مأساة تتجدد .. التغرير بفتاة هولندية يقودها إلى فخ الانضمام لـ "داعش"

  • | الخميس, 21 فبراير, 2019
مأساة تتجدد .. التغرير بفتاة هولندية يقودها إلى فخ الانضمام لـ "داعش"

     من حين لآخر، تطالعنا الأخبار عن قصص التغرير بالفتيات عاطفيًّا وصولًا إلى انضمامهن إلى "داعش"، وتكرر هذه القصة بحذافيرها مع إحدى الفتيات التي انضمت إلى داعش بمحض إرادتها، ثم تسببت بعد ذلك في معاناة شديدة لنفسها ولطفلها وأبيها، إنها "مليس أتيجي" الفتاة الهولندية من أصول تركية، والتي تبلغ من العمر 23 عامًا، حيث أحبت شابًّا يُدعى "يوسف"، والذي وقع في براثن تنظيم داعش الإرهابي، وسافر إلى سوريا، ثم تبعته "مليس" وهربت من منزلها وسافرت إليه حيث تزوجته وانضمت إلى "داعش".
وبعد مدةٍ من ذهابها إلى سوريا أنجبت "مليس" طفلًا، وعندما اشتدت العمليات العسكرية ضد تنظيم داعش الإرهابي هناك، بدأت "مليس" تتصل بعائلتها في هولندا، وقالت لهم: إنها تريد العودة مرة أخرى إليهم.  ثم بعد مدة بسيطة من هذه التطورات، قُتل زوجها في إحدى الغارات الجوية، بعدها حاولت "مليس" الهروب مع طفلها إلى تركيا عن طريق المهربين، ولكنها لم تستطع ذلك، وتم اعتقالها ونقلها وطفلها إلى معسكر تابع للقوات الكردية شمالي سوريا.
وفي هذا المعسكر طلبت "مليس" المساعدة من حكومة بلادها، ولكن عدم وجود بعثة دبلوماسية لهولندا في سوريا حال دون ذلك، وبناءً عليه اتخذ والدها "فاروق أتيجي" قرارًا بإنقاذ ابنته بنفسه، وذهب إلى تركيا عدة مرات وتواصل مع بعض المهربين، وباع منزله وأنفق كلَّ ما لديه لتوفير المال الذي يستطيعُ أن يُحرر ابنته به.
وفي الصيف الماضي بدأت رحلة صعبة وخطيرة إلى سوريا؛ حيث ذهب الأبُ في البداية إلى تركيا، ومن هناك إلى العراق، ثم وصل في النهاية إلى شمال سوريا، مستخدمًا جميع وسائل المواصلات المتاحة له، حيث ركب قاربًا، وسيارة، وسار مدة على قدمية، كما ركب الخيل فترة أخرى.
ولم يكن لقاء "فاروق" بابنته بعد رحلةٍ شاقة هو نهاية التعب والمشقة بل كان بدايتها؛ حيث ذهب الرجلُ وابنته وحفيده ذو الخمسة أشهر من سوريا إلى شمال العراق في منتصف الليل على ظهر الخيول برفقة بعض المهربين.
 وفي لقاء مع التليفزيون الهولندي، وصف "فاروق" رحلته للتلفزيون الهولندي قائلًا: "كانت رحلة خطيرة جدًّا، ولم يكن لدينا أية أوراق رسمية، لذلك غامرنا وكان التوفيقُ محالفًا لنا، حتى الطفل الذي كان يبكي طوال الوقت لم يبك قط في تلك الليلة."
وبعد تلك الرحلة الشاقة، اتجهوا مباشرة إلى القنصلية الهولندية في مدينة "أربيل" شمالي العراق، وطلبت القنصلية من "مليس" أن تقوم بإجراء اختبار الحمض النووي لها ولطفلها لتجهيز وثائق السفر اللازمة، وتم إرسال العينات إلى هولندا لاختبارها، وفي أثناء ذلك تم القبض على فاروق وابنته وحفيده من قبل السلطات العراقية بتهمة دخول البلاد بطرق غير قانونية، وتم وضع "مليس" وطفلها في سجنٍ، ووالدها في سجن آخر مع أكثر من 75 مسجونًا.
 وأفاد "فاروق" في حديثه للتليفزيون الهولندي أن الحياة في السجن كانت صعبة للغاية، مشيرًا إلى أن أغلب السجناء كانوا من مقاتلي تنظيم داعش، وأنهم لا يعلمون أي شيء عن الإسلام، بل إن بعضهم كان لا يعرف كيفية الصلاة.
وبعد شهرين قضوهما في السجن، ظهرت نتائج تحليل الحمض النووي، وتم تجهيز الوثائق اللازمة للسفر، ثم أُخليَ سبيلهم، وسافروا إلى هولندا، ولكن تم القبض على "مليس" في المطار بتهمة انضمامها إلى تنظيم داعش الإرهابي.
وفي جلسة محاكمتها والتي أقيمت يوم الاثنين 14 يناير الجاري، أصدرت المحكمة قرارًا بإخلاء سبيلها واستكمال محاكمتها وهى خارج السجن.
وأكد "فاروق" في سرده لقصته أن ما فعله من أجل انقاذ ابنته وحفيده كان مغامرة من الممكن أن تنتهي بموته، مؤكدًا على ندم ابنته، واعتقادها الخاطئ بأن رحلتها إلى سوريا ستكون نهايتها الجنة، وآملًا أن يكون حبها لابنها عاملًا مساعدًا لها لتبدأ حياة طبيعية من جديد.
ونرى أن هذه القصة بها العديد من الأشياء التي ينبغي أن نقف عندها، أولها أن "مليس" ليست هي الفتاة الأولى التي تم استقطابها بسبب ارتباطها عاطفيًّا بأحد أعضاء التنظيم، بل هناك من الفتيات من انضمت إلى التنظيم لهذا السبب، وأشهرهن "سيدا دوداركيفا" الفتاة الشيشانية أرملة "أبو عمر الشيشاني"  وزير دفاع تنظيم داعش الذي قُتل عام 2016؛  حيث ارتبطت "سيدا"  بشخصٍ يُدعى "حمزة"، انضم إلى تنظيم داعش في سوريا متأثرًا بما شاهده على مواقع الإنترنت من منشورات للتنظيم، بعد ذلك أصبح هذا الشاب هو الذراع الأيمن لـ "إبي عمر الشيشاني"، وعندما أصيب في إحدى المعارك، قررت "سيدا" الذهاب إليه. فذهبت إلى تركيا، ومن هناك إلى سوريا، وتزوجت من "حمزة"، وبعد وفاته تزوجت من "أبي عمر الشيشاني".
الأمر الثاني الذي يجب الوقوف عنده هو اعتقاد "مليس" أن ذهابها إلى سوريا والانضمام إلى داعش هو ذهاب إلى الجنة، الأمر الذي يدل على سطحية معلوماتها الدينية، والملاحظ أن هذه السطحية الدينية أو حداثة العهد بالتدين هما أهم ملامح الشخصية المتطرفة؛ إذ كيف يتصور إنسان على وعي حقيقي بدينه أن تكون الجنة هى نصيب أعضاء تنظيمٍ متطرفٍ يرتكب يوميًّا خيانات لا تُحصى في حق الإسلام، ويشوه صورة المسلمين ليل نهار.
الأمر الثالث الملفتُ للنظرِ في هذه القصة هو شهادة "فاروق أتيجي" والد "مليس"، والذي بالرغم من أنه لم يكن داعشيًّا إلا أنه عاش مع أعضاء التنظيم لمدة شهرين في السجن، واستغرب من سطحية معلوماتهم الدينية، بل قال: إن البعض منهم لم يكن يعرف كيفية أداء الصلاة بالشكل الصحيح، ونرى أن هذه الشهادة صحيحة وتتوافق مع الواقع، ويؤكدها أن تنظيم داعش لا يهتم بالجانب الديني لدى مقاتليه، بل فتح البابَ على مصراعيه أمام كل من يبايع زعيم التنظيم، حتى وإن كان لصًّا أو مهربًا أو تاجرًا للمخدرات، الأمر الذي يدل على أن التنظيم لا ينصر الدينَ كا يُشيع في وسائل دعايته المُضللة.
ولذلك كي نحمي شبابنا من الوقوع في براثن هذه الجماعات المتطرفة لا بد من تعليمهم الأُسس والمبادئ التي ينبغي معرفتها كي يستطيعوا التمييز بين الجيد والرديء والصواب والخطأ والخير والشر، أو بمعنى آخر ينبغي تعليمهم القراءة النقدية والتفكير النقدي الذي لا يقبل الأشياء على علاتها دون إعمال العقل فيها.  
                                                                 

  وحدة رصد اللغة التركية

 

 

طباعة