قراءةٌ في ملف اعتقالات العناصر الإرهابية في إسبانيا عام 2018

  • | الإثنين, 20 مايو, 2019
قراءةٌ في ملف اعتقالات العناصر الإرهابية في إسبانيا عام 2018

     ما زال العالمُ يخوض حربًا مجهولةَ النتائج والمدى ضدَّ الإرهاب الأسود، الذي ينتشرُ كالسرطان القاتل في جسد الشعوب والمجتمعات في الشرق والغرب، وبرغم ما تتخذُه الحكوماتُ والسلطاتُ من إجراءاتٍ احترازيّةٍ واستباقيّةٍ وردودِ أفعالٍ على نشاط الجماعات المتطرّفة، تبقى العناصرُ المشبوهةُ معضلةً كبيرةً أمام أجهزة الأمن، خاصةً في أوروبا. 

وتواصلُ وحدةُ الرصد باللغة الإسبانيّة تسليطَ الضوء على العمليات الأمنيّة التي قامت بها السلطاتُ الإسبانيّةُ خلال الأعوام الأخيرة، ونستعرضُ في هذا التقرير العملياتِ الأمنيّة والاعتقالات التي تمَّتْ في عام 2018، أيْ بعد هجمات برشلونة وكامبريلس في أغسطس 2017، والتي راح ضحيتها 14 شخصًا، وأُصيب قرابةُ مائةٍ آخَرين. وكان "مرصد الأزهر" قد حذّر قبلها من أنَّ إسبانيا تحديدًا لن تظلَّ بعيدةً عن تهديدات "داعش"، على الرغم من الإجراءات التي تتخذُها السلطاتُ الأمنيّةُ والقضائيّةُ في هذا الصدد.

       والمتتبِّعُ لهذا الوضع في إسبانيا؛ يجد أنَّ عمليات الاعتقال لمواجهة التنظيمات المتطرّفة قد تواصلت منذ مطلع عام 2018؛ حيث اعتقلت قوات الأمن الإسبانيّة طوال العام 58 متطرّفًا خلال 23 عملية مداهمةٍ أمنيّةٍ، الأمرُ الذي يدلُّ على متابعة أنشطة الجماعات المتطرّفة بعد حادث برشلونة وكامبريلس في 2017، وهو العامُ الذي شهد أكبرَ عددٍ من العمليّات الأمنيّة بواقع 51 عمليّةً، مقارنةً بعام 2016، والذي كان قد سجّل 24 عمليةً، في حين كان العدد 29 عمليةً في عام 2015، و12 عمليةً في عام 2014، و5 عملياتٍ فقط في عام 2013، ومن هذه الأرقام نستخلصُ أنّه لا يزالُ عددُ العمليات التي نُفّذَتْ وعددُ الأشخاص المعتقلين مماثلًا للسنوات الأربع الماضية، باستثناء العمل الشاقّ والمكثّف الذي قامت به قواتُ الأمن الإسبانيّة في عام 2017، وفي سياقٍ متصلٍ اعتقلت قواتُ الجيش والشرطة الإسبانيّة 281 متطرفًا، وذلك منذ أن رفعتْ وزارة الداخلية مؤشّرَ التأهُّب الأمنيّ إلى المستوى الرابع في يونيو 2015م، أمَّا إجمالي عددِ المعتقلين منذ بداية عام 2015 وحتى نهاية 2018 قد وصل إلى 326 شخصًا.

Image

 

وبنظرةٍ سريعةٍ إلى عمليات الاعتقال في عام 2018، نجد أنَّه خلال الأربعة أشهر التالية: يونيو، ويوليو، وسبتمبر، ونوفمبر، لم تُنفّذ أيّةُ عمليّاتٍ أمنيّةٍ ضدَّ عناصرَ الإرهاب، الأمرُ الذي لم يحدثْ منذ عام 2014، كما تجدرُ الإشارةُ إلى أنَّ شهرَيْ مايو وأكتوبر نُفّذت فيهما أكثرُ عملياتِ الاعتقال للمشتبه بكونهم على صلةٍ بالإرهاب؛ حيث كان مجموعُهما 38 متطرفًا – منهم 9 متطرفين في شهر مايو و29 متطرفًا في شهر أكتوبر- خلال 5 عمليّاتٍ أمنيّةٍ، كما وُجد أنَّ هناك تباينًا في أعداد المعتقلين بين شهري يناير وأغسطس؛ حيث أُلقي فيهما القبضُ على ثلاثة متطرّفين، أحدهم في يناير واثنيْن في أغسطس، وفي شهري فبراير ومارس أُلقيَ القبضُ على ستة متطرّفين بواقع ثلاثة متطرّفين في كلِّ شهرٍ، وفي شهري أبريل وديسمبر أُلقيَ القبضُ على 11 متطرفًا بواقع خمسةِ وستة متطرّفين على الترتيب. وفي الجدول التالي رسمٌ توضيحيٌّ لأعداد المعتقَلين والعمليّات الأمنيّة منذ يناير وحتى ديسمبر 2018.

Image

 

جديرٌ بالذكر أنَّ غالبيةَ العمليّات الأمنيّة نُفذت في برشلونة؛ وكان عددُها 8 عمليّاتٍ أُلقيَ القبضُ خلالها على 10 متطرّفين، كما نُفذتْ 12 عمليّةً في المدن التالية: "غيبوثكوا"، و"ألابا"، و"جزر الكناري"، و"مرسية"، و"أليكانتي"، و"بلنسية" بواقع عمليتيْن في كلِّ مدينة، كما نُفذت أربعُ عمليات في كل من "بيسكاي" و"نابارا" و"وادي الحجارة" و"مالقة" بواقع عمليّةٍ واحدةٍ في كلِّ مدينةٍ.

ولعلَّ أبرزَ الحملات الأمنيّةِ لهذا العام، هي العمليّةُ الأمنيّةُ المُسمَّاةُ بـــ "إسكريبانو" La Operación Escribano، وكانت بتاريخ 2 أكتوبر 2018، وتمكّنتْ قواتُ الحرس المدنيّ بالتعاون مع الأمانة العامة لمصلحة السجون في إسبانيا من تفكيك شبكةٍ إرهابيّةٍ مُكوّنةٍ من 25 شخصًا من السجناء في 17 سجنًا إسبانيًّا، والغالبية العظمى من هؤلاء يحملون الجنسيّة الإسبانيّة بنسبة 48%، ثم الجزائرية بنسبة 20%، ثم الدنماركية بنسبة 12%، ثم الفرنسيّة والبرازيلية بنسبة 8%، والمغربية بنسبة 4% من إجمالي عدد المعتقلين خلال تلك العملية، جديرٌ بالذكر أنَّ غالبيةَ عناصرَ هذه الشبكة المتطرّفة من المتورّطين في جرائمَ إرهابيّةٍ، إضافة إلى عدد مرتكبي الجرائم العامة. وقد تمكّنتْ عناصرُ المراقبة الأمنيّة داخل السجون من تحديد جميع عناصر هذه الشبكة، والذين كانوا يتواصلون عن طريق البريد العاديّ؛ إذْ إنَّ استخدام الهواتف المحمولة والدخول إلى مواقع الإنترنت من الأمور المحظورة داخل السجون في إسبانيا، وقد أوضحت وزارة الداخلية الإسبانيّة أنَّ هذه العمليةَ تُعدُّ الأولى من نوعها في أوروبا، ويُعزى هذا التطوّر إلى برنامج الرقابة الصارمة الذي فرضته إسبانيا على العناصر الإرهابيّة داخل السجون بعد أنْ فَطِنَت إلى وجود مؤشراتٍ أوّليّةٍ تُنَبّئُ بتزايد عمليات التجنيد بين صفوف السجناء، لا سيّما من لديهم استعدادٌ لانتهاج الفكر المتشدّد، و يوضح الشكلُ التالي جنسياتِ المعتقلين خلال هذه العلمية في 2018.

Image

 

وقد أفادتْ آخرُ الإحصائيّات حول أعداد السجناء المتورّطين في أعمالٍ إرهابيّةٍ - في منتصف أغسطس الماضي 2018- أنَّ إجمالي عددهم في السجون الإسبانيّة قد بلغ 134 شخصًا منهم 40 سجينًا يتْبَعون تنظيمَ القاعدة؛ وبقيّتهم من أتباع تنظيم داعشَ الإرهابيّ. ويُضافُ إلى هذا العدد أعدادُ السجناء العاديّين الذين يُعتبرون متطرّفين، ويخضعون لمراقبةٍ من مؤسّسات السجون؛ حيث يوجد 118 سجينًا، منهم 35 من المنخرطين في التجنيد، بينما تَظهرُ على الباقيين -والبالغ عددهم 83- سمات التطرّف. ولم تحقّقْ خطةُ إعادة التأهيل والاندماج التي أطلقتها الداخليةُ الإسبانيّةُ في السنوات الأخيرة نجاحًا سوى مع 23 عنصرًا من هؤلاء السجناء.

وفيما يتعلّقُ بأعمار المعتقلين خلال 2018، تجدرُ الإشارةُ إلى أنَّه لم يتمّ اعتقالُ أيَّ طفلٍ قاصرٍ في هذا العام، مقارنةً بالعام السابق 2017، والذي اعتُقل خلاله 3 من القُصَّر. جديرٌ بالذكر أنَّ أصغرَ معتقلٍ طوال عام 2018 كان يبلغ من العمر 19 عامًا، وهي امرأةٌ تمَّ احتجازُها في برشلونة؛ ولكن سرعانَ ما تمَّ إطلاقُ سراحها بعد بضعِ ساعاتٍ. وكان أكبرُ معتقلٍ يبلغ من العمر 58 عامًا؛ حيث أُلقيَ القبضُ عليه في مقاطعة "أليكانتي". أمّا الفئةُ العمريّةُ ما بين 26 و 38 عامًا فهم يمثلون 65% من إجمالي أعدادِ المعتقلين المحتجزين خلال العام. وعلى الرغم من أنَّ عدد النساء اللائي اعتُقِلن في عام 2018 مقارنةً بالسنوات السابقة يُعدُّ قليلًا جدًّا- بواقع امرأةٍ واحدةٍ على مدار العام 2018-، فإنَّنا يجبُ ألّا ننسى أنَّ النّساء ما زلْنَ يلعبْنَ دورًا مُهمًّا في صفوف داعشَ عن طريق عمليّات تجنيد الأُخريَات وإقناعهنَّ بالانتقال إلى مناطقَ الصراع والمعاقلِ الجديدة للتنظيم، سعيًا وراء أحلامٍ زائفةٍ أو من خلال نشر الدعاية المتطرّفة عبر مواقع التواصلِ الاجتماعيّ المختلفة.

Image

 

ويرى مرصدُ الأزهر لمكافحة التطرّف ضرورةَ العملِ على تضافر الجهود وتعزيز التعاون المشترك في مجال مكافحة التطرّف بين مختلف المؤسّسات والهيئات الرسميّة وغير الرسميّة للحدِّ من انتشار هذه الظاهرة والقضاء على أذناب الجماعات الإرهابيّة، كما يدعو إلى احتضان الجاليات الأجنبيّة المختلفة داخل إسبانيا وتشجيعهم على الاندماج داخل المجتمع الإسبانيّ، والتعاونِ مع السلطات من خلال الإبلاغ عن أيّة حالةٍ يُشتبه في تطرّفها لتجنيب المجتمع ويلات العمليّات الإرهابيّة التي حصدت العديدَ من أرواح الأبرياء في الأعوام الأخيرة.

وحدة الرصد باللغة الإسبانية

طباعة