استهداف الجماعات الإرهابية للمساجد في أفغانستان خلال السنوات الثلاثة الأخيرة

  • | الثلاثاء, 25 يونيو, 2019
استهداف الجماعات الإرهابية للمساجد في أفغانستان خلال السنوات الثلاثة الأخيرة

     المساجد بيوت الله في الأرض، وهي رمزٌ للأمن والأمان والسكينة والاطمئنان، يذهب إليها الناس لعبادة الله تعالى، تاركين الدنيا وراء ظهورهم، متجهين إلى ربهم فى خشوع؛ لأداء الصلاة المفروضة، فى بيت من بيوت الله تعالى، متبعين هدي نبيهم الكريم صلى الله عليه وسلم، الذي كان يقول: «وَجُعِلَت قُرَّةُ عَينِي فِي الصَّلاةِ»، وكان يرتاح بها من عناء الدنيا فيقول: «أَرِحنا بها يا بلالُ».

وللمساجد قدسية ومكانة كبيرة في قلوب الملسمين جميعًا، وقد توعد الله تعالى الذين ينتهكون حرمة المساجد بأشد أنواع الوعيد؛ فقال تعالى: {وَمَنْ أَظْلَمُ مِمَّن مَّنَعَ مَسَاجِدَ اللَّهِ أَن يُذْكَرَ فِيهَا اسْمُهُ وَسَعَىٰ فِي خَرَابِهَا أُولَٰئِكَ مَا كَانَ لَهُمْ أَن يَدْخُلُوهَا إِلَّا خَائِفِينَ لَهُمْ فِي الدُّنْيَا خِزْيٌ وَلَهُمْ فِي الْآخِرَةِ عَذَابٌ عَظِيمٌ} [البقرة: آية 114].

ورغم هذا الوعيد الشديد، والعقاب الأليم، الذي ينتظر المنتهكين لحرمات المساجد، والمهددين لأهلها، والساعين فى خرابها؛ فإننا نجد أُناسًا ممن انعدمت ضمائرهم، وتحجَّرت عقولهم، وقَسَت قلوبهم، فهى كالحجارة أو أشد قسوة، يستهدفون المساجد بعملياتهم الإرهابية الوحشية، مستندين فى ذلك لفتاوى مضللة من علمائهم الجهلة، الذين لا يفقهون من أمر دينهم شيئًا، متبعين فى ذلك لأهوائهم، طامعين فى تحقيق بطولات وهمية، مدَّعِين أنهم ينصرون بذلك دين الله تعالى، وما هم في الحقيقة إلا مخربون وقتلة ومجرمون، ويجب على المجتمع أن يقف لهم بالمرصاد، ليمنع شرورهم عن البلاد والعباد.

وعلى مدار الأعوام السابقة، وتحديدًا منذ عام 2016م، شهدت أفغانستان العديد من التفجيرات الإرهابية، والهجمات المسلحة، على مساجد لأهل السنة والشيعة، في العاصمة الأفغانية «كابل»، وفي ولايات أخرى، كان أكثرها في عام 2017م.

وقد بلغ عدد الهجمات الإرهابية على المساجد خلال هذه الفترة 22 هجومًا، استهدف معظمها مساجد للشيعة، وتبنَّاها تنظيم داعش الإرهابي، وبلغ عدد ضحايا الهجمات الإرهابية على المساجد 412 قتيلًا، و609 مُصَابٍ.

Image

وإذا ما رجعنا إلى عام 2016م، سنجد أن تنظيم داعش الإرهابي لم يكن قد توغَّل في الأراضي الأفغانية بالشكل الذي عليه اليوم؛ ولذلك لم تحدث سوى عمليتَيْ هجوم على المساجد، كان إحداها في يوم الإثنين 21 نوفمبر 2016م، واستهدفت مسجدًا للشيعة، وأسفرت عن مقتل 27 شخصًا، وإصابة 35 آخرين، وكانت الأخرى في يوم الثلاثاء 11 أكتوبر 2016م، واستهدفت مسجدًا للشيعة أيضًا، في ذكرى الاحتفال بيوم عاشوراء، وأسفرت عن مقتل 14 شخصًا، وإصابة 36 آخرين.

أما عام 2017م فكان عامًا مكتظًّا بالتفجيرات الإرهابية والهجمات المسلحة؛ فقد بلغ عدد العميات الإرهابية التى استهدفت المساجد حوالَيْ 14 عمليةً، راح ضحيتَها مئاتُ المصلين من السُّنَّةِ والشيعة، نذكر أبرزها؛ ففي يوم السبت 1 يوليو 2017م هجمت عناصر من حركة طالبان على مسجدٍ في منطقة «تشمتال» بولاية «بلخ»، وأطلقت النار على المصلين، فقتلت ما لا يقلُّ عن 13 شخصًا، وأصابت آخرين، وصرحت «جلالي نور صافي» النائبة عن ولاية «بلخ» في البرلمان الأفغاني أن جميع الضحايا مدنيين، في حين زعمت طالبان أنهم من العاملين في الحكومة الأفغانية.

Image

 

وفي مساء يوم الثلاثاء 1 أغسطس 2017م استهدف 4 انتحاريين مسجد «جواديه» الشيعي بولاية «هرات» غرب أفغانستان، أثناء أداء المصلين صلاة العشاء؛ حيث فجَّر اثنان منهم نفسَيْهما بين المصلين، في حين هرب الاثنان الآخران، ما أسفر عن استشهاد 30 مصليًا على الأقل، وإصابة 63 آخرين، وقد تبنَّى تنظيم داعش هذه العملية، وقال في بيان له: «إن هذا الهجوم حصد أرواح 50 رافضيًّا».


Image

 

وفي يوم الجمعة 11 أغسطس 2017م هاجم عدد من المسلحين التابعين لـ«بشير قانت» - القيادي المحلي بجماعة طالبان- على المصلين في مسجد بمنطقة «تشاه آب» بولاية «تخار»، وقاموا بإطلاق النيران بشكل عشوائي؛ بسبب خلافات قديمة بينهم وبين أتباع «مولوي محفوظ الله»، راح ضحيتها 3 قتلى، و11 مصابًا، في حين صرح مسئول محلي أن عدد القتلى بلغ حوالَيْ 29 شخصًا، بينهم أطفال.

Image

وفي يوم الجمعة 25 أغسطس 2017م وقع هجوم انتحاري، نفذه تنظيم داعش الإرهابي على المصلين الشيعة، في مسجد «إمام الزمان» بالعاصمة الأفغانية «كابل» أثناء صلاة الجمعة، أسفر عن استشهاد 40 شخصًا على الأقل، وإصابة 90 آخرين، ووقوع رهائن في قبضة التنظيم.

وفي يوم الجمعة 29 سبتمبر 2017م وقع تفجير انتحاري، استهدف مسجدًا للشيعة، وسَطَ العاصمة الأفغانية «كابل»، عقب خروج المصلين من صلاة الجمعة، عشية إحياء ذكرى عاشوراء، مخلفًا 6 قتلى، ونحوَ 33 مصابًا، جاء هذا التفجير تأكيدًا من تنظيم داعش على موقفها من إحياء الذكرى.

وفي يوم الجمعة 20 أكتوبر 2017م فجر انتحاري من تنظيم داعش نفسه في مسجد «إمام الزمان» الشيعي أثناء إقامة صلاة الجمعة، في منطقة «دشت برتشي» غرب العاصمة الأفغانية «كابل»، أعقبه إطلاق نار على المصلين، ما أسفر عن مقتل 56 شخصًا، وإصابة 45 آخرين، بينهم أطفال ونساء.

وفي اليوم نفسه، فجَّر انتحاري آخر من تنظيم داعش نفسه بين المصلين، أثناء أداء صلاة العشاء، في مسجد لأهل السنة بمنطقة «دولينه» بولاية «غور» وسَطَ أفغانستان، مخلفًا أكثر من 33 قتيلًا بين المصلين، وعددًا من الجرحى.

وفي يوم الإثنين 30 أكتوبر 2017م ذكرت السلطات المحلية في ولاية «بغلان» شمال أفغانستان أن انفجارًا وقع عند مدخل مسجد «بلخمري» في مديرية «باجلان»، وأسفر عن إصابة 13 شخصًا.

وفي عام 2018م بلغ عدد استهداف المساجد 5 مراتٍ تقريبًا، نذكر أبرزها؛ ففي يوم الأحد 25 مارس 2018م قام انتحاريان اثنان يستقلان دراجة نارية باستهداف مسجد «النبي الأكرم» بولاية «هرات»؛ حيث فجَّر الأول نفسه في مدخل المسجد، في حين قام الثاني بقتل حُرَّاسِ المسجد، ما أسفر عن وقوع عددٍ من الضحايا والمصابين.

 

 

وفي يوم الجمعة 3 أغسطس 2018م وقع هجوم انتحاري في مسجد «إمام الزمان» بولاية «بكتيا» جنوب شرق أفغانستان أثناء صلاة الجمعة، وبلغ عدد ضحايا التفجير 34 قتيلًا، و94 مصابًا من المصلين الأبرياء.

Image

وفي يوم الجمعة 23 نوفمبر 2018م فجَّر انتحاري نفسه ‏في مسجد بقاعدة عسكرية بولاية «خوست» شرق أفغانستان عقب صلاة الجمعة، ما أسفر عن مقتل 27 جنديًّا على الأقل، وإصابة 44 آخرين، وتبنَّى تنظيم داعش هذا الهجوم، وزعم في بيان على موقعه الإلكتروني أن الهجوم أسفر عن مقتل 50 جنديًّا، وإصابة ما يقرب من 40 آخرين.

وفى العام الحالي، وتحديدًا يوم الجمعة 24 مايو 2019م وقع هجوم على أحد المساجد، واستهدَفَ عالمًا أفغانيًّا، يعمل إمامًا لمسجد «التقوى»، في العاصمة الأفغانية «كابل»، وذلك أثناء إقامة صلاة الجمعة؛ ما أسفر عن مقتل الإمام واثنيْنِ من المصلين، وإصابة 32 آخرين، وقد نفت جماعة طالبان تورطها في هذا الحادث، في حين أشارت أصابع الاتهام نحو تنظيم داعش الإرهابي.

تؤكد هذه العمليات الإرهابية -وكثير غيرها - أن أفغانستان تعاني منذ فترات طويلة من ويلات التطرف والإرهاب، وتمارس فيها الجماعات المتطرفة نشاطًا كبيرًا ومدمرًا؛ سعيًا منهم للانقضاض على ثَرَوات هذا الشعب العظيم، الذى طال اشتياقه إلى السلام والرخاء والازدهار.

كما أن تكرار العمليات الإرهابية والإجرامية، التى استهدفت المساجد في أفغانستان، بصورة كبيرة فى السنوات الأخيرة؛ يؤكد أنها تمَّت بشكل ممنهج ومدروس؛ لزرع الفتنة هناك، والنَّيل من نسيج الشعب الأفغاني، الأمرُ الذي لم يتحقق لهم حتى الآن، بسبب وعي الشعب والحكومة الأفغانية بهذه المؤامرات، ووقوفهم فى وجهها، والتصدي لها بكل ما أُوتوا من قوة.

وتشير هذه الحوادث أيضًا إلى النشاط الملحوظ، لتنظيم داعش الإرهابي، في السنوات الأخيرة في أفغانستان؛ حيث أعلن مسئوليته عن معظم عمليات استهداف المساجد في أفغانستان، سواء كانت لمسلمين سنة أو شيعة، وهذا يؤكد أنه ليس ثمَّةَ فارق بينهما عند التنظيم الإرهابي؛ من حيث التكفير واستباحة الدماء؛ فتارة يستهدف مسجدًا للشيعة، وتارة مسجدًا للسنة، حتى أصبح استهداف المساجد سياسة يتبعونها، ونهجًا ينتهجونه؛ بهدف زرع الفتنة بين أبناء الشعب الأفغاني، كي يتمكنوا –إن هم نجحوا في ذلك– من الانتشار فى الأراضي الأفغانية، وسحب المزيد من عناصرهم المنهزمة في سوريا والعراق إليها؛ للسيطرة عليها، وإقامة خلافتهم المزعومة على أراضيها، ولا شك أن هذا المخطط لا يهدد دولة أفغانستان فحسبُ، بل يهدد أيضًا دول الجوار .

ولا ريب أن هذه الجماعات التكفيرية لديها من العلل والأفكار المتطرفة ما يدفعهم للنَّيل من المدنيين في تجمعاتهم وأماكن عبادتهم، وأنهم لا يتحرجون من فعل أي منكر يخالف الشرع الذي يحتكمون إليه، ولا يكفُّون عن انتهاكات لا تتفق والخلافة التي يَسعَون إليها، فهدفهم القتل والدمار والتخريب، واستمرار الصراع، واشتعال الحروب؛ لخدمة الممولين.

هذا وقد أدان مرصد الأزهر الشريف هذه العمليات الإرهابية، التى استهدفت المساجد بصفة خاصة، ودُورَ العبادة بصفة عامة، مؤكدًا على حرمة وقدسية دُورِ العبادة، ليس في الإسلام وحده، بل في كل الأديان، وأن استهدافها مخالف لكل الأصول والمبادئ الإسلامية، والإنسانية بشكل عام.

وحدة الرصد باللغة الفارسية

طباعة