحب القوات الأمريكية من سوريا، نظرًا لما تبرزه من تحديات عدة.

يتمثل التحدي الأول في رفض المواطن الأصلية لهؤلاء المقاتلين استقبالهم، أو عدم قدرة بعضها على ذلك حسب تصريحات مسئوليها.

فعلى سبيل المثال، صرح "رالف جودال" وزير الأمن العام الكندي بأن سياسة بلاده لا تألو جهدًا في دعم المواطنين في الخارج، إلا أن هذه القلة عليها أن تتحمل تبعات اختياراتها الآثمة دون تحمُّل السلطات أية مسئولية، فما من دور يقوم به الدبلوماسيون في هذا الصدد؛ نظرًا للأخطار الجمة التي سيتعرضون لها في تلك البؤر الساخنة، حيث أصبح دور القنصلية محدودًا للغاية؛ نظرًا لعدم وجود تمثيل دبلوماسي هناك، ولما يمثله الموقف من خطورة على حياة موظفي القنصلية[v].

وعلى ذلك، ستضطر قوات سوريا الديمقراطية إلى أحد أمرين: إما أن تستمر في احتجازهم وهو الخيار الذي قالت: إنها تعجز عنه؛ حيث صرحت في سبتمبر أنَّ المحتجزين يجب أن يعودوا إلى أوطانهم وبلادهم؛ حيث إنها لن تتمكنَ من احتجازهم داخل معتقلات وسجون، وتوفير سبل معيشتهم من مأكل ومشرب ورعاية داخل هذه السجون، وإما إن تضطر إلى إطلاق سراح هؤلاء المقاتلين الذين يبلغ عددهم حوالي 1100 حاليًا، مما سيشكل  تهديدات إرهابية جديدة؛ فقد استطاع تنظيم داعش – بـقوة قوامها 700 مقاتل فقط - أن يصبح أحد أكبر التنظيمات الإرهابية العالمية، مع انسحاب أوباما من العراق؛ إذًا ماذا عن إطلاق سراح 1100 مقاتل؟ وما هو الدمار الذي سيحدثه هؤلاء. وهكذا، يبدو أن هذين الخيارين أحلاهما مر، وأنهما ليسا خيارين بل تحديان كبيران، لهما ما بعدهما من عواقب وخيمة.

يبدو في هذا السياق أنه لا مناص من إنشاء هيئة مختصة يوكل إليها أمر هؤلاء المقاتلين الأجانب المحتجزين، حيث تضع لهم تلك الهيئة برنامجًا لإعادة تأهيلهم من جديد، لا سيما وأن التقديرات تشير إلى أن أكثر من نصفهم نساء وأطفال. ومن غير المنطقي أن يظل هؤلاء الأطفال قيد الاحتجاز وفي غياهب السجون طوال حياتهم. بيد أن هذا الخيار يتطلب المزيد من التعاون والتحاور الدوليين؛ من أجل تنسيق الجهود في هذا الصدد من أجل إنقاذ هؤلاء الأشخاص، وعدم تركهم أو دفعهم للانضمام لجماعات التطرف من جديد.

 

 

[i]   راجع تقرير "Foreign Fighters under International Law" الصادر عن أكاديمية جنيف للقانون الدولي الإنساني وحقوق الإنسان. يمكن الوصول إليه عبر الرابط التالي:  https://www.geneva-academy.ch/joomlatools-files/docman-files/Publications/Academy%20Briefings/Foreign%20Fighters_2015_WEB.pdf

 

[ii]   للمزيد في هذا الصدد، راجع المقال التالي: Jason Fritz & Joseph K. Young (2017) Transnational Volunteers: American Foreign Fighters Combating the Islamic State, Terrorism and Political Violence, DOI: 10.1080/09546553.2017.1377075  

[iii]     راجع تقرير الاتحاد الأوروبي لوضع الإرهاب واتجاهاته 2018، ص. 26.

[iv]    انظر   التقرير الثاني والعشرين المقدم من فريق الدعم التحليلي ورصد الجزاءات عملًا بالقرار 2368 (2017) بشأن تنظيم الدولة الإسلامية في العراق والشام (داعش) وتنظيم داعش وما يرتبط بهما من أفراد وكيانات. يمكن الوصول إليه عبر الرابط التالي: http://undocs.org/ar/S/2018/705

طباعة