داعش وإستراتيجية العودة (2)

  • | الأحد, 1 ديسمبر, 2019
داعش وإستراتيجية العودة (2)


     لقي الزعيم السابق لتنظيم داعش الإرهابي "أبو بكر البغدادي" مصرعه في السادس والعشرين من أكتوبر 2019 في أعقاب ‏هجوم للقوات الأمريكية الخاصة على مدينة "باريشا" في سوريا. وقد أكّد التنظيم نبأ مقتله في 31 أكتوبر 2019 ‏في تسجيل صوتي نشره على تطبيق "تليجرام"، كما أعلن تعيين خليفة له يُدعى "أبو إبراهيم الهاشمي القرشي".‏
ولا شك أن مقتل البغدادي قد سبَّب تراجعًا ملحوظًا للتنظيم، وتشتُّتًا بين عناصره، ومع ذلك فإن وجود العديد من العناصر الأجنبية ‏في مناطق النزاع بسوريا والعراق لا يزال أمرًا مؤرقًا لأوروبا؛ حيث تخشى من عودة هذه العناصر التي تمثل خطرًا على أمنها القومي، خاصة أن هناك تقارير تشير إلى أن ‏القوات المتبقية للتنظيم في سوريا والعراق يتراوح عددها بين 14 و18 ألف مقاتل، حسب وزارة الخارجية الأمريكية.‏ 
ويرى السيد "سيرخيو ألتونا"، الباحث بمعهد "إلكانو الملكي الإسباني"، أن حلم الخلافة الذي استمر لمدة خمس ‏سنوات فقط، هو الإرث الذي خلَّفه البغدادي، والذي يجب أن يؤخذ بعين الاعتبار؛ حيث سيطر التنظيم لفترة من الزمن على مساحة جغرافية وفّرت له قدرة كبيرة على التحرك بحرية، والانتشار في هذا الفضاء، كما أمكنه فتح آفاقٍ جديدة لتطلعات أعضاء التنظيم وما يمكن أن يحققه، وأكد على فكرة ‏ترسيخ الإدارة الذاتية، الأمر الذي لم ينجح في تحقيقه قادة تنظيمات أخرى مثل "أسامة بن ‏لادن".‏
وفي أول قرار له بعد تولي قيادة التنظيم، قرَّر "أبو إبراهيم الهاشمي القرشي"، ‏بثَّ رسائل مُطمئِنة لأتباعه بأنه مستمر في رسالته الجهادية المزعومة، فضلًا عن تحفيزهم على مواصلة ‏قتال من يطلق عليهم "الكفار"، كما توعد بالانتقام لمقتل زعماء وقيادات التنظيم ‏السابقين. وهذه الرسائل كانت موجهة ‏في المقام الأول لعناصر التنظيم في شكل كتيِّبات ذات طابع خاص.
لم تختلف آلية التنظيم في نشر رسائله المكتوبة كثيرًا مع تولي القرشي، فقد جاء العنوان محفزًا: "وعد الله"، وتضمن الجانب النظري في الرسائل الحديث عن العقيدة والأخلاق، في حين تضمن الجانب العملي الذي جاء تحت عنوان: "للذئاب العسكرية المنفردة" و"المواد ‏العسكرية"، شرح طرق عمل المتفجرات، واستخدام الأسلحة الحربية، وحث الذئاب المنفردة على تنفيذ هجمات ضد من يطلق عليهم الأعداء.

ويبدو أن القرشي ماضٍ في السير على نهج البغدادي فيما يخص التوجه العام للتنظيم؛ فقد طالب المسلمين كافة بالمسارعة إلى قسَم الولاء! والالتفاف حول التنظيم بحجة مواصلة الجهاد!! كما وجه حديثه إلى أمريكا ناصحًا إياها بعدم الابتهاج والفرح بمقتل ‏البغدادي؛ مهددًا أمريكا بأنهم قد جاءهم من هو على دراية جيدة بالعمليات العسكرية والاشتباك ليتولى التنظيم، ويقلق مضجع الأعداء، على حد زعمه.
لعل ما قد يخدم "القرشي" في إثبات بقاء التنظيم وقدرته على العودة ‏وجود ما يعرف بالـ "الخلايا النائمة"، التي تتبع التنظيم فكريًا وعقديًا وتنظيميًا، لكنها تتحين الفرصة، وتنتظر الأوامر؛ لتنفيذ بعض الهجمات التي يودّ التنظيم من خلالها أن يظهر عدم تأثره بمقتل قياداته السابقين. 
وفي هذا التقرير يلقي مرصد الأزهر مزيدًا من الضوء على العائدين الإسبان من سوريا حيث يُعد ملف العائدين من داعش عمومًا أحد الملفات الخطيرة التي تؤرِّق مختلف السلطات والهيئات في أوروبا؛ ففي إسبانيا ذكر "جوزيب بوريل"، وزير الخارجية الإسباني، ومفوض السياسة الخارجية في الاتحاد الأوروبي، أن الحكومة الإسبانية ستقبل بعودة مقاتلي داعش الإسبان من سوريا إلى بلادهم، قائلا: "إن المواطن الإسباني له الحق في الحماية؛ وإذا كان من الواجب محاسبتهم وإخضاعهم للعدالة، فإنهم سيمثلون أمام العدالة في إسبانيا".
جاءت تصريحات "بوريل" ردًّا على سؤال من النائب الفرنسي "تيري مارياني"، أثناء مثوله أمام لجنة الشئون الخارجية باعتباره الممثل الأعلى للسياسة الخارجية للاتحاد الأوروبي، ونائب رئيس المفوضية الأوروبية، ولم يذكر "بوريل" مزيدًا من التفاصيل حول الموقف الإسباني.
والجدير بالذكر أن المحكمة الوطنية الإسبانية أصدرت أربعة أوامر اعتقال دولية ضد أربع نساء إسبانيات كُنّ انضممن إلى تنظيم داعش الإرهابي في سوريا، وذلك بداية شهر سبتمبر 2019.
ودعا "فرناندو جراندي مارلاسكا"، نائب وزير الداخلية الإسباني، إلى اتخاذ موقف مشترك من قِبل الاتحاد الأوروبي للمضي قُدمًا في إعادة مقاتلي داعش إلى أوطانهم للمحاكمة؛ لأن وجودهم بالخارج أو عودتهم دون محاكمة يمثل تهديدًا كبيرًا لجميع بلدان الاتحاد. 
ورغم ذلك، فلا يزال قرار عودة الإسبان المنضمين لتنظيم داعش في سوريا يمثل إشكالية كبيرة لم تحسم بعد؛ حيث أكدت "آنا بوتيلا"، وزيرة الدولة ‏لشئون الأمن الإسباني، خلال كلمتها  بمنتدى معهد "إلكانو" الملكي، تحت عنوان: "المقاتلون الأجانب: الظاهرة وردود الفعل، في ‏ضوء خبرات الولايات المتحدة الأمريكية وفرنسا وهولندا"، على ضرورة بقاء المقاتلين الأجانب الذين غادروا بلادهم للانضمام لتنظيم ‏داعش الإرهابي حيثما يكونون، وأنه من الأفضل محاكمتهم في مناطق الصراع، وأضافت أن بلادها ليست متمسكة ‏بعودة هؤلاء رغم استثنائهم من عقوبة الإعدام.
وفي السياق ذاته أوضح "ميجيل آنخيل كاربايّو"، منسق مكافحة الإرهاب ‏بمكتب المدعي العام بالمحكمة الوطنية، أن المقاتلين الأجانب يشكلون خطرًا جسيمًا ‏على المجتمع، مضيفا أن النسوة اللاتي قاتلن في صفوف التنظيم الإرهابي يلعبن دورًا ‏كبيرًا باعتبارهن أمهات لمقاتلي المستقبل، وأنهن لم يكنّ ضحايا كما تصفهم العدالة. ‏وذكر"كاربايو" أن المحكمة الوطنية في إسبانيا أصدرت 70 أمرًا باعتقال عدد من المقاتلين الذين ‏سافروا إلى سوريا للانضمام لتنظيم داعش الإرهابي، وكان من بينهم 13 امرأة.‏
وفي نهاية المنتدى أشارت "كريستينا أندريو"، رئيس الاستخبارات في مركز مكافحة الإرهاب والجريمة المنظمة في وزارة الداخلية الإسبانية، إلى عدد من التدابير التي يجب على إسبانيا اتخاذها حيال ‏الراغبين في العودة، ومن بينها ما يلي:‏
• حظر عودة العناصر الداعشية التي لا تحمل الجنسية ‏الإسبانية.
• طرد جميع من يثبت تورطهم في قضايا إرهابية. ‏
• سحب الجنسية الإسبانية من الإرهابيين ذوي الجنسية ‏المزدوجة، كما فعلت فرنسا عقب الهجمات التي شهدتها في نوفمبر ‏‏2015.‏ 
وأوضح السيد "آنخيل لويس أورتيث"، الأمين العام للسجون ‏في إسبانيا، أن عدد السجناء الذين ثبت تورطهم في قضايا إرهابية بلغ 140 سجينًا؛ منهم 12 امرأة شاركن بالفعل في القتال مع تنظيم داعش في سوريا والعراق، في حين تشير ‏البيانات إلى أن 248 متطرفًا إسبانيًّا قد غادروا إسبانيا، من بينهم 30 امرأة، وذلك طبقًا لبيانات مركز ‏الاستخبارات ‏لمكافحة الإرهاب والجريمة المنظمة (سيتكو). وأفاد أحد المحللين المتخصصين في ‏مجال الإرهاب ‏أنه لا يزال هناك 133 متطرفًا هاربًا، في حين لقي 68 شخصًا حتفهم، وتمكّن 47 آخرين من العودة.
ويرى مرصد الأزهر أن هذه الإستراتيجية ربما تكون الإستراتيجية الأولى التي سيتبعها التنظيم خلال الفترة المقبلة‏‎ للقيام ببعض الهجمات في أمريكا وأوروبا، ويعتقد المرصد أن مسألة تسرب عناصر إرهابية إلى إسبانيا أو غيرها من دول الاتحاد الأوروبي يمثل خطرًا كبيرًا في المستقبل القريب؛ ومن جهة أخرى لن يكون الحل في حظر دخول مقاتلي داعش تلك الدول؛ لأن تلك العناصر قد تكون حاملة لجنسية تلك البلدان، لكن الحل يكمن في إدارة دقيقة وحاسمة لمشروع العودة، والإشراف الحكومي والأمني على العائدين، سواء في مرحلة المحاكمات أو ما بعدها من مراحل التأهيل والإدماج. 
ويدعو مرصد الأزهر لمكافحة التطرف هذه الدول إلى تبنّي مشروع لاستعادة جميع العناصر وإعادة تأهيلهم، الأمر الذي يُعدّ إيجابيًا من جهة أنه سيجذب تلك العناصر مرة أخرى إلى بلادها بعد أن يئست من العودة وأدركت حجم ما ابتُليت به من ضلالة، وما مُنيت به من فقدٍ لهوياتها، وانقطاع السبل بينهم وبين ذويهم؛ ومن جهة أخرى سيقطع على الجماعات الإرهابية طريقها لاستقطاب آخرين، واستخدامهم في عملياتها الإرهابية للتوسع في مشروعها الإجرامي.

وحدة الرصد باللغة الإسبانية

طباعة