الرياضة.. ودورها في الوقاية من التطرّف

  • | الأربعاء, 25 ديسمبر, 2019
الرياضة.. ودورها في الوقاية من التطرّف

 

     نظرًا للدور البنَّاء الذي تلعبه الأنشطة الرياضية ومؤسساتها المختلفة في حماية الشباب والمجتمع، ووقايتهم من مخاطر ظاهرة "التطرّف" -التي تُعدُّ الخطوة الأولى في طريق "الإرهاب" الذي يضرب ويؤرق أمن العديد من دول العالم- فإن المؤسسات الرياضية والقائمين عليها يضطلعون بدور محوري في تفعيل هذا الدور وتطبيقه عمليًّا على أرض الواقع، من خلال خطوات جادة وعمل دؤوب.

ولكن هل من الممكن أن تكون الرياضة هي القوة الدّافعة نحو التطرّف؟ بالطبع هو أمر وارد؛ لأن الألعاب الرياضية ومؤسساتها المختلفة هي المكان الأول للتنشئة البدنية والثقافية والاجتماعية والنفسية والأخلاقية، والتي من الممكن أن تنشأ فيها ظاهرة "التطرّف" إذا لم تكن هذه التنشئة صحيحةً وقائمةً على فكر قويم. وهذه ليست ملاحظة جديدة، فمنذ عام 2011 قام المجلس الأوروبي فعليًّا بتحديد بعض الألعاب الرياضية باعتبارها القوى الدّافعة للتطرّف، وكان من بينها (كرة القدم – الرياضات القتالية – كمال الأجسام)، ولذلك يجب أن تحظى هذه الألعاب بدرجة عالية من الاهتمام من قِبل السلطات، وكذلك ضرورة تعزيز الإجراءات الوقائية التي تستهدف الجهات المسئولة عن هذه المجالات الرياضية في كافة الدول.

وفي هذا الإطار، يؤكد "ميدريك شابيتو"، باحث الدكتوراه في علم الاجتماع، والباحث في مركز أبحاث العلوم الاجتماعية الرياضية والجسدية (Cresco)، والمدير العام للمشروع الباريسي "أكاديمية التحدي" (Challenges Académia)، والتي تتخذ من باريس مقرًّا لها، أنّ "الرياضة تُعَدُّ ثغرة في أمن الدولة، وأنّ غالبية مرتكبي الهجمات في فرنسا والخارج كان لهم في وقتٍ ما نشاطٌ رياضيٌّ". وأوضح "ميدريك شابيتو" أنّ هناك العديد من أسماء الرياضيين كانوا متطرفين، مثل مراح وكواشي (كرة قدم / ملاكمة)، فكان لديهم جميعًا شيءٌ واحدٌ مشتركٌ: ألا وهو شغفهم بالرياضة. أهي مجرد صدفة ؟!

وكذلك هناك العديد من الرياضيين الذين انضموا إلى صفوف "داعش"، وكان من بينهم "بيير شوليه"، والذي كان يُطلق عليه في صفوف داعش "أبو طلحة الفرنسي"، وكان لاعب كرة قدم في فريق جامعة "فرانش - كومتيه" (Université de Franche-Comté)، وكذلك الفرنسي "رشيد قاسم"، والذي كان يمارس رياضة الكاراتيه، وغيرهم الكثير.

ولمواجهة آفة "التطرّف" في المجال الرياضي، ولكون الرياضة وسيلة للسلم المجتمعي، وآلية من آليات التصدي للتحديات الخطيرة التي تهدد أمن المجتمع الفرنسي، نظمت مدينة "بورج" الفرنسية، ندوة حول "فهم ومنع مخاطر التطرّف في المجالات الرياضية"، لطلاب المرحلة الجامعية والتدريب المهني، والذين يتم إعدادهم ليصبحوا معلمي تربية بدنية، ومدربين في المستقبل للرياضيين من جميع الأعمار. وتُعدُّ هذه الندوة بمثابة حجر الأساس في التأهيل الذي بدأته اللجنة المشتركة بين الوزارات للوقاية من الانحرافات والتطرف.

من جانبه، يرى السيد "فابريس أودوبراند"، مدير الحماية القضائية للشباب في وزارة الداخلية الفرنسية، أنّ "الرياضة من أكثر المجالات عرضة للتطرّف، وذلك لأنها متاحة للجميع، ويمكن أن تنشأ في الأماكن المخصصة لممارستها علاقاتٌ اجتماعيةٌ قوية، ومن ثَمَّ يحدث التعايش مع الآخرين والاختلاط بهم، الأمر الذي ربما يفتح المجال لوجود محادثات أو خطابات تهدف إلى تجنيد الشباب وإيقاعهم في شباك التطرف".

وأوضح السيد "فابريس أودوبراند"، أن جميع الألعاب الرياضية عُرضةٌ لأنْ تصبح وعاءً للتطرّف، ولكن من الصعب تحديد السلوكيات الخطيرة، التي بدورها تكشف عن تطرّف صاحبها من عدمه، والسبب في ذلك هو عدم وجود تعريف قانوني لمفهوم التطرّف، وهو ما يعوق في بعض الأحيان عملية الإبلاغ أو الحظر.

ولمعرفة كيفية اكتشاف علامات التطرف في الأندية الرياضية، نظَّمت مدينة "بيربينيا"، يوم الأربعاء 20 نوفمبر 2019، حلقاتٍ نقاشية مغلقة حول مخاطر ظاهرة "التطرّف"، لا سيما في الأوساط الرياضية. شارك في هذه الحلقات رؤساء الأندية الرياضية ومسئولو الجمعيات والاتحادات الرياضية في تلك المدينة، وكذلك السيد "ميديريك شابيتو"، المتخصص في دراسة ظاهرة التطرّف، والسيد "فيليب شوبان"، محافظ إقليم "البرانيس الشرقية"، وكذلك ممثل عن الدولة الفرنسية، والذي أوضح أنّ "خطر التهديد الإرهابي لا يزال قائمًا في فرنسا، لذا ينبغي أن يتحلى أفراد المجتمع باليقظة تجاه علامات التطرّف ومراحل التحول".

وكان الهدف من الحلقات النقاشية التي أعقبت التأهيل، هو تحديد "العلامات الأولية للتطرف" التي يمكن ملاحظتها في السلوك اليومي من جانب الممارسين للرياضة، أو الأشخاص المرافقين لهم، أو حتى المشجعين.

ومن جانبه حذَّر "فيليب شوبان"، محافظ إقليم "البرينيه الشرقية" من وصم الرياضة، قائلًا: "هذا لا يعني بأي حال من الأحوال وصم ممارسة الرياضة أو المجتمع الرياضي، ولكن الرياضة هي انعكاس للمجتمع، مثلها تمامًا مثل جميع المجالات الأخرى، التي ليست بمنأى عن الإصابة بآفة التطرّف. والمقصود من هذه الحلقات النقاشية هو الوقاية من التطرف في المجال الرياضي".

وأوضح "فيليب شوبان" أنّ هناك "وحدة التقييم المحلية" (GED) التي تجتمع شهريًّا في المحافظة لدراسة التقارير والمعلومات التي تم رفعها من قبل الجهات المختلفة. ووفقًا لأهمية المعلومات ودرجة خطورتها يتم رفعها إلى الدوائر المختصة، بدءًا من المتابعة النفسية البسيطة وحتى الإجراءات القانونية...

ومن هنا يرى مرصد الأزهر أنّ الأنشطة الرياضية ومؤسساتها المختلفة لها دور كبير في حماية المجتمع ووقايته من مخاطر التطرّف، ويعول عليها كثيرًا في ترسيخ مجموعة من القيم الأخلاقية المتعلقة بثقافة التسامح ومفاهيم العيش المشترك، وقبول الرأي والرأي الآخر والعمل على التقارب بين أبناء المجتمع الواحد على اختلافاتهم الأيدولوجية والدينية والعِرقية والثقافية.

كما أن مكافحة التطرف والوقاية منه تتطلب تضافر جهود كافة المؤسسات والعمل على أرض الواقع لمعالجة العوامل والدوافع التي ينتج عنها ظاهرة "التطرّف"، وتدفع بالشباب إلى الانضمام لصفوف الحركات والجماعات المتطرفة والإرهابية. والرياضة -كنشاط اجتماعي يجمع بين فئات المجتمع على اختلافها- يجب أن تلعب دورًا في التصدي لتلك الظاهرة، بل والوقاية منها من خلال إقرار ميثاق رياضي يُطبَّق على كافة الألعاب والأندية الرياضية، ومراكز الشباب، والمدارس، والمؤسسات الرياضية المختلفة، حول كيفية مواجهة التحديات الملموسة التي تفرضها ظاهرة "التطرّف". وعلى الجهات المعنيَّة ضرورة تحديد وتطبيق واستحداث إجراءات وقائية فعالة، لتحصين الشباب من السقوط في براثن التطرف والانحرافات الأخلاقية أو الفكرية أو السلوكية.

إن الرياضة يعدها مرصد الأزهر إحدى الخطوات التي يمكن أن تقي من مخاطر التطرف، لذا كان مرصد الأزهر أطلق حملة باثنتي عشرة لغة كان عنوانها: الرياضة تعارف وتآلف، وكان هدفها التأكيد على أهمية الرياضة في تجميع الشعوب وتقارب الأفكار، ودورها في حماية النشء والشباب من الوقوع في براثن الأفكار المتطرفة. وقد أشارت تلك الحملة إلى الدور الذي تلعبه الرياضة في تلاقي الشعوب على قاسم الإنسانية المشترك، وأثرها في إذابة الفوارق الدينية والجغرافية بين مختلف المجتمعات. وتوضح الحملة النتائج الإيجابية التي تعود على الأفراد والمجتمعات من خلال ممارسة الرياضة كأحد العوامل التي تعمل على تكوين البناء النفسي وتنمية الفكر الإبداعي لدى الشباب.

 

وحدة رصد اللغة الفرنسية

 

طباعة