المساجد في إسبانيا .. ملتقى الثقافات وأيقونة التعايش

  • | الإثنين, 8 يوليه, 2019
المساجد في إسبانيا .. ملتقى الثقافات وأيقونة التعايش

     يؤدي المسجد دورًا روحيًّا وعلميًّا بارزًا في الإسلام، فهو بيتُ الله تعالى، وأشرف البقاع، وخير الأماكن لتربية المسلمين، فالمسجد هيئة إسلامية عظيمة تفُوق جميع الهيئات؛ إذ يلعب دورًا كبيرًا في إصلاح المجتمعات، فلا يمكن إصلاح المجتمع إلا بتفعيل دور أكبر مؤسسة وأعظمها على وجه الأرض، وهو المسجد؛ لأنه يُربّي المجتمع تربيةً إيمانيةً متكاملةً.

ولا تخفى أهمية قيام المساجد بدورها الحيوي في محاربة خطاب التطرف والكراهية، خصوصًا عند فئة الشباب؛ لحمايتهم من براثن الجريمة والتطرف والانحراف عن الجادة، وذلك بما تقدّمه من خدمات للمسلمين في المجتمعات الغربية؛ من دروس تعليم اللغة العربية، ومبادئ الإسلام الوسطي.

وفي ظل متابعة وحدة الرصد باللغة الإسبانية بمرصد الأزهر للأنشطة التي يقوم بها المسلمون في إسبانيا في سبيل التعريف بالإسلام، ونشر قيمه السمحة، وتفعيل دور المسجد في مواجهة التطرف، ونشر ثقافة الوسطية والاعتدال، والعمل على ترسيخها في أذهان المسلمين هناك، وتوضيحها لغير المسلمين، تابعت الوحدة خلال النصف الأول من عام 2019 المستجِدَّات بالنسبة للمساجد في أنحاء إسبانيا، نوجز أهمَّها من خلال هذا التقرير، وذلك على النحو التالي:

افتتاح مساجد جديدة:

وَفقًا لآخر الإحصائيات بلغ عدد المساجد في إسبانيا 1569 مسجدًا رسميًّا، وذلك بعد زيادة كبيرة خلال أربع سنوات فقط، وهو ما يؤكد أمريْن؛ أولهما: تزايد نشاط الجمعيّات الإسلاميّة المرتبط بتزايد أعداد المسلمين، وتدفقهم إلى مدن وبلديات جديدة بشكل غير مسبوق، والثاني: مساحة الحرية الدينية التي يكفلها القانون، وذلك بالرغم من تعرُّض المسلمين لبعض المضايقات التي يمارسها بعض المتعصبين، أو أنصار الأحزاب اليمينية الرافضة للوجود الإسلامي، ومن ثَمَّ افتتاح المساجد. وقد افتتحت خلال النصف الأول من عام 2019 عدَّةُ مساجد في إسبانيا، وبالنسبة للتوزيع الجغرافي لهذه المساجد فإنها لا تتمركز بمقاطعة أو إقليم واحد، وكان أبرزها أربعة مساجد بأربعة أقاليم مختلفة: «قطلونية»، و«الباسك»، و«بلنسية» و«كاستيّا لا مانتشا».

Image

وقد شهد شهر أبريل 2019 افتتاح أوّل مسجد في إسبانيا هذا العام في بلدية «سانت بيري دي ريباس» بإقليم «قطلونية»، وشارك مئات الأشخاص في الاحتفال بافتتاح المسجد الجديد بحضور عمدة المدينة «أبيجيل جاريدو» فضلًا عن ممثلين عن الجمعيات الإسلامية.  

وفي مايو 2019 افتُتح مسجد ببلدية «البسيط» بإقليم «كاستيّا لا مانتشا» الإسباني، تبلغ مساحته 200 متر مربع، ويحمل اسم «مسجد بيت السلام»؛ ليكون ملتقى للتواصل بين الثقافات والديانات المختلفة، وقد لوحظ حضور غير المسلمين حفل الافتتاح؛ حيث كانت الدعوة موجهة للجميع، ويمكننا أن نلاحظ هنا أن افتتاح المساجد في إسبانيا لا يمثل حدثًا دينيًّا فحسب، بل يُعدُّ حدثًا ثقافيًّا واجتماعيًّا، باعتبار ما سيقام فيها من فعّاليات وأنشطة ثقافية وتعليمية واجتماعية، تضم حوار المتدينين، ولقاءات ثقافية مفتوحة، واحتفالات بمناسبات اجتماعية أو وطنية بارزة.    

وفي الشهر ذاته احتفل مسلمو بلديّة «ديفا» في إقليم «الباسك» بافتتاح المسجد الجديد، الذي استمر العمل في بنائه عامًا كاملًا، وفي تأكيدٍ على وظيفة المسجد الاجتماعية والثقافية أكَّد القائمون على المسجد أن أبوابه ستكون دائمًا مفتوحة للجميع، لا سيّما خلال احتفالات شهر رمضان المبارك وفعّالياته.

كما شهد شهر يونيه من العام الجاري افتتاح مسجد بمدينة «أُورِيُولَة» الإسبانية الواقعة بإقليم بلنسية شرقي إسبانيا، وهو المسجد الذي انتظرته الجالية المسلمة في هذه المدينة بتفاؤل كبير، ويتسع المسجد لعدد كبير من المصلين، كما أنه مجهز لعقد الأنشطة الثقافية والاجتماعية، وخلال الفعّاليات تم التأكيد على أن «المسجد مفتوح أمام الجميع من المسلمين وغيرهم، ولكل من يريد التعرف على الثقافة الإسلامية وطبيعة العمل داخل المسجد وأنشطته».

المساجد مزارات تاريخية وتعليمية:

من أبرز الأنشطة التي تابعها مرصد الأزهر خلال النصف المنصرم من هذا العام: استقبال المساجد لزيارات غير المسلمين – وبشكلٍ خاص طلّاب المدارس – لتعريفهم بالإسلام، والأنشطة المختلفة التي تتم بالمساجد.

وقد كان لمسجد مدريد المركزي النصيب الأكبر من هذه الزيارات الطلابية؛ ففي شهر مارس 2019، استقبل المسجد مجموعة من طلاب المدارس الحكومية، تتراوح أعمارهم بين 12 و 18 عامًا، وذلك ضمن البرنامج التثقيفي التوعوي الذي أطلقته إدارة المسجد، وخلال اللقاء قُدّمت للطلاب بعض المواد التعليمية، والكتب الإرشادية عن الإسلام، وقاموا بجولة داخل المبنى؛ للوقوف على الأنشطة المختلفة التي تُعقد هناك، حيث تعرّفوا على أهم العناصر المعمارية التي تُشكّل التراث الثقافي الإسباني-الإسلامي. 

 

Image

وفي شهر أبريل استقبل المسجد وفدًا من طلاب معهد «خايمي بيرا» الثانوي في «مدريد»، وذلك في إطار فعّاليات برنامج «الجسر» الذي أطلقه المسجد، بالتعاون مع عدد من المؤسسات التعليمية؛ للتعريف بالمبادئ العامة للإسلام كدينٍ وثقافةٍ.

وكان آخر هذه الزيارات الطلابية التي شهدها المسجد في شهر يونيه زيارة وفدٍ من طلاب مدرسة «بلانكا ‏دي كاستيا»؛ والتي تُعدُّ أول احتكاك مباشر لطلاب المدرسة مع الثقافة الإسلامية، ‏وقد اصطحبهم أثناء الزيارة السيد «رافائيل مارتينيث» الخبير في الآثار الإسلامية بمدريد.

كما استقبل المسجد الكبير في بلدية «مانريسا» ببرشلونة 60 طالبًا في السنة الأولى من المدارس الثانوية بالبلدية، وتركزت أسئلة الطلاب على موضوعات مهمة للغاية؛ كالعلاقة بين الإسلام والديانات الأخرى، ونقاط الالتقاء بين الديانات، وعن القرآن الكريم، ومكانة المرأة في الإسلام، والصيام خلال شهر رمضان، وكيفية إقامة الصلاة، وغيرها من الأسئلة، وفي نهاية الزيارة أهدى القائمون على المسجد نسخةً من القرآن الكريم لأعضاء هيئة التدريس بالمعهد.

وفي هذا الصدد، تجدر الإشارة إلى «مبادرة الأبواب المفتوحة» التي أطلقها مسجد «الهداية» في «إشبيلية»؛ ردًّا على «تغريدة» زعيم حزب فوكس «سانتياجو أباسكال»، التي شكَّك من خلالها في الأعمال التي تمارسها المؤسسات الدينية في إسبانيا، وقد شاهد الحاضرون في هذه الفاعلية بثًّا حيًّا لصلاة المغرب، بالإضافة إلى أنهم تفقدوا عن قُربٍ بعضَ المرافق التي لم يروها من قبل.

المساجد رمز للتعايش:

بالإضافة إلى الأنشطة السابقة، تابعت الوحدة عددًا من الفعّاليات التي أطلقتها المساجد؛ لتعزيز رُوح التآخي والاندماج في المجتمعات الغربية، أبرزها استضافة مسجد «بطليوس» في شهر فبراير، لفعّاليات عن التعايش السلمي، للتأكيد على أهمية نشر مفهوم التعايش كعاملٍ أساسٍ لا غنى عنه في تعزيز الحوار والتواصل بين أتباع الثقافات والأديان،  وقد شارك في الفعّاليات عددٌ من الإسبان من المسلمين وغير المسلمين، من بينهم مستشار مدينة بطليوس «أنطونيو أبيلا»، ومدير المُتحَفِ الأثري في بطليوس «جييرمو كورتث»، وممثل مفوضية الأديان لمطرانية بطليوس «خوسيه أورتيث».

جديرٌ بالذكر أن إمام المسجد السيد/ عادل النجار، قد حصل على الميدالية الذهبية خلال الاحتفال بالمنتدى الثقافي العربي الإسباني، لدوره النشط والداعم للثقافة والتفاعل ما بين الثقافتيْنِ العربية والإسبانية، إلى جانب عمله الدءوب في نشر مفهوم التعايش بين أفراد المجتمع.

كما تجدر الإشارة إلى المساعدات التي قدّمها مسجد «لا بورديتا» في مدينة برشلونة الإسبانية لما يقرب من 70 شخصًا، بعدما اندلع حريق في أحد المباني بشارع «صوريا» بمدينة برشلونة الإسبانية، ونشر الحرس المدني على حسابه الخاص على «تويتر»: «نودُّ أن نشكر من تعاون معنا على إخماد الحريق؛ ونخص بالذكر إدارة المسجد على استقبالها لسكان الحي، الذين تم إجلاؤهم خلال الحادث».

وهنا تظهر وظيفة أخرى جليلة للمساجد في أوقات الشدة والأزمات؛ وهي استقبال المنكوبين وإيواؤهم، ولا شك أنه عمل إنساني بامتياز، يُظهر إنسانية الإسلام ورحمته بالخلق وسماحته، وهي مبادئ إنسانية سامية، جاء الإسلام ليرسّخها ويحث عليها. 

إن الهدف مما عرضناه في هذا التقرير ليس سرد أحداث أو فعّاليات؛ بقدر ما يؤكده مرصد الأزهر من خلاله على دور المساجد على المستوى الديني والثقافي والاجتماعي والإنساني. إن محاربة موجة التطرف العاتية في الوقت الراهن هي مسئولية جسيمة، تحملها المؤسسات المعنية، وعلى رأسها المساجد التي لها من الدور التوعوي ما يُمكن أن تَحُدَّ به من مخاطر الإرهاب، وهي من أخطر المسئوليات الدينية، فضلًا عن إقامة الصلوات والدروس الدينية والندوات والخطب وإقامة الشعائر، خاصة في شهر رمضان المعظّم.

أما التقاءُ الثقافات والأديان وتفعيل الحوار بين الديانات فهي مسئولية كبيرة، لابد أن تسعى المساجد لتفعيلها، والاستفادة منها في نقل صورة واضحة صحيحة عن الإسلام، بعيدًا عن المغالطات التي لا أصل لها، ولا يمكن إغفال الدور الإنساني والاجتماعي، لما ينتج عن ذلك من تأليف للقلوب، وإظهار الجانب الإنساني والاجتماعي لدِيننا الحنيف، وهو كذلك مظهر مهم من مظاهر التعايش والاندماج المجتمعي والوطني.

وحدة رصد اللغة الإسبانية

 

 

 

 

 

 

 

  

 

طباعة