مسلمو الهند والحريَّة الدِّينية

  • | الخميس, 24 أكتوبر, 2019
مسلمو الهند والحريَّة الدِّينية

إنَّ الحرية الدينية أو حرية المعتقد تعني أن لكل فرد الحق في اعتناق دين أو عقيدة، وأن يعبر عنه، ويمارس هذا الدِّين كما يشاء طالما لا يضر بحريات الآخرين، ولا يتعدى عليهم. والحرية الدينية من الحقوق الأساسية التي تمنحها الدول لأفرادها دون تمييز بين أصحاب الأغلبية أو الأقلية الدينية، واحترام مشاعرهم الدينية، وعدم إكراههم أو إجبارهم على تغيير معتقداتهم أو اعتناق غيرها. فالإكراه والإجبار يتنافى مع الحرية الدينية التي كفَلتها الشريعة الإسلامية ضمن الحقوق الأساسية التي يتمتع بها جميع الأفراد؛ وذلك مصداقًا لقوله تعالى: ﴿لَا إِكْرَاهَ فِي الدِّينِ ۖ قَد تَّبَيَّنَ الرُّشْدُ مِنَ الْغَيِّ ۚ فَمَن يَكْفُرْ بِالطَّاغُوتِ وَيُؤْمِن بِاللَّهِ فَقَدِ اسْتَمْسَكَ بِالْعُرْوَةِ الْوُثْقَىٰ لَا انفِصَامَ لَهَا ۗ وَاللَّهُ سَمِيعٌ عَلِيمٌ﴾ (البقرة:256). فحرية الاعتقاد حق مكفول شأنه في ذلك شأن حق الحياة وجميع الحقوق الإنسانية الأخرى. وتعتمد حرية الاعتقاد في المقام الأول على قبول الآخر، والتسامح معه، والاحترام المتبادل، والتعايش السلمي بين أفراد الجماعات الدينية المختلفة؛ حيث إن أن حرية الاعتقاد ليست قاصرة على دين بعينه، وإنما تشمل جميع الأديان والمعتقدات.

وتعدّ قارة آسيا من أكبر قارات العالم التي تضم عددًا كبيرًا من الجماعات المتطرفة، وهذه الجماعات المتطرفة متنوعة بين عرقية ودينية ومذهبية. كما تعدّ الهندوسية الديانة الأولى في الهند؛ حيث يمثل عدد معتنقيها 81.3% من الشعب الهندي، وتحتل الهندوسية المرتبة الثالثة على مستوى العالم من حيث عدد المعتنقين للديانات؛ حيث يعتنقها حوالى 900 مليون نسمة في جميع القارات، منهم 837 مليون في الهند فقط، وعندما نستذكر تاريخ التطرف في الهند يتوارد إلى أذهاننا حادث اغتيال "المهاتما غاندي"؛ حيث إن دعوته إلى احترام حقوق الأقلية المسلمة لم تلق أيَّ تقدير لدى الأغلبية الهندوسية، بل اعتبرتها بعض الفئات الهندوسية خيانة عظمى، وفي ٣٠ يناير من عام ١٩٤٨ قام أحد الهندوس المتعصبين باغتيال "غاندي" أثناء تأديته الصلاة في مكانه المعتاد بثلاث رصاصات قاتلة. وفي حادث مشابه يوم 31 من أكتوبر عام 1984 تم اغتيال "أنديرا غاندي"، رئيسة وزراء الهند آنذاك، على يد أحد المتطرفين السيخ؛ بسبب خلافها الشديد مع إحدى جماعات السيخ الشهيرة الموجودة بمدينة "أمريتسار".

أمَّا من الناحية القانونية، فإن الحرية الدينية في الهند حق قانوني مكفول بموجب المادة (25) من الدستور الهندي، والذي يكفل لكل مواطن في الهند الحق في اعتناق وممارسة ونشر دينه بشكل سلمي. ورغم أن الهند تفخر بكونها من أكبر الديمقراطيات في العالم، وأنها تُمثل أنموذجًا للتسامح والتعايش السلمي، فإن كثيرًا من مسلمي الهند البالغ عددهم (15%) تقريبا من عدد السكان يتعرضون لجرائم كراهية، وعنف طائفي على أيدي متطرفين هندوس.

وتتنوع جرائم الاضطهاد وأعمال العنف الطائفي ضد الأقلية المسلمة في الهند ما بين طرد وحرق لمنازلهم، أو اعتداء عليهم بالضرب أو السب بالألفاظ النابية، أو بالقتل تحت مسمى "حماية الأبقار"، وغير ذلك من الاعتداءات، والتي نذكر بعضها على سبيل المثال لا الحصر، منذ بداية عام 2019، وذلك على النحو التالي:

- (7 مارس  2019): متطرفون هندوس يهاجمون مواطنين كشميريين ويعتدون عليهم بالهراوات.  

- (11مارس 2019): متطرفون هندوس يحرقون ما يزيد عن 200 منزل يملكها مسلمون، في ولاية "هريانا"، ويعتدون على كل من حاول إطفاءها؛ ما أسفر عن مقتل شابين.

-  (21 مارس 2019): تعرضت إحدى الأسر المسلمة في قرية "دهوماس بور"، لهجوم عنصري بسبب مباراة "كريكت"؛ حيث قامت مجموعة من المتعصبين من الهندوس بضربهم والاعتداء عليهم.

- (6 أبريل 2019): طالبة هندية مسلمة تتعرض لسوء المعاملة بسبب رفضها ارتداء قبعة حزب "بهارتيا جانتا".

-  (13 أبريل 2019): تعرض رجل مسلم للاعتداء الوحشي من قبل مجموعة من المتعصبين في شمال شرق ولاية "آسام"؛ لاتهامه ببيع لحم الأبقار، رغم عدم وجود حظر على ذبح الأبقار، أو استهلاك لحومها في هذه الولاية.

 وتجدر الإشارة إلى أن ذبح الأبقار واستخدام لحومها يعتبر أمرًا غير قانوني في 20 ولاية هندية، ويسمح فقط بذبح الجاموس، والثيران. وفي هذا الصدد يمكن الإشارة إلى أن ما يقرب من 44 شخصًا قد قُتِلوا في أعمال عنف بسبب لحوم الأبقار، وعلى أيدي جماعات "حماية الأبقار"، في الفترة من 2015 حتى 2018، وذلك حسب ما أعلنته منظمة حقوق الإنسان.

- (20 أبريل 2019): محاولة إجبار مسلم على تغيير ديانته، وحفر اسم أحد الآلهة على جسده بعد رفضه لمطلبهم، في أحد سجون مدينة "نيودلهي".

- (22 مايو 2019): الاعتداء على زوجيْن مسلميْن في ولاية "مادهيابرديش"، بتهمة حيازة لحوم الأبقار.

- (25 مايو 2019): تعرض رجل مسلم للضرب على أيدي مجموعة من الرجال في منطقة "جاكوب بورا"، الواقعة في "جورو جوارم" الهندية، وذلك بعد أن طُلب منه إزالة قبعته، كما أجبروه على ترديد الهتافات الدينية الهندوسية، وعلى أكل لحم الخنزير.

- (20 يوليو 2019): اعتقال 12 شخصًا لاعتدائهم على أحد الأئمة، وإجباره على ترديد الشعارات الهندوسية، في ولاية "أوتار براديش"، وذلك بعد أيام من ادعاء 4 من طلاب المدارس في نفس الولاية بتعرضهم للضرب والسحل على أيدي مجموعة من الهندوس؛ بعد رفضهم ترديد أحد الشعارات الهندوسية، وتلقيهم تهديدات بالقتل لنفس السبب.

- (28 يوليو 2019): مقتل مسلم في منطقة "أميتي" بـولاية "أوتار براديش"؛ حيث كان في منزله برفقة زوجته، عندما قام متطرفون هندوس بالهجوم عليه وضربه، ما تسبب في إصابته بجروح بالغة في الرأس توفي على إثرها.

- (29 يوليو 2019): قيام مجموعة من المتعصبين بالاعتداء بالضرب، والسب على 4 من الشباب المسلم، بواسطة أحزمتهم الجلدية، وأحذيتهم، وركلهم وسبِّهم بتهمة أكل لحوم الأبقار بالقرب من أحد المعابد الهندوسية.

- (16 سبتمبر 2019): مجهولون يعتدون على أسرة مسلمة في مدينة "عليجره"، بولاية "أوتار براديش".

ولم يتوقف الأمر عند الاعتداء الجسدي أو اللفظي؛ بل تعداه إلى حالات سحب الجنسية من المواطنين؛ حيث أعلنت السلطات الهندية سحب الجنسية من (4) ملايين شخص في ولاية "آسام"، وكان معظمهم من المسلمين، وبموجب هذا القرار أصبح حتميًا على هؤلاء الأشخاص إثبات قدومهم إلى الولاية قبل عام 1971، ومن لم يتمكن من تقديم الأوراق الرسمية التي تثبت ذلك، سيتم تجريده من الجنسية الهندية، ويكون مهددًا بالعزلة، أو التهجير، أو الطرد.

  وتجدر الإشارة إلى أن مئات الآلاف من الأشخاص قد فروا من "بنجلاديش" إلى الهند خلال حرب الاستقلال عن "باكستان" في عام 1971، وحتى يتم الاعتراف بهم كمواطنين هنود؛ اضطر جميع سكان ولاية "آسام" إلى تقديم وثائق تثبت أنهم أو أسرهم قد عاشوا في البلاد قبل 24 مارس 1971م.

 وتجدر الإشارة أيضًا إلى أن عددًا كبيرًا من سكان ولاية "آسام"، والتي يبلغ عدد سكانها 31 مليون نسمة تقريبًا ينحدرون من أصول بنغالية؛ لهذا يتهمهم السكان الأصليون بالاستيلاء على أراضيهم، ومزاحمتهم في مواردهم.

هذا إلى جانب صور عديدة من التمييز الطائفي، والذي باتت وتيرته تتصاعد في الهند خلال السنوات الماضية، الأمر الذي أكَّده تقرير وزارة الخارجية الأمريكية الذي صدر مؤخّرًا حول الحرية الدينية الدولية؛ حيث ذكر التقرير أن أعمال الشغب، والعنف الطائفي، والاضطهاد الديني، قد تزايدت ضد الأقليات في الهند تسعة أضعاف بين عامي 2015 و2017.

وبعد هذا العرض الموجز لوضع الحرية الدينية في الهند، يؤكد مرصد الأزهر على المبدأ الذي اتفق عليه جميع العقلاء بأن التطرف والغلو والعدوان لا علاقة له بدين أو مذهب أو عِرق، وأن الحرية الدينية مكفولة للجميع دون تمييز بين أصحاب الأغلبية أو الأقلية الدينية، وكذلك احترام مشاعرهم الدينية، وعدم إكراههم أو إجبارهم على تغيير معتقداتهم أو اعتناق غيرها. ويوضح المرصد أن تلك الحرية في كثير من الأحيان تصبح حقا لا يُمارَس، ونصًّا دستوريًا غير معلوم لعدد كبير من الجهلاء، الذين يفتقدون الوعي والإدراك للمعنى الحقيقي للحرية والكرامة، والتي يجب أن يتحد لتحقيقها وتفعيلها على أرض الواقع جميعُ عقلاء العالم.

 


وحدة الرصد باللغة الأردية
 

طباعة