خطاب الكراهية ودوره في صناعة التطرف فى إيطاليا

  • | الأحد, 9 يونيو, 2019
خطاب الكراهية ودوره في صناعة التطرف فى إيطاليا

     كلنا ندرك أن الرصاصة إن لم تقتل فإنها تُصيب هدفها بجرح غائر يترك ندبة وقصة ومأساة على مدار الأيام والسنين، إلا أن البعض ربما يغفل أو يتغافل عن أنواع أخرى من الرصاصات التي لها نفس الأثر وتحدث نفس المأساة.

الكلمة مكتوبة كانت أم مقروءة، مسموعة كانت أم مجسدة في مشهد أو عبر لغة الجسد، تمامًا مثل تلك النظرات التي تتفحص الإنسان في صورة من صور العجرفة أو الاستعلاء.

الرصاصات التي تخرج من فوهة أسلحة الإرهابيين الخارجين على القانون، هي رصاصات غدر وخيانة، رصاصات الإرهاب الأسود الذي لا يفرق بين دين أو لون أو جنس، ولا يرحم صغيرًا أو شابًا أو امرأة.

كما أن محاربة هذا النوع من الإرهاب واجب قومي وديني وإنساني على الجميع وليس واجب رجال الأمن أو الدين وحدهم.

أما تلك الرصاصات التي تقتل بالبطيء، عبر قلم كاتب أو تصريح لشخص يطمع في منصب جديد هنا أو هناك، فإن محاربتها تتركز بالأساس على واجب رجال التشريع في سن القوانين التي من شأنها أن تحفظ للجميع حياة آدمية كريمة، وأن تحارب بدورها خطاب الكراهية، وهي أيضًا واجب كل فرد في المجتمع، أن لا يترك من نفسه دمية في أيدي البعض تحركه الأصابع كما تحرك عرائس الماريونيت.

 على كل فرد أن يوقف خطاب الكراهية والشائعات، وأن يوقف أمواج العنف في زمن تنتشر فيه التصريحات والأقوال عبر ضغطة زر، علي الجميع أن يدرك أن الرصاصات التي تقتل في النهاية واحدة، وأن حياة البشر غالية كتب لها الإله الخالق الوجود وحدد لها وحده يومًا للرحيل.

ربما يتساءل البعض بعد هذا الاستهلال قائلًا: وهل الكلمة تقتل حقًا؟ نصدق بالفعل أن رصاصات الإرهاب تقتل، ولكن كيف يَقتل قلم الكاتب وتصريح السياسي؟ وكيف تساهم مواقع التواصل الاجتماعي في إشعال هذه الفتن وإزهاق هذه الأرواح البريئة؟

 

للإجابة على هذه التساؤلات دعنا نوضح بداية بعض تعريفات التطرف:

 

عَرَّفَت الموسوعة الإيطالية "تريكاني" التطرف على أنه: سلوك مَنْ يناصرون، تنفيذ برنامج معين في العمل السياسي بأساليب متطرفة، وبطرق راديكالية متعنتة؛ كما أن التطرف أيضًا، هو عبارة عن مجموعة من القوى أو الجماعات السياسية التي تتبنى هذا الموقف: مثل اليمين أو اليسار (التي يُشار إليها في بعض الأحيان ككل بتعبير المعارضين المتطرفين)، مما يعني التنويه على موقف أولئك الذين يحملون آراء أو نظريات متطرفة.

وفي دراسة صادرة عن معهد الدراسات السياسية الدولية "ISPI" أوضح المعهد مصطلح التطرف على النحو التالي: إن مصطلح التطرف يستخدم على نطاق واسع لوصف الديناميكيات المتعلقة بمجال العنف السياسي. 

وقد قام "تشارلز إي ألن"[1] بصياغة أحد أكثر هذه التعاريف اكتمالًا للمصطلح، والذي يحتوي أيضًا على العديد من العناصر التي يستخدمها خبراء آخرون. وفقًا لـ "تشارلز إي ألن" التطرف هو "العملية التي يتم من خلالها تبني نظام متطرف من القيم، بما في ذلك الرغبة في استخدام أو دعم أو تسهيل العنف كوسيلة للتغيير الاجتماعي".

وغالبًا ما يميز الخبراء بين التطرف الفكري والتطرف المفضي للعنف: فالتطرف الفكري: هو العملية التي يتبنى الفرد من خلالها أفكار بعيدة كل البعد عما هو "طبيعي"، إذ يرفض شرعية النظام الاجتماعي الحالي، ويحاول استبداله بهيكل جديد يستند إلى مجموعة مختلفة تمامًا من القيم. بينما، يحدث التطرف المفضي للعنف: عندما يتخذ الشخص الخطوة التالية ويستخدم العنف في محاولة للنهوض بالقضية المستمدة من تطرفه الفكري.

ومع ذلك، فإن اعتماد هذا التعريف لا يحل العديد من المشاكل المتعلقة بمصطلح التطرف، علاوة على ذلك، يجب التأكيد على أن التطرف موجود داخل الأيديولوجيات المتعددة.

وتشير دراسة إيطالية إلى أن التطرف في إيطاليا، كما هو الحال في جميع البلدان الأوروبية، يعزى إلى التطرف اليميني واليساري، وإلى القومية والانفصالية العرقية وغيره من أشكال التطرف.

وحيث إن خطاب الكراهية وموجة العداء ضد الآخر يشكلان أحد أسباب ودوافع التطرف، فإنَّ الكلمة التي يُلقيها السياسي المتطرف أمام الحشود، أو كما نرى في أيامنا هذه عبر بث مباشر من مكتبه، مثلها مثل الرصاصة التي تخرج من سلاح الإرهابي.

وحيث إن العاطفة هي أحد المحركات الرئيسية وراء العديد من عمليات القتل، فإنَّ السياسي المتطرف في خطابه وسلوكه هو العقل المدبر لتلك المأساة وأحد أهم أركان هذه الجريمة.

وقال نائب رئيس الوزراء ووزير الداخلية الإيطالي اليميني ماتيو سالفيني، في تصريح له بمؤتمر صحفي بمدينة "بينتسولو" بمقاطعة "ترينتو": "إن التطرف الوحيد الذي يجب الحذر منه هو "الإسلامي"، وذلك على خلفية الهجوم الإرهابي على مسجدين في نيوزيلندا في 15 من مارس من العام الجاري 2019 وراح ضحيته 50 شهيدًا، في صورة من صور تشويه الآخر، ومغالطة التعميم المتسرع أو المنحاز، وإصدار الأحكام على أتباع دين يربون علي مليار ونصف مليار مسلم، دون النظر إلى أن ما يفعله هؤلاء المتحدثين باسم الدين هم قلة قليلة مارقة خارجة عن كل القوانين والأعراف والمواثيق الدولية وأن محاربتها واجب على كل فرد.

وإن كانت المجتمعات تدين الإسلام مع كل حادثه يقوم بها منتسبين للدين، حتى وإن كانوا غير ممارسين لشعائره وغير ممارسين لطقوسه وغير متبعين لتعاليمه، فلما لا تدين المجتمعات الديانة المسيحية واليهودية مع كل حادثة يقوم بها منتسبين لهذه الديانات؟

وخير مثال على هذا حادث إطلاق النار على معبد يهودي في سان دييغو كاليفورنيا الذي وقع في 27 أبريل من العام الجاري 2019 وأسفر عن وفاة امرأة وإصابة آخرين، ومن قبله بستة أشهر حادث آخر جاء عبر قيام مسلح باقتحام معبد يهودي في بيتسبرغ بولاية بنسلفانيا خلال أداء صلوات السبت، وقتل آنذاك 11 مصليًا.

وحتى نثبت أن مثل هذه التصريحات تزيد من اشعال نار العنصرية ومن أعمال القتل والعداء ضد الآخر، نذكر على سبيل المثال لا الحصر حادث إطلاق النار الذي وقع يوم السبت 3 فبراير من عام 2018 ضد مهاجرين أفارقة في مدينة ماتشيراتا الإيطالية على يد لوكا ترايني مما أسفر عن إصابة ستة مهاجرين أفارقة، وكان لوكا ترايني مرشحًا لانتخابات بلدية كوريدونيا لعام 2017 على قائمة حزب "رابطة الشمال" الذي يترأسه وزير الداخلية الحالي اليميني ماتيو سالفيني، وتم العثور على عناصر منسوبة إلى اليمين المتطرف في منزله.

مما لا شك فيه أن هذه الأمواج المميتة من طوفان خطاب الكراهية، ترتفع مُحملة بالعديد من المصالح والمكتسبات التي تصب في مصلحة كل من له هدف، مثل بعض رجال السياسة الطامعين في منصب جديد مع بدء دورة برلمانية جديدة، يبدأ معها الكل بإلقاء الوعود الخادعة والأمنيات الزائفة والعزف على وتر العصبية والطائفية والعنصرية، واستخدام السرد الاستراتيجي بأنواعه كافة لتحقيق أهدافهم، ومن ثم تهبط هذه الأمواج على الضعفاء فتقتل من تقتل وتهدم حياة من تهدم.

ومع حلول انتخابات البرلمان الأوروبي التي عُقدت في الفترة من 23 إلى 26 مايو من العام الجاري 2019، يشير النواب البالغ عددهم 751 بفخر كونهم لجنة فريدة من نوعها، حيث إن البرلمان الأوروبي الذي يتم انتخاب أعضاءه منذ عام 1979 في جميع الدول الأعضاء في الاتحاد الأوروبي مباشرة هو المؤسسة الديمقراطية الوحيدة المتعددة الجنسيات في العالم.

 إذ يسن فيه النواب قوانين لصالح 512 مليون مواطن في الدول الأعضاء البالغ عددهم 28 في الاتحاد الأوروبي، ومن ثم فإن هذه الفترة المشتعلة بالصراعات حول مقعد جديد في البرلمان الأوروبي هي بيئة خصبة لتأجيج خطاب الكراهية وإلقاء الوعود التي نأمل أن يكون منها ما يكفل لكل إنسان حياة آدمية كريمة.

وفي هذا الصدد، ومع حلول انتخابات البرلمان الأوروبي أصدرت منظمة العفو الدولية تقييمًا أوليًا للجدل الدائر على وسائل التواصل الاجتماعي في إيطاليا قبيل الانتخابات المزمعة، وذلك بالتركيز على حسابات المرشحين للمقاعد الإيطالية في البرلمان على تطبيقي فيسبوك وتويتر.

ووجدت المنظمة أن خطاب الكراهية موجه بالدرجة الأولى إلى مجتمع الغجر والمهاجرين والأقليات الدينية.

وجاء التقييم تحت عنوان "بارومتر الكراهية... الانتخابات الأوروبية 2019" إذ تتحدث فيه المنظمة عن ارتفاع وتيرة خطابات كراهية المهاجرين والغجر في إيطاليا قبيل الانتخابات المزمعة، حيث تهيمن قضايا الهجرة والتضامن والأقليات الدينية على النقاش الدائر من قبل المرشحين لخوض انتخابات البرلمان الأوروبي.

وحول المحتوى السلبي على وسائل التواصل الاجتماعي، شكل خطاب الكراهية الموجه بصفة خاصة لمجتمع الغجر نسبة 75% ويليه اللجوء بنسبة 73%، ثم الأقليات الدينية بنسبة 70%، والنساء 65%، والتضامن 63%.

وقام الفرع الإيطالي لمنظمة العفو الدولية، بتقييم بيانات جزئية لنحو 17500 محتوى في الفترة ما بين 26 أبريل الماضي و8 مايو الجاري، بدعم من نحو 150 ناشط.

 

Image

 

    وقالت منظمة "العفو الدولية"، إن البيانات كافة التي تم جمعها جرى تحليلها من قبل باحثين خبراء، من بينهم علماء البيانات وعلماء الاجتماع وخبراء اللغة وعلماء النفس وخبراء قانونيين. وسوف يتم نشر التحديثات خلال يومي 17 و24 مايو 2019، وذلك قبل التقرير النهائي الذي سيصدر بناء على عينة أوسع من البيانات مع تفاصيل بشأن بعض المرشحين، بالتزامن مع أداء اليمين الدستورية للبرلمان الأوروبي الجديد.

وطلبت "العفو الدولية" من المرشحين أن يتعهدوا بالعمل في حالة انتخابهم، على دعم وحماية حقوق الإنسان في قضايا محددة، وهي حقوق النساء والمدافعين عن حقوق الإنسان والمهاجرين والغجر والنشاطات الاقتصادية وحقوق الإنسان والتغير المناخي.

ومن جانبهم قام المسئولين على موقع التواصل الاجتماعي فيسبوك بحذف عدد من الحسابات الإيطالية من على منصتها قبيل انتخابات البرلمان الأوروبي نظرًا لكونها إما زائفة أو تنشر أخبارًا كاذبة.

 وحذفت الشركة 23 حسابًا إيطاليًا يتابعهم أكثر من 2.46 مليون شخص كانت تنشر "معلومات كاذبة وتضم محتويات مثيرة للانقسام" بشأن قضايا مثل الهجرة وأمصال تطعيم الأطفال بالإضافة إلى معاداة السامية.

وأضافت الشركة أن أكثر من نصف مليون حساب من التي تم حذفها كانت تدعم إما حركة "خمس نجوم"، أو حزب رابطة الشمال وهما الحزبان المشاركان في الائتلاف الحاكم في روما.

 

ومن هنا تظهر أهمية وسائل التواصل الاجتماعي في محاربة خطاب الكراهية والتطرف وكل أشكال التمييز والعنف، خاصة وإن كانت القضية المثارة تتعلق بالأطفال والمراهقين ومشاهد الإرهاب الدموية.

 

وحدة الرصد باللغة الإيطالية

 

[1] تشارلز إي ألن (مواليد 1936) هو موظف عمومي أمريكي، مشهور بأدواره في مكتب الاستخبارات والتحليل التابع لوزارة الأمن الداخلي بالولايات المتحدة، وقبل ذلك وكالة الاستخبارات المركزية.

طباعة