المخطط الصهيوني للاستيلاء على العقول

  • | الخميس, 31 أكتوبر, 2019
المخطط الصهيوني للاستيلاء على العقول

     مما لا شك فيه أنّ تغييب العقول، وتغيير الثقافة والمعتقدات ليسوا بالأمر اليسير، لا سيَّما عندما يتعلق الأمر بمحو هُويَّة شعوبٍ سواءً كانت هوية دينية أم وطنية أم ثقافية. ومحو الهُويَّات لدى الشعوب هو لون من ألوان الاستعمار، وأشدها خطرًا؛ فإذا مُحيتْ الهُويَّة سَهُل احتلال الأرض وتدمير العقول بالأفكار الخبيثة.

لقد ركن الكيان الصهيوني منذ أن احتل أرض فلسطين إلى أساليب خبيثة كثيرة لتهويد أرضها وأَسْرَلَةِ عقول أبنائها، وأغلب هذه الأساليب تُغلَّفُ بالتطوير والتنمية؛ فالكيان الصهيوني ينتهج سياسة واضحة لتهويد القرى والمدن تقوم على الإخلاء والبناء لصالحه، أيْ إخلاء وتفكيك الكتل السكانية الفلسطينية إما بالهدم أو باستعمال أدواته غير الشرعية لطرد الفلسطينيين من منازلهم وبناء مستوطنات ووحدات استيطانية، وإقامة حدائق ومتنزهات تخدم مستوطنيه؛ مما يغيِّرُ ملامحها بشكلٍ كاملٍ من عربية فلسطينية إسلامية إلى عبرية صهيونية يهودية، كما هو الحال في القدس المحتلة، والأراض الفلسطينية المحتلة بأكملها تشهد على ذلك.

 وبالتزامن مع سياسة التهويد ينتهج الكيان الصهيوني أيضًا سياسة أَسْرَلَةِ العقول وصهينتها؛ حيث يعمل على تفكيك الثوابت الفكرية والعقائدية لدى الفلسطينيين، وغرس أفكاره الصهيونية من خلال وسائل مختلفة؛ منها المناهج التعليمية، ووسائل الإعلام التي تُبث باللغة العربية، ومواقع التواصل الاجتماعي.

ومما يُبرهن على ذلك، ما نشره موقع my net Jerusalem)) الناطق باللغة العبرية في الثلاثين من يوليو الماضي  حول غضب أولياء أمور الطلبة الفلسطينيين في القدس الشرقية؛ بسبب الكتب التي يدرسها أطفالهم، والتي تعمل على غرس أفكار صهيونية في عقولهم، حيث عرض الموقع صفحة من كتاب –لم يذكر اسمه- فيها حوار بين أطفال فلسطينيين مسلمين وهم يمجِّدون في الكيان الصهيوني ويرغبون في إنشاد نشيد الكيان الصهيوني، كما حملت الصفحة أيضًا علم الكيان الصهيوني وشعاره "المينوراه- الشمعدان". وأشار الحوار الذي دار بين التلاميذ إلى أن الكيان الصهيوني عمَّر المدن والقرى العربية، وأن السكان العرب يتمتعون بالعيش الرغيد تحت الحكم الصهيوني. وفي جملة أخيرة طلبوا إنشاد النشيد الصهيوني.  

فالكيان الصهيوني يعمُد من خلال هذه المناهج إلى غسل أدمغة الفلسطينيين،أطفالًا وشبانًا على وجه التحديد؛ بهدف استقطابهم في صفوفه ليصبحوا مواطنين من الدرجة الثالثة كغيرهم من الدروز ويهود الفلاشا والفلاشا مورا.

ومن أجل تحقيق هذه السياسات يُنفق الكيان الصهيوني أموالًا طائلة، في إطار خططه لتطوير المدارس العربية في القدس الشرقية والضفة الغربية، شريطة أن يتم ‏تعديل المناهج في المدارس الفلسطينية بما يتوافق مع مناهجه، وأن يتم حذف جميع ‏المحتويات التي تُثير حماسة الفلسطينيين ضده، وإضافة محتوى لتمجيده في عيون القارئ. ويدلل على ذلك ما خصّصه الكيان الصهيوني في العام الماضي 2018  من أموال تقدّر بحوالي (2) مليار شيكل (أي ما يعادل 555 مليون دولار أمريكي)؛ ‏لأَسْرَلَةِ المدارس والمناهج التعليمية في القدس الشرقية في إطار خطة خمسية لتحقيق ذلك. كما سعت وزارة التعليم الصهيونية وبالتعاون مع بلدية الاحتلال الصهيوني في السنوات الأخيرة إلى إدخال المناهج الصهيونية في القدس الشرقية، كل ذلك في سرية بالغة؛ حتى لا تُثير احتجاجات الفلسطينيين أو غضب المؤسسات الفلسطينية.

ولصهينة التعليم وأسْرَلَته كان للكيان الصهيوني محاولات عدة، جاء آخرها عندما أقدم وزير التعليم الصهيوني المؤقت "رافي بيرتس" على تضمين قانون القومية العنصري للمقررات الدراسية التي تدرَّس في المدارس الصهيونية، وكذا المدارس العربية التي تخضع للقانون الصهيوني في القدس المحتلة، حيث صرّح لصحيفة "معاريف" بتاريخ 15 أغسطس الماضي، قائلًا: "أرى أهميّةً كبيرةً لتضمين وزارة التّربية قانون القومية وبنوده المختلفة في مقرر مادة التربية الوطنية"، وأشار إلى أنّ تضمين القانون في مقرر مادة التربية الوطنية سيبدأ مع بداية العام الدراسي الجديد.

وقانون "القومية العنصري" –لمن لا يعرفه- هو قانون تم إقراره العام الماضي، ويهدف إلى إقصاء وتهميش العرب وجعلهم فئة ثالثة، ويُعرِّف الكيانَ الصهيوني بأنه دولة الشعب اليهودي الذي يملك وحده حق تقرير المصير. ويهدف القانون إلى إلغاء اللغة العربية ومحو مكانتها، وتعزيز الاستيطان الصهيوني في الأراضي المحتلة...

جدير بالذكر أن الطالب العربي سيدرس تحت نير هذا الاحتلال الغاصب أن الأرض ليست أرضهم وأنهم ليسوا سوى مواطنين من الدرجة الثالثة، لا وطن لهم، ولا حق لعودة ذويهم إلى أراضيهم. كما سيدرس حق عودة اليهود، لا حق عودة إخوانه لأراضيهم المحتلة، وسَتَسْري سموم هذا القانون في عقول أبنائنا العرب الذين لا حول لهم ولا قوة، وسيكون الطالب العربي فريسةً سهلةً تنهشها مخالب الأفكار الصهيونية، الأمر الذي يحتاج إلى تكاتف الجهود من كل إنسان حر؛ ليقف حائط صدٍ أمام تحقيق هذا المشروع الخبيث، كما يحتاج إلى عدم التخلي عن كشف الحقائق وزيف الادعاءات الباطلة، ومواجهة هذه الأفكار المُضللة بكل الوسائل الفكرية والاجتماية المتاحة؛ فالأمة الإسلامية والعربية لديها ما يؤهلها لتوعية النشء بكل ما يُحاك بأمتهم وأوطانهم.

وحدة رصد اللغة العبرية

طباعة