المسلمون والغرب وتجريم الإسلاموفوبيا

  • | الخميس, 4 أبريل, 2019
المسلمون والغرب وتجريم الإسلاموفوبيا

     أطلَّ علينا الإرهاب بوجهه المدمِّر للإنسان وحضارته في بقعة جديدة، طالما عُرفت بتسامح ورفاهية مواطنيها، حين قام إرهابي غادر يُدعى "برنتون تارنت"، بجرمته النكراء في مسجدين بمدينة "كرايست تشيرش" النيوزيلندية، راح ضحيتها خمسون شهيدًا وعشرات المصابين، مما أصاب ضمير العالم الحر بصدمة عنيفة فجَّرت حوارات متجددة حول قضية الإرهاب ومدى ربطه بالدِّين ومآلات انتشار روح كراهية الآخر وما تسمى بظاهرة "الإسلاموفوبيا".
أصبحت مسألة ربط المسلمين بالإرهاب مسألة ذائعة الصيت وكثيرة الانتشار في العقود الأخيرة، وهي قضية كبيرة ومتشعبة تتشارك فيها عوامل كثيرة، جلُّها عوامل سياسية واقتصادية ونفسية مرتبطة بالصراعات الدولية على مناطق النفوذ والهيمنة والسيطرة، مع عدم إنكار أن تلقى آراء فقهية كان لبعضها ما يبررها سياسيًّا  واقتصاديًّا في ظرفها التاريخي بمكوناته المتشابكة، والتي انقضت -أو هكذا يجب أن يكون- بانقضاء زمنها وظرفها وأصبحت تاريخًا في سياق تطور تعاطي الفقهاء والساسة مع ظروف عصرهم، وبالتالي استحضرتها بعض الجماعات المتطرفة وعلى رأسها تنظيم "داعش" الإرهابي لتبرير بعض جرائمهم، ممَّا مكَّن من استغلال  ذلك لأسباب متنوعة  في إبراز ربط  الإسلام بالإرهاب.
وعلاوةً على ذلك فإن مكافحة الإهاب -أو بالأحرى الدعوة إلى مكافحته- أغفلت معالجة جُلّ تلك العوامل المادية التي نشأ منها ومعها الإرهاب، رغم أننا نعيش عصر المادية، وركزت على إبراز الجانب المعنوي، وهو مجال تلقي بعض النصوص والآراء الدينية بشكل انتقائي -الذى قد يُعدُّ عنصرًا شكليًّا تكميليًّا وليس تأسيسيًّا-  ممَّا كان له تأثير آخر في تقوية ربط الإسلام بالإرهاب، بالإضافة إلى المعالجة الإعلامية التي تخدم أجندات محددة طبقًا للحسابات السياسية والاقتصادية التي تحكم القرية الصغيرة في زمن العولمة الذي نعيشه.
ومن ناحية أخرى نجد بعض ما كان مدونًا على أسلحة ذلك الإرهابي يُعدُّ استحضارًا لمشاهد تاريخية من الصراع بين الإمبراطوريات الإسلامية والإمبراطوريات المسيحية أو بين الإسلام والمسيحية خارج الزمان والمكان. ولا شكَّ أنَّ الربط بين الإرهاب والأديان يعد اعوجاجًا حقيقيًّا عن التوصيف الدقيق للمشكلة، الأمر الذي يشتت الانتباه عن كيفية معالجتها، ولكن ما يُشعر البعض بغُصّة هو ذلك الإسراع إلى ربط الإرهاب بالإسلام دفعة واحدة حال وقوع عمل إرهابي يكون منفذوه مسلمين، والفصل بين الدين وعقيدة الإرهابيِّ حين يتعلق الأمر بغير المسلمين.
وقد لعب الربط بين المسلمين والإرهاب دورًا محوريًّا في إذكاء روح الخوف والعداء ضد الآخر عمومًا ومسلمي أوروبا خصوصًا في السنوات الأخيرة، ومن ثمَّ عملت حركات اليمين المتطرف في أوروبا -التي تعتمد على خطاب كراهية الآخر واحتقاره وتفوق الجنس الأبيض والمحافظة على الهوية المسيحية- على الاستثمار في خوف البعض من ذلك الآخر وتأكيد ذلك الخوف وإبرازه وتحقيق الاستفادة منه، ساعدهم في ذلك الظرف السياسي المضطرب في العالم الإسلامي، ممَّا كان له أثر واضح في زيادة حجم العداء والإرهاب ضد المسلمين، خاصةً بعد نجاح تلك الأحزاب أن يكون لها موقع سياسي فاعل في بعض الدول الأوروبية.
فالمسلمون طبقًا للتقارير الدولية يمثلون الغالبية العظمى من ضحايا تنظيم "داعش" الذي طالت أعماله الإجرامية دولًا إسلامية كبرى، ومن الناحية الأخرى فالمسلمون أيضًا على رأس المستهدفين من عمليات عدوانية إرهابية في الغرب ضد الأجانب، والتي تزايدت في السنوات القليلة الماضية بشكل مفزع، حيث وصلت في دولة "ألمانيا" على -سبيل المثال- إلى 950 اعتداءً موثقًا ضد المسلمين والمساجد في عام 2017، بالإضافة إلى الأعمال الأخرى غير الموثقة، مقارنةً بـ416 هجومًا بين عامي 2001 و2016 ضد المسلمين والمساجد. وارتفع عدد المصابين جرَّاء الهجمات التي وقعت في عام 2018 إلى أكثر من 40 حالة، مقارنة بـ32 حالة إصابة في عام 2017، وفقًا لوزارة الداخلية الألمانية وإحصائيات مرصد الأزهر لمكافحة التطرف. وكذا الحال في بريطانيا ودول أوربية من ارتفاع ملحوظ لمعدل الاعتداءات على المسلمين، وبذلك يصبح المسلمون بين نارين، فهم الجاني -من خلال بعضهم القليل جدًّا والذي لا يمثل نسبة تذكر مقارنة بعدد المسلمين-، وهم من الناحية الأخرى أكثر المجني عليهم من العمليات الارهابية شرقًا وغربًا، غير أن دور الجاني هو الأكثر حضورًا في عقل الإعلام الغربي.
مثل تلك الحالة المتزايدة في أوروبا من كراهية الآخر والعدوان عليه -والتي حذر منها مرصد الأزهر لمكافحة التطرف مرارًا وتكرارًا- لا تهدد المسلمين وحدهم، بل الإنسانية جمعاء، يجب أن تكون دافعًا قويًّا للناس جميعًا شرقًا وغربًا إلى الإسراع في مقاومتها ومعالجة روافدها وأسبابها؛ إذ إنها مسؤولية مشتركة يجب أن نتحملها كلٌّ بحسب موقعه، فالسياسيون عليهم محاربة كل ما من شأنه الحض على كراهية الآخر واحتقاره من خلال تجريم "الإسلاموفوبيا" وغيرها من سياسات معادة الآخر، والتوقف عن استغلال الأحداث والثروات وكذا التوقف عن سياسات الهيمنة والتبعية. وعلى الإعلاميين والمثقفين العمل على تقديم خطاب متوازن وغير متحيز ينطلق من مبدأ الأخوة الإنسانية الذي رسخته بقوة وثيقة الأزهر وحاضرة الفاتيكان، وعلى المفكرين وعلماء الدِّين تدعيم مبادئ قبول الآخر، ونشر ثقافة التنوع، ودحض الآراء المنقضية التي تتبنى رفض الآخر.


 وحدة الرصد باللغة الألمانية

 

طباعة