الدواعش الفرنسيون: العودة أم الإعدام؟

  • | الأحد, 22 سبتمبر, 2019
الدواعش الفرنسيون: العودة أم الإعدام؟

     لا شك أنَّ قضية "استعادة المقاتلين الفرنسيين وأسرهم" المنضمِّين إلى صفوف داعش، والمُحتجَزين في العراق، أو لدى القوات الكُردية في "سوريا"، وما سيؤولُ إليه مصيرُهم، لا تزال تؤرّق الأجهزة الأمنية والساسةَ في فرنسا منذ أمدٍ بعيد؛ لما تُمَثِّله هذه القضية من تَحَدٍّ خطير على المستوى السياسي والأمني الفرنسي، بل وأصبحت "باريس" بين خياريْن لا ثالث لهما، أحلاهما مُرّ: إما أن تتقبل فرنسا رعاياها طواعية وتحاكمهم على أرض فرنسية، وإما أن تنفذ أمريكا تهديدها بإطلاق سراحهم، فيعودون إلى بلادهم بطرق مشروعة أو غير مشروعة؛ حيث صرّح الرئيس الأمريكي "دومالد ترامب" قائلًا: "نحتجز الآلاف من مقاتلي داعش الذين نأمل أن تستعيدهم أوروبا، وإذا لم تتم استعادتهم فربما يتعيّن علينا إرسالهم إلى أوروبا".

فهل هذا تهديد حقيقي أم مجرد وسيلة للضغط على الدول الأوروبية لاستعادة رعاياها؟ وما هو رد فعل الحكومة الفرنسية حِيال ذلك؟

وأيًّا كان موقف الولايات المتحدة الأمريكية حِيال هذه القضية، فإنها تريد حثّ الدول الأوروبية على خيار استعادة مواطنيها من مناطق الصراع في الشرق الأوسط، بدلًا من خيار إطلاق سراحهم وفرارهم أو سقوطهم في أيدي معادية لبعض الدول الأعضاء في الاتحاد الأوروبي، فيصبحون قنابل موقوتة تؤرّق أمن واستقرار المجتمع الأوروبي.

لكن مما يبدو جليًّا أنّ السلطات الفرنسية ليس لديها حيّز كبير للمراوغة حِيال تلك القضية، خاصة وأن الخيار الثاني أصعب؛ لذا تحتم الضرورة على قبول الخيار الأول، للسيطرة والتحكّم في هؤلاء الدواعش تحت سلطة قائمة بدلًا من الخيار الثاني الذي سيؤدي إلى تركهم على أرض مضطربة يدقُّون فيها طبول الحرب، وهو خيار قد لا يُلاقي قبولًا لدى الرأي العام الفرنسي.

وعليه فهناك انقسام في الرأي على الصعيد الأمني والسياسي في فرنسا بين مؤيد وعارض حيال عودة مقاتلي داعش من الفرنسيين إلى بلادهم؛ حيث ترى الأجهزة الأمنية أنه من الأفضل استعادة هؤلاء المتطرفين؛ لمحاكمتهم ووضعهم تحت الرقابة الأمنية مع إعادة تأهيلهم لتفادي خطر وجودهم، وتفادي محاسبة الأجهزة الأمنية حال وقوع هجوم إرهابي على الأراضي الفرنسية، في حين يرى الساسة عدم قبول عودة هؤلاء المتطرفين إلى الأراضي الفرنسية.

هذا بالنسبة للجانبين السياسي والأمني، أما على الصعيد القانوني، فمن جانبهم أدان نحو (44) محاميًّا فرنسيًّا موقف الدولة الفرنسية من قضية "استعادة المقاتلين الفرنسيين وأسرهم" المنضمين لصفوف داعش ، وذلك من خلال كتابتهم لمقال على موقع "فرنس إنفو"، والذي أشاروا فيه إلى أنّ عقوبة الإعدام غير قانونية منذ صدور القانون رقم 81-908،  في التاسع من أكتوبر 1981، وأوضحوا أنّ هذا المبدأ الدستوري، والمنصوص عليه أيضًا في الاتفاقية الأوروبية لحقوق الإنسان، يتم تطبيقه في كافة الأحوال، وحتى في القضايا المتعلقة بالإرهاب. لذا يجب على وزارة الخارجية الفرنسية أنْ تتخذ الإجراءات اللازمة لضمان عدم تنفيذ هذه الأحكام أو تخفيفها. كما أنّ لكل فرنسي ارتكب جرمًا الحق في محاكمة عادلة، وعلنية، تتم في غضون فترة زمنية معقولة من قِبَلِ محكمة مستقلة، ومحايدة.

وتضمّن المقال تساؤلا طرحه "إيمانويل داود"، أحد المحامين المتخصصين في القانون الجنائي، عن سبب نقل هؤلاء المقاتلين الفرنسيين المنضمين لداعش إلى بلدٍ تزداد فيه احتمالية تطبيق الحكم بالإعدام عليهم؟ ويرى أنّ الحكومة الفرنسية لم تتخذ الإجراءات اللازمة لمنع نقل هؤلاء الدواعش إلى العراق، وبالتالي تفاديهم الحكم بالإعدام، وهو ما يتعارض مع القانون الدولي...".

كما طالبت "أغنيس كالامارد"، المقررة المعنية بحالات الإعدام خارج نطاق القضاء، وحالات "الإعدام التعسفي" في المفوضية السامية للأمم المتحدة لحقوق الإنسان، يوم الثلاثاء الموافق 13 أغسطس 2019، فرنسا لإعادة المقاتلين الفرنسيين المنضمين لداعش، والمحتجزين في مناطق الصراع، حتى تتم محاكمتهم على الأراضي الفرنسية.

وذكرت كل من صحيفة "لوفيغارو"، وجريدة "لوموند"، أن "كالامارد" قد وجَّهت رسالة رسمية إلى الحكومة الفرنسية، انتقدتها لعدم تدخلها في إعادة عشرات المقاتلين الأجانب الذين يحملون الجنسية الفرنسية، والذين سلمتهم الجماعات الكردية في سوريا إلى السلطات العراقية، ليواجهوا عقوبة الإعدام بتهمة انتمائهم لتنظيم "داعش" الإرهابي. وأشارت إلى أنّ مثل هذا الإجراء يُعد انتهاكًا صارخًا للقانون الدولي، مانحة الحكومة الفرنسية شهريْن للرد على التوضيحات التي تطرّقت إليها، وإلا فقد يتم اتخاذ إجراءاتٍ ضد فرنسا.

وردًّا على المقررة الأممية، قال نائب المتحدث باسم وزارة الخارجية الفرنسية، "أوليفييه غوفين"، في بيان لوزارة الخارجية، إنَّ الادَّعاءات التي صاغتها "أغنيس كالامارد" مجرد تكهنات، ولا تستند على أيّ تبادل سابق للآراء مع السلطات الفرنسية، كما هو منصوص عليه في الإجراءات الخاصة لمجلس حقوق الإنسان التابع للأمم المتحدة، كما أكَّد أيضًا أنّ "كالامارد" تتحدث باسمها، وليس باسم الأمم المتحدة.

وفي الوقت ذاته، أكد المتحدث باسم وزارة الخارجية الفرنسية على موقف بلاده الرسمي حِيال المقاتلين الفرنسيين المحتجزين في مناطق الصراع، قائلًا: يجب محاكمة هؤلاء المقاتلين من الرجال والنساء، الذين انضموا لتنظيم داعش، في الأماكن التي ارتكبوا فيها جرائمهم، موضحًا أنّ السلطات العراقية على علمٍ بأنّ فرنسا تُعارض بشدة عودة هؤلاء إلى الأراضي الفرنسية، وكذا تُعارض عقوبة الإعدام من حيث المبدأ، لكنها تحترم السيادة العراقية.

ورُغم تأكيد وزير الخارجية الفرنسية "جان إيف لو دريان"،  على أنّ المُدَّعى عليهم قد خضعوا "لمحاكمة عادلة"، فإنَّ جمعية "هيومن رايتس ووتش" قد أثارت شكوكًا حول هذا البيان. فقد ذكرت المنظمة غير الحكومية أنه قد تم الضغط على هؤلاء الفرنسيين بالعديد من وسائل التعذيب، من أجل الحصول منهم على اعترافات. كما صرَّحت بأنه مع احتمالية تعرّض المحتجزين  للتعذيب، والمحاكمات الجائرة التي تؤدي إلى عقوبة الإعدام، لا يجوز لأيّ دولة نقل المحتجزين إلى العراق لمحاكمتهم بالإرهاب، أو الجرائم ذات الصلة، وبذلك يتعيّن على الدول التي قامت بنقلهم الالتزام، بموجب القانون الدولي، بمراقبة إجراءات خضوعهم للعدالة لضمان عدم إساءة معاملة المشتبه فيهم، وخضوعهم لمحاكمة عادلة إذا تمت مقاضاتهم.

وعليه فإنَّ المصير المجهول للمقاتلين الأجانب المنضمين لصفوف الجماعات الإرهابية، والمحتجزين في مناطق الصراع، يُشكّل مصدر قلق وإزعاج لبلدانهم الأصلية؛ وذلك لرفض الرأي العام عودة هؤلاء المقاتلين لوطنهم، خشية احتمالية انخراطهم في أعمال إرهابية جديدة، ما جعل الحكومات تتطلع إلى التشاور، ومحاولة الوصول إلى حل لتلك القضية. ولكن يبدو أنَّ فرنسا تُكثِّف من جهودها الدبلوماسية لتُجَنِّبَ هؤلاء الفرنسيين الدواعش عقوبة الإعدام، في الوقت الذي تُطالب فيه بمحاكمة هؤلاء في الأماكن التي ارتكبوا فيها جرائمهم، وترفض عودتهم إلى الأراضي الفرنسية؛ لأنهم رفعوا السلاح على فرنسا، وحاربوها! ولكن إذا فشلت الدول الأوروبية في تحمّل مسئوليتها تِجاه رعاياها المنضمين لداعش، وفشلت في احتوائهم بشكل تدريجي وملاحقتهم قضائيًّا، وخضوعهم لبرامج تأهيلية لإدماجهم في النسيج المجتمعي من جديد، فماذا سيكون مصير هؤلاء في ظل حكومات ترفض عودتهم بشكل قاطع، وأخرى تتجه لسحب الجنسية منهم، وأخرى وافقت على استعادتهم ولكن دون خطوات ملموسة على أرض الواقع؟!!

وحدة الرصد باللغة الفرنسية

طباعة