قراءة في التناول الإعلامي لبعض التصريحات العنصرية ضد الإسلام في ألمانيا

  • | الإثنين, 27 مايو, 2019
قراءة في التناول الإعلامي لبعض التصريحات العنصرية ضد الإسلام في ألمانيا

    في ظل الأحداث العالمية الأخيرة، وما حدث من هجوم على دور العبادة الإسلامية والمسيحية واليهودية، تكثر المؤتمرات والندوات لمناقشة هذه الموضوعات، ويصدر عنها العديد من التصريحات، ولا شك أن بعض هذه التصريحات يكون لها صدى أكبر من غيرها، وقد برزت بعض التصريحات ضد الإسلام والمسلمين، في اتهام ضمني بأن الإسلام كان سببا في بعض هذه الحوادث، خاصة الأحداث الإرهابية في سريلانكا.

فبعض هذه التصريحات لها أثر سيء على صورة الإسلام والمسلمين بشكل عام، وما أحداث نيوزيلاندا التي راح ضحيتها أكثر من خمسين مسلمًا ومثلهم من المصابين إلا نتيجة لهذا الخطاب العنصري الذي ينشر الكراهية ضد المسلمين منذ سنوات، ويشوه صورتهم، ويشيطنهم في العقل الجمعي الغربي، فينتج ردود أفعال تظهر في صورة أقوال أو اعتداءات عنصرية، سواء على الأفراد أو المؤسسات الإسلامية، مثل ما نرى من محاولة إحراق المساجد، أو تلطيخ جدرانها بالدماء، أو برسومات عنصرية، أو اعتداءات على المرأة المسلمة في الشارع، بسبب ارتدائها الحجاب. وهذه الاعتداءات تتزايد في الأعوام الأخيرة، خاصة بعد النشاط الملحوظ للأحزاب والجماعات اليمينية المتطرفة في عدد من الدول الغربية. وتبين التقارير الأمنية أنه في جمهورية ألمانيا الاتحادية قد بلغت الاعتداءات على المسلمين ما يقرب من 900 حالة في العام الماضي، أي ما يعادل ثلاث حالات يوميًا.

وعليه فإن مرصد الأزهر لمكافحة التطرف يتابع التصريحات التي تؤدي إلى انتشار ظاهرة الإسلاموفوبيا، وكيفية تناول الإعلام لها. ومن هذه التصريحات ما قاله المؤلف الألماني "تيلو ساراتسين" صاحب كتاب "الاستحواذ العدائي"- كيف يعرقل الإسلام تقدم المجتمع ويهدده؟ ففي محاضرة له في الثالث من أبريل 2019م في المسرح الفني بمدينة "ميونيخ" الألمانية، ادعى "ساراتسين" أنه قرأ القرآن وفهمه الفهم السليم من أوله إلى آخره، وتوصل إلى استنتاج واضح للغاية، وهو أن الإسلام لا يمكن أن يُسمى بـ "دين السلام والتسامح"، بيد أنه يتخذ من الدين ستار لإخفاء أيديولوجيته السياسية الداعمة للعنف، حسب زعمه.

في الوقت نفسه حذّر "ساراتسين" من التهديدات التي تواجه ألمانيا بصفة خاصة والغرب بصفة عامة، خاصة المتعلقة بالتغيير الديموغرافي بسبب ارتفاع معدل الهجرة من الدول الإسلامية إلى ألمانيا وأوروبا في العقود الأخيرة، الأمر الذي يمثل خطرًا كبيرًا؛ فاندماج المسلمين - من وجهة نظره - في جميع مناحي الحياة داخل المجتمع الغربي أسوأ وأصعب بكثير من اندماج غير المسلمين.

ولا شك أن كلام هذا المؤلف يتعارض مع آراء كثير من علماء الغرب المنصفين؛ ولذا فقد تم انتقاد كتابه على مستوى واسع من الأساتذة والعلماء داخل ألمانيا، إلا أن بعض الصحف كان لها رأي آخر، فقد نشرت جريدة "بي نيوز" (Pinews) خبرًا عن المحاضرة تحت عنوان "ساراتسين: القرآن يدعو إلى كراهية غير المسلمين وبه أيدولوجية داعمة للعنف". ولا شك أنه عنوان عنصري لافت للنظر، مثير للجدل، مثله مثل "تليو ساراتسين" نفسه.

ثم تتبنى الجريدة في شكل غير موضوعي آراء المؤلف، فتأتي بآراء كُتَّاب آخرين يؤيدون المؤلف في آرائه، فتقول الجريدة: "إنه على الرغم من انتقاد الصحافة في مجملها لهذا الكتاب ووصفه بأنه غير موضوعي، فإن "تيلمان ناجل"، المُتخصص في الدراسات الإسلامية والمستشرق الألماني المعروف بمعارفه الموضوعية، قد علَّق بأن "تليو ساراتسين" فهم وعرض الدين الإسلامي بشكل صحيح في كتابه "الاستحواذ العدائي"، وقد عالج المخاطر المحدقة بألمانيا وكذلك أوروبا بشكل دقيق"، وبعد العنوان النصي الذي وضعته الجريدة قالت أنه تم انتقاد الكتاب في العديد من الصحف، ولكنها لم تذكر رأيًا واحدًا من هؤلاء المنتقدين، بل ذكرت رأيًا لأحد المؤيدين، وهو أحد الأسماء المعروفة في الوسط الأكاديمي في ألمانيا، ثم وصفته بمعارفه الموضوعية، لترسخ في ذهن القارئ أنه سيقرأ رأيًا موضوعيًا من أحد الأساتذة الكبار، وهو ما يمهد  في عقل القارئ تصديق قوله وقبوله دون جدال، ثم تذكر رأيه بالتفصيل في هذا الكتاب.

 وفي هذا يرى المرصد أنه على الرغم من أن الأستاذ "تيلمان ناجل" أحد الشخصيات الأكاديمية المعروفة في ألمانيا، فإن آراءه عن الإسلام لا يمكن أن توصف بالموضوعية، بل هي أقرب إلى النقد غير المبني على أُسس، وذلك يظهر في العديد من كتاباته. ثم تتابع الجريدة ذكر الآراء المؤيدة للكاتب وللكتاب، من بينها آراء تقول إن من يريد أن يبحث في القرآن عن المحبة أو الرحمة أو التسامح أو رفض العنف أو مساواة المرأة يجب عليه أن يتجنب أغلب التفسيرات والأقوال في بيان معاني القرآن".

ونحن هنا نتعجب كيف لصحيفة تريد أن تصف نفسها بالموضوعية تذكر أشياء لا علاقة لها من قريب أو بعيد عن الإسلام. ولا نقول هذا لأننا مسلمون بل هناك كتابات لا حصر لها من كُتَّاب غير مسلمين امتدحوا القرآن الكريم وتعاليمه. من هؤلاء شاعر ألمانيا الأشهر على الإطلاق "يوهان فولفجانج فون جوته"، الذي امتدح الإسلام والقرآن الكريم في غير موضع، والمقام هنا يضيق عن ذكر الكُتَّاب والعلماء الغربيين القدماء والمعاصرين الذين أنصفوا الإسلام.

لكن "ساراتسين" ومن حذا حذوه يغضون النظر عن كل هذه الآراء، ويتبعون هواهم في فهم الدين الإسلامي، ويفسرون الأمور تبعا لأحقادهم فـ"ساراتسين" يقول مثلًا: "إن نصوص الإسلام تدعو إلى إهانة المخالف، والتعصب ضد المغاير في الفكر والاعتقاد، وتعوق الطموح العلمي، والرغبة في التغيير، وتعرقل العلاقة بين الجنسين، وتمنع تحرر المرأة، وتقود للأمية والزواج المبكر، وتسمح بالتخلف، وتعادي حرية التعبير والديمقراطية، وهكذا يمثل القرآن قيدًا أمام مستقبل العالم الإسلامي". وحقيقة لا ندرى أين وجد "ساراتسين" هذه الادعاءات في القرآن أو في السنة النبوية المطهرة، فالقرآن يقول مثلاً: )ولا تسبوا الذين يدعون من دون الله(، ويقول: )ولا تجادلوا أهل الكتاب إلا بالتي هي أحسن(، ويقول: )لا ينهاكم الله عن الذين لم يقاتلوكم في الدين ولم يخرجوكم من دياركم أن تبروهم وتقسطوا إليهم إن الله يحب المقسطين(.

كما لا ندري كيف يدّعي "ساراتسين" أن الإسلام يعيق الطموح العلمي، في حين أن القرآن الكريم والسنة النبوية يحضّان في غير موضع على العلم، ولكثرة النصوص في هذا السياق فإن المقام يضيق عن ذكرها. وأما العلاقة بين الرجل والمرأة فإن الإسلام لا يعرقلها بل ينظمها ويضع لها القواعد المنضبطة، فنموذج الأسرة في الإسلام هو نموذج متكامل بشهادة القاصي والداني، حتى بشهادة أكثر الغربيين نقدًا للإسلام. ولكن يبدو أن السيد "ساراتسين" لم يلتفت لكل هذه النصوص، ولا لآراء علماء الغرب، فكانت قراءته انتقائية مغرضة، تنمُّ عن حقد ظاهر، وهو ما يظهر أيضًا في قوله: "فبسبب الزواج المبكر أصبح العالم الإسلامي أكثر خصوبة من الغرب، وقد أدى ذلك إلى تغيير ديموغرافي وتفوق سكاني لشعوب العالم الإسلامي"، وكأنه يريد من المسلمين أن يتوقفوا عن إنجاب الأطفال حتى لا يحدثوا تغييرًا ديموجرافيًا، فأي ذنب للمسلمين في هذا الأمر، فهل هم يمنعون الغرب من الإنجاب أو يكرهونهم على هذا الأمر، ثم ألا يتذكر "ساراتسين" أن هؤلاء المسلمين هم الذين ساهموا في النهضة الصناعية في ألمانيا بعد الحرب العالمية الثانية، بعد أن فقدت ألمانيا معظم جنودها في هذه الحرب، ففتحت أبوابها للمهاجرين من بعض الدول الإسلامية، ليقوموا بدورهم في إعادة إعمار ألمانيا وتشغيل مصانعها.

واصل "ساراتسين" ادعاءاته العنصرية وتبنتها الجريدة في صورة لا يمكن أن نقول عنها إلا أنها ترغب في تشويه صورة المسلمين عن طريق الخداع ونقل الآراء المجتزئة من سياقها.

وهذا الأمر يتكرر في كثير من وسائل الإعلام، فجريدة "دير شبيجل"، الواسعة الانتشار، قامت بنشر حوار مع النائب البرلماني "فولكر كاودر"، الرئيس السابق للائتلاف بين الحزب المسيحي الديموقراطي والحزب المسيحي الاجتماعي. كان الحوار عن أحداث سريلانكا والعلاقة بين المسلمين والمسيحيين. وعلى الرغم من طول الحوار وتنوع موضوعاته، فإن الجريدة اختارت له عنوانًا مثيرًا للجدل فقالت في العنوان على لسان "كاودر": "أينما يكون المسلمون الأكثرية، فإن الأديان الأخرى تعاني"، ثم قدمت "كاودر" على أنه يهتم منذ سنوات بالحرية الدينية، وباضطهاد المسيحيين، وهذه حقيقة فهو له جهود مشكورة في هذا الأمر، لكن طريقة عرض الموضوع تشعر أن الإسلام يضطهد المسيحيين، وربما كان السيد "كاودر" يقصد حالات بعينها، إلا أن العنوان قد عرض الموضوع وكأنه أمر عام. وهذه بعض النقاط التي وردت في هذا الحوار:

 المجلة: السيد كاودر، أنت تعمل منذ زمن طويل ضد اضطهاد المسيحيين، فهل تمثل هجمات "سريلانكا" مثالًا لذلك بالنسبة لك؟

 كاودر: أنا أهتم بالحرية الدينية بشكل عام، ومن يفعل هذا يكتشف سريعًا أن المسيحيين هم أكثر من يُضيق عليهم ويتم اضطهادهم. وفي سريلانكا تم استهداف الكنائس المسيحية عن عمد، وهذا يعتبر ناقوس خطر عن وضع المسيحيين في آسيا.

المجلة: يبدو وكأن السياسيين الألمان لا يستطيعون فعل شيء حيال هذا الأمر؟

 كاودر: الاستراتيجية الأكثر نجاحًا في هذا الأمر هي الحديث عنها علنًا في الواقع وفي هيئات الأمم المتحدة ومجلس حقوق الإنسان، ولكن للأسف يكون الاهتمام محدودًا، وفي كل مرة عندما نتحدث عن المسيحيين المضطهدين يتهمنا المسلمون نحن الألمان بالإسلاموفوبيا. ولكن يجب على المرء أن يستمر في الحوار.

المجلة: ألا تحتوي عبارة "الإسلام لا ينتمي لألمانيا" على ازدراء، وهذا ما قلته أنت بالفعل؟

 كاودر: إذا كان هناك شيء منه ينتمي لألمانيا فهو شيء محدود، ولكن ثقافتنا مسيحية يهودية، ولم يلعب الإسلام أي دور في أجزاء واسعة في أوروبا. كما أنني أكدت أكثر من مرة أن المسلمين الذين يعيشون هنا ينتمون لألمانيا.

ولا شك أن تصريحات السيد "كاودر" مثيرة للجدل وبها بعض التعميم غير الموضوعي، فالمسيحيون في البلاد ذات الأكثرية الإسلامية ومنها مصر على سبيل المثال لا الحصر، يعيشون في انسجام مع المسلمين، وللجميع نفس الحقوق وعليهم نفس الواجبات، وهذا ما يقتضيه القانون والدستور، ومكفول لهم ولغيرهم حرية العبادة. وهو الحال نفسه في معظم الدول الإسلامية، وإن كان هناك بعض الاستثناءات فمرجعها إلى الأحوال السياسية أو الاقتصادية، ولا دخل للإسلام بهذا الأمر من قريب أو بعيد.

وكنا نرجو من السيد "كاودر" أن يراعي هذا الأمر في تصريحاته، فسياسي مخضرم مثله ينبغي أن يراعي أن آراءه سوف تحظى بانتشار واسع، وسوف يكون لها تأثير على كثيرين. كما نرى أن تصريحه بأن المسيحيين هم أكثر من يضيق عليهم قد جانبه الصواب، أولًا إذا ربطنا حديثة بأحداث سريلانكا مثلًا، نجد أن سريلانكا دولة غير إسلامية، وعدد المسلمين هناك قليل جدًا مثل المسيحيين تمامًا، فاضطهادهم هناك لا دخل له بعدد المسلمين، وعلى الجانب الآخر هناك الكثير من المسلمين المضطهدين في العديد من دول العالم، ومآساة مسلمي الروهينجا في ميانمار لا تخفى على أحد، مع أن الإعلام الغربي لا يتناولها ولا يذكرها في موضوعاته، كما أن اضطهاد مسلمي البوسنا ليس ببعيد، فلم يمر زمن طويل عليه، وهناك دول أخرى أوروبية وغير أوروبية يتم فيها اضطهاد المسلمين بشكل يومي. وعلى الرغم من أن هناك بعض المآخذ الأخرى على تصريحات السيد "كاودر"، فإن أكثر شيء يلفت النظر هو العنوان الذي تخيرته مجلة "دير شبيجل" فهو عنوان مثير للجدل، يساعد في تشويه صورة المسلمين، كما يساعد في تشويه صورة السيد "كاودر" عند المسلمين، ويخلق حالة من الاستفزاز أو العداء في ذهن القارئ، وهو أمر نرفضه تمامًا.

وهكذا تتعامل بعض الوسائل الإعلامية مع الإسلام، فتبرز الصور العنصرية، وتضع عناوين مثيرة للجدل، وتستخدم مفردات تحض على الكراهية، حتى يؤثروا على الرأي العام. ونرجو أن يكون تعامل الإعلام مع مثل هذه القضايا تعاملًا احترافيًا، فلا شك أن الإعلام له تأثير كبير على المجتمع ويساعد في توجيهه؛ ولذا فإن عليه مسئولية كبيرة في هذا الشأن، وعليه أن يكون واعيًا بهذه المسئولية، ولا يساهم في خلق توترات أو إذكاء نزاعات.

وحدة الرصد باللغة الألمانية

طباعة