تطور خطاب الكراهية في وسائل الإعلام الإسبانية وتداعياته

  • | الأحد, 2 يونيو, 2019
تطور خطاب الكراهية في وسائل الإعلام الإسبانية وتداعياته

     أكدت الأمم المتحدة في تقرير لها أن مظاهر خطاب الكراهية انتشرت بصورة متزايدة في الوقت الحالي؛ بسبب الانتشار السريع للأخبار والمعلومات في جميع أنحاء العالم، من خلال وسائل الإعلام وشبكات التواصل الاجتماعي. وتشكل موجات الهجرة، وقلة الموارد الاقتصادية، وتنامي ظاهرة الإرهاب سببًا رئيسيًا في هذه الظاهرة. وقد نتج عن إصدار القوانين والسياسات الخاصة بمكافحة الإرهاب غير المكتملة وبعض الممارسات غير المسؤولة لبعض وسائل الإعلام توجيه الاتهامات لبعض الأقليات، والتمييز العنصري على أساس الدين والجنس والعرق.  
وقد قام مرصد خطاب الكراهية في وسائل الإعلام في إسبانيا بإعداد دراسة مكثفة حول خطاب الكراهية في الصحافة الرقمية الإسبانية من خلال مجموعة من الأخبار المنشورة في ثماني بوابات رقمية إسبانية: أليرتا ديخيتال Alerta Digital، وبالوارتي ديخيتال Baluarte Digital، ودولثا كتالونيا Dolça Catalunya، ولا جاثيتا La Gaceta، وليبرتاد ديخيتال Libertad Digital، وميديتيرانيو ديخيتال Mediterráneo Digital، وأوك دياريو OK Diario، وبريوديستا ديخيتال Periodista Digital، بعد تحليل أكثر من 300 معلومة نُشرت في الفترة بين 9 يناير و9 فبراير 2017، تبين أن البوابات الثمانية المذكورة قد أسهمت، بدرجات متفاوتة، في الترويج لخطاب الكراهية، المتمثل في بث مظاهر رهاب الأجانب والإسلاموفوبيا ومعاداة الأقليات. وقد ركزت الدراسة على اختيار الأخبار التي ليس لها علاقة بمقالات الرأي من جميع الأقسام التي تتناول الحديث عن الأفراد أو الجماعات التي تعاني من ظواهر الإسلاموفوبيا ومعاداة الأجانب ونبذ بعض "الأقليات" مثل الغجر الإسبان.

وفي سياق متصل أجرت الباحثة "سارا بيكر مارتي" دراسة على بعض المقالات المنشورة في الصحافة المكتوبة الأوسع نطاقًا في إسبانيا، واختارت صحيفة إلباييس، وصحيفة لا راثون كنموذجين لإجراء دراستها واختيار عينات عشوائية لتحليلها والوصول إلى نتائج قاطعة. وتناولت المقالات المختارة للتحليل، والتي نُشرت في عام 2013 توثيق ظاهرة الإسلاموفوبيا وكيفية تقديمها لجمهور القراء. وقد وصفت الصحيفتان المسلمين والعالم الإسلامي بأوصاف سلبية، من بينها أنه مجتمع عنيف وضد الديمقراطية ومتعصب وذكوري، بالإضافة إلى محاولة إطلاق لفظة إسلامي على كل ما هو عربي، والتمييز في استخدام ضمائر "نحن" للإشارة إلى الإسبان الأصليين و"هم" للإشارة إلى المسلمين المهاجرين أو غيرهم.
وتجدر الإشارة إلى أنه قد تم استغلال حادث برشلونة الإرهابي في عام 2017 من قبل العديد من الصحفيين ووسائل الإعلام لإطلاق رسائل الكراهية من خلال التنقيب بين آلام الضحايا على الحجج التي تدعم أطروحات بعض التيارات السياسية في هذا الصدد. فنجد أن مجموعة من الصحفيين يعلقون على حادث برشلونة، بعدائية واضحة، كما صرح الكاتب الصحفي أرتورو بيريث ريبيرتي، أنه لا يمكن التفاوض مع هؤلاء –يقصد المسلمين- الشياطين، إنها حرب بيننا وبينهم ويجب الانتهاء منها. وألقى الكاتب الصحفي، ألفونسو روخو، رئيس تحرير جريدة "بريوديستا ديخيتال"، اللوم على صانعي القرار والسياسيين الذين أجازوا استقبال المهاجرين من غير متحدثي الإسبانية في مدينة برشلونة وضرورة محاسبتهم على هذا القرار الذي أودى بحياة أربعة عشر شخصًا وجرح العشرات. ويبرهن هؤلاء الصحفيون وغيرهم موقفهم من هذه التصريحات بحرية التعبير والرأي وحرية الصحافة.
ولكن ما زالت العديد من الجهود التي تبذلها الحكومات لمكافحة خطاب الكراهية غير مُجدية، وموجهة بصورة خاطئة. مثل تلك المطالبات التي تبعث بها الحكومات إلى القائمين على المواقع وشبكات التواصل الاجتماعي لرصد وإزالة المحتويات التي تحض على الكراهية، فضلاً عن التشديد على متطلبات التسجيل من خلال كتابة الاسم الحقيقي للمستخدمين والحجب الفوري لصفحات الإنترنت التي تبث خطاب الكراهية. وقد صدرت بعض القوانين "المبهمة والغامضة" في هذا الشأن ولكنها لم تكن رادعةً على الإطلاق؛ فمن الضروري اتخاذ تدابير أخرى، إلى جانب الإجراءات القانونية لمكافحة خطاب الكراهية، والحدّ من وقوع المزيد من الحوادث الناجمة عن هذا الخطاب.  
وانطلاقًا من دوره في مكافحة خطاب الكراهية، واستشعاره لمسئولية جسيمة حيال هذا الأمر، يعتقد مرصد الأزهر لمكافحة التطرف أنه لن تكون ثمة شفافية إعلامية أو مصداقية ملموسة في ظل توجيه الخطاب الإعلامي لخدمة أيدولوجيات يمينية أو عنصرية تسعى لبث الكراهية ضد المهاجرين والمسلمين، وهو -للأسف- أمر يدفع المجتمع ثمنه فادحًا من استقراره وأمنه. إن مسألة وضع ميثاق إعلامي عالمي يحدد هذه التوجهات ويقضي بمنعها وتجريم القائمين بها بات أمرًا ضروريًا في ظل الفضاء الواسع الذي يسمح ببث الأفكار وإيصالها في ثوان معدودة. ولا شك أن الإعلام هو الموجّه الأول لقاعدة عريضة جدًا من الجماهير، تنساق خلفه، ربما دون وعي بخطورة ما يمكن أن يُبث من خطاب عنصري مسموم؛ ولذا فإن تقويم الخطاب الإعلامي وترسيم حدوده الأخلاقية والاجتماعية والإنسانية هو مسألة خطيرة لا يمكن تجاهلها أو التقليل منها.     

وحدة رصد اللغة الإسبانية

 

طباعة