المسلمون في نيوزيلندا

  • | الإثنين, 18 مارس, 2019
المسلمون في نيوزيلندا

"نيوزيلندا".. هذا البلد الذي شهِد هجومًا إرهابيًّا، الجمعةَ الماضية، على مسجدين في مدينة "كرايست تشيرش"، راح ضحيّته نحوُ 50 مُصَلّيًا، وعشرات المصابين؛ لذا يَضَعُ مرصد الأزهر لمكافحة التطرف عدساتِه على هذه الدولة؛ من حيثُ: المَوقِعُ واللُّغة ونِظام الحُكم، ويُسَلِّط الضَّوءَ على أحوال المسلمين فيها.

 تقع "نيوزيلندا" في الجنوب الشرقيّ من قارّة أستراليا، وتَضُمّ جزيرتين رئيستَين؛ الجزيرة الشمالية والجنوبية، بالإضافة إلى مجموعةٍ من الجُزُر الصغيرة، عددها نحوُ 600 جزيرةٍ، وتَبعُد عن أقربِ مدينةٍ أسترالية ثلاث ساعات عن طريق الجَوّ.

غالبية سكان الدولة  من أصلٍ أوروبيّ، حيث تبلغ نسبتهم نحو 74 %، بينما يُشَكِّل السكان الأصليون "الماوري"، الذين لهم لغةٌ وطابع ثقافي واجتماعي خاصٌّ بهم، النسبةَ الأقلّ بنحو 15%، كما يُشَكِّل الآسيويون وشعوب جُزُر المحيط الهادئ أقلّيَّةً واضحة، لا سيّما في المناطق الحَضَريّة.

ويعيش معظم سكان الدولة التي يَقِلُّ تَعدادها عن 5 مليون نسمة، في الجزيرة الشمالية؛ نظرًا لوجود العاصمة السياسية "ولنجتن"، والعاصمة التجارية "أوكلاند"، ولما تمتاز به  الجزيزة من اعتدال في درجات الحرارة.

الدين واللغة ونِظام الحُكم

 تُعَدّ "المسيحيةُ" الديانةَ الرسمية لدولة "نيوزيلندا"، يليها "الإسلام"، هذا بالإضافة إلى وجود بعض التجمُّعات اليهودية القليلة، التي تتمتّع بنُفوذٍ سياسي كبير، ويتحدّث السواد الأعظم من النيوزيلنديين اللغةَ الإنجليزية، بنسبةٍ تُقَدَّر بنحو 96%، بينما يتكلّم لغةَ السكان الأصليين "الماوري"  نحوُ 4.1 %، هذا بالإضافة إلى لغاتٍ أخرى غيرِ رسمية؛ كالفرنسية والهندية ولُغة شمال الصين.

ونيوزيلندا التي تُعَدّ إحدى دول "الكومنولث البريطاني"، الذي يرأسه الملكة إليزابيث الثانية، دولةٌ مَلَكيّةٌ، يُمَثِّلها الحاكم العامّ الذي يُمارِس صلاحياتِ الملكة؛ مثل: سُلطة تعيين وإقالة الوزراء، وحَلّ البرلمان، بالإضافة إلى القرارات الطارئة في الحالات النادرة، بينما يُمارِس السُّلطةَ التنفيذية مجلسُ الوزراء.

الإسلام ونيوزيلندا

طَرَق الإسلامُ أبوابَ الدولة في عشرينيّات القرن الماضي عن طريق وفود المسلمين المنحدرين من أصول هندية وجزر "فيجي"، حيث استقروا في الجزيرة الشمالية؛ الأمر الذي تبعه هجراتٌ من بلدانٍ آسيوية مسلمة، أهمها: "باكستان، وبنجلاديش، وإندونيسيا، وماليزيا، وسنغافورة".

تتابعت على إثر ذلك موجات الهجرة من بلدان المشرق العربي؛ "الشام، ومصر، والمغرب العربي" والدول الأفريقية المسلمة؛ ما أسهم في تَزايُد عدد المسلمين، الذين تَضاعَفتْ أعدادُهم سِتَّ مرّاتٍ بين عامَي 1991 و2006، ويصل عددهم الآنَ إلى نحو 50 ألف مسلم، بما يُشَكِّل 1 % من إجمالي السكان.

وبنظرة سريعة على جنسيات المسلمين في نيوزيلندا؛ يتبيّن لنا أن 29% منهم هنود، و21% من العرب والإيرانيين، ورغم أن الشباب المسلم في "نيوزيلندا" قد واجه بالفعل مجموعة متنوعة من التهديدات التي استهدفت نموهم؛ فإن مَساراتِهم في التكيُّف كانت قائمةً على تعزيز النتائج الإيجابية وتقليل المخاطر، بحسب إحدى الدراسات.

المسلمون والدعوة

أُسِّسَ أول مسجد ومركز إسلامي في البلاد عام 1970، حيث يضمّ قاعةً للمناسبات الدينية والاجتماعية، ويوجد عددٌ لا بأسَ به من المسلمين جنوبي الجزيرة الشمالية، وجنوب شرقي الجزيرة الجنوبية بمدينة "كرايست تشيرش"، التي وقع فيها الهجوم الإرهابي الغادر، الجمعةَ الماضية.

للمسلمين في "نيوزيلندا" 11 مسجدًا، يؤمّ بعضَهم مُبتَعَثون من الأزهر الشريف، و7 جمعيات إسلامية مُعترَفٍ بها من الحكومة، في مُدُن: "أوكلادين، وويلينغتون، وبلمرستون"، تَنشط داخل الدولة وخارجها، إذ إنها على صِلَةٍ بالمسلمين في جُزُر "فيجي"، وجنوب أفريقيا، والهند، وأستراليا.

نيوزيلندا دولةٌ متعدّدةُ الأديانِ، ويتمتّع المسلمون فيها بحرية كبيرة، ولا يجد المسلم فيها حَرَجًا أو مُضايَقة أثناء أداء العبادات، وتتمتّع فيها المرأة المسلمة بحرية ارتداء الجِلباب والحجاب الشرعي في الأماكن العامّة، كما أن للمسلمين فيها بعثةَ حَجٍّ رسمية، كلَّ عام.

وتوجد في نيوزيلندا مدرسة "الشيخ زايد" الإسلامية للبنات، كما توجد مدرسة لتحفيظ القرآن الكريم للجالية الصومالية، وتتركّز نشاطاتهما الاجتماعية في عطلة نهاية الأسبوع، ومن أبرز المشاكل التي يواجِهها المسلمون في "نيوزيلندا": قِلّة المدارس الإسلامية، ونقْص المعلمين، والحاجة إلى الكتب الإسلامية المُترجَمة، هذا بالإضافة إلى وُعَّاظٍ يُجيدون اللغة الإنجليزية؛ لتعليم الأبناءِ قَواعِدَ الدين الوَسَطيّ.

ويوجد المسلمون في جميع مناطق نيوزيلندا، إلّا أن السواد الأعظم يعيش في مقاطعة "كانتربري"، التي تقع في الجزيرة الجنوبية، وعاصمتها "كرايست تشيرش"، ثالث أكبر مدينةٍ في نيوزيلندا، حيث وَفَدَ المسلمون إلى تلك المقاطعة في سبعينيّات القرن الماضي، وفيها أُنشئتْ أوّلُ جمعيةٍ إسلامية في البلاد، عام 1977، عَبْرَ شراء منزل صغير لاستخدامه مُصَلّى للمسلمين، وبعد ذلك قام أحد السعوديين الذين كانوا يدرسون في إحدى جامعات "نيوزيلندا" بشراء قطعة أرض؛ لبناء ثاني مسجد في البلاد عام 1984، وأطلق عليه "مسجد النور"؛ كونه أوّلَ مسجدٍ تَسطع عليه الشمس في العالم صباحَ كلّ يوم.

يتميّز مسجد "النور" الواقع في مدينة "كرايست تشيرش"، بطرازه الإسلاميّ الفريد وموقعه الإستراتيجي الرائع، حيث يقع أمام حديقة "الهاقـلي"، أشهر حدائق العالم، والتي يزورها ملايين البشر من مُختلِف أرجاء العالم.

ويَضُمّ المسجدُ مُسَطَّحًا كبيرًا من الأرض الفضاء، تبلغ مساحتها نحو 3 آلاف متر مُرَبَّع، تعتبرها الجاليةُ المسلمة حلمَها في هذه المقاطعة؛ إذ إنها تريد إقامةَ مدرسةٍ إسلامية لها، وَفقَ ترخيصٍ حُكوميّ، إلا أن المَوارد المادية حالت دون ذلك، خاصّةً أن معظم أفراد الجالية المسلمة في "نيوزيلندا" يعيشون على الضمان الاجتماعي الحكومي المُخَصَّص لبعض الفئات منهم؛ الأمر الذي يجعل عملية جمْع التبرُّعات صعبًا للغاية، وعلى الرغم من اتّساع مساحة المقاطعة النيوزيلندية؛ فإن هذه الجمعية التي تقوم بعمل الأنشطة الدينية والاجتماعية، هي الوحيدة في المقاطعة، من أصل 7 جمعياتٍ إسلامية في البلاد.


العنصرية والمسلمون

رغم أن الإسلام هو الدين الثاني للبلاد بعد المسيحية؛ فإن التجمُّعاتِ اليهوديةَ القليلة تُظهِر التأثيرَ الأقوى؛ نظرًا لتمتُّعها بنفوذٍ سياسي كبير، ويربط بعض المتخصصين بين تلك "اللوبيات" وبين حملات التحريض التي يتعرّض لها المسلون هناك، حيث إنه ــمن المؤكدــ أن الحرياتِ التي يتمتّع بها المسلمون وانتشارَ الحجاب في المدن النيوزيلندية، يُثير حفيظة اليهود، الذين بدءوا يُصَوِّرون ذلك على أنه يُشَكِّل خطرًا على هُوِيَّة البلاد.

نتيجةً لذلك؛ أَوعزت "اللوبيات اليهودية" إلى بعض الزعماء السياسيين لإثارة مخاوف المجتمع ضد الجالية المسلمة، وإشاعة نَوعٍ من "الإسلاموفوبيا" في المجتمع النيوزيلندي، وممّا زاد من وَتيرة التحريض الذي باء بالفشل، نجاحُ الدكتور المسلم الباكستاني الأصل، أشرف شودري، في الوُصول إلى عضوية البرلمان، وهو أول مسلم يصل إلى هذا المنصب، كما أنه أصبح المُمَثِّل الدائم لرئيس وزراء نيوزيلندا، في المُنتدَيات والاجتماعات ذاتِ الطابع الإسلامي.

حوادث اضطهاد فردية تعرَّض لها مسلمو نيوزيلندا، إلا أن الحكومة النيوزلندية لم تتركها تَمُرّ دون محاسبة، ولعل أبرز ما شهِدته الأوساط الإسلامية في نيوزيلندا خلال عام 2013، كان تصريحاتٍ مُسيئةً بحقّ المسلمين، أطلقها عضو البرلمان، "ريتشار بروسر"، عَبرَعموده الصحفي في مجلة "Investigate Magazine"، وصف خلاله الشبابَ المسلم بالإرهابيين، ودعا إلى منعهم من ركوب طائرات الخطوط الجوية الغربية، حيث كتب يقول: "إذا كنتَ شابًّا يتراوح عمرك  بين 19 و35، وإذا كنت مسلمًا أو كنتَ تُشبِه المسلمين، أو كنت قادمًا من دولةٍ إسلامية، فلا ينبغي أن تنتقل عَبرَ خطوط الطيران الغربية."

بدَورها، استنكرت الجمعية الإسلامية في "نيوزيلندا" تلك التصريحاتِ، وأعرب العديد من السياسيين، من بينهم: رئيسُ الوزراء النيوزيلندي آنذاك، عن انتقادهم لهذه التصريحات، مؤكّدين أن غالبية المسلمين مُسالِمون وملتزمون بالقانون، في حين وَصَفَ "هون هاراويرا"، رئيسُ حزب "مانا"، التصريحاتِ؛ بالعنصرية والبعيدة عن الواقع.

ويُعَدُّ حادثُ الاعتداء الإرهابيّ علي مسجدَي نيوزيلندا، والذي راح ضحيّته نحوُ 50 مُصَلّيًا، بالإضافة إلى عشرات المُصابين، الأكثرَ دمويّةً ووحشيّةً منذ انتشار الإسلام في هذا البلد؛ الأمر الذي سَبَّبَ صدمةً في  المجتمع النيوزيلندي والعالم أجمع.

وفي هذا السياق، يؤكّد "مرصد الأزهر" أن هذا العمل البَربريَّ عبارةٌ عن جريمةٍ، تُماثِلُ، أو ربما تَتَجاوَزُ، كافّةَ الأفعال الإجراميّة، التي تقوم بها الجماعاتُ المتطرفة، وعلى رأسِها: تنظيمُ "داعش" الإرهابيّ.

وحدة الرصد باللغة الإنجليزية

 

 

طباعة