مقتل البغدادي ومستقبل التنظيم

(1)

  • | الخميس, 31 أكتوبر, 2019
مقتل البغدادي ومستقبل التنظيم

      لا شك أن مقتل "أبي بكر البغدادي" زعيم تنظيم داعش الإرهابي، يوم السبت 26 أكتوبر 2019، نتيجة غارة أمريكية على المنزل الذي كان يُقيم به في قرية "باريشا"، إحدى قرى "إدلب"، شمال غرب سوريا، يُعدّ نجاحًا تكتيكيًا كبيرًا يرفع الروح المعنوية للدول التي شاركت في عملية القضاء عليه؛ إذ تؤكد تلك العملية تفوّق أجهزة مخابرات الدول التي شاركت فيها، ودقة عملياتها الاستخباراتية، والعسكرية. والأهم من ذلك أن مقتله قد يُحقق انخفاضًا في مؤشر العمليات الإرهابية التي يقوم بها التنظيم، على الأقل على المدى القريب، كما يمكن أن يتسبّب في فقدان التنظيم بعضًا من مليشياته. ورغم هذا، فإن مقتله لا يعني انتهاء التنظيم بشكل كامل. فالتنظيم لا يزال موجودًا بالفعل رغم ضعفه وتراجعه خلال الفترة الماضية؛ بسبب الضربات المتوالية التي تعرض لها، والتي أنهكته وقضت على سيطرته الميدانية، وسيطرت على آخر معاقله في "الباغوز" السورية، وحولته من تنظيم يسعى إلى السيطرة على مزيدٍ من الأراضي، وإقامة دولة، وتحقيق السيادة عليها، إلى تنظيم إرهابي لا مركزي، يفتقد التواصل بين قادته وقاعدته.   

وفي هذا التقرير، يسلط مرصد الأزهر الضوء على زعيم تنظيم داعش الإرهابي، ومقتله، والتوقعات حول مستقبل التنظيم بعد رحيله، وذلك من خلال الإجابة على بعض الأسئلة على النحو التالي:

من هو أبو بكر البغدادي؟

اسمه الحقيقي "إبراهيم عواد إبراهيم البدري"، ولد عام 1971 في مدينة "سامراء" العراقية، على بُعد 50 ميلًا شمالِ بغداد، وينحدر من عائلة فقيرة. وقد اشتُهر بأسماء عديدة، منها "أبو دعاء"، و"الدكتور إبراهيم"، و"الشيخ المخفي"، و"بن لادن الجديد". تخرج البغدادي في الجامعة الإسلامية في بغداد عام 1996، وأتم دراسة الماجستير، والدكتوراه في نفس الجامعة. ويُقال إنه كان يتميز بالهدوء، والسكينة، والتأثير فيمن يخالطهم، ولكن هدوءه وسكينته لم يكونا سوى جزء من شخصيته؛ حيث كان يتمتع أيضًا بالقدرة على التهديد والوعيد. فبالرغمِ من هدوئه، إلا أنه كان لا ينسى أو يُسامح بسهولة؛ ففي عام 2010 اعترض شخصان من أعضاء مجلس شورى التنظيم على اختياره خليفة لـ "أبي عمر البغدادي"، فما لبث أبو بكر البغدادي بعد فترةٍ وجيزة من توليه زعامة التنظيم أن قام بقتل أحدهما، وهو "جمال الحمداني".

اعتُقل البغدادي عام 2004، وأُودع في سجن "بوكا"، الذي كان به العديد من عناصر تنظيم القاعدة، وخرج منه عام 2006. ويُقال إنه إن لم يكن قد تحول إلى التشدد قبل دخوله السجن، فإنه من المؤكد قد صار مُتطرفًا خلال فترة اعتقاله، والتي اقترب فيها بشكل كبير من عناصر تنظيم القاعدة، وقد أبدى إعجابه بهم بعد خروجه من المعتقل، وخصوصًا "أبا حمزة المهاجر".

وبعد وفاة "الزرقاوي" عام 2006 انضم البغدادي إلى تنظيم "مجلس شورى المجاهدين"، والذي يُعدّ امتدادًا لتنظيم "القاعدة في بلاد الرافدين"، وذلك بترشيح من "أبي  حمزة المهاجر"؛ ليكون البغدادي نائبًا للخليفة "أبو عمر البغدادي"، الذي كان معروفا بالزرقاوي، والذي قُتل في غارة أمريكية عام 2010. وبعد مقتله تولى "أبو بكر البغدادي" زعامة التنظيم الذي صار بعد ذلك التنظيم الأكثر دموية في العالم.

وقد استغل البغدادي فرصة الاضطرابات التي حدثت في "سوريا"، وأسّس فرعًا لجماعته هناك، كما استغل بعض الأحداث السياسية في العراق، وقدّم نفسه وجماعته على أنهم المدافعون عن أهل السنة، فاكتسب في البداية بيئة حاضنة ساعدته على احتلال المزيد من الأراضي العراقية التي أسّس عليها دولته المزعومة. وفي عام 2014 أعلن نفسه "خليفة" من على منبر مسجد النوري الكبير، في مدينة "الموصل" العراقية، ثاني أكبر مدن العراق. ثم اختفى بعدها، ولم يظهر إلا في 29 أبريل 2019 في مقطعٍ مرأيّ، مدته 18 دقيقة؛ ليعلن هذه المرة انتهاء السيطرة المكانية لدولته المزعومة، وسقوط آخر معاقلها في "الباغوز" السورية. وبهذا يكون البغدادي قد ظهر مرتين: مرة لإعلان دولته، وأخرى لإعلان انتهائها.

 كم مرة انتشرت أخبار تفيد وفاة البغدادي؟

شهد عاما 2017، 2018 الكثير من الشائعات حول أبي بكر البغدادي، بعضها يؤكد مقتله، وبعضها يؤكد إصابته، وبعضها يؤكد القبض عليه. وهذا أبرز ما تمّ رصده في هذا الشأن:

- 11 يونيو 2017: ادّعى التلفزيون الحكومي السوري مقتل البغدادي، في غارة جوية على مدينة "الرقة"، إلا أن وكالة أنباء "أعماق" التابعة للتنظيم كذّبت هذا الخبر بعد ذلك.

- 16 يونيو 2017: أعلنت وزارة الدفاع الروسية أن البغدادي ربما يكون قد قُتل في غارة جوية شنتها القوات الروسية في 28 مايو. غير أن المتحدث باسم التحالف المناهض لتنظيم داعش بقيادة الولايات المتحدة شكّك في صحة هذا الخبر.

- 11 يوليو 2017: أصدر المرصد السوري لحقوق الإنسان -ومقره لندن- خبر احتمالية وفاة البغدادي، مستندًا على مصادر محلية، في مدينة "دير الزور" السورية.

- 14 يوليو 2017: قال وزير الدفاع الأمريكي في ذلك الوقت، "جيم ماتيس": "إنهم يرجحون أن البغدادي لا يزال على قيد الحياة إلى أن يتم إثبات عكس ذلك".

- 15 يوليو 2017: ادّعى تلفزيون العربية أن الداعشي "جلال الدين التونسي" سيحلّ محل البغدادي، بعد الهزائم المتكررة التي تلقاها التنظيم.

- 17 يوليو 2017: ذكر المتحدث باسم الرئاسة الروسية "ديمتري بيسكوف"، أن الكرملين ليس لديه معلومات دقيقة تؤكد مقتل البغدادي. وفي اليوم نفسه أيضًا قال رئيس وحدات مكافحة الإرهاب في حكومة إقليم كردستان العراق، "لاهور طالباني": "إن البغدادي لا يزال على قيد الحياة، ويعيش في جنوب الرقة".

- 21 يوليو 2017: أعلن "جيم ماتيس" أنهم متأكدون من أن البغدادي على قيد الحياة، وأنه لا يزال يمارس دوره داخل التنظيم.

- 31 أغسطس 2017: أعلن قائد التحالف الدولي الفريق "ستيفن تاونسند"، أن هناك احتمالا كبيرًا أن البغدادي لا يزال حيًا، لكنه ليس في العراق أو الرقة.

- 22 أغسطس 2018: أصدرت "وكالة الفرقان" - أحد الأذرع الإعلامية لتنظيم داعش- تسجيلًا صوتيًا مدته 55 دقيقة، وادّعت أنه للبغدادي.

- 29 أبريل 2019: نُشر مقطع مرئي (فيديو) للبغدادي لأول مرة، بعد مرور خمس سنوات.

- 16 سبتمبر 2019: نشرت "مؤسسة الفرقان" تسجيلًا صوتيًا منسوبًا للبغدادي، مدته 30:15 دقيقة، تحت عنوان: "وقل اعملوا".

هل سيؤثر مقتل البغدادي على تنظيم داعش الإرهابي؟

هناك اتفاق في أدبيات الباحثين في شؤون الجماعات المتطرفة على أن تصفية قادة الجماعات الإرهابية لها تأثيرات مهمة، هذه التأثيرات قد تكون إيجابية، وقد تكون سلبية؛ إذ يرى فريق أن تصفية قائد أي تنظيم إرهابي له تأثيرات إيجابية، قد تصل إلى حلّ هذا التنظيم، لأن موته سيؤدي إلى وقف العمليات، وترك الكثير من المليشيات للتنظيم، وخفض الروح المعنوية لعناصره، وعدم الاستقرار والضعف التنظيمي بصفة عامة، وهذا كله قد ينتج عنه حلّ التنظيم كما ذكرنا، أو إضعافه بصورة كبيرة. في حين يرى فريق آخر العكس، ويؤكد على أن تصفية الزعيم، وشعور التنظيم بأن الزعيم أو القائد قد قٌتل في سبيل قضيتهم التي يدافعون عنها، قد يؤدي إلى تدفّق مليشيات جديدة، والقيام بعمليات إرهابية ردًّا على مقتل ذلك الزعيم أو القائد المُلهم من وجهة نظرهم.

لكن في حالة تنظيم داعش، فإن الأمر قد يبدو مختلفًا شيئا ما، وخصوصًا في هذا التوقيت، فلو كان البغدادي قد قُتل قبل سنةٍ أو ستة أشهر، لكانت التحليلات والتوقعات مختلفة تمامًا عن الآن. فخلال الفترة من 2014 وحتى أبريل 2019 لم يظهر البغدادي إلا مرة واحدة على منبر مسجد "النوري الكبير"، في "الموصل"، ولم يكن أفراد التنظيم، بل والعالم كله، معتادًا على ظهوره إعلاميًا؛ حيث كانت سياسة التنظيم قائمة على عدم تصدّر زعيمه المشهد الإعلامي؛ وذلك لدواعٍ أمنية، مستفيدين في ذلك مما حدث مع قادة طالبان والقاعدة في "أفغانستان" و"العراق"؛ حيث إن الولايات المتحدة بعد أحداث 11 سبتمبر قامت بتصفية الكثير من قادة تنظيم القاعدة، وقادة حركة طالبان، عن طريق هجمات مكثفة، وموجهة بطائرات بدون طيار. وقد فعلت ذلك أيضًا مع العديد من زعماء داعش المؤسسين للتنظيم، مثل: "العدناني، والشيشاني، والعفري" وغيرهم. أيضًا كان من بين أسباب عدم ظهور البغدادي إعلاميًّا هو حرص التنظيم على إبراز فكره المتطرف، وفكرة الدولة المزعومة التي كان يريد تأسيسها أكثر من إبراز الفرد، حتى وإن كان ذلك الفرد هو زعيم التنظيم.

 كما أن هناك عامليْن في طبيعة بنية تنظيم داعش، يشيران إلى أن مقتل البغدادي لن يخلق تأثيرًا قويًا على التنظيم. أولهما: أن داعش ليس تنظيمًا نُظم حول شخصية مُلهمة تتمثل في البغدادي، بل على العكس تمامًا، فمن المعروف عن هذا التنظيم أنه بجانب نشأته على الأيدولوجية التكفيرية غير المرتبطة بشخصية مُلهمة، فإنه أيضًا قد أخذ الدروس والعبر من الحركات الماركسية، إبان فترة الحرب الباردة. فليس في أدبيات المليشيات التي تتكون من قادة عسكريين سابقين، والذين يحاربون بهدف واحد منذ سنين في أماكن مختلفة، أن يسلموا أنفسهم لشخص، أو أن يكون انتماؤهم للتنظيم بسبب شخص ما. كذلك أيضًا فإن تنظيم داعش -على حد زعم قادته- يقاتل من أجل غايات إلهية، مستغلًا في غايته دعاية تلتف حول بعض المصطلحات الدينية التي يستخدمها في غير سياقاتها، ولا يقاتل التنظيم من أجل قائد يتمتع بكاريزما معينة.

كما أن التنظيم يصف قتلاه بالشهداء، ويمتدحهم بالشهادة، والفدائية، والتضحية؛ لذلك فسيكون حزن أفراده على موت قائدهم مجرد صدمة، وليس حزنًا يؤدي بهم إلى حلّ التنظيم. ولعل تصريح "داعش" عندما تمّت تصفية "العدناني" عام 2018 يوضح عقلية التنظيم وتفكيره؛ حيث خرج تعليقهم على مقتله: "إننا نحب الموت أكثر من حبكم للحياة". لذلك فإن موت الزعيم يوصف من قبل تنظيم داعش وصفًا إيجابيًا، وستنال حياته عند أفراد التنظيم شكلًا أسطوريًا، وقصصيًا. 

العامل الثاني هو أن تنظيم داعش لم يكن تنظيما ذا بنيةٍ تسلسلية متعددة الرُتب، بل كان يوجد في التنظيم أثناء سيطرته على أجزاء من سوريا والعراق قادة برتب متفاوتة، بينهم تواصل مباشر بالمقاتلين في الميدان أكثر من تواصلهم مع زعيم نفسه، كما أن تكوين وحدات حرب خاصة كان يُعدّ من الممارسات التقليدية لداعش. وقد مُنحت هذه الوحدات استقلالية كبيرة من قادة التنظيم، الأمر الذي جعلها تتخذ قرارات بعمل تغييرات تكتيكية دون الرجوع للقادة؛ فتراهم على سبيل المثال يخرجون للاستيلاء على قطعة أرضٍ معينة، ثم لأسبابٍ مفاجئة يستولون على قطعة أخرى دون رجوعٍ للقادة، وكان هذا الأمر يُعد دائمًا بمثابة مرونة تكتيكية، سببها الرئيسي هو عدم وجود بنية تسلسلية للتنظيم، وهذا الأمر ساعد التنظيم كثيرًا في انتصاراته العسكرية قبل تكوين التحالف الدولي، بالإضافة إلى أن هذه المرونة وهذه الاستقلالية في اتخاذ القرار قد مهّدتا السبيل للإرهاب المتجدد، الذي يستطيع استغلال ما في يده من معداتٍ بسيطة، ويستطيع أيضًا تطويرها. ولذلك فإن تصفية القائد لن تكون مسوغًا حقيقيًا يُنتظر منه حلّ تنظيم داعش كما هو الحال في المنظمات الإرهابية التي لها بنية تسلسلية، أو المرتبطة بقائد ارتباطًا راجع إلى شخصيته، أو الكاريزما التي يتمتع بها.

لذلك يمكننا القول بأن البنية التنظيمية اللامركزية لتنظيم داعش، وثقافته التنظيمية، يجعل من موت البغدادي مجرد موت قائد من قادته؛ لأن البغدادي، وإن كانت أهميته للتنظيم كامنة في رمزيته الدينية كخليفة لهم، فإن العدناني كان واحدًا من أهم العقول التي تُسير عجلة الحرب في التنظيم، وكان أكثر تواصلًا مع عناصره، وكان هو الشخصية المُلهمة لتدفق المقاتلين الأجانب، إضافة إلى تشجيعه على القيام بأعمال إرهابية في البلاد الغربية، والأماكن البعيدة عن التنظيم، ويُلاحظ أنه بعد مقتله نهاية أغسطس 2016 نتيجة لإحدى الغارات الأمريكية لم يحقق التنظيم نجاحا في هجماته الإرهابية في باريس وبروكسل، والذي يُعتقد بأن العدناني هو من خطّط لها قبل موته؛ من أجل ذلك فإن داعش الذي استطاع تجاوز مقتل قائد مثل العدناني، والقيام بعمليات بعد موته، وإن كانت ليست بنفس التأثير الذي كانت تحدثه إبان حياته، فإنه من السهل جدًا أن ينسجم مع الظروف الجديدة، وأن يعتبر مقتل البغدادي ما هو إلا مقتل قائد تاريخي.

          هذا هو التحليل الذي كان يمكن ذكره أو توقعه لو كان البغدادي قد قُتل قبل أبريل 2019. ولكن منذ تلك الفترة وحتى الآن تصدّر البغدادي المشهد الإعلامي للتنظيم، سواء بحديثه الصوتي، أو المرئي، أو حتى بالحديث عنه في المقاطع المرئية الأخرى، مثل سلسلة "العاقبة للمتقين"، التي كانت كلها حديثًا عنه، وعن بيعته، وعن وجوب طاعته. هذا بالإضافة إلى أن مقتله قد جاء في مرحلة تكوين جديدة للتنظيم بعد انهياره المكاني في "الباغوز". ودائما ما تتبع داعش في هذه المرحلة خطابًا إعلاميًا وإفتائيًا قائما على إبراز ولي الأمر الذي هو البغدادي، وتلميعه، والحديث عن وجوب طاعته، ووصفه بأفضل الصفات، الأمر الذي يدل على أن البغدادي كان قبل مقتله قد اقترب من أن يُصبح شخصية معنوية لتنظيمه، شأنه في ذلك شأن "أسامة بن لادن بالنسبة لتنظيم القاعدة. وهذا الأمر يجعل من الصعب توقع شكل "داعش" بعد فقدان زعيمهم، هل سيضعف التنظيم، أم سيزدادُ قوة؟ لكن من المؤكد أنه لن ينتهي، وهذا ما ستسفرُ عنه الأيام المُقبلة.

من سيكون خليفة البغدادي؟

صَاحَبَ فُقدان التنظيم لآخر معاقله المكانية في سوريا، وتحديدًا منطقة "الباغوز"، فقدانه للكثير من قيادته على كافة المستويات السياسية، والميدانية، والإعلامية. وقد اعترف البغدادي نفسه بهذا الأمر في مقطعه المرأي، الذي نُشر في أبريل الماضي. وبمقتل البغدادي يكون قد تمّ القضاء على آخر القيادات التاريخية للتنظيم.

الجدير بالذكر أن محللين عراقيين أفادوا أن هناك معلومات شبه مؤكدة بأن قوات سوريا الديمقراطية قد قبضت على القيادي الداعشي "عبد الناصر قارادش" العراقي التركماني، في حين تؤكد معلومات أخرى مقتل "عبد الله قارادش" نائب البغدادي، لذلك فإن الاختيارات الآن تنحصر في شخصيْن هما "أبو صالح الجزراوي"، و"أبو عثمان التونسي"، رئيس مجلس شورى تنظيم داعش، وهما ليسا عراقييْن. وهذا الأمر قد ينتج عنه انشقاقات، وانقسامات في التنظيم؛ لأن هذا التنظيم بالرغم من أنه ينكر القومية، ويُحارب الهوية الوطنية القائمة على الانتساب لوطن معين –حسب مبادئه-، فإنه من ناحيةٍ أخرى يخالف تلك المبادئ، ويٌفضّل العراقيين، ويميزهم على غيرهم، ودائمًا ما كانت قيادات الصفّ الأول فيه من العراقيين. كما أن الإشكالية التي ستواجه زعيم التنظيم الجديد هي الأموال، وبيت مال التنظيم، وخزانته، وملايين الدولارات الموجودة لديه، والتي تحت سيطرة قيادته العراقية، ومن المتوقع أن يطمع هؤلاء في الأموال، وقد يهربون بها، أو ينفصلون، ويشكلون جماعات إرهابية أخرى، وقد حدث هذا بالفعل بعد مقتل الزرقاوي وأبو حمزة المهاجر، وفقًا لمحللين عراقيين.

هل سيقوم التنظيم بأخذ الثأر للبغدادي؟

 من المستبعد أن يقوم تنظيم داعش الإرهابي في الوقت الحالي بعمليات انتقامية للردِ على مقتل زعيمه "أبو بكر البغدادي"، وإن حدثت فستكون عمليات على نطاقٍ ضيق تتسم بالفردية، وعدم إحداث تأثير كبير؛ لأن من سيُلقى نظرة تاريخية على الجماعتيْن الأشهر في العراق "القاعدة" و"داعش"، سوف يجد أنهما لم يُحاولا القيام بعمليات انتقامية للرد على مقتل أحد زعمائهما من أصحاب الأسماء المشهورة. فقد قُتِل "أبو مصعب الزرقاوي"، و"أبو عمر البغدادي"، و"أبو حمزة المهاجر" وقُتل "حذيفة" ابن البغدادي، ولم تقم هذه الجماعات بعمليات انتقامية لمقتل أحد من هؤلاء.

ولكن دائمًا ما يكون هناك بعد مقتل القادة انشغال بالأمر الداخلي، وإعادة بناء الهيكل التنظيمي، واختيار خليفة للقائد!! ويتولى مكانه. مثلما حدث بعد مقتل "أبو عمر البغدادي"، و"أبو حمزة المهاجر" عام 2010؛ حيث انزوى التنظيم، وانغلق على نفسه لمدة 3 أعوام، وتولّى البغدادي قيادته، وأعاد هيكلته من جديد بصورة تُشبه الشكل المؤسساتي للدول، ثم مهّد للظهور في الساحة العراقية، مستغلًا بعض الأخطاء السياسية في العراق آنذاك، واكتسب بسبب هذه الأخطاء حاضنة شعبية عزّزت من نفوذه، وهيئت له أسباب القوة التي وصل إليها عامي 2014، و 2015.

 وحدة الرصد باللغة التركية

 

طباعة