ذكرى يوم الأسير الفلسطيني .. والمعركة مع الاحتلال الصهيوني

  • | الخميس, 16 مايو, 2019
ذكرى يوم الأسير الفلسطيني .. والمعركة مع الاحتلال الصهيوني

ذكرى يوم الأسير الفلسطينيّ لم تكن فلسطينُ تعرف لها معنى قبل أن يُخيّمَ شبحُ الاحتلال على أراضيها، بقمعه وبطشه ووحشيته؛ فلم يكتفِ الاحتلالُ الصهيونيُّ منذ سلبه للأراضي الفلسطينيّة بالقتل وسفك دماء، وإنّما قام بفتح السجون والمعتقلات، وأخذ يملؤها بالنساء والرجال والأطفال والشيوخ، بيْدَ أنَّ الأسرى الفلسطينيّين الأحرارَ سطروا -وما زالوا يسطرون- بصمودهم أروعَ وأسمى معاني العزّة والكرامة. وامتدادًا لسلسلة النّضال والصمود، وبالتزامن مع ذكرى يوم الأسير الفلسطينيّ سجَّل الأسرى الفلسطينيّون انتصارًا جديدًا على السجًّان الصهيونيّ، ولم يكن للأسرى سلاحٌ في هذه المعركة سوى أمعائهم الخاوية، تلك التي جابهوا بها سلطات الأسْر القمعيّة؛ إذْ لم يرضَ الأسرى الأحرارُ أنْ يخنعوا أو يخضعوا للانتهاكات التي تُمارَس ضدّهم.

 

تصاعدت وتيرةُ جرائمَ الاحتلال في ظلّ تزايد مُعدّل الاعتقال، وبات الاحتلالُ الصهيونيّ يتفنَّنُ في إلحاق أصناف العقاب والعذاب بالأسرى الفلسطينيّين جسديًّا ونفسيًّا؛ حيث شهدت سجونُ الاحتلال منذ مطلع العام الحالي سلسلةً من الأعمال القمعيّة اللاإنسانيّة من تعذيبٍ وتنكيلٍ وتضييقٍ، وآخرها حين قامت إدارةُ السجون بتركيب أجهزة تشويشٍ داخل المعتقلات، وهي أجهزةٌ حذَّرت مصادرُ طبيةٍ عدَّةٍ من أنَّها قد تُسبّب أمراضًا خطيرةً للمعتقلين على المدى الطويل، بسبب ما تُصدره من طنينٍ مُزعِجٍ، كلُّ هذه الأمور جعلت الأوضاعَ في المعتقلات الصهيونيّة تلتهبُ أكثر وأكثر.

ولم يصمتْ الأسرى الفلسطينيّون الأحرارُ على هذه المعاملة غير الآدميّة التي يتعرضون لها، فلم تمنعْهم القضبانُ من الثورة والاحتجاج، فعارضوا سلطات الاحتلال وطالبوا بتوفير الحقوق التي تكفُلُها لهم العهودُ والمواثيقُ الدوليّة، وهو ما قُوبِل بقمعٍ وحشيٍّ مُعتادٍ من قِبَلِ قوات الاحتلال؛ فقد شهد عددٌ من السجون اعتداءاتٍ وحشيّةٍ في الفترة الأخيرة، منها ما وقع في سجن النقب التي وصفها الأسرى بأنّها "داميةٌ"؛ حيث صرّح محامي "هيئة شؤون الأسرى الفلسطينيّة" -نقلًا عن الأسرى- أنَّ ساحاتِ السجن تحوّلت إلى بركةٍ من الدماء بعدما تعرَّض الأسرى للضرب المبرح، والذي أدّي إلى إصابة العشرات بجراحٍ، ونُقل نحو (15) أسيرًا إلى المستشفيات بسبب تدهور حالتهم الصحيّة. كما قامت سلطاتُ الاحتلال بمعاقبة عددٍ منهم بالعزْل الانفراديّ، وسحبت منهم الفُرُش والأغطيّة، وشهد سجنُ "عوفر" كذلك مواجهاتٍ داميةٍ أدّت إلى إصابة نحو (150) أسيرًا فلسطينيًا، بالإضافة إلى عددٍ من السجون الأخرى التي شهدت اعتراضاتٍ واعتداءاتٍ شبيهةٍ.

وردًّا على هذه الانتهاكات، يدخلُ الأسرى الفلسطينيّون في معركة "الكرامة 2"، وإنْ شئتَ فقُلْ معركةَ "الأمعاء الخاوية"؛ إذْ ليس لديهم سلاحٌ يقاتلون به في معركتهم هذه سوى أمعائهم الخاوية في معركةٍ تُعبّر عن أسمى معاني الصمود والمقاومة،؛ حيث نقلت الصحفُ والمواقعُ الناطقةُ بالعبريّة تصريحَ "حسن عبد ربه" الناطقِ الرسميِّ باسم "هيئة شئون الأسرى"، والذي ذكر فيه أنَّ الأسرى الفلسطينيّين سيبدؤون داخل سجون الاحتلال إضرابًا مفتوحًا عن الطعام؛ حيث ستبدأُ مجموعةٌ منهم يوم7 أبريل 2019، على أنْ تلحقَ بها مجموعةٌ ثانيةٌ في 17 من الشهر ذاته.

وتخوّفًا من نتائج هذا الإضراب في ظلّ مساندات العديد من المنظمات المجتمعيّة لقضيّة الأسرى، وعلى الرغم من أنَّ سلطاتُ الاحتلال أجرتْ عددًا من المفاوضات مع هيئة الأسرى الفلسطينيّة، فإنَّ المفاوضاتِ بينهما في بدايتها وصلت إلى طريقٍ مسدودٍ بعدما رفضت سلطاتُ الاحتلال الاستجابةَ لمطالبَ الأسرى، والتي تمثَّلتْ في إزالة أجهزة التشويش، وإعادة زيارات أهالي أسرى قطاع غزّة، وعدم التوصُّل إلى اتفاقٍ حول تركيب أجهزة تليفونات عموميّة بين أقسام السجون، وعدم إنهاء عزْل الأسرى المعاقبين إثر الأحداث الأخيرة في سجن النقب الصحراويّ، ووقف عمليات الاقتحام والتنكيل والإهمال الطبي بحقهم وغيرها من المطالب، وهو ما ترتَّب عليه البدءُ الفعليُّ في الإضراب التامّ عن الطعام من جانب المجموعة الأولى من الأسرى الفلسطينيّين.

وبعد فشل المحادثات التي أُجريَتْ بين هيْئة الأسرى وسلطات السجون الصهيونيّة في السابع من أبريل، بعدما أظهرت الأخيرةُ مراوغةً ومماطلةً لإجهاض الإضراب، قرَّر الأسرى خوض الإضراب في اليوم التالي، وهو ما أجبر إدارة السجون على الرُّضوخ لمطالب الأسرى المضربين؛ حيث تمَّ التوصُّل لاتفاقٍ يتحقَّقُ من خلاله ما انتفضوا لأجله وهو إزالةُ أجهزة التشويش المُسرطنة وتحييدها، ثمّ الموافقةُ لأول مرةٍ على تركيبِ هواتفَ عموميّةٍ في جميع أقسام السجون التي يتواجدُ بها أيُّ أسيرٍ فلسطينيّ.

كما تمَّ الاتفاقُ على إعادة الأوضاع الحياتيّة في كافّة أقسام السجون إلى ما كانت عليه قبل السادس عشر من فبراير من العام المُنْصَرم، وهو التَّاريخُ الذي شهدَ بداية الأحداث التي رافقت تركيب أجهزة التشويش المُسرطنة وما تلاها من إجراءاتٍ عقابيّةٍ واسعةٍ، بالإضافة إلى تحقيق جملةٍ من المطالب الإنسانيّة الأخرى، على رأسها خروجُ الأسرى المعزولين من العزْل الانفراديّ.

ومن جانبها أكّدت الهيئةُ العامّةُ للأسرى أنَّ المعركةَ لم تنْتَه بعد، فالمرحلةُ الأصعبُ هي تنفيذُ ما تمَّ الاتفاقُ عليه من بنودٍ ومطالبَ تُوفّرُ للأسرى حياةً آدميّةً كريمةَ.

في وطنٍ حوّله الاحتلالُ الغاشمُ إلى سجنٍ كبيرٍ؛ حيث بنى الاحتلال الصهيوني (22) سجنًا داخل الأراضي الفلسطينيّة المُحتلّة عام 1948م، وبلغ عددُ الأسرى الفلسطينيّين الذين يقبعون في غياهبَ هذه السجون حوالي (5000) أسيرٍ، أقدمهم "كريم وماهر يونس"، ومن بينهم (550) أسيرًا محكومًا عليهم بالمؤبّد.

ولم تسلمْ النساءُ من بطش الاحتلال، فاعتَقلَ كثيرًا منهنَّ؛ وضمّ سجنُ "الدامون" وحده حوالي 54 امرأةً، من بينهنَّ (22) امرأةً متزوجةً، لديهنَّ (69) طفلًا حرمهم الأَسْرُ من أمهاتهم؛ حيث يَمنعُ الاحتلالُ أن يكونَ أيُّ طفلٍ مع أمّه في الأسْر.

ومن بين هؤلاء الأسرى نحو (350) طفلًا فلسطينيًّا لم تتجاوزْ أعمارُهم (18) عامًا، يقبعون خلف قضبان الاحتلال، من بينهم حوالي (100) طفلٍ دون العشر سنوات مسجونين داخل منازلهم، من خلال أجهزةٍ على شكل حلقةٍ مُدوّرةٍ مُعلَّقةٍ في أقدامهم، موصولةٍ -عبر تقنيةٍ إلكترونيةٍ مُعينة- بإدارة المحكمة الصهيونيّة، لكي تعطيها إنذارًا في حالة إذا ما غادر الطفلُ منزلَه؛ حيث تُوقَّعُ على أهله عقوبةٌ ماليّةٌ مرتفعةٌ. ويُذكر أنَّ هناك أطفالًا محكومٌ عليهم بالأسْر لفتراتٍ تصلُ إلى (18 و20) عامًا.

وجديرٌ بالذكر أنَّ "الكنيست" الصهيونيَّ قد سنَّ عددًا من القوانين التي تزيدُ من معاناة الأسرى وذويهم، منها قانونٌ يمنعُ الإفراجَ المُبكِّرَ عن أيِّ مُعتقَلٍ أمنيٍّ فلسطينيٍّ، حتى وإن كانت حالتُه الصحيّةُ خطيرةً ومتردّيةً جدًّا. ومن هذه القوانين كذلك تغريمُ أهالي الطفل الأسير حتى سنّ 12 عامًا غراماتٍ ماليّةٍ عاليةٍ جدًّا في حالة إذا ما غادر منزلَه أثناء فترة الأسْر.

ومن ناحيةٍ أخرى، وعلى الرغم من أنَّ الكيانَ الصهيونيَّ المغتصب لم يتوانَ عن قمعه وانتهاكاته، بل اعتاد اللجوءَ لكلّ الوسائل والأساليب غير الإنسانيّة في التعامل مع الأسرى الفلسطينيّين، والتي تتعارضُ مع قواعد القانون الدوليّ الإنسانيّ باعتبارها انتهاكًا صارخًا للأعراف والمواثيق وتحديًّا للقانون الدوليّ لحقوق الإنسان واتفاقيّات جنيفَ الأربعِ وبرتوكولها الملحق بها؛ لكونها تسلبُ الحقوقَ المُكتسبَةَ للسجناء المعزولين داخل زنازينَ الاحتلال الصهيوني، على الرغم من هذا فإنَّ الأسْرى وهم في حالتهم هذه لا يتخلّون عن سلاحهم القويّ وهو الإرادةُ الممزوجةُ بإيمانٍ لا يتزعزعُ بحتميّة انتصارهم على سجّانيهم؛ فصاحبُ الحقِّ وإن كان أسيرًا فهو في الحقيقة من خلال إرادته الحرّة وعزيمته القوية يتغلّبُ على سجّانه.

وحدة الرصد باللغة العبرية

طباعة