السيناريوهات المحتملة بعد هزيمة "داعش"

  • | السبت, 23 فبراير, 2019
السيناريوهات المحتملة بعد هزيمة "داعش"

     بعد هزيمة "داعش" عسكريًّا في معاقله الرئيسية في سوريا والعراق، سارع المتخصصون في مجال دراسة التنظيمات والحركات الإرهابية إلى طرح تساؤل مُهم حول السيناريوهات المحتملة التي قد يتخذها "داعش" بعد فقدانه معاقَله الرئيسية في سوريا والعراق، وهل تنظيم بقوة "داعش" قد أعَدَّ خُطَّةً بديلة في حالة القضاء عليه في معاقله الرئيسية؟

إذا أمعنا النظر في مراحل تكوين وتطوّر التنظيمات الإرهابية التي ظهرت ونشطت في مرحلة ما قبل ظهور "داعش"، نجد أنَّ هذه التنظيمات لا تموت كليًّا، وإنَّما تحاول التأقلم والتكيُّف مع الظروف الجديدة في محاولة منها للصمود أو التظاهُر بالصُّمود، وقد تتفكك في شكل مجموعات أو خلايا إرهابية صغيرة تحمل أيديولوجياتِها، وتحاول التزاوج مع تنظيمات إرهابية أخرى منتشرة في المحيط الجغرافي وإن كانت تختلف معها فكريًّا. وقد تتأقلم هذه المجموعات أو الخلايا الإرهابية أو تنشق عن بعضها ليبزغ فجر تنظيم إرهابي جديد لكنه أشد شراسة من التنظيم المسيطر على البيئة الحاضنة، ويتفوق عليه متصدرًا المشهد الإرهابي.

لقد حرص تنظيمُ "داعش" على زرع أيديولوجيته المتطرفة في عقول الأطفال والشباب ليضمن استمرارها، مِثله في ذلك مثل جميع التنظيمات الإرهابية، لكنه كان أحرص التنظيمات على تغذية هذه الأيديولوجية وتطويرها لديهم عَبْرَ المواقع الإلكترونية التي أنشأها الذراع الإعلامي للتنظيم، والتي باتت منتشرة بغزارة من خِلال الشبكات العنكبوتية وتصعُبُ السيطرة عليها. كما يَبث التنظيم بشكلٍ مستمرٍّ، عَبْرَ هذه المواقع، مواد تسوّغ إراقة الدِّماء تحت مظلة شرعية، من وجهة نظر التنظيم، الأمر الذي يبعث ناقوسَ خطرٍ في العالم أجمع؛ لأنَّ الإرهابَ بات لا يُفَرِّقُ بين دينٍ أو جنسٍ أو لون.

كما أنَّ دحر التنظيم عسكريًّا في معاقله الرئيسية في سوريا والعراق، لا يعني بالضرورة نهاية هذا التنظيم، لا سيَّما وأنَّ الركائز التي يقوم عليها من الفِكر المتطرّف والآلة الإعلامية والتمويل والمقاتلين والبيئة الخصبة ما زالت موجودة وإن ضَعُفَتْ، إضافة إلى أنَّ الصفوف الأولى لقيادة هذا التنظيم لا تُعْرَف أماكنُ تواجدِهِم، ومصيرهم مجهول حتى الآن، وربما يكونون متمركزين في دول خارج نطاق الشرق الأوسط؛ وذلك لامتلاكهم الكثير من الأموال ووثائق السفر المزورة، ما يُمَكِّنُهُم من الفِرار. فلا يمكن لتنظيم كــــ"داعش" ألَّا يكون قد أعَدَّ "خُطة بديلة" في حالة تلقيه أيّة هزائم في معاقله الرئيسية.

ومن خلال دراسات أيديولوجية تنظيم "داعش" الإرهابي والتنظيمات السابقة له، نستطيع استنباط بعض السيناريوهات التي قد يلجأ إليها هذا التنظيم خلال المدة القادمة:

  • السيناريو الأول: الذوبان والتخفي

 حيث يخلع مقاتلو "داعش" الزي الإرهابي ويذوبون وسط السكان العراقيين والسوريين، على شكل خلايا عنقودية أو عشوائية أو فردية نائمة، تعمل على تنفيذ هجمات إرهابية محلية في مناطق متفرقة لاستنزاف الحكومات وإثارة الفتن الطائفية والقلاقل، واغتيال القادة المحليين؛ لتوفير مناخ فوضوي يسمح للتنظيم بعبور مرحلته الانتقالية والتي سيعمل خلالها على توحيد صفوفه وإعادة ترتيب أوراقه في كلا البلدين.

  • السيناريو الثاني: إعادة التمركز الجغرافي

 من المحتمل أنْ يسعى التنظيم إلى تدشين مركز قيادة لخلافته المزعومة بديلًا عن مركزه الذي فقده في سوريا والعراق، سيكون هذا المركز في الغالب في منطقة بعيدة عن دائرة الصراع في الشرق الأوسط تصلح لاحتضانه ونشر أيديولوجيته. وفي حال تمكنه من إيجاد بيئة مواتية في أراضي إحدى الولايات المبايعة سلفًا له، سيستغلها التنظيم في التخطيط للهجمات الخارجية، ولتجميع مقاتليه المشردين بعد سقوط معاقله في سوريا والعراق، ولاستقبال مقاتليه المفرج عنهم من السجون المحلية أو الأوروبية بعد انقضاء مدة عقوبتهم، ما سيشكل تهديدًا عالميًّا أشرس من ذي قبل، لا سيما في ليبيا وأفغانستان ومنطقة الساحل الإفريقي وجنوب شرق آسيا؛ حيث تنشط التنظيمات الإرهابية الموالية للتنظيم.

  • السيناريو الثالث: التحول

في هذا السيناريو من الممكن أن يتحول "داعش" من تنظيم إرهابي إلى شبكة إرهابية سِرّية غير مستقرة على أرض بعينها؛ ليصعب رصده ومحاربته معتمدًا على "الذئاب المنفردة" التابعة له في معظم دول العالم في تنفيذ هجمات إرهابية، بعيدًا عن التمكين على أرض بعينها، وفي هذه الحالة سيكون التنظيم أشد خطرًا عمّا مضى.

  • السيناريو الرابع : لملمة الأوراق والعودة بشراسة

هذا السيناريو المتوقع سيكون نتيجة التناحر الذي قد ينشأ بين القوات والتنظيمات التي كانت موالية للتحالف الدولي المناهض لـــ"داعش" على تصدر السلطة في كلا البلدين، وكذلك إذا نجح التنظيم من خلال حرب العصابات في تصفية القيادات التنظيمية، وفي إشعال الفتن الطائفية هناك، ما يُمَكِّنُهُ من توحيد صفوفه في المناطق الصحراوية المشتركة بين حدود "العراق" و"سوريا"، والعودة إلى تصدر المشهد الإرهابي بشراسة.

  • السيناريو الخامس: نقل المعركة إلى دول التحالف المناهض لداعش

 يتم ذلك من خلال تفعيل التنظيم لذئابه المنفردة، والمقاتلين الأجانب العائدين إلى بلدانهم الأصلية وأشبال الخلافة والخارجين من السجون في قضايا تتعلق بتنظيم "داعش" بعد انقضاء مدة عقوبتهم، عَبْرَ إرسال رسائل مُشَفَّرَة تدعو جميع هؤلاء لتنظيم صفوفهم، وأن يكونوا على أهبة الاستعداد لتفعيلهم فُرادى أو جماعات، من أجل غزو "الغرب" في "ساعة صفر" سيحددها التنظيم. وقد يلجأ التنظيم إلى هذا السيناريو، للثأر من دول التحالف الدولي المناهضة له ولإعطاء عناصره الفرصة لترتيب أوراقهم والظهور من جديد.

  • السيناريو السادس: الاندماج

 في حالة هزيمة تنظيم "داعش" وعدم قدرته على العودة، سيقوم بدمج مقاتليه مع تنظيمات إرهابية أخرى، الأمر الذي سينتج عنه ميلاد "الجيل الرابع من الإرهابيين"، والذي سيكون أبشع وأدمى من الصورة التي شاهدناها على يد هذا التنظيم. وسيكون "الجيل الرابع" على شكل جماعة بديلة لــــ"داعش"، أو تقوية جماعة موجودة سابقًا فاقها تنظيمُ "داعش" قوة وعتادًا وانتشارًا كتنظيم "القاعدة"، والذي يحاول بشتّى الوسائل تصدُّر المشهد الإرهابي، لاسيما وأنَّ تنظيم "القاعدة" يسعي للفساد من جديد، منافسًا بذلك نظيره الداعشي الذي عانى العالم بأسرِهِ من جرائمه الوحشية التي ارتكبها وما زال يرتكبها في شتّى بقاع العالم، في الوقت الذي تراجع فيه بشكل واضح "تنظيم القاعدة"، الذي كان يحتل صدارة الحركات الإرهابية حتى مطلع يناير 2011.

بعد كل هذا العرض نلاحظ أنَّ التنظيم وإن هُزِمَ عسكريًّا في معاقله الرئيسية بـ"العراق" و"سوريا"، لا بد من تكاتُف جهود الدول كافة؛ للتصدي للفكر الداعشي، لأنه ناتج عن تطور فكر التَّطَرُّف. ما يضعنا أمام مُعضلة حقيقية حول كيفية التصدي لهذا الفكر ووقف تطوره، إيمانًا بأن المواجهة الأمنية وحدها ليست كافية، بل لا بد من مواجهة فكرية وأيديولوجية تعمل على تفنيد هذا الفكر المتطرف. 

وحدة الرصد باللغة الفرنسية

 

 

 

طباعة