المهاجرون واللاجئون بين مخالب اليمين المتطرف والمشاركة في بناء المجتمعات

  • | الإثنين, 25 مارس, 2019
المهاجرون واللاجئون بين مخالب اليمين المتطرف والمشاركة في بناء المجتمعات

     تصاعدت في السنوات الأخيرة بالعديد من الدول الأوروبية والولايات المتحدة موجةُ عداءٍ شديدةٌ للمهاجرين عمومًا، والمسلمين بوجه خاص، وخاضت الأحزاب اليمينية في العديد من تلك البلدان الانتخابات البرلمانيَّة ببرامج كان من أبرز بنودها طرد المهاجرين وعدم السماح بدخول آخرين إلى البلاد. وقد كان الدافع وراء هذه الموجات في معظم الأحوال؛ قضايا ثلاثًا رئيسة، هي الهُويُّة والأمن والهجرة؛ حيث يرى من تبنّوا هذا الطرح أن المهاجرين المسلمين يشكلون خطرًا كبيرًا على الهُويّة الأصلية لبلدانهم، وعلى أمنها، ومن ثمَّ يطالبون بسنِّ قوانين وتبني سياساتٍ تحدُّ من تدفق المهاجرين أو تمنع دخولهم بالكليَّة.
وقد تباينت الدول في شدة هذه الموجة المعادية وضعفها؛ ففي حين نجد أنها موجة عاتية من العداء للمهاجرين في دولة، نرى حدتها تقل في دولة أخرى.
ففي المملكة المتحدة، على سبيل المثال، نجد أن حزب "استقلال المملكة المتحدة" معادٍ للمهاجرين ولأوروبا على حدٍّ سواء، وعلى الرغم من أنه لا يُصنَّف ضمن أحزاب اليمين المتطرف فإنّه يتلاقى مع فكره في عدم الترحيب بالمهاجرين وإصراره على خروج بريطانيا من الاتحاد الأوروبي. وإذا أردنا أن نعرض لهذا التوجه المعادي للمهاجرين واللاجئين، فإنّه بإمكاننا أن نستعرض بعض الحالات في بعض الدول الأوروبية الأخرى.
فعلى سبيل المثال، نجد أن حزب "من أجل الحرية" الهولندي الذي يرأسه (خيرت فيلدرز) المعادي للإسلام صعد كثاني قوةٍ مؤثرة في البرلمان الهولندي، علمًا بأن رئيس هذا الحزب يكره المهاجرين كراهية شديدة، بل إنه يبني حملاته الانتخابية على هذه الفكرة الأساسية، فقد كان شعاره في إحدى حملاته الانتخابية: "رُدُّوا إلينا بلادنا". وتمثلت أبرز وعوده الانتخابية، حال فوزه في الانتخابات، في إغلاق الحدود أمام المهاجرين المسلمين ومنع بيع القرآن وغلق المساجد، بل لقد وصل عداؤه للمهاجرين المسلمين إلى أن أطلق في حملته الانتخابية عام 2014، تصريحاتٍ معادية للمغاربة، أدّت إلى صدور أحكامٍ قضائية ضدّه.
وفي فرنسا، تسعى (مارين لوبان)، زعيمة حزب الجبهة الوطنية، إلى منع الهجرة وغلق الحدود الفرنسية بعد أزمة المهاجرين؛ حيث ترى أن العناصر الإرهابية قد استغلت هذه الأزمة للتسلل إلى الحدود الفرنسية لتنفيذ هجمات دموية بالدولة. وصرحت أنها تريد توفير الأمن، خاصة بعدما اندسَّ العديد من الإرهابيين وسط المهاجرين، وقالت أيضًا: "يجب علينا وقف الهجرة الشرعية وغير الشرعية، حيث يتسلل ما يقرب من 200 ألف مهاجر غير شرعي إلى فرنسا سنويًا، وأفضل طريقة لتوجيه رسالةٍ صريحة لهم هي عدم الترحيب بهم". وتابعت قائلة "إننا نعلم أنهم يريدون القدوم إلى فرنسا؛ لأنهم سيتمكَّنون فيها من تحقيق الكثير من المكاسب دون عمل مقارنة بما يمكنهم تحقيقه في بلادهم.
ولا يختلف الحال كثيرًا في العديد من بلدان أوروبا الأخرى؛ حيث نجد أن أحزابًا مثل "البديل من أجل ألمانيا، و"حزب الحرية" في النمسا تتبنى نفس التوجهات.
وقد استطاع اليمين المتطرف في بعض الدول تحقيق خطواتٍ كبيرةٍ في سبيل وضع سياساته في حيز التنفيذ؛ حيث استطاعت إيطاليا على سبيل المثال، متمثلاً في "حركة خمس نجوم" و"حزب رابطة الشمال" الفوز بالانتخابات وتشكيل الحكومة.
ومن خلال هذا العرض يتضح أن أنصار اليمين المتطرف يستندون في هذا الطرح الذي يقدمونه إلى عدة أمورٍ أولها: أن هؤلاء المهاجرين لا يسهمون مساهمة حقيقية في تقدم البلاد التي يفدون إليها، بل إنهم لا يشكلون سوى عبء اقتصادي على البلاد، وثانيها: أنهم يمثلون خطرًا كبيرًا على أمن هذه البلاد، في ضوء الزيادة الأخيرة في العمليات الانتحارية التي يقوم بها أنصار الجماعات المتطرفة في أماكن عدة من العالم، وثالثها: أن هؤلاء المهاجرين، بما لهم من خلفياتٍ دينية واجتماعية، يمثلون تهديدًا على الهوية القومية للبلاد الوافدين إليها.
وإذا أردنا أن نتحقق من مدى صحة ما يَستند إليه أنصار اليمين المتطرف في طرحهم السابق، دعونا على سبيل المثال نأخذ دراسة حالة للولايات المتحدة الأمريكية، لنرى ماذا لو اختفى المهاجرون من المجتمع الأمريكي، ماذا ستكون تداعيات هذا الأمر؟ يمكننا في هذا الصدد الإحالة إلى رأي أحد الخبراء الأمريكيين، وهو (دانييل كوستا)، مدير أحد اقسام الأبحاث في معهد السياسات الاقتصادية في واشنطن. يقول كوستا: "لو استيقظنا غدًا لنجد أن جميع المهاجرين قد اختفوا من قوة العمل في الولايات المتحدة الأمريكية، فسيكون لهذا الأمر آثارٌ كبيرة على الاقتصاد... وسنشعر بتأثرٍ وخسارة كبيرة في العديد والعديد من المهن والصناعات المختلفة". هذا على صعيد سدّ الفجوة في القوة العاملة، أمّا على صعيد المساهمة المالية المباشرة أيضًا، ففي حين يحصل المهاجرون على 1.3 تريليون دولار أمريكي، فإنهم يدفعون 105 مليار دولار أمريكي في صورة ضرائب حكومية ومحلية، ونحو 224 مليار دولار كضرائب فيدرالية، ويصل إنفاقهم الاستهلاكي إلى 927 مليون دولار أمريكي وذلك وفقًا للدراسة الاستقصائية للمجتمع الأمريكي. ولا يقف الأمر في الجانب الاقتصادي عند هذا الحد، بل يوفر المهاجرون فرص عملٍ للأمريكيين من أصول أمريكية؛ حيث ينشئ بعضهم مؤسساتٍ وشركات كبرى توفر العديد من الوظائف.
ولا تقتصر إسهامات المهاجرين على الجانب الاقتصادي فقط، بل إن لهم إنجازات رفيعة المستوى في الجانب العلمي والأكاديمي، فقد وصلت نسبة العلماء المهاجرين الذين حصلوا على جائزة نوبل منذ عام 2000 حوالي 40% من إجمالي عدد الأمريكيين الحاصلين على هذه الجائزة في مجالات الكيمياء والطب والفيزياء؛ حيث بلغ عددهم 31 عالمًا مهاجرًا من بين إجمالي 78 عالمًا أمريكيًا حصلوا على الجائزة، وذلك وفقًا لمجلة فوربس. وإذا تتبعنا تأثير المهاجرين، فسنجد لهم تأثيرًا واضحًا فيما أحرزته الولايات المتحدة بجميع المجالات.
أما على صعيد التهديدات والمخاطر الأمنية، فعلى الرغم من دأب الكثيرين على تصوير المهاجرين، لا سيما المسلمين منهم، على أنهم السبب الوحيد في عدم الاستقرار الأمني في العالم، فإن الدراسة الحقيقية للأمر والتحليل الدقيق يظهران أن التغطية الإعلامية لا تعكس حجم التهديد على نحوٍ صحيح. ففي دراسةٍ جديدة أُعدّت في جامعة (ألاباما)، وُجد أن الإرهابيين البيض المنتمين إلى اليمين المتطرف قد ارتكبوا ضعف عدد الهجمات الإرهابية التي ارتكبها المتطرفون المنتسبون للإسلام تقريبًا في الفترة ما بين عامي 2008 و2016. وهذا يعكس بما لا يدع مجالًا للشك أن التهديدات التي يشكلها هؤلاء المتطرفون المنتسبون للإسلام ليست هي السبب الأوحد فيما يمر به العالم من أزمات وقلاقل. لكن الإعلام يُصرّ على تصوير الأمر على هذا النحو، حيث نجد أن الهجمات الإرهابية التي يرتكبها هؤلاء المتطرفون المنتسبون للإسلام تحظى بتغطيةٍ إعلامية تزيد 357% عن الهجمات التي يرتكبها أشخاصٌ غير مسلمين؛ حيث وُجد - وفق الدراسة السابقة - أن الهجمات المرتكبة بواسطة أشخاص غير مسلمين (أو التي لم تُعرف الهوية الدينية لمرتكبيها) تمَّت تغطيتها في 15 عنوانًا صحفيًا، بينما تمت تغطية الهجمات التي ارتكبها متطرفون منتسبون للإسلام في 105 عنوانًا صحفيًا. ويوضح هذا أن التهديدات المزعومة لا تعكس واقع الحال، وأنه يمكن مجابهتها عن طريق وضع سياساتٍ أمنية وسنّ القوانين المناسبة، كما هو الحال مع أي تهديدٍ أمني آخر.
وكما تمثل قضية الهُويَّة شاغلًا كبيرًا للدول الغربية والولايات المتحدة الأمريكية، فإنها كذلك تمثل أهميةٍ كبيرة بالنسبة للمهاجرين. فلا يمكن للمرء الانسلاخ من هويته وقيَمِه بمجرد انتقاله من مكان إلى مكان. ويكُمن الحلّ في هذا الأمر في تبنّي مبدأ المواطنة أساسًا للتعامل. ومن ثَم، بدلًا من المبالغة في الخوف على الهوية القومية في دولةٍ من الدول إلى الحدِّ الذي يُحارِب فيه البعض من أجل مناهضة المهاجرين ومنعهم من دخول بلدناهم، يجب تبنّي سياساتٍ جامعة، والاتفاق على قيمٍ مشتركة يتمّ بموجبها التعامل مع الفرد من حيث كونه إنسانًا، بغض النظر عن دينه أو لونه أو جنسه أو غير ذلك.

وحدة رصد اللغة الإنجليزية

 

طباعة