بيان الأمين العام للأمم المتحدة من مشيخة الأزهر الشريف.. قراءة تحليلية

"عندما تتحدث الإنسانية ويُنصت العقل"

  • | الخميس, 4 أبريل, 2019
بيان الأمين العام للأمم المتحدة من مشيخة الأزهر الشريف.. قراءة تحليلية

     لا يزال الأزهر الشريف محطَّ أنظار القادة والسياسيين حول العالم؛ وذلك لجهوده الدؤوبة في إرساء السلام ومواجهة خطاب العنف والتمييز والكراهية، بالإضافة إلى مكافحة الإرهاب بشتى صوره وأشكاله. وتأتي زيارة الأمين العام للأمم المتحدة "أنطونيو غوتيريس"، لمشيخة الأزهر الشريف ولقاؤه فضيلة الإمام الأكبر أ.د/ أحمد الطيب، شيخ الأزهر الشريف، يوم الثلاثاء الماضي الموافق 2 أبريل 2019، إيذانًا ببوادر تضامن عالمي رسمي مع المسلمين في أرجاء العالم.
وفي لقاء التباحث بين الإمام الأكبر والأمين العام للأمم المتحدة، بشأن مواجهة خطاب الكراهية الذي تضطرم نيرانه وترتفع يومًا بعد آخر ضد المسلمين في العالم، صرَّح "غوتيريس" بأنه جاء "ليعلن تضامنه مع المسلمين" في تلك الأوقات العصيبة التي تمر بهم. وهو استشعارٌ لمسؤولية جسيمة ودور إنساني مطلوب راود الرجلَ فصرَّح به، وأخذ يترجمه إلى إقرار بسماحة ورحمة الإسلام. كما أكد "غوتيريس" أنه يستشعر شرفًا عظيمًا وهو يقف على منبر عمره يزيد على ألف عام، في إشارة منه إلى عراقة ومكانة الأزهر الشريف الذي يُعدُّ منهلًا للعلوم والمعارف، ومقصدًا للمريدين من طلاب العلم في شتَّى بقاع الأرض.   


وأشار الأمين العام في بيانه من مشيخة الأزهر الشريف إلى الهجوم الإرهابي على مسجدين في مدينة "كرايست تشيرش" النيوزيلندية، الذي راح ضحيته خمسون مسلمًا وعشرات المصابين، لافتًا إلى القصص البطولية التي تابعها لردود فعل المسلمين رغم ما حلَّ بهم من ألم جرّاء تلك المذبحة المروِّعة، تلك القصص التي تؤكد أن روح الإسلام تبعث في البشر حياة جديدة، وتخرجهم من ظلمات التعصب إلى نور المحبة والخير العميم، وأن نازع الدين قد غلب على العصبيات والتحزبات.
وأعرب "غوتيريس" عن تقديره الكبير للدول الإسلامية، حين تحدّث عن عمله مفوضًا ساميًّا لشؤون اللاجئين بالأمم المتحدة، مبينًا أنه رأى "كرم الدول الإسلامية التي كانت تفتح حدودها للأشخاص في وقت محنتهم، في عالم كانت فيه كثير من الحدود موصدة". وهو بذلك يؤكد أن المسلمين قد استقوا مبادئهم من الدين الإسلامي السمح ونصوصه المقدسة التي نصَّت على حماية اللاجئين من المؤمنين وغير المؤمنين على السواء، الأمر الذي وصفه الأمين العام بأنه "انفتاح وتسامح".
وغير خافٍ أن الأمين العام للأمم المتحدة أراد أن يثير قضية كراهية المسلمين وتصاعد موجة العنف ضدهم بشيء من الحكمة، ليلفت أنظار العالم إلى أن نزعة الكراهية لم تقتصر على دولة أو ثقافة بعينها أو حتى وسيلة بعينها، بل اجتاحت وسائل الإعلام والتواصل الاجتماعي، وشملت تلك الدول التي تتَّسم بالليبرالية وتحترم حقوق الإنسان؛ وهو تلويح إلى أنها آفة عالمية ينبغي مواجهتها والقضاء عليها أينما كانت.  
وقد أدرك "غوتيريس" -كغيره من العقلاء- الحقائق التي لا تحتمل الشك أو المراوغة بأن ثمن السلم ربما يكون باهظًا الآن، لكن نتيجة هدم القيم وانتهاج التطرف والاعتداء على الناس بسبب عرقهم أو دينهم ستكون وخيمة العواقب. ويعدُّ هذا الفهم نتيجةً لنظرة عميقة وموضوعية للأحداث الجارية حول العالم، وتطبيقًا لدروس التاريخ البليغة التي تؤكد أن العالم كله سيدفع ثمن ما يثار فيه من عداوات وأحقاد، وما يُبثُّ فيه من كراهية ودعوة إلى نبذ الآخر، الأمر الذي سينتهي به الحال إلى حرب شعواء يخرج الجميع منها خاسرين، هذا إذا لم يرتفع صوت العقل، ويسود العالمَ بأسره روحُ العدالة والتعايش والاندماج.  
دعوة الأمين العام للأمم المتحدة القادةَ الدينيين بأن يواصلوا القيام بدورهم، وأن يستلهموا ذلك من التناغم والانسجام الذي حققه فضيلة الإمام الأكبر وبابا الفاتيكان من خلال إصدارهما "وثيقة الأخوة الإنسانية"، وتصريحه بأنه سيسعى جاهدًا إلى أن تصل هذه الوثيقة إلى كل مكان، وأن تكون في أيدي الجميع كدستور إنساني يحدد العلاقة بين أتباع الديانات والثقافات من كل حدب وصوب. هذه الدعوة وذلك التصريح يدلِّلان بلا شك على متابعة "غوتيريس" لدور الأزهر العالمي وجهوده في نشر السلام بين أتباع الديانات.

Image


ولم يتوقف الأمين العام إلى هذا الحد، بل استطرد بيانه في استحضار مساعي الأزهر الشريف وإمامه الأكبر في نشر السلام، معربًا عن تقديره لتوجيه شيخ الأزهر بحماية المسيحيين في الشرق، كما طالب بوقف الحروب والصراعات التي لم يجنِ العالم من ورائها إلا خرابًا يعقبه خراب.
ومن زاوية أخرى ثمَّة ما يدعو إلى تأمِّل بيان "غوتيريس"؛ إذ إنه ربط بين الإرهاب وخطاب الكراهية، حيث لم يسلك مسلكَ كثيرين ممَّن يصفون الإسلام بالإرهاب، بل شدد على أن التهميش سبب رئيس في الاستجابة لرسائل التطرف، ودعا العالمَ إلى وقفة عادلة لتأكيد الحقوق والكرامة الإنسانية، مستشهدًا بنصوص قرآنية ونبوية. كما أكد على أن الاختلاف لم يكن سببًا لنبذ أو إقصاء الإنسانية المشتركة التي تُعدُّ رابطًا بين الجميع، مشددًا على أنه لا ينبغي أن ننشغل بخلافاتنا عن إرساء قواعد السلام والعيش المشترك.
بدوره يؤكد مرصد الأزهر لمكافحة التطرف أن البيان ينبثق من شعور عميق بمسؤولية كبيرة لدى الأمين العام للأمم المتحدة، لافتًا إلى أن وقْعه سيكون كبيرًا على ضمائر العقلاء في العالم. ويشيد المرصد ببيان "غوتيريس" الذي قال كلمة حق في عالم عَلت فيه أصوات الباطل، وطغت فيه فلسفة "البقاء للأقوى" أو "الكلمة لصاحب النفوذ"، مبينًا أن هذا البيان دعوة صادقة، تضع الأمور في نصابها دون تهوين أو تهويل، إلى قادة العالم بأن يعيدوا النظر في إدراك حقيقة الإسلام وواقع المسلمين.

وحدة الرصد باللغة الإسبانية

طباعة