تأثير فيروس كورونا على الحياة الدينية... السياق الألماني نموذجًا

  • | الجمعة, 10 أبريل, 2020
تأثير فيروس كورونا على الحياة الدينية...  السياق الألماني نموذجًا

     قبل أشهر قليلة سمع العالم عن ظهور فيروس جديد ليس له علاج، وربما وقتها لم يعطه كثير من الناس أدنى اهتمام، ربما لبعده الجغرافي عن مكان ظهوره، أو لظنهم أنه لن ينتشر بهذه الشراسة، ولم يكن يخطر ببال أحد أن انتشار هذا الفيروس أسرع مما كانوا يتوقعون، ففي وقت قصير جدًّا أصاب الفيروس معظم دول العالم، وأثَّر سلبًا على قطاعات عديدة وعلى رأسها الصحة والاقتصاد بل والسياسة الداخلية والخارجية لكثير من الدول، وأُغلقت المدارس والجامعات، حتى إن كثيرًا من دول العالم أغلقت حدودها كنوع من الإجراءات الوقائية؛ مما أثَّر على حركة التجارة العالمية والسفر والسياحة. 
وربما لم يخطر على بال كثيرين أن يمتد أثر هذا الوباء إلى الحالة الدينية وأداء الشعائر والعبادات، فقد اجتاح فيروس كورونا المستجد العالم كله، وأخذ ينتشر فيه انتشار النار في الهشيم، حتى أثَّر سلبًا على كافة نواحي الحياة؛ فأُغلقت حتى المساجد والكنائس والمعابد، وأوقفت المناسك المقدسة ومنها الحج والعمرة، ولم يقتصر الأمر على المؤسسات الدينية الإسلامية بل شملت المؤسسات الدينية الأخرى، حيث ألغى أساقفة الكنيسة من مختلف الجنسيات المؤتمرات واللقاءات التي كان مخططًا لها قبيل انتشار الفيروس. 
كما أعلنت دولة الفاتيكان إغلاق كاتدرائية وساحة القديس بطرس أمام السياح وذلك في إطار الإجراءات الهادفة إلى وقف انتشار فيروس كورونا المستجد. وأخذت كل الدول إجراءات احترازية لمنع تفشي هذا الفيروس الخطير، وسيطرَ الخوف والهلع على قلوب وعقول العالم أجمع، خاصة بعد أن أعلنت منظمة الصحة العالمية أنه وباء عالمي، وازدادت أعداد الوفيات جرّاء هذا الفيروس. 
ولم يكن الأزهر بعيدًا عن هذه الأزمة، فقد كان يتابع تطوراتها عن كثب، وحتى لا يكون هناك لغط بسبب القرارات التي أصدرتها الحكومات في كثير من دول العالم بغلق دور العبادة ومن بينها المساجد، فقد قامت هيئة كبار العلماء في الأزهر الشريف بدراسة الأمور ومتابعة التقارير الطبية الصادرة عن منظمة الصحة العالمية وغيرها من المؤسسات المعنية، وأصدرت بيانًا شرعيًّا توضح فيه جواز إيقاف صلوات الجُمع والجماعات حمايةً للناس من فيروس كورونا، مبينة أن الإسلام دعا إلى حفظ النفس البشرية وجعل حمايتها ووقايتها من كل الأخطار والأضرار مقصدًا من مقاصده، وأن صحة الأبدان من أعظم المقاصد والأهداف في الشريعة الإسلامية، وذلك بناء على ما أسفرت عنه التقارير الطبية المتتابعة والتي بيّنت سرعة انتشار (فيروس كورونا- كوفيد 19) وتحوُّله إلى وباء عالمي، ولِما تواتر من معلومات طبية أفادت أن الخطر الحقيقي للفيروس هو في سهولة وسرعة انتشاره، وأن المصاب به قد لا تظهر عليه أعراضه، ولا يَعْلم أنه مصاب به، وهو بذلك ينشر العدوى في كل مكان ينتقل إليه. 
كما أكدت الهيئة في بيانها أنه يتعيَّن وجوبًا على المرضى وكبار السن البقاء في منازلهم، والالتزام بالإجراءات الاحترازية التي تُعلن عنها السلطات المختصَّة في كل دولة، وعدم الخروج لصلاة الجمعة أو الجماعة. وقد فصَّلت هيئة كبار العلماء القول في الأدلة الشرعية والعقلية على هذا الأمر. وقد لاقى بيان هيئة كبار العلماء بخصوص هذا الأمر الاستحسان في عديد من الدول، وأحدثَ حالة من الطمأنينة عند كثير من المسلمين. 
وفي ظل إغلاق المساجد في الغرب وتعليق كل النشاطات وعدم مقدرة الناس على الذهاب إلى المساجد كما كانوا يعتادون حاول الأئمة في ألمانيا وغيرها من دول أوروبا مواصلة نشر الوعي والرعاية الروحية والمعنوية للمسلمين، وقد قام بعض الأئمة بالفعل بعمل برامج توعوية وخطب دينية على الإنترنت، هدفًا في استمرار التواصل مع المسلمين، بعد أن فقدوا هذا الأمر بعد غلق المساجد، كما طالب المجلس المركزي للمسلمين، ببث برامج إسلامية على القنوات التلفزيونية.
ومن الأشياء الإيجابية أيضًا ما أعلنته الجمعية الإسلامية في النمسا بجعل مبانيها المغلقة بسبب تدابير الحماية الحالية لاحتواء أزمة وباء فيروس كرونا المستجد قيْدَ استخدام الحكومة تضامنًا مع الحكومة الفيدرالية النمساوية والسلطات المختصة هناك؛ لمواجهة أي نقص في السعة المكانية لرعاية المصابين، مما يعد نموذجًا حسنًا في تعزيز التماسك الاجتماعي وإظهار روح التضامن في المجتمع. 
وقد تأثّر اللاجئون بوباء كورونا تأثيرًا مباشرًا، حيث أعلنت المنظمة الدولية للهجرة ومفوضية اللاجئين عن تعليق سفر اللاجئين في إطار إعادة التوطين بسبب "الأزمة الصحية العالمية لفيروس كورونا والقيود المفروضة على السفر الدولي جوًّا"، وفي هذا السياق أعلنت الحكومة الألمانية عن تعليق برنامجها لإعادة التوطين بسبب تداعيات كورونا. ولم يقتصر تأثير كورونا على تعليق برامج إعادة التوطين فحسب، بل امتد إلى طالبي اللجوء الذين يتخوفون من إمكانية أن تستغرق دراسة طلبات لجوئهم مدة أطول، مع تقليص دوائر اللجوء لأعمالها بسبب مخاوف انتشار كورونا، وقد أصدر المرصد تقريرًا مفصلًا عن أزمة اللاجئين بعد انتشار فيروس كورونا. 
كما استغل تنظيم داعش الإرهابي هذه الأزمة ليوحي للعالم أنه لا يزال يلتقط أنفاسه، حيث دعا أتباعه إلى وقف عملياتهم النوعية وتجنب المدن الأوروبية التي تعاني من تفشي الفيروس في الوقت الحالي، ويرى المرصد أنها مجرد دعوة للفت النظر إليه، كما يبدي تخوفه من استغلال هذا التنظيم الإرهابي لهذه الأزمة وانشغال الدول الكبرى بمكافحة الوباء، بمحاولة تهريب مقاتليه من السجون في سوريا والعراق، أو الهروب إلى دول أخرى مجاورة، كما أن هناك تساؤلًا خطيراً يدور في أذهان البعض، وهو هل يمكن أن يستخدم التنظيم هذا الفيروس في تنفيذ عمليات إرهابية، وهو تساؤل ليس بمستبعد خاصة وأن هناك بعض الجماعات اليمينية المتطرفة قد فعلت هذا بالفعل. 
وفي الختام يؤكد مرصد الأزهر على أن مواجهة هذا الوباء هي مهمة فردية ومجتمعية في الوقت نفسه، لا بُد أن تتضافر فيها كافة الجهود على مستوى الحكومات والأفراد لمكافحة هذا الوباء، ويوصي المرصد بالالتزام بالتعليمات والتوجيهات التي تصدرها جهات الاختصاص في كل دولة، والبعد عن الشائعات واستقاء المعلومات من مصادرها الرسمية.


وحدة الرصد باللغة الألمانية
 

طباعة