اللاجئون الروهينجا في ظل أزمة كورونا

  • | الأحد, 19 أبريل, 2020
اللاجئون الروهينجا في ظل أزمة كورونا

      غالبًا ما تضمن الدول حقوق الإنسان الأساسية، غير أن هذه الحقوق قد تختفي فجأة، وذلك عندما يتحول هذا الإنسان إلى لاجئ، وعادة ما يكون هذا اللجوء إما فرارًا من الحروب أو الاضطهاد، فلا يتمتع اللاجئون بحماية؛ وكثيرًا ما يكون تقديم المساعدات الطارئة للاجئين خطوة أولى نحو حمايتهم؛ لهذا طوّرت المفوضية الدولية لشؤون اللاجئين شبكة عالمية من الموردّين والوكالات المتخصّصة لمساعدتهم. وتتضمن هذه المساعدات إرسال فرق الطوارئ إلى مكان وقوع الأزمة، وتوفير الطعام والمأوى والمياه والإمدادات الطبية في حالات الطوارئ.

      لكن الظرف الذي يعيشه العالم هذه الأيام من انتشار فيروس كورونا المستجد يتطلب أكثر من المساعدات المعتادة التي تقدمها المفوضية. فقد تصاعدت وتيرة الخوف والقلق من تفشي وباء كورونا داخل مخيمات الروهينجا المتاخمة، حيث يعيش مئات الآلاف من اللاجئين، وذلك بعد التأكد من ظهور حالات مصابة بالفيروس في "كوكس بازار".

      وجدير بالذكر أن تعداد الروهينجا اللاجئين في بنغلاديش يقدر بنحو 1.1 مليون شخص منهم 630 ألف لاجئ في مخيم "كوتوبالونج" وحده بالقرب من "كوكس بازار" التي تأكدت فيها حالة الإصابة، علمًا بأن التباعد الاجتماعي في هذه المخيمات مستحيل حيث يتزاحم الناس ويتكدسون في مناطق صغيرة وضيقة ولا سبيل إلى المباعدة بينهم، ناهيك عن أنهم لا يمتلكون المواد الطبية الضرورية للتعقيم.

مرصد الأزهر يحذّر من كارثة تلوح في الأفق

     وفي سياق التصريحات الرسمية، نشرت صحيفة "The Daily Star" تصريحات لخبراء بنجاليون أوضحوا من خلالها أن قرابة المليون روهينجي في مخيم "كوكس بازار"، إلى جانب عمال الإغاثة، من المحتمل أن يكونوا بين أشدّ المتضررين إذا انتشر فيروس كورونا في المنطقة، وأضافوا أن نقص المرافق الطبية والظروف المعيشية غير الصحية والكثافة السكانية في المخيمات يمكن أن تتسبب في إحداث فوضى إذا ما انتشر الفيروس.

     من جانبه، أوضح السيد "Catalin Bercaru"، الناطق باسم منظمة الصحة العالمية في بنجلاديش، أن اللاجئين في شتَّى أرجاء المعمورة، بما في ذلك بنجلاديش، يعيشون في مخيمات أو مستوطنات مزدحمة تزيد من فرص الإصابة بعدوى أمراض مثل فيروس كورونا. من جانبه ذكر طارق عدنان، مسؤول التواصل في مؤسسة "أطباء بلا حدود" في بنجلاديش، أن الروهينجا يعيشون بالفعل في ظروف غير صحية، وأن حصولهم على الرعاية الصحية في خطر محدّق، وبالتالي تزداد صعوبة تطبيق إجراءات احترازية هناك.

     يأتي هذا في الوقت الذي أكَّدت فيه المنظمات الدولية - أمثال مفوضية الأمم المتحدة لشؤون اللاجئين، ومنظمة الصحة العالمية، وأطباء بلا حدود - على ضرورة تجهيز المستشفيات المحلية بالموارد الكافية وتوسيع مرافق الفحص للتصدي للوباء. وأشار مساعد مسؤول الاتصالات في المفوضية إلى أن أي حالة يُشتبه في إصابتها بـ "الكورونا" في مخيمات اللاجئين سيتم عزلها في مناطق بعيدة إلى أن يتم إحالتها إلى وحدات عزل محدَّدة مسبقًا.

مطالبات دولية بحماية لاجئي الروهينجا

     وعلى صعيد المنظمات غير الحكومية والجماعات الحقوقية، طالبت ثلاث جماعات حقوقية المجتمع الدولي وحكومة ميانمار بضرورة التعاون لحماية مجتمعات الروهينجا من خطر الوباء المنتشر فيروس كورونا المستجد. وأصدرت تلك الجماعات - وهي اتحاد روهينجا آراكان، والمجلس الأمريكي للمنظمات الإسلامية، والمجلس الأوروبي للروهينجا - بيانًا مشتركًا طالبت فيه المجتمع الدولي بالتحرك وحشد الوكالات الحكومية والمجتمعات الطبية ومنظمات الرعاية الصحية؛ لحماية لاجئي الروهينجا في شمال وجنوب شرق آسيا.

     يأتي هذا في الوقت الذي اعتمد فيه البنك الدولي مبلغًا قيمته 350 مليون دولار كمنحة مقدمة لتمويل ثلاثة مشروعات لمساعدة بنغلاديش على مواجهة الأزمة الأكبر في العالم، "الروهينجا". ومن المقرر أن تتوجه هذه الأموال، بحسب بيان البنك الدولي، لسدّ احتياجات المجتمعات الأكثر ازدحامًا في العالم من حيث الخدمات الصحية والحماية الاجتماعية والخدمات الأساسية والبنية التحتية. يُذكر أن إجمالي قيمة المنح التي قدمها البنك الدولي لبنغلاديش بلغت حتى الآن 480 مليون دولار؛ وذلك بهدف تمكين بنغلاديش من التعامل مع أزمة اللاجئين هناك.

     من جانبها قالت "Mercy Tembon" مديرة البنك الدولي لبنجلاديش ومملكة بوتان: "لقد أظهرت بنجلاديش قيادة عظيمة من خلال توفيرها لملاجئ تأوي 1.1 مليون شخص من الروهينجا تقريبًا، وهذا العدد يمثل ثلاثة أضعاف السكان المحليين في مناطق مثل قريتي "تكناف" و"أوخيا". وبشكل طبيعي فقد شكّل هذا الأمر ضغوطًا كبيرة على البينة التحتية وتوصيل الخدمات الاجتماعية للمنطقة، كما أنه زاد من مخاطر حدوث الكوارث الصحية.

تأثير حظر شبكة الإنترنت في المخيمات على جهود مكافحة "كورونا"

     في الوقت الذي يلتزم به العالم أجمع بقرارات الحكومات بالبقاء في المنازل وحظر التجوال، يتحول العالم كله إلى الدراسة عن بعد عبر الإنترنت من خلال الاستفادة بمحادثات الفيديو التي تتيحها بعض البرامج التقنية. لكن هذا الوضع مختلف تمامًا بالنسبة لأكثر من نصف مليون طفل روهينجي يقبعون في مخيمات اللاجئين في كوكس "بازار" ببنجلاديش، بل إنه مستحيل. ففي سبتمبر من العام الماضي، قررّت السلطات البنغالية قطع شبكة الإنترنت وخدمات الاتصالات عن المخيمات، الأمر الذي يعوق قدرة أكثر من مليون لاجئ يعيشون في تلك المنطقة على التواصل مع العالم الخارجي.

    ومع فشل محاولات إصلاح الأوضاع وإعادة الروهينجا إلى ميانمار، أعلنت بنجلاديش في يناير الماضي أنها ستبدأ أخيرًا في توفير فرص التعليم والالتحاق بالمدارس والتدريب لصقل المهارات لأطفال لاجئي الروهينجا. وكان من المقرر أن تبدأ تلك الخطوة في إبريل بالتعاون مع "اليونسيف"، لكنه وقبل أيام فقط من انطلاق البرنامج، ظهرت حالة كورونا مؤكدة بالقرب من المخيمات مما أجبر السلطات على إيقاف الأمر والسعي إلى إيقاف انتشار المرض ومجابهته.

      وفي ظل الظروف المتردية في مخيمات الروهينجا والتي لا تخفى على أحد، تبقى مسألة قطع الاتصالات أمرًا بالغ الخطورة، فتبادل المعلومات وتلقي التوجيهات الصحيحة من المسؤولين أمر مهم في تلك المرحلة لوقف انتشار فيروس كورونا. ومع عدم توفر المعلومات الصحيحة والدقيقة حول طرق مواجهة الفيروس وتعامل السلطات الرسمية تكثّر الإشاعات، مثل ما تداول مؤخرًا حول "قيام السلطات في بنغلاديش بقتل كل من يصاب بالفيروس"؛ مما يؤدي إلى تفاقم الأمر وتحوله إلى مشكلة أكبر يصعب السيطرة عليها.

ومن جانبه يحذر مرصد الأزهر الشريف من خطورة تفشّي هذا الوباء بين لاجئي الروهينجا الذين يعيشون أوضاعًا صعبة داخل المخيمات، وينبع هذا التحذير من متابعته المستمرة لملف أزمة اللاجئين، وهى إحدى القضايا التي يعمل عليها المرصد ويستشعر خطرًا بالغًا حيال أوضاعهم الحالية في ظل تفشي فيروس كورونا في العالم أجمع. ويهّيب المرصد بالمجتمع الدولي والقطاعات الصحية ومنظمات الإغاثة التحرك سريعًا لحماية هؤلاء اللاجئين من هذا الوباء قبل أن يتحول الأمر إلى كارثة أكبر لا يحمد عقباها.

وحدة الرصد باللغة الإنجليزية

طباعة