الإسلام والمرأة.. رُؤيةٌ غربية مُنصِفة

  • | الأربعاء, 13 فبراير, 2019
الإسلام والمرأة.. رُؤيةٌ غربية مُنصِفة

كثُر الحديث حول المرأة في الإسلام والدور الذي تقوم به داخل المجتمع؛ كما أُثيرت العديد من المزاعم في هذا الصدد؛ فالبعض يدّعي أن المرأة المسلمة تتعرض للظلم داخل المجتمعات الإسلامية، وأن التعاليم الدينية هي التي تسبّبت في ظهور الصورة السلبية الشائعة عن حالة المرأة المسلمة في عالمنا المعاصر.
وفي الوقت ذاته تعالت أصوات المفكرين ورجال الدين، بل وبعض الساسة، من داخل المجتمع الإسلامي؛ للتأكيد على أن المرأة والرجل متساويان في الحقوق والواجبات، وأنه ليست هناك أيّ تفرقةٍ أو تمييز بين الجنسين، استنادًا إلى الآيات القرآنية والأحاديث النبوية الشريفة في هذا الصدد؛ فضلًا عن الأعراف السائدة في البلدان الإسلامية التي تكفل للمرأة حقوقَها كاملةً، وتسمح لها بالمشاركة والعمل في كافّة مَناحي الحياة اليومية، إلّا أن تلك الأصوات قد لا يُنصت إليها، خاصّةً في المجتمعات الغربية، التي تستهويها وتستميلها أقلامٌ وأصوات تخرج من هنا أو هناك، من تلك التي تمكّنت بالفعل من ترسيخ بعض الأفكار المغلوطة عند المواطن الأوروبي حول وضع المرأة في الإسلام.
 وفي مقابل تلك الحالة من المغالطة، نجد أقلامًا مُنصِفة في أيدي مجموعةٍ من غير المسلمين، جعلتْ من القراءة النقدية الصحيحة للتاريخ ولأمهات الكتب العربية والإسلامية مُنطلَقًا لها، أو تمكّنت من الوصول إلى الحقيقة من خلال معايشة الواقع والتواصل المباشر مع المجتمعات الإسلامية؛ لذا نرى أنه من الضروري تسليط الضوء على تلك الأصوات العاقلة التي تتصف بالعدل والإنصاف عند حديثها عن الإسلام والثقافة الإسلامية، على الرغم من إيمانها بمُعتقَدٍ وثقافةٍ مُغايِرةٍ لما يؤمن به المسلمون.
واليومَ، يُسلّط مرصد الأزهر الشريف الضوءَ على "سوسانا مانجانا" Susana Mangana، وهي أستاذةٌ جامعية متخصصة في الدراسات العربية والإسلامية بإسبانيا، ومُحاضِرة بجامعة أوروجواي الوطنية، ولها الكثير من الكتابات حول الإسلام والثقافة الإسلامية.
 تتميّز "مانجانا" بالحيادية التامة في تناولها للموضوعات، وفي عرض ثوابتِ الدين الإسلامي والثقافة الإسلامية؛ علاوةً على الموضوعية في تفنيد المفاهيم المغلوطة التي تتداولها وسائل الإعلام المختلفة حول الإسلام.
ففي مُداخَلةٍ لها بأحد البرامج التلفزيونية في الأوروجواي، للحديث عن نظرة الإسلام للمرأة وعن الحالة السائدة من اللغط والخلط، والتي تسبّبت الآلة الإعلامية في ظهورها بين العامة، حول العادات والتقاليد الموروثة من جانبٍ، والمُعتقَدات الدينية من جانبٍ آخَرَ؛ أكدت "مانجانا" في بداية حديثها أنه أصبح من السهل الإشارة بأصابع الاتهام إلى الإسلام والمجتمع الإسلامي بأنه مجتمعٌ ذُكوريّ لا يهتم بحقوق المرأة، ويعمل على التقليل من شأنها داخل المجتمع.
وترى الكاتبة أن أوروبا ـــــ والدول الغربية ـــــ تمكّنت من ترسيخ هذه الفكرة من خلال ما تَبُثّه وسائل الإعلام حول الحجاب والقهر "المزعوم" الذي تعاني منه المرأة المسلمة في المجتمع الإسلامي؛ فضلًا عن الكتب والمجلدات التي تتناول هذه الموضوعاتِ الشائكةَ، والتي تحوّلت إلى تجارةٍ رابحة لكثيرٍ من الصحفيين والمؤلفين ممّن عايَشوا تجاربَ قصيرةً  قد لا تتجاوَز عشرةَ أيّامٍ في دولٍ إسلامية، وبمجرد عودتهم إلى بلادهم بدءوا في تسليط أقلامهم ضد المجتمع الإسلامي، كما لو أنهم ألمّوا بكلّ شيءٍ يَخُصّ هذا المجتمع من خلال تلك التجرِبة القصيرة، التي لا يستطيع الباحث أو الكاتب أن يتعرّف فيها على تلك المجتمعات بشكلٍ واضح؛ فيَشرعون في إصدار الكتب والمقالات ذات العناوين التجارية الخدّاعة التي تعمل على جذب انتباه القارئ، ومن ثَمّ تحقيق أكبر قدرٍ ممكن من المبيعات.
من هنا نستطيع القول: إن هذه الصورة المغلوطة المُصَدَّرة عن المرأة  وأن دَورها "مُهَمَّشٌ" في الإسلام وأن حقوقها "مُعتدى عليها"، لا تتجاوز كونها مجرد مزاعم يطلقها العديد من الكُتّاب ومُدّعي الدفاع عن حقوق المرأة، وتساهم بعض وسائل الإعلام الغربية، التي لا تعكس التنوع الموجود داخل هذه المجتمعات، في انتشارها والترويج لها.


وفي سياقٍ متصل، أشارت "سوسانا" إلى أن مسألة الختان التي تُبرِزها الآلة الإعلامية الغربية دائمًا للإشارة إلى وحشية المجتمع تُجاهَ المرأة المسلمة، ليست حكرًا على المجتمعات المسلمة فحسب؛ ففي كولومبيا: هناك العديد من القبائل التي لا تزال تُمارِس عمليات ختان الإناث، ومن ثَمّ فإن هذا الأمر ليس له عَلاقةٌ بالإسلام ولا بأيّ دينٍ آخَرَ، بل هو أمرٌ يتعلّق بالعادات والتقاليد المَوروثة، التي تَخضع المرأةُ في ظلّها لسُلطة الرجل المُتمثّلة في الأب أو الزوج أو الأخ، في حين أن هذا الأمر لا عَلاقةَ له بأي دين؛ ففي إسبانيا ـــــ على سبيل المثال ـــــ وصلت نسبة الاعتداءات على المرأة لأعلى مستوياتها في السنوات الأخيرة، ولا يستطيع أحدٌ أن يقول: إن هناك دافعًا دينيًّا وراء تلك الاعتداءات.
إن مثل هذه التصريحات تعكس ـــــ في المَقام الأول ـــــ الفهم الصحيح للواقع، والقدرة على التمييز بين ما هو متأصّل في المجتمعات بسبب العادات والتقاليد، وبين المُعتقَدات الدينية التي يتمّ الزج بها في العديد من الأمور، بما يخدم بعض الأغراض السياسية أو الدينية أو التجارية الخالصة، كما هو الحال مع مَن باعوا ضمائرهم للترويج لأفكارٍ مغلوطة، تعمل على تأجيج الكراهية في نفوس مواطني الغرب تُجاهَ الإسلام والمسلمين.
ولا يفوتنا أن نوضّح أن هناك بالفعل بعضَ المُمارَسات الخاطئة تُجاهَ المرأة؛ ولكنها صادرةٌ من أناسٍ لم يفهموا صحيح الدين، ولم يعملوا على تفعيل مبادرات تكريم الإسلام للمرأة، وبالتالي: فإن ذلك لا يُعَبِّر مطلقًا عن الإسلام، والدليل على ذلك: أن الأستاذة الجامعية التي نُسلّط الضوء عليها في هذا المقال، إنما أشارت إلى تلك المفاهيم المغلوطة حول المرأة في المجتمع الإسلامي بعد قراءةٍ متأنية لما ورد من نصوصٍ دينية إسلامية، تؤكّد على أهمية دَور المرأة وخُصوصيتها؛ وبالتالي: فقد استطاعت أن تُكَوِّنَ فكرةً صحيحة عن الإسلام.
ويدعو مرصدُ الأزهر لمكافحة التطرف، العالمَ، إلى الإنصات إلى تلك الأصوات العاقلة، التي قلّما نجدها في المجتمعات الغربية في الوقت المعاصر، وأن تكونَ نظرتُه موضوعيّةً لحالة المجتمعات الإسلامية، بدلًا عن الاستناد إلى نظريّاتٍ فَرديّة وانطباعاتٍ غيرِ دقيقة.   

وحدة الرصد باللغة الإسبانية

 

طباعة