العاطفة... ودورها في صناعة التطرّف

  • | الإثنين, 10 يونيو, 2019
العاطفة... ودورها في صناعة التطرّف

     في ظل عالم طغت عليه لغة الرقمية وبات لا يفهم ولا يعرف ولا يهتم سوى بلغة الاحتياجات المادية، مُهملًا الاحتياجات المعنوية؛ بحُجة أنها من ألوان التَّرف، أوتيَ العالمُ من قِبَلٍ غير متوقع. فعلى سبيل المثال : كانت "العاطفة"، أحد الاحتياجات المعنوية والتي تلعب دورًا محوريًّا في تشكيل هُوية الفرد وكينونته، في بعض الأحيان وراء سقوط الأفراد في براثن التطرّف، لاسيما عندما يشعر الفرد بفجوة عاطفية بينه وبين المحيطين به، إذْ يمتلك الإنسان دائمًا عاطفة تتفاعل مع ماديات الحياة واجتماعيتها المعقدة، وتتباين مع المواقف الحياتية التي يتعرّض لها، فدائمًا ما يكون هناك صراع بين العقل والعاطفة التي تُشعرنا بالقيمة والأهمية، والتي قد تدفعنا إلى التصرف بطريقة غير عقلانية في كثير من الأحيان.

وبسبب انجذاب الشخص بطبيعته إلى العواطف، كان للعاطفة تأثير ٌأكثر من تأثير دوافع التطرّف الأخرى على أدمغة الشباب الذين استجابوا لنداءات الحركات والجماعات المتطرفة والإرهابية. والإنسان الناضج السوي هو القادر على تحقيق قدر من التقبُّل والاستقرار العاطفي تجاه الآخرين، وذلك من خلال تغليب صوت العقل على صوت العاطفة، والتكيُّف مع المجتمع الذي يعيش فيه مُعْليًا المصلحة العامة على المصلحة الفردية، فيتقبل الانتقادات من حوله، ويتفاعل مع آراء المخالفين قبل المؤيدين لأفكاره متقبلًا الرأي والرأي الآخر وعلى استعداد للتنازل عما يتبيّن خطأه فيه.

كما أثبتت دراسة أمريكية بعنوان "كيف يقود الحب إلى التطرّف؟!" أنّ حاجة الإنسان للتواصل يجعل الشباب عُرضة على وجه الخصوص للوقوع في براثن الجماعات المتطرفة التي تَعِدهم بعلاقة قوية وصداقة وأخوة. وأشارت الدراسة إلى أنّ القراءة في الكتب الحديثة المتعلقة بالتطرّف، تُعطينا فكرة عن أنواع "العواطف" التي يراها معظم الباحثين وصُنّاع السياسات كمحور مركزي للسعي لجذب الشباب إلى "اليمين المتطرّف". فنجد أنّ معظم الكتب مثل "غُرباء في أوطانهم" و"الرجال البيض الغاضبون" تتحدث عن المشاعر السلبية مثل "الاغتراب والعُزلة والقلق والغضب والإحباط". ولكن ماذا لو كان "الحُبُّ" هو الدافع وراء التطرّف؟!

لا ريبَ أنّ الحُبَّ أحدُ أقوى المشاعر البشرية، فهو الذي يجعلنا نشعر بالانتماء والتواصل مع الآخرين، كما أنه يُشعرنا بقيمتنا وأهميتنا، ولكنه من ناحية أخرى يجعلنا أيضًا نتصرف بشكل غير عقلاني، فالوقوع في الحُبِّ يجعل الشخص في حالةٍ عاطفية ونفسية من الوله تجعله يغيب عن الواقع. كما أنّه قد يكون أيضًا دافعًا للعُنف : فمنذ فجر التاريخ، نجد أنّه كان سببًا في الصراعات والقتل دفاعًا عن الشرف وحالات الانتحار وحتى الحروب. فمثلًا : كان سببًا وراء حصار "طروادة"، حيث إنه بعد خطف ابن ملك طروادة لـ "هيلين"، زوجة "مينلاوس"، استطاع الإغريق تحقيق الانتصار عن طريق إعادتها مرة أخرى. ومؤخرًا، قام أفراد تنظيم "داعش" باستقطاب عشرات الشابات بعد أنْ وقعن في علاقات حُبٍّ وغرام عبر شبكة الإنترنت مع مقاتلي التنظيم من الأجانب، مثل الإيطالية "لارا بومبوناتي"، البالغة من العمر ثمانية وعشرون عامًا، والتي لحقت بـ "فرانشيسكو كاشو" في أراضي الصراع، بسبب حبها الشديد له. وكذلك "سيدا دودوركيفا" أرملة "أبي عمر الشيشاني" وغيرهن الكثير، ما يؤكِّد على أنّ الحُبَّ الشديد لشخص ما ربما يقود الانسان إلى الانسياق حيث يكون هلاكه.

والحُبُّ بكلِّ أنواعه له تأثيرٌ بالغ على العقول، وُيمكنُ أن يُسْهِم بشكلٍ فاعِلٍ في تبني أفكار ومعتقدات متطرفة. فالحُبُّ الأخوي، على سبيل المثال، يمكن أن يكون سببًا في الوقوع في براثن الجماعات المتطرفة والاستقطاب لها. فمنذ عِقديْن، تمَّ استقطاب الإرهابي "أمروزي نورهاسيم" كجزء من السعي البائس للحُبِّ والقبول والموافقة، من قِبَلِ أخيه الأكبر، زعيم التنظيم الإرهابي. وبتتبع هذه الواقعة وغيرها من الوقائع التاريخية للتطرّف، يقول خبراء علم النفس إنّ "قوة الحُبِّ الرومانسي يمكن أن تكون بنفس قوة السياسة في دفع الأشخاص للانضمام إلى جماعات سرية". كما يمكن أن تدفع الحاجة البشرية الشبابَ إلى التواصل للانضمام إلى الحركات والجماعات المتطرفة والإرهابية التي تَعِدهم بعلاقة قوية وصداقة وأخوة والانتماء. فقد أصبح اليمين المتطرف في القارة العجوز وسيلة للتواصل مع الآخرين، حتى إذا كانت عمليات التواصل هذه مُطعّمة بالكراهية والعنف ضد الآخرين.

وإذا كان الحُبُّ هو أعظم قوة بشرية، فإنّ غيابه يجب ألا يُستهان به، فعندما نفقد الحُبَّ، يقول أحد علماء النفس "نشعر بالانكسار والانهيار والألم، وبالتالي نسعى لإيذاء الآخرين". فغياب الحُبِّ يؤدي دائمًا إلى المعاناة. وكما يقال الحُبُّ يمنح الشعور بالابتهاج في مرحلة ما، ويسبب الحزن أيضًا في مرحلة أخرى. فالحُبُّ المفقود يجعل الشخص يشعر بالحزن والفجع؛ مما يؤدي إلى اليأس الانتحاري وجرائم القتل الانتحارية، كما تخلق الرغبة في الحُبِّ أو الحسرة عليه في الشخص مواطِنَ ضعف يمكن أن تستغلها الجماعات الإرهابية بسهولة.

ولقد أدّى فقدان الحُبِّ بالإرهابي البريطاني "توماس إيفانز" إلى التطرّف، حيث مرَّ بأزمة حطمته عاطفيًّا. ومن هنا، سعى "توماس" إلى البحث عن الحُبِّ والانتماء وأصبح عُرضة للمستقطبين الإرهابيين الذين منحوه شعورًا بالتواصل والتضامن والاحتواء.

إنّ الأغلبية الساحقة من الذين يُعانون من أزمات عاطفية أو فقدان الحُبِّ لا يصبحون متطرفين، ولكن المشاعر السلبية التي تُسيطر عليهم مثل: الغضب والاغتراب والمهانة...، تُعَدُّ أمورًا محورية في عملية الاستقطاب للتطرّف. وغالبًا ما نتجاهل الحاجة الماسة إلى الحُبِّ والانتماء عندما نتحدث عن الحِقْدِ والعداء.

وحدة الرصد باللغة الفرنسية

طباعة