أوقِفوا هذا السَّيْل!!!

  • | الثلاثاء, 7 مايو, 2019
أوقِفوا هذا السَّيْل!!!

     ممَّا لا شكَّ فيه أنَّ تدنيسَ المساجد، وحرقَ المصاحف، والفصلَ من العمل بسبب ارتداء الحجاب، والسبَّ والضربَ الذى يتعرَّضُ له المسلمون في الدول الأوروبية، لهو دليلٌ قاطعٌ وبرهانٌ ساطعٌ على تنامي "مؤشر الأعمال العدائية ضدّ الإسلام والمسلمين هناك". ونرى لذلك عِلَّتَيْن أولهما، صعودُ مؤشّر انتشار الإسلام وزيادة أعداد المسلمين، أو ما يُسمُّونه "أسلمة أوروبا"، في الوقت الذي تعتقد فيه "أوروبا" بأنَّ قِيم الإسلام لا تتوافقُ مع مفاهيمَ الديمقراطيّة وحقوق الإنسان. ويتمثَّلُ ثانيهما في هيمنة أحزاب "اليمين المتطرّف" على الساحة السياسيّة في "أوروبا"، والمُتمثّلة في رفض الآخر من خلال معاداة الأجانب، والرغبة في وقف تَدَفُّق المهاجرين واللاجئين، وانتقاد الوضع السياسيّ الحاكم في البلاد، لاسيما في البلاد التي تستقبل اللاجئين أو تُطالب الدول الأخرى باستقبالهم، والدفاع عن الهويّة الأوروبيّة والقوميّة الوطنيّة؛ حيث استغلَّت الأحزاب اليمينيّة تلك المزاعمَ وبرَّرَتها بتدهور الحالة الاقتصاديّة للشعوب الأوروبيّة، وإرهاقِ المواطن الأوروبيّ بضرائبَ باهظةٍ دون مردودٍ فِعليٍّ لتحسين الخدمات وجودتها على أرض الواقع، فضلًا عن تَدهْور الخدمات العامة في البلاد مِن صحةٍ وتعليمٍ. ناهيكَ عن ربط هذه الأحزابِ كلَّ ما هو سلبيٍّ في البلاد بوجود المهاجرين على الأراضي الأوروبيّة، مطالبةً الحكومات الأوروبيّة بوضع نظامٍ ثقافيٍّ، واجتماعيٍّ، واقتصاديٍّ، وسياسيٍّ، لحماية الهويّة الأوروبيّة والحفاظ عليها. فجرائمُ الكراهيةِ التي تُرتكبُ في حقِّ الإسلام والمسلمين هي نتَاجُ الخطاب المُتشدِّد للجماعات المتطرّفة - التي تَزعُم انتماءها للإسلام-، والخطاب العنصريّ لليمين المتطرّف، ودائمًا ما يكونُ ضحيّة هؤلاء هم المسلمون وحدهم.

إنَّ تنامي "الأعمال العدائية ضد الإسلام والمسلمين في أوروبا" يُعَدُّ مؤشرًا أوليًّا للسير على طريق بناء "الفِكر المتطرّف" المؤدّى إلى "العنف والإرهاب"، كما أنَّ تزييفَ الواقعِ يضمنُ تغذية المناخ الملائم لاستمرار وتطور ذلك الفِكر، والذي يُفرِّخُ أجيالًا متباينةً ومتجدِّدَةً من الإرهابيّين، تَصحبُها ألوانٌ جديدةٌ من العنف والتي لم تكنْ تعرفُها الأجيالُ السابقة لهم، وهذا ما شاهدناه في الآونة الأخيرة من تفنُّنٍ في تنفيذ العمليات الإرهابيّة، ما يضعُ العاملين في مجال مكافحة الفِكر المتطرّف أمام معادلةٍ صعبةٍ، تتمثَّلُ في كيفيّة التصدِّي لهذا الفِكر القادر على تطوير حواضنه وأيديولوجيته، لاسيما في بيئات الصراع والخلاف الملائمة لانتشار مثل هذا الفِكر.

وإذا ما أمْعنَّا النَّظر في طبيعة المجتمع الفرنسيّ، نجد أنَّ "الإسلام" لا يزالُ موضعَ الاتّهام من قِبَلِ الفرنسيّين؛ حيث نشرت اللجنة الاستشاريّة الوطنيّة لحقوق الإنسان (CNCDH)، يوم الثلاثاء 23 أبريل 2019،  تقريرَها السنويّ البالغَ نحو 300 صفحةٍ، تحت عنوان " العنصريّة ومعاداة السامية وكراهية الأجانب في فرنسا"، والذي كشف عن أنَّ الفرنسيّين ليسوا مُتسامحين أبدًا مع الإسلام وأهلِه رُغْمَ التهديد الإرهابيّ الذي مازال حاضرًا وبقوة، وأنَّ الإسلامَ يُسبّبُ لهم حالةً من التوتُّر، ووافق ذلك استطلاعٌ أجرته جريدةُ "لوفيجاروا" الفرنسيّة، والذي أظهر أنَّ نسبة 29% من الفرنسيّين لديهم "منظورٌ سلبيٌّ" تجاه الدّين الإسلاميّ، فأربعةُ أشخاصٍ من كلِّ عشرةٍ يرَوْن أنَّ الإسلامَ يُشكّل تهديدًا قويًّا على الهُويّة الوطنيّة الفرنسيّة.

كما أنَّ حوالي 85٪ من الفرنسيّين يعتبرون ارتداء النساء المسلمات للنقاب غير متوافقٍ مع قِيَمِ المجتمع الفرنسيّ، في حين يعتقد نحو 80٪ من الفرنسيّين أنَّ "المسلمين الفرنسيّين مواطنون فرنسيّون مثل الآخرين". ويرى نحو 81٪ منهم أنّه يجبُ السماحُ لهم "بممارسة شعائرهم الدينيّة في ظروفٍ جيّدةٍ". وأشار التقريرُ الذى نشرته جريدةُ "لو فيجارو" إلى أنَّ مؤشّرَ الأعمال العدائيّة التي يتعرّضُ لها المسلمون في "فرنسا" في انخفاضٍ منذ عام 2015.

ورُغْمَ ذلك، فقد تعرّضت عدةُ مساجدَ في الآونةِ الأخيرة في "فرنسا"، لمظاهرَ عدائيّةٍ تَهدُف إلى تدنيسها، مثل تعليق رؤوس الخنازير على أبواب البعض منها، و تلطيخ جدرانها بالدماء، ورسم الصلبان المعكوفة، بإقليم شارانت- ماريتيم، على سبيل المثال.

وعلى صعيدٍ آخرَ، ألغَتْ محكمةُ الاستئناف بمدينة "فرساي" الفرنسيّة الحكمَ الصادرَ ضدَّ مهندسةٍ في شركة " Micropole" بالفصل من الوظيفة، بسبب رفضها خلع حجابها، وذلك بعد صدور حكمٍ من محكمة النقض بفصلها، وشكَّكت هذه الفتاة في العدالة الأوروبيّة عند النظر في هذه القضية منذُ اللحظات الأولي. وأدانت المحكمةُ الشركةَ التي قامت بفصل المُوظّفة بسبب ارتدائها الحجاب، وأَلزَمتْ الشركةَ بدفع 15.234 ألف يورو إلي الموظفة كتعويضٍ، وذلك حسبما ذكرت وكالةُ الأنباء الفرنسيّة "فرانس برس" نقلًا عن مصادرَ قريبةٍ من الملف.

كما دفعت ممارساتُ الكراهية التي أقدم عليها "راسموس بالودان"  - مؤسس حزب "سترام كورس" اليمينيّ المتطرّف بالدنمارك – المئاتَ من المسلمين إلى تنظيم مسيرةٍ كبيرةٍ، يوم 19 أبريل 2019، للتنديد بانتهاك هذا المدعو لحرمة القرآن الكريم.  وحمل المتظاهرون نسخًا من المصحف الشريف أثناء المسيرة، معبِّرين بقوةٍ وغضبٍ عن رفضهم التامّ لامتهان الكتاب المُعَظَّم بهتافاتٍ على شاكلةِ :  "احترموا القرآن"، "كفانا عنصريّة"، "الاحترامُ للأديان". بالإضافة إلى شعاراتٍ كثيرةٍ تمَّ رفعُها تدعو إلى احترام الإسلام شأنه في ذلك شأن كافة الأديان، وإلى نبذ التطرّف وكراهية الأجانب والعنصريّة البغيضة بالإضافة إلى التّمَسُّك بقِيَمِ التسامُح والتعايُش المشترك، تلك القِيَم المؤسسة لدول الشمال الأوروبيّ.

وطالب العديدُ من المشاركين في التظاهرات بسنِّ قوانينَ لمناهضة ازدراء الأديان، تلك القوانين التي قام البرلمان الدنماركيّ بإلغائها في شهر يونيه 2017، ذلك الإجراء الذي فتح الباب باسم حرية التعبير أمام المتطرّفين اليمينيّين والمُجترئين على الإسلام لكي يمارسوا كراهيتَهم والتعبيرَ عنها دونما أيّ خوفٍ من أيّ عقوبةٍ.

من ناحيةٍ أخرى ، قال "توماس آبيرج" المسئول عن مراقبة خطاب الكراهية على شبكة الإنترنت، إنَّ 50% من الجرائم التي تُرتكبُ عبرَ شبكة المعلومات الدوليّة تستهدفُ المسلمين في دولة "السويد"، وإنَّ نسبة 22% من هذه الجرائم ضدَّ طالبي اللجوء، في حين وصلت نسبةُ الجريمة ضدَّ المُنحدرين من أصلٍ إفريقيٍّ إلى 21%، وذلك بحسب ما ذكر موقع «bladi.net».

وأضاف "آبيرج" في مداخلةٍ عبر شاشة التليفزيون السويديّ «SVT»، أنَّ تقاريرَ الشرطة السويديّة أظهرت مُعدّلَ جرائمِ الكراهية على الإنترنت التي تضاعفت لثلاث مراتٍ خلال عام 2018 في المدن السويديّة، مؤكِّدًا على أنَّه ليس من المُستبعد رؤيةُ الكثير من تلك الإساءات في ظلّ النَّجاح المتواصلِ لوسائلَ التواصل الاجتماعيّ.

 

وأوضح المسئولُ عن مراقبة خطاب الكراهية أنَّ هؤلاء المجرمين وغيرهم من العنصريّين يتخفّون وراء شاشات الحواسيب، ويبذلون قصارى جهدهم لبثّ الكراهية دون خوفٍ من حسابٍ، مشيرًا إلى أنَّ الأشخاصَ الذين يقومون بتلك الجرائم تزيدُ أعمارهم على 50 عامًا، بنسبة 83% من الرجال، و17% من النساء. 

فإلامَ ستكونُ الجاليةُ المسلمةُ في بلاد الغرب ضحيةً للشكّ والريبة، وسيتمُّ تشبيهها بالإرهابيّة، واتّهامها بأنَّها تُشَكِّل تهديدًا للغرب، وهو تصوُّرٌ يُعزِّزُ زيادةَ جرائم الكراهية؟ وإلامَ ستكونُ النساءُ المحجباتُ ضحايا للأعمال العنصريّة؟ وإلامَ سيظلُّ المسلمون يتعرّضون إثرَ كلِّ هجومٍ إرهابيٍّ أو إحياءِ ذكرى بعض الهجمات، للوصْم؟

ومرصدُ الأزهر إذْ يُتابعُ بقلقٍ معدّلَ ارتفاع نسبة الجريمة الإلكترونية ضدَّ المسلمين في العالم، فإنَّه يُندِّدُ بتلك الممارسات المتطرّفة والسلوك العدوانيّ النّاجمِ عن خطاب الكراهية الذي يُهدّد الأمن الفكري للأفراد، ويُقوّض من فرص التعايُش السلميّ في المجتمعات. ويحاولُ المرصدُ جاهِدًا الوقوف على جذورِ هذه المشكلة ليقتلعَها ويُصحِّحَ المفاهيم المغلوطة التي عَصفتْ بالأذهان؛ حتي يُبيِّنَ للعالم أنَّ شراذمَ قليلةٍ زاغ فكرُها وانحرفتْ أيديولوجيتُها، لا تعي صحيحَ الدّين وكُنْهِه لا ينبغي أنْ تُتَّخذَ مثلًا وتعميمًا لسلوكيّات المسلمين.

 

طباعة