قراءة موجزة في ملف جرائم "بوكو حرام"

  • | الثلاثاء, 9 يوليه, 2019
قراءة موجزة في ملف جرائم "بوكو حرام"

     يعود تأسيس جماعة "بوكو حرام" الإرهابيَّة إلى عام 2002، وذلك في مدينة "مايدوجوري" النيجيرية، وكلمة "بوكو حرام" هي كلمة هاوساوية تعني: "التعليم الغربي حرام"؛ لذا كان الهدف الرئيس لتلك الجماعة مناهضة التعليم الغربي ومنع انتشاره، لأنه من وجهة نظرهم قد ألحق الضرر بآلاف المسلمين الذين يعانون البطالة والتهميش، وكانت تلك الجماعة في بادئ أمرها تضم نخبة من المثقفين والأكاديميين.

وتُظهر "قاعدة بيانات تحديد أماكن الصراعات المسلحة ورصد الحوادث" أن بوكو حرام في الفترة الممتدة من 2009 إلى 2017 قامت بتنفيذ ما يزيد عن (2445) هجومًا إرهابيًا، وقد أودت تلك الهجمات بحياة (28168) شخصًا. 

وفي دراسة أجراها مركز «اعتدال» لمتابعة جماعة بوكو حرام: قامت حركة بوكو حرام منذ عام 2017م وحتى عام 2018م بنحو (430) تفجيرًا إرهابيًّا، قام بتنفيذ أغلبها ما يقرب من (244) امرأة والبقية من العناصر التابعة للجماعة.

وكما هو معلوم لدى كثير من المهتمين بقضايا التنظيمات الإرهابية، وخاصة التنظيمات الموجودة في إفريقيا، فإن جماعة «بوكو حرام» تتمركز بشكلٍ مكثَّف في كل من الكاميرون وتشاد ونيجيريا والنيجر، وتعتبر نيجيريا هي الدولة الأم للجماعة، التي تُعدُّ أكثر الجماعات الإرهابية دموية.

ووفقًا للدراسة الصادرة عن مركز الأزهر لمكافحة التطرف تحت عنوان: "لماذا تتصدر بوكو حرام الجماعات الأكثر دموية في العالم"، فإن هذه الجماعة هي المسئولة عن قتل (6644) شخصًا خلال عام 2014م، بزيادة قدرها (317) في المائة عن العام الذي سبقه.

وعن أهم جرائم بوكو حرام، تقول الدراسة إنه في عام 2014م، كان أول هجوم خارج نيجيريا على المناطق الحدودية لتشاد والكاميرون، حيث قاموا بقتل (520) شخصًا ضمن (46) هجومًا بالكاميرون، كما قاموا أيضًا بقتل ستة أشخاص في تشاد، ثم تضاعفت العمليات ضد البلدان المجاورة في 2015م؛ ليصل العدد إلى (53) شخصًا على الأقل في سلسلة من الهجمات حتى منتصف عام 2016.

كما أضافت الدراسة أيضًا أن جماعة بوكو حرام استطاعت أن تضاعف من هجماتها في عام 2017 ثلاثة أضعاف من (35) إلى (107)، كما ارتفع عدد القتلى لأربعة عشر ضعفًا من (107) إلى (1490) شخصًا مقارنة بعام 2013، كما أشارت الدراسة إلى أن المدنيين يمثلون نحو 77 % من الضحايا، وهم الهدف الرئيس من الهجمات التي ترتكبها تلك الجماعة.

أما فيما يتعلق بالعمليات الإرهابية التي نفَّذتها تلك الجماعة خلال عام 2018، فقد قامت بتنفيذ (136) عملية إرهابية خلال عام 2018، وقد أدَّت تلك العمليات إلى مقتل (1276) شخصًا، وإصابة (686) شخصًا، كما قامت تلك الجماعة باختطاف (417) شخصًا خلال قيامها بتلك العمليات الإرهابية، وبهذا تكون جماعة بوكو حرام الأكثر دموية على مستوى القارة الإفريقية حتى عام 2018.

وقد استطاعت جماعة بوكو حرام الإرهابية زيادة عدد هجماتها الإرهابية في نيجيريا ودول الجوار في الآونة الأخيرة لعام 2019؛ حيث قامت بالعديد من العمليات الإرهابية بحق المدنيين، وكذلك شنَّت عددًا آخر من العمليات ضد المواقع العسكرية للدول التي تنشط بها تلك الجماعة، ولهذا فإنها أصبحت من أخطر الجماعات التي يجب التخلص منها بالنسبة للنظام النيجيري وللقارة الإفريقية بشكل عام، حيث إن هذه الجماعة بسبب ما تقوم به كل يوم من قتلٍ وخطفٍ وترويعٍ للآمنين إلى جانب العديد من الهجمات التي تخالف فيها كل قواعد حقوق الإنسان من أجل الوصول إلى هدفها المزعوم  – وهو ما تطلق عليه تطبيق الشريعة وإقامة الخلافة الإسلامية!!!- أصبحت تهدد الأمن العام على مستوى القارة، فهذه الجماعة لم تكتفِ بتنفيذ عملياتها على المستوى المحلي فقط، بل تجاوزته إلى المستوى الإقليمي أيضًا. 

وكانت أبرز العمليات التي نفَّذتها الجماعة خلال النصف الأول من عام 2019 ما أعلنت عنه "منظمة العفو الدولية "، أن جماعة "بوكو حرام" الإرهابية قتلت 60 شخصًا على الأقل، بعد ما عاودت اجتياح بلدة في شمال شرقي نيجيريا. وكانت الجماعة الإرهابية قد اجتاحت بلدة "ران" في منتصف يناير الماضي؛ حيث طردت الجنود النيجيريين الذين كانوا يتمركزون بها، في محاولة منها إظهار قدرتها على انتزاع مواقع من قوات الجيش. ويعتبر هذا الاجتياح أحد أكثر الهجمات الدموية التي تنفذها الجماعة المرتبطة بتنظيم داعش الإرهابي، خلال 10 سنوات.

كذلك قامت تلك الجماعة بشن سلسلة من الهجمات الانتحارية على الأراضي النيجيرية، والتي أسفرت عن مقتل وإصابة العشرات؛ حيث لقي 30 شخصًا على الأقل حتفهم، فضلًا عن إصابة 40 آخرين بجروح في هذا الهجوم الذي استهدف قرية "كوندوغا "Konduga الواقعة على بعد 38 كيلومترًا عن مدينة "مايدوغوري"Maiduguru  عاصمة ولاية "بورنو"Borno  شمال شرقي البلاد، وذلك في أكبر عملية قتل جماعي ينفذها انتحاريون هذا العام حيث قامت بعض العناصر الانتحارية التابعة لـ«بوكو حرام»، بتفجير أنفسهم في إحدى الأماكن التي يتجمع فيها الناس لمشاهدة مباراة كرة قدم على التليفزيون.

كما قامت ـأيضًاـ بشنِّ هجومٍ إرهابيٍّ في نفس الفترة على بلدة "تشاكاماري" التابعة لمدينة مورا أقصى شمال الكاميرون، وأحرقت منازل البلدة، ما أسفر عن سقوط 11 قتيلًا حرقًا. وفي هجومٍ آخر يضاف إلى جرائمها السابقة، أقدمت عناصر "بوكو حرام" على قتل 9 أشخاص في هجومين منفصلين شمال شرق نيجيريا، كما تسببت في نزوح عددٍ كبيرٍ من المزارعين خارج البلاد.

وقبل ذلك، لقي ما لا يقل عن 25 جنديًّا نيجيريًّا وعدد من المدنيين مصرعهم في كمين نصبه مسلحو "بوكو حرام" بشمال شرق نيجيريا، وذلك وفقًا لما نقلته وكالة رويترز، عن مصادر أمنية.

حتّى بيوت الله لم تسلم من تطرُّف تلك الجماعة التي عاثَت فسادًا، في أرضٍ خلقَها اللهُ للسلامِ وأقامَها على المودَّةِ والتَّراحُم، فنقضت بذلك المواثيقَ ولم تحفظ العهود، حيث قامت عناصر من تلك الجماعة بشن هجومٍ على أحد المساجد الموجودة في مدينة "مايدوغوري"، عاصمة ولاية "بورنو"، وقد أسفر هذا الهجوم عن مقتلِ ما لا يقلُّ عن 11 بينهم مسلحون في حين أصيب 15 غيرهم بجروح.

يذكر أن المسلحين تسللوا إلى المسجدِ الواقعِ في قرية "كوشاري" خلف أحياء CBN في المدينة القديمة، وقاموا بإطلاقِ النارِ بشكلٍ عشوائيٍّ، كما قاموا بتفجير عبواتٍ ناسفة.

وفي الأسابيع الأخيرة، تواترت هجمات "بوكو حرام" في البلدان الأربعة المحيطة ببحيرة تشاد، حيث لم تكتفِ "بوكو حرام" بسلسال الدم الذي سفكته ظلمًا وعدوانًا على الأراضي النيجيرية، لتنتقل إلى أرض تشاد معلنة بدأ سلسال دم جديد يكشف عن تحوّل خطير في إستراتيجيتها الدموية عبر اختراق الحدود واستهداف قوى الأمن؛ حيث لقي ما لا يقل عن 23 جنديًّا مصرعهم إثر هجوم مسلح لهذه الجماعة في مدينة "دانجدالاDangdala" غرب تشاد في نهاية مارس الماضي.

هذا وقد استطاع المسلحون دخول "تشاد" عبر الحدود مع النيجر، وقاموا بشنِّ هذا الهجوم الذي يُعتبر من أكثر الهجمات الدموية التي تقوم بها "بوكو حرام" داخل تشاد. ويأتي هذا الهجوم الإرهابي الغاشم في الوقت الذي كثفت الجماعة من عملياتها الإرهابية مستهدفةً العسكريين والمدنيين في منطقة بحيرة تشاد.

وتشهد منطقة بحيرة تشاد تجدّد هجمات جماعة "بوكو حرام" بشكلٍ مستمر؛ حيث سجّلت (9) هجمات في الأراضي التشادية خلال هذا العام، وكانت آخر عملية نفذتها تلك الجماعة على الأراضي التشادية خلال هذا الأسبوع، فقد استطاعت قتل 11 عسكريًا تشاديًا على الأقل في كمين نصبه لهم مسلحون من جماعة  "​بوكو حرام​"  الإرهابية، بمنطقة بحيرة تشاد غربي البلاد.

وفي محاولة منها أيضًا للسيطرة والهيمنة على مقدرات البلاد وإخضاع الشعوب الإفريقية؛ قامت الجماعة بقتل سبعة قرويين إثر سلسلة هجماتٍ شنّتها عناصرُ لـ"بوكو حرام" على ثلاث قرى جنوب شرق النيجر قرب الحدود مع نيجيريا. هذا وقد هاجم عناصرها القرية الأولى وقتلوا ستة أشخاصٍ وخطفوا امرأتين وأحرقوا سوقًا محليًّا، وفي الهجوم الثاني قتلوا شابًا متزوجًا حديثًا، وفي الهجوم الثالث قاموا بحرق منازل، وتمكنت عناصرها من دخول "النيجر" سيرًا على الأقدام بعد عبورهم لـنهر "كومادوجو يوبي" الذي يُشكّل حدًّا طبيعيًّا بين "النيجر" و"نيجيريا" ثم لاذوا بالفرار إليها بعد تلك الهجمات.

وإذا نظرنا لما قامت به جماعة "بوكو حرام" من عمليات إرهابية في الآونة الأخيرة،  فإنه يظهر خطورة هذا التحول الإستراتيجي الإرهابي والذي يحمل رسالة تهديد لـ (مجموعة دول الساحل الخمس) ولجميع الدول ذات الحدود المتاخمة لنيجيريا.

ولهذا، يرى مرصد الأزهر لمكافحة التطرف ضرورة تضافر الجهود من أجل سد الثغرات الأمنية على حدود تلك الدول الإفريقية، والضرب بيد من حديد على أيدي المهربين؛ لمنع تدفق مزيد من الإرهاب العابر للحدود، إذ إن ما يقوم به هؤلاء المهربون عبر الحدود لا يقلّ خطورة عن الإرهاب. إلى جانب مزيدٍ من الدعم الدولي لمواجهة جماعة «بوكو حرام » والتي كثّفت هجماتها مؤخرًا في نيجيريا ودول الجوار؛ وذلك من أجل تحقيق الاستقرار والتنمية المستدامة في المنطقة.

وحدة الرصد باللغات الإفريقية

 

 

 

 

طباعة