دور وسائل الإعلام في إذكاء نيران خطاب الكراهية ... الهند نموجًا

  • | الثلاثاء, 24 ديسمبر, 2019
دور وسائل الإعلام في إذكاء نيران خطاب الكراهية ... الهند نموجًا

     "أعطني إعلامًا بلا ضمير ... أعطيك شعبًا بلا وعي" هكذا قال مستشار هتلر "جوزيف غوبلز" قبل هذا الانتشار الكبير لوسائل الإعلام التي تعددت أنواعها واختلفت مسمياتها، وللأسف تباينت أهدافها التي قد تسعى إلى تشكيل وعيٍ من نوعٍ خاص بغرض تحقيق أهدافٍ بعينها. الإعلام بكل صوره -والذي يشمل أيضًا وسائل التواصل الاجتماعي- أصبح أداة خطيرة في يد صانعيه، وكان له دور كبير في تأجيج خطاب الكراهية في مناطق كثيرة من العالم، وفي الهند على سبيل الخصوص، وهذا طبقًا لإعلاميين وناقدين تشهد الساحة الإعلامية في الهند بموضوعية تناولهم الأحداث، ومِهَنيَّتهم الكبيرة في عرضها.

 والإسلام هو ثاني أكبر ديانة في الهند، حيث يبلغ عدد معتنقيه ما يقرب من 200 مليونًا، ليشكلوا بهذا العدد نسبة 14.9% من سكان البلاد الذين يَدين سوادهم الأعظم بالهندوسية، كما أنهم يعتبرون بهذه الأرقام أكبر جالية دينية حول العالم. وما لا يمكن إنكاره أن المسلمين قد شغلوا عددًا من المناصب العليا في البلاد منذ الاستقلال، لكن رغم ذلك لا يمكن غض الطرف عمَّا بات يتعرض له الكثيرون منهم منذ فترة ليست بالقليلة بسبب تزايد وتنامي حدة الكراهية تجاههم.

فحسب التقارير التي اطلع عليها مرصد الأزهر، ازدادت معاناة المسلمين الهنود منذ تولي حزب "بهارتيا جانتا" الحكم في البلاد، والتي في الغالب يتم تجاهلها أو تجنبها خاصة فيما يخص مطالبهم في تمثيلهم في الانتخابات. وفي هذا السياق، أشارت تقارير منظمة العفو الدولية إلى أن جرائم الكراهية ضد المسلمين وتصاعد موجة الكراهية ضد الإسلام يجب إدانتها من قبل الحكومة. ليس هذا فحسب، بل يجب على السلطات الهندية ضمان عدم إفلات المتسببين في مثل هذه الجرائم من العقاب، خاصة بعد مقتل ما لا يقل عن 10 من المسلمين خلال عام 2017، في جرائم يُشتبه أن الدافع الرئيس وراءها هو "الكراهية"، وتزامن هذا الأمر مع تزايد موجة الخوف من الإسلام في البلاد منذ فترة ليست بالقليلة.

لقد ساهمت هذه الهجمات في تنامي الشعور بعدم الأمان لدى العديد من المسلمين، مما تسبب في زيادة توتر الأوضاع الدينية في البلاد، وخرج على إثرها مظاهرات نظمها المسلمون في عدد من الولايات الهندية في مايو من عام 2018. ويمكن تصوير الوضع عن طريق الرسم البياني التالي، والذي يتضح من خلاله التزايد المستمر في عدد جرائم الكراهية وما تبعه من ارتفاع عدد الوفيات، في الفترة من عام 2009: 2018.

Image

يرى البعض أن أحد أهم الأسباب التي أدَّت إلى تزايد جرائم الكراهية ضد المسلمين هو ضمان الإفلات من العقاب؛ بسبب التساهل مع المعتدين المنتمين لخلفيات هندوسية متعصبة، وأن خطابات الكراهية المعادية للمسلمين -على وجه الخصوص- قد ازدادت بسبب تناقل بعض وسائل الإعلام الهندية لها منذ تولي "بهارتيا جانتا" لمقاليد الحكم، حيث لم تترك بعض تلك المنصات الإعلامية فرصةً إلا واستغلتها لإشعال الأوضاع، ومن ثمَّ فإن بعض وسائل الإعلام من أبرز الأسباب الداعية إلى إشعال نار الكراهية بين أبناء المجتمع الهندي الواحد، والإسهام في تفككه.

كيف ساهمت بعض وسائل الإعلام الهندية في نشر الكراهية ضد المسلمين؟

تشير بعض التقارير إلى الدور الذي تلعبه بعض وسائل الإعلام الهندية في إشعال خطاب الكراهية ضد المسلمين، مما تسبب في الخوف منهم، حيث أصبحت بعض القنوات الهندية منصات لإثارة الكراهية ضد المسلمين، الذين تصل نسبتهم 14% من سكان الهند، وذلك حسب ما أدلى به أحد كبار الصحفيين والمعلقين لصحيفة "Gulf News". وحسب ما قاله هذا الصحفي، فإن المسلمين مستهدفين إعلاميًّا، حيث يتم السخرية منهم بشكل علني خلال المناظرات التلفزيونية الحية وعبر التقارير المختلفة.

لقد أجرت الصحيفة لقاءات مع عدد من كبار الصحفيين الهنود والذين أشاروا إلى أن قطاعًا ليس بالقليل من وسائل الإعلام الرئيسة يتبنى أجندةً هدفها "تشويه صورة المسلمين"، وتصوير مجتمعهم على أنه مجتمع متخلف وغير مخلص للهند. كما يطلق عليهم عبر شاشات التليفزيون "المناهضون للقومية الهندية". حيث يقول "بارانجوي جوها تاخورت"، الصحفي المستقل والكاتب والناشر أن ما تقوم به وسائل الإعلام الهندية يُعدُّ شكلًا من أشكال الإسلاموفوبيا والذي قد ساهم -إلى حد كبير- في تزايد حدة التعصب في الهند، خاصة مع السعي لتصوير الجاليات كمواطنين من الدرجة الثانية. ويؤكد مرصد الأزهر من خلال متابعاته أن المئات من القنوات الإخبارية تنتهج نفس النهج، حيث أشار موقع "Scroll" المستقل إلى أن برامج النقاش والحوار باتت لا تركز إلا على الخلافات المجتمعية -الحقيقية أو المصطنعة- بين الهندوس والمسلمين.

حماية المصالح الهندوسية:

من جانبه يؤكد "رافيش كومار"، مدير تحرير قناة NDTV الهندية، أن وسائل الإعلام الرئيسة تقتل الديمقراطية الهندية، ولا تقوم قناة واحدة أو قناتان بهذا الأمر، بل تقوم به العشرات من القنوات الإخبارية، حيث تتظاهر هذه القنوات بالحديث عن حماية مصالح الهندوس من خلال حديثها عن "معبد رام"، والدليل على ذلك لغتهم المستخدمة في العرض. "إنهم بكل تأكيد يعملون على نشر الكراهية ضد المسلمين وجعل الهندوس يشعرون بالخوف منهم". ويضيف "كومار"، أن وسائل الإعلام الهندية لم تكن مجتمعية أبدًا، وأنه قلق من فكرة أن تلك الوسائل باتت تُجيِّشُ الشباب الهندوسي، فيتحول الشباب الراغب في الحصول على وظائف وتعليم جيد إلى مجموعة من مثيري الشغب؛ لدعم حزب سياسي معين. لقد أصبحت بعض وسائل الإعلام اليوم وسائل إعلام هندوسية ولا تتبع المثل العليا للصحافة".

محتوى مسموم!

في الوقت الذي تدّعي فيه بعض القنوات امتلاكها لنظام مراقبة ذاتي، فإن ما يحدث يشير إلى عكس ذلك. فعلى سبيل المثال: ظهر "سوريش تشافانكي"، مالك قناة "سودارشان" الإخبارية، ليحذر المشاهدين من المؤامرة الساعية لتحويل الهند إلى "دولة إسلامية"!!، ومؤامرة تَعَمُّد تزويج الفتيات الهندوسيات من شباب مسلم. وحديثه عن التزايد الكبير في أعداد المسلمين، وما يشكله من خطر على الهند. كما أجرى "سوميت أوساتهي"، المذيع بقناة ABP الإخبارية، مقابلة مع والدة زعيم يميني قُتل في ولاية "لكهنو"، وأثناء حديثها عن أسماء الأشخاص الذين تعتقد أنهم مسئولون عن وفاة ابنها، يتجاهل "أوساتهي" هذه الأسماء في محاولة منه لتغيير وتحويل القضية لصراع ونزاع هندوسي إسلامي، لتقوم السيدة بتعنيفه وتحذيره من محاولته تحويل الواقعة لقصة طائفية.

الرقابة الذاتية:

رغم أن قنوات مثل قناة "سودارشان"، تنشر "محتويات مسمومة" بحريَّة تامة إلا أن المنظومة الإعلامية ليست على استعداد لوضع إطار تنظيمي لهذه المحتويات. وفي هذا يشير "بهوبيندرا تشوبي"، المحرر التنفيذي لقناة " CNN-News18"، إلى أن قطاعاتٍ كبيرةً من وسائل الإعلام الرئيسة قد أصبحت غير مهنية بالفعل. وأنه بات من المهم الآن الحفاظ على قدر من التوازن في مجتمع "متعدد الثقافات" مثل المجتمع الهندي. أما "راج ديب سارديساي"، المحرر الاستشاري لمجموعةIndia Today ، فيعتقد أن قسمًا كبيرًا من وسائل الإعلام الهندية، وخاصة التليفزيون، قد لعب دورًا سلبيًّا في تضخيم التعصب تجاه الجاليات الأخرى وعلى رأسها الجالية الإسلامية. وأنه يعتبر كل ما يحدث أمرًا مخزيًا يعكس نوعًا من التدهور الأخلاقي.

بدورها لا تعتبر "سيفانتي نينان"، المحررة المؤسسة لموقع "مشاهدة وسائل الإعلام في جنوب آسيا"، الإعلام الهندي -بشكل عام- يعمل على نشر الكراهية، لكن توجد بعض العناصر الإخبارية  التلفزيونية التي تستخدم الاستفزاز المجتمعي غير المبرر. وهذا الأمر يقتصر على عدد قليل من القنوات التلفزيونية وعدد قليل من المقدمين والإعلاميين. لكن لسوء الحظ، هؤلاء هم من يتمتعون بنسب مشاهدة عالية.

     بينما تشير الصحفية والمؤلفة الهندية "سابا نقوي"، إلى أن بعض وسائل الإعلام التلفزيونية تنتشر وتشتهر بسبب التركيز على الاقتتال الهندوسي الإسلامي، وينتهي بها المطاف إلى زيادة الانقسام. وهو ما أشار إليه أيضًا المعلق السياسي "تحسين بونا والا"، والذي قال: "لا شك أن وسائل الإعلام تعمل على خلق انقسام ديني. وأن الإعلام الهندي في أدنى مستوياته، فهو يعلم أن ما يفعله غير صحيح وضار، لكنه لا يزال يعمل كأداة للانقسام وليس كركيزة للديمقراطية".

التأثير على المجتمع:

يعترف الصحفيون أيضًا بأن ما يحدث عبر الشاشات الإعلامية ينتقل بدوره إلى الشارع، حيث تقول "عارفة خانم شيرواني"، المحررة بموقع "The Wire": إن الثقة بين المسلمين والهندوس تأثرت بالسلب؛ وهو ما يمكننا اعتباره نتيجة مباشرة للسياسات المجتمعية خلال السنوات الخمس الأخيرة... فالتناول الإعلامي المخزي للقضايا، والعرض العاري للحقائق يعمل بشكل مباشر على تطبيع هذه الكراهية وهذا العنف ضد المسلمين. إن تعميم التعصب أمر خطير ليس فقط على المسلمين، بل على السلم المجتمعي أيضًا. وإذا لم تتم معالجة الأمر على الفور، فستكون له عواقب وخيمة على وحدة وسلامة الأمة الهندية.

تجدر الإشارة إلى أن عدد القنوات الخاصة في الهند قد بلغ 900 قناة، 400 منها إخبارية، بالإضافة لـ17000 صحيفة ومجلة؛ لهذا لابد من تضافر الجهود لإقناع المواطنين بأن ما تنشره بعض هذه القنوات هو أبعد ما يكون عن القومية الهندية الحقيقية التي ينص عليها الدستور باعتبارها فكرة نبيلة للتعبير عن التعددية المتناغمة. وأن ما ينشرونه هو الكراهية التي تتشابه مع النازية.

ومما لا شك فيه أن وسائل الإعلام سواء مقروءة أو مسموعة أو مرئية تُعد سلاحًا قويًّا للتأثير على الجمهور المتلقي؛ لهذا لا بد من التعامل بحكمة مع ما يُبَثُّ عبر تلك الوسائل المؤثرة ومقارنته بالواقع، خاصة وأن تلك الوسائل قد تركز على سلبية ما أو حادثة ما لأنها "حصرية"، وليس لخطورتها أو شيوع حدوثها، فعلى سبيل المثال إذا حدث خلاف ما بين هندوسي ومسلم وتصاعدت حدة هذا الخلاف ليأخذ طريقه القانوني، وتناقلته وسائل الإعلام، فهذا لا يعني أن الخلاف حدث بسبب الدين، بل حدث لأن "الخلاف" طبيعة بشرية واردة الحدوث بين أبناء الشعب والدين والمذهب الواحد، وبالتالي فإن حدوثه بين المختلفين عرقيًّا ودينيًّا وارد أيضًا، ولا يعني أنه صراع بين المذاهب والأديان والحضارات.

إن أمانة الكلمة، والحرص على تحري الدقة، وعرض الحقيقة كما هي دون فصلها عن سياقها، وتجنب إثارة الرأي العام أو استغلال ما تعيشه بعض البلدان من أحداث لإشعال فتيل الكراهية، بنود رئيسة لابد أن تتضمنها مواثيق الشرف الإعلامي؛ حتى لا تكون أداة في نشوب الصراعات الطائفية والمذهبية، أو تحقيق أجندات بعينها هدفها الأساسي التخريب ونشر الدمار.

وحدة الرصد باللغة الأردية

 

طباعة