تابع مرصد الأزهر لمكافحة التطرف الهجوم الإرهابيَّ الذي وقع في مسجدين بنيوزيلندا الجمعة 15 مارس2019، وأسفر عن استشهاد نحو 49 شخصًا وإصابة العشرات، والذي أدانه فضيلة الإمام الأكبر الدكتور أحمد الطيب، شيخ الأزهر، وقال إنَّ هذا الحدث وجرائم داعش «فرعان لشجرة واحدة رُوِيت بماء الكراهية والعنف والتطرُّف».
لقد استيقظ العالم اليوم على جريمة نكراء، ترفضها الأديان السماوية والأعراف الإنسانية، ويتبرأ من شناعتها العقلاء؛ إذ إن منفذيها استهدفوا بيتًا من بيوت الله، ولم يراعوا حرمة الدماء وحرم دور العبادة، فازدادت الجريمة قبحًا على قبح، واكتسب فاعلها جرمًا على جرم، حيث لم يأبه بحرمة إنسان أو بقدسية مكان، وإن أحداث نيوزيلندا اليوم تؤكد أن المسلمين يقعون ضحايا لخطاب الكراهية ضد الإسلام وظاهرة «الإسلاموفوبيا» المقيتة.
ويضيف مرصد الأزهر أنّه تابع ما قام به إرهابيون من «اليمين المتطرف» في نيوزيلندا، من ارتكاب جريمة إرهابية بشعة بحق المصلين في مسجدين مختلفين بمنطقة كرايست تشرش في نيوزيلندا خلال صلاة الجمعة. وأكد شهود العيان أن أحد المسلحين الذي يبلغ من العمر 28 عامًا، قد استخدم بندقيَّتين إحداهما نصف آلية (من ست بنادق في سيارته)، وكتب عليهما أسماء أشخاص نفذوا هجمات مماثلة، وكأنَّه يعلن أنه يسير على درب هؤلاء القتلة.
وذكرت سلطات نيوزيلندا أن منفذ الهجوم نشر على موقع تويتر 87 منشورًا يفيد فيها اعتزامه القيام بهجوم إرهابي. وأشار في أحد منشوراته أنه يستلهم هجمات القتل الجماعي من عمليات مثل عملية "أندرز برايفيك" الذي قتل 77 شخصًا في "أوسلو" بالنرويج عام 2011. وأطلق الإرهابي على معتنقي الإسلام الجدد "خائني الدَّم"، أي الدم النيوزيلندي.
وأكدت السلطات أن الإرهابي ذكر على صفحته على تويتر أنه كان ينوي تنفيذ مثل هذا الهجوم منذ سنتين، وأنه بدأ بالتخطيط للهجوم منذ 3 أشهر ليقلل من أعداد المهاجرين بالنسبة للأوروبيين. وأشار أنه نفذ الهجوم انتقامًا لمقتل إحدى الفتيات السويديات (إبا أكيرلوند) في هجوم إرهابي عام 2017. وأن الهجوم «انتقامٌ من المسلمين الذين استعبدوا ملايين الأوربيين، وانتقامًا لآلاف الأوربيين الذين زُهقت أرواحهم على أرض أوربا بأيد المسلمين» حسب زعمه.
ويؤكد مرصد الأزهر أن هذا الإرهابي قد تجرد من كل معاني الإنسانية وارتكب هذه الجريمة النكراء، وقام بتصوير بث مباشر لتلك الجريمة البشعة من خلال تثبيت كاميرا على رأسه، ويبين المقطع أن الإرهابي أعاد شحن بندقيته عدة مرات، ووقف على أجساد الضحايا وأطلق النار عليهم مرارًا، وفي الرأس ليتأكد من مفارقتهم للحياة.
وفي إطار متابعته للحادث الأليم، يطرح مرصد الأزهر تساؤلًا إلى عقلاء العالم، وأصحاب الثقافة والحضارة، ودعاة المدنية والتقدم، وغيرهم من أصحاب الفكر: إلى متى يظل المسلمون هم ضحايا العمليات الإرهابية دون نكير من أحد؟ وإلى متى يُحبس الإسلام في قفص الاتهام، وعند كل حادثة صغرت أو كبرت تُلصق به تهم القتل والإرهاب؟ ولكن عندما يكون المسلمون هم الضحايا لا يتكلم أحد؟
ويحذر مرصد الأزهر من النظرة الازدواجية والكيل بمكيالين في التعامل مع مثل هذه الأعمال الإرهابية، حيث تُكال الاتهامات للإسلام والمسلمين بمجرد أن يكون هناك شك أو احتمال بأنَّ منفذ الهجوم مسلم قد خرج عن تعاليم هذا الدين السمح، في حين نجد صمتًا غير مبرر عندما يتبين للجميع أن منفذ الهجوم ينتمي إلى دين آخر غير الإسلام، أو نرى الحادث الإرهابي يوصف بـ«إطلاق نار» وليس الإرهابي.
ويحمّل المرصد وسائل الإعلام الغربية مسئولية كبيرة عن مثل هذا الحدث الإرهابي، نظرًا لما تبثه العديد من تلك الوسائل من خطاب كراهية نحو المسلمين، فمثل هذه المعالجات الخاطئة تمهد لوقوع جرائم إرهابية مثل حادث نيوزيلندا، حيث إن أثر تلك المعالجات يبقى له أثر في نفوس المتربصين بالإسلام والمتطرفين، ويدعم انتشار ظاهرة «الإسلاموفوبيا» المقيتة.
ويشدد مرصد الأزهر أن الإسلام حرَّم الاعتداء على النفس البشرية بغض النظر عن دينها أو فكرها أو لغتها. ويدعو المرصد كل الجهات المعنيّة بحقوق الإنسان وغيرها من المنظمات الحقوقية، ألا يمرَّ عليهم هذا الحادث مرور الكرام، بل لا بد من الأخذ على يد القاتل المعتدي؛ ليكون عبرة لغيره ممن تسول لهم أنفسهم العبث بأرواح الآمنين ومقدّساتهم.
وقد تابع المرصد ما نقله موقع «نيوز» News.com.au عقب تلك المذبحة الوحشية، من بيان على لسان البرلماني النيوزيلندي السيناتور "فريزر آنينغ" يصف فيها المسلمين بـ«الجناة» وليس «الضحايا»، ورغم إدانته لكل «أشكال العنف» إلا أن السيناتور أعرب عن تخوفه من الوجود الإسلامي في أستراليا ونيوزيلندا، وبرر الجريمة الشنعاء بأنَّ «أولئك الذين يتبعون نهج العنف يجدر بهم ألا يندهشوا حين يكون الجزاء من جنس العمل»، مما يعبر عن خلط واضح عنده بين المسلمين المعتدلين وبين ما تقوم به التنظيمات المتطرفة مثل «داعش» وأخواتها.
وأفاد مستشار السيناتور النيوزيلاندي بأنه لم تمض دقائق معدودة حتى امتلأت صفحات التواصل بردود الفعل الغاضبة على البيان، ومن بين الشخصيات التي أدانت البيان، رئيس الوزراء الأستراليُّ (سكوت موريسون)، الذي أكد أن لوم المقتول لا القتيل «يبعث على الاشمئزاز» وأن مثل هذه الآراء لا وجود لها تحت سماء أستراليا. هذا بالإضافة لإدانة بعض الكتاب السياسيين من أمثال الصحفي (كيران جيلبيرت) والبريطاني (بييرز مورجان).
ويشدد مرصد الأزهر لمكافحة التطرف على ضرورة النظر بعين الاعتبار إلى جرائم الكراهية ضد المسلمين، وأن تحذو كافة الدول حذو مثيلاتها في تغليظ العقوبة وتكثيف برامج التأهيل للمتطرفين على اختلاف توجهاتهم، والمتشددين واليمينيين المتطرفين.
ويشير المرصد إلى أن هجوم اليوم دليل على وجوب التفرقة بين الأديان وسماحتها وما تدعو إليه، وبين بعض المنتسبين إليها، فلا يخفى على أحد أن الإسلام تعرض لظلم كبير طيلة السنوات الماضية؛ بسبب أن بعض المنتمين إليه خالفوا تعاليمه، واليوم نرى شخصًا مسيحيًّا يخالف تعاليم سيدنا عيسى عليه السلام، ويقتل الأبرياء بدون ذنب، لكننا لا يمكن أن نصف الدين أبدًا بالإرهاب لأن الأديان كلها بريئة من الإرهاب ومن أفعال الذين خرجوا على تعاليمها.
ويتساءل المرصد: هل ستكشف التحقيقات كيف أن أربعة أفراد فقط استطاعوا أن يخططوا وينفذوا جريمة بهذا الحجم في وضح النهار، وأن يدخلوا أحد المساجد ليقتلوا من فيه ثم إلى مسجد آخر لارتكاب الجرم ذاته! ولماذا طغى خطاب العنف والكراهية على الخطاب المعتدل؟!
ويشدد المرصد على أنّه قد آن الأوان لدول العالم أجمع أن تضع حدودًا رادعة لأي خطاب كراهية يحض على أي عنف أو مساس بالآخر. كما يحذر المرصد من استغلال الجماعات الإرهابية لمثل هذه الأحداث الإرهابية لبدء مرحلة جديدة من العنف لتبرِّر بها ما تقوم به من وحشية، بعدما انفضح تبريرها من خلال استخدامها الخاطئ للنصوص الدينية واجتزائها من سياقاتها.
وينوَّه مرصد الأزهر إلى ما تضمنته وثيقة الأخوة الإنسانية من ضرورة «التَّمسُّكِ بالتعاليمِ الدِّينيَّةِ القَوِيمةِ لمُواجَهةِ النَّزعاتِ الفرديَّةِ والأنانيَّةِ والصِّدامِيَّةِ، والتَّطرُّفِ والتعصُّبِ الأعمى بكُلِّ أشكالِه وصُوَرِه»؛ لتجنب كافة مظاهر العنف الذي تجلّى حادث اليوم في أسوأ مظاهرها.