تأملات روحية لمسلمة جديدة بعد أول صيام لرمضان

  • | السبت, 1 يونيو, 2019
تأملات روحية لمسلمة جديدة بعد أول صيام لرمضان

     يروي هذا المقال ما جرى في المقابلة التي أجراها أحد أعضاء وحدة اللغة الإسبانية  بمرصد الأزهر لمكافحة التطرف، عبر الإنترنت من خلال موقع التواصل "سكايب"، مع سيدة كوستاريكية اعتنقت الإسلام في عام 2017، تروي لنا تجربتها عن صيام شهر رمضان للمرة الأولي بعد أن اعتنقت الإسلام. وقد طرحنا عليها في البداية سؤالاً عن الخطوات الأولي نحو طريقها إلى الإسلام.
قالت: أُدعى كلاوديا كالديرون أورينيا، وأنا مواطنة كوستاريكية. بدأت رحلة اعتناقي للإسلام في عام 2016. واستهللت رحلتي بالبحث في بلدي عن بعض الأماكن التي تهتم بالدراسات الإسلامية، وحينها اكتشفت أن هناك مسجدين في سان خوسيه، عاصمة كوستاريكا. توجهت إلى أحدهما على الفور وقابلت هناك بعض الأخوات المسلمات. وما إن تحدثت إليهن حتى رحبن بي بحفاوة. لقد كنَّ حريصاتٍ على تعليمي الأركان الأساسية التي يقوم عليها الإسلام؛ وأصبح الأمر سهلاً بعد تواصلنا من خلال البريد الإلكتروني؛ فعرفت الكثير عن الإسلام والقرآن، ثم هداني الله إلى اعتناق هذا الدين الحنيف.
وبعد أن اعتنقت الإسلام عرفت إحدى الشعائر الإسلامية، التي كنت اعتقد في بادئ الأمر أنها أصعب أركان هذا الدين؛ فعندما كنت أدين بالمسيحية، كان جلّ ما أعرفه عن الصيام يتعلق بتغيير النظام الغذائي، كأن أتناول الطعام بكميات أقل من ذي قبل، إلى جانب الامتناع عن تناول اللحوم في أيام الجمعة خلال فترة الصوم الكبير. ولم يسبق لي من قبل أن عانيت من الجوع لأكثر من بضع ساعات.
وأشارت في حديثها إلى أن أول صيام لشهر رمضان، بالرغم من أنها اعتبرته أجمل تجربة مرت بها يومًا، فإنها كانت الأصعب على الإطلاق؛ لأنها أصبحت مضطرة للتخلص من العديد من العادات اليومية؛ فلم تتخيل أنها ستتوقف يومًا عن عاداتها الغذائية اليومية؛ وعلى الرغم مع ذلك، بدأت بالتكيف تدريجيًا مع هذه الأمور الجديدة في حياتها ثم تعودت شيئًا فشيئًا على تحمل صعوبات الصيام في شهر رمضان.
ثم سألناها بعد ذلك عن أهم الجوانب الروحية التي استشعرتها في صيام شهر رمضان؛ فأخبرتنا عن شعور لم تجد له وصفًا، ولكنها أوضحت أن الروح البشرية، خلال ساعات الصيام، لديها الفرصة لتطفو علي السطح؛ إذ إن الصيام يحرر المرء من قيود المادية التي أصبحت تسيطر على شتى جوانب حياته، فضلًا عن أنه يجعل الإنسان أكثر تحكمًا في رغباته الشهوانية؛  فيساعد الصيام الإنسان على تقوية اتصاله بخالقه ويمنحه المزيد من الوقت للتفكير في مثل هذه الأمور الروحانية؛ ويمكنك استغلال هذا الوقت للصلاة، وللتعبُد، أو لمجرد التأمل في هذا الكون، أو لتلاوة القرآن الكريم وتدبُر معانيه.
ثم أخبرتنا "كلاوديا" بعد ذلك أن الصيام له العديد من المزايا التي يشعر بها الفرد أثناء النهار، أولها: أنه يساعد على النجاح في تحقيق نوع من الانضباط الذاتي؛  فقد كان يصعب أن تتخيل الإبقاء على صيامها من بعد طلوع الفجر حتى مغيب الشمس. وبالطبع كانت هناك بعض الأيام الصعبة التي قد عانت فيها؛ ورغم ذلك لم تستسلم لشعورها بالجوع؛ على الرغم من أنها لم تفكر مطلقًا قبل ذلك في حقيقة قدرتها في السيطرة علي رغباتها وكبح جماحها.  وبعد مرورها بتجربة صيام شهر رمضان أشارت إلى أنه يمكن القول بأن الإرادة قد انتصرت على الرغبة. واعتبرت هذا الشهر الفضيل نقطة التحول في حياتها؛ لأنها لم تعُد ذلك الشخص الذي كانت إياه قبل رمضان. وأضافت كلاوديا: "لقد أصبحت أكثر تحملاً للمشاق مما كنت أعتقد".
ويمكن أن نلخص حديثها في أن الميزة الروحية الرئيسية للصوم هي السيطرة على النفس؛ وهو ما يُعد أمرًا ضروريًا لتحقيق النجاح في كل جوانب الحياة. والصيام لمدة ثلاثين يومًا متتالية يعزز الإرادة، حيث يمتد تأثيره الإيجابي علي جميع الجوانب في حياة الفرد.
ويكشف لنا الصيام عن الوجه الضعيف للذات البشرية التي تحركها الدوافع. إن الممارسة المستمرة للتحكم في الإرادة بالامتناع عن شهوات النفس تجعل الجسد والروح خاضعين لسيطرة الإرادة؛ فالصيام لا يعني الشعور بالجوع أو العطش لبضع ساعات، بل هو نضال مستمر للتغلب علي الأهواء والشهوات. وفي هذا السياق، يقول الرسول صلي الله عليه وسلم: "من لم يدع قول الزور والعمل به فليس لله حاجة في أن يدع طعامه وشرابه". وبالتالي فإن الهدف المنشود من الصيام هو كبح جماح الدوافع الجسدية واستغلالها في وصول الإنسان إلى التحرر التام من سطوة الرغبات وهيمنة الغريزة.

وحدة الرصد باللغة الإسبانية

 

طباعة