المناخ والطبيعة الجَبَليَّة .. أدوات قتالية في يد التنظيمات الإرهابية

  • | الأحد, 15 سبتمبر, 2019
المناخ والطبيعة الجَبَليَّة .. أدوات قتالية في يد التنظيمات الإرهابية

     خلق الله تعالى الإنسانَ بيده، ونفخ فيه من روحه، وأسجد له ملائكته، وفضّله على كثيرٍ من خلقه، وسخَّر له الكون بما فيه من مخلوقات؛ ليقوم بعمارة الأرض، عملًا بقوله تعالى: {هو أنشأكم من الأرض واستعمركم فيها}، ولكي يقوم الإنسان بهذه المهمة جعل الله تعالى الإنسان كائنًا اجتماعيًّا بطبعه، يعيش ويتعايش في بيئته، يؤثر في غيره ويتأثر به غيره، وقد يخرج بعض الناس عن هذا القانون العام وعن القاعدة الكلية، فيرغبون في الابتعاد، ويُفَضِّلون العزلة، ولا شكَّ أن العزلة من المشاكل الاجتماعية التي يعاني منها البعض داخل المجتمعات المختلفة، وتَعني العُزلة غياب الفرد بشكلٍ كامل، أو جزئي عن التواصل الاجتماعي، وقد تصل درجة العزلة إلى أن ينفصل مجتمع بأكمله عن بقية المجتمعات.

ومما لا شك فيه أنَّ انقسام المجتمع إلى عدد من البيئات المختلفة قد يساهم - بشكل كبير- في إنشاء تلك العزلة، ذلك الانقسام الذي يُنشئ العديد من الطقوس، والعادات، والتقاليد المختلفة في الدولة الواحدة، ومن ثم تتغير طبيعة الأفكار لدى الأفراد في منطقة دون الأخرى، وهو ما يفسر تنوع العادات والتقاليد التي يمتاز بها قاطنو الأماكن الزراعية، والصناعية، والتي تختلف عنها في الأماكن الجَبلية، والصحراوية؛ الأمر الذي يؤثر على تغيير طبيعة الأفكار، والحالات المزاجية لكل فرد؛ نظرًا لطبيعة الحياة الجغرافية، والاجتماعية داخل الدولة الواحدة.

وتعدُّ نظرية تأثير المناخ على أمزجة الشعوب من الموضوعات التي اشتغل بها الكثير من العلماء، فقد طرحها الفيلسوف "مونتسكيو" (Montesquieu  1689 – 1755) في كتابه "روح القوانين"، وانطلقت نظريته من افتراض مؤداه: "تؤثر الطبيعة، والمناخ على طبائع الشعوب، وسماتهم الجسدية، والفكرية". ولعلّ ما ذكره الفيلسوف "مونتسكيو" هو ما يفسر بشكل أو بآخر ارتباط الفكر التكفيري، وظهور بعض الجماعات المتطرفة في المناطق الجبلية، والصحراوية في كثير من البلدان دون غيرها؛ حيث ينتج من طبيعة تلك المناطق الحارة ما يمكن أن نسميه "السلبية الفكرية" التي ترفض الاطلاع والبحث؛ الأمر الذي يُعدُّ من الأسباب الرئيسة في سهولة استقطابهم إلى الجماعات التكفيرية، وذلك لعدم اتضاح الرؤية السليمة تجاه الآراء الدينية الوسطية، وحبهم إلى اكتراث المعلومات اليسيرة دون البحث، والتحري عن دقتها، ومدى مصداقيتها، فيرفض الفرد في هذه البيئة "التطوير الذاتي"، و"اكتساب مهارات البحث العلمي"؛ للوصول إلى الحقائق الدينية والعلمية، مما يؤدي إلى انعدام الثقة بالنفس، والبحث عن ملاذ فكريّ يمنعه من مواجهة الآخرين.

ولمَّا كانت أيديولوجيا الجماعات المتطرفة قائمة على السمع، والطاعة العمياء، وكانت من أهم السمات الشخصية لقاطني المناطق الحارة هي "الانفعالية"، و"العصبية" تجاه ما يقتنعون به، فكان ذلك مجالًا خِصبًا لتلك التنظيمات؛ حيث تعمل تلك الجماعات علي إشباع رغبات أولئك الأفراد من ناحية، وتحقيق أهدافهم الدامية من ناحية أخرى، فيتحول الفرد تدريجيًا من إنسان سويٍّ إلى عضوٍ في تنظيم إرهابي، ثمَّ إلى زعيم إجرامي يستبيح دماء الأبرياء.

ومن منطلق فرضية "مونتِسكيو" Montesquieu، والتي تشير إلى أن البيئة المناخية تؤثر تأثيرًا مباشرًا على حياة الإنسان، وسلوك البشر، فإنّ البيئة المناخية قد تساهم في السلوك الانعزالي للأفراد في بيئةٍ بعينها عن بقية أجزاء المجتمع، ذلك السلوك الذي تستغله التنظيمات الإرهابية في تكوين مجتمع خاص بهم، فيعملون على تطبيق أفكارهم التكفيرية، ومعتقداتهم السوداء، حتى تتسع دائرة هذا المجتمع الصغير، فينطلقون إلى غزو المجتمع الخارجي، ومن ثم محاولة نشر أفكارهم الهدامة على جميع بيئات المجتمع "بصور متناثرة".

وفي هذا السياق نجد أن تنظيم داعش الإرهابي في الآونة الأخيرة، وبعد مرور أكثرَ مِن عامٍ ونصفٍ على هزيمته في سوريا والعراق، وتعرّضه لانكسارات متتالية، قد لجأ إلى المناطق الجبلية، والصحراوية في الدولتيْن، واتخذ تلك المناطق أوكارًا إجراميةً للهرب إليها، فعلى سبيل المثال تُعدّ المناطقُ الصحراوية في العراق، ومنطقةُ البادية الممتدة بين الأطراف الغربية لنهر الفرات في سوريا، أوكارًا إرهابية جديدة لإيواء الخلايا النائمة لذلك التنظيم، يستهدفون من خلال تلك الأوكار معظم المناطق التي فقدوها في شماليِّ البلاد؛ حيث تنطلق الخلايا النائمة التابعة للتنظيم من تلك المناطق الصحراوية إلى تنفيذ عملياتٍ انتحاريةٍ، وتفجيراتٍ، فتهاجم أهدافا محددة بشكل سريع، ثم تعود مرة أخرى إلى أوكارها في تلك المناطق الصحراوية؛ الأمر الذي يشكّل صعوبة بالغة تواجه الجهات الأمنية في القضاء عليهم بصورة نهائية.

وفي إشارة إلى نظرية "مونتسكيو" Montesquieu حول تأثير البيئة المناخية على طبائع الأفراد، نرى أن الجماعات الإرهابية قد استغلت العامل القبلي والعشائري في استقطاب الأهل والأصدقاء، واستغلالهم في بداية تفرع الشجرة الإرهابية من خلال ثقة الأفراد في ذويهم، وأبناء العمومة في القبيلة الواحدة، لنجد انضمام مجموعة من الأشقاء، وأقاربهم معا في هذا الكِيان الإرهابي؛ نظرًا لما  تتسم به تلك القبائل مِن تلاحم، وقوة في شبكة العلاقات الاجتماعية فيما بينهم داخل القبيلة الواحدة؛ نتيجة طبيعة الحياة البدوية التي يعيشونها..

ويؤكد مرصد الأزهر على أن الطبيعةَ والمُناخَ أدواتٌ طبيعية قد استغلتها التنظيمات الإرهابية في تقوية شوكتها في البيئات الجبلية، فكانت العزلة المجتمعية، وطبيعة المجتمع القبلي سببًا رئيسًا في نشأة، التنظيمات الإرهابية، وتكوينها آنَذاك، ومِن ثَمَّ نشْرُ الفِكر المتطرف بين أعضاء ذلك المجتمع بفعل العلاقات الاجتماعية داخل القبيلة الواحدة.

 

وحدة الرصد باللغة العربية

طباعة