مخطَّط الضمّ الصيهوني في مواجهة الضمير الإنسانيّ

  • | الإثنين, 13 يوليه, 2020
مخطَّط الضمّ الصيهوني في مواجهة الضمير الإنسانيّ

 

   تتنوع أساليب مكافحة الظلم وفق العصر وعلى قدر الطاقة؛ فهناك أسلوب المكافحة بالكلمة، وهناك أسلوب المكافحة بإماطة اللثام عن ممارسات ظالمة، وهناك مكافحة بالتوعية، وهناك مكافحة بإبداء الرّأي والتصريح بالموقف الواضح، وهناك الدعوات والحملات لمناصرة أصحاب الحقوق. ولا يخفى أن العصر الذي نعيشه بما فيه من تطور تقنيّ أعطى فرصة للتعبير عن الرّأي بأساليب عديدة.

   وعند الحديث عن قضية حقوقيّة نجد إلى جانب القانون الذي ينبغي له أن يحمي الجميع ويحافظ على الحقوق "الضمير الإنسانيّ"؛ ذلك المحرِّك الإيجابيّ نحو الحفاظ والانتصار لقيم الحقّ والقضايا العادلة. ولا أظلم من سلب الحقوق وتزوير الواقع، وتطرأ على الساحة مؤخرًا حلقة من سلسلة ضمّ الاحتلال الصهيونيّ للأراضي الفلسطينيّة فيما يُعرف بــ "ضمّ أراضي الضفّة الغربيّة" والأمر في جوهره استكمال للاحتلال الذي خيّم بأوتاده على الأراضي الفلسطينيّة منذ عام 1948، ويبغي هذا الكيان المحتل غرس وتد جديد من أوتاد خيمته المظلمة ليحجب أنوار أراضٍ طاهرة رُويت بدماء زكيّة من شعب مناضل.

   تبدأ القضية بإعلان رئيس وزراء الاحتلال "بنيامين نتنياهو" خلال حملته الانتخابيّة لرئاسة حكومة الاحتلال في سبتمبر 2019، وبعدها عزمه تنفيذ خطته الصهيونيّة الخبيثة المتمثلة في ضمّ مناطق واسعة من الضفة الغربيّة مطلع يوليو الماضي، وتحديدًا الأغوار التي تشكل ربع أراضي الضفة الغربيّة، الأمر الذي يطرح عدّة تساؤلات: ما هي منطقة الأغوار، ولماذا يصمّم الكيان الصهيونيّ على ضمّها إلى سيادته؟ وما مآلات الضمّ؟ وما موقف القانون الدوليّ منها؟ وما موقف أصحاب الضمير الإنسانيّ؟

    "الأغوار" .. هي منطقة واقعة شرق الضفة الغربيّة المحتلة والتي تُشكّل ربع مساحتها، على الحدود مع المملكة الأردنيّة، وتتبع إداريًّا السلطة الفلسطينيّة وأمنيًّا تخضع لسلطات الاحتلال. وهي محطّ أطماع صهيونيّة منذ احتلال الضفة عام 1967 وحتى يومنا الحالي؛ لأهميتها الاستراتيجيّة المتنوعة، حيث تعتبر سلّة غذاء الضفة الغربية، نظرًا لخصوبة أراضيها ووفرة المياه ومصادرها. كما تضمّ ثالث أكبر خزان للمياه الجوفيّة في الضفة، وبالتالي يطلق عليها "الكنز المسلوب".

 

أما عن مآلات الضمّ؛ فتتمثّل في التالي:

  • خسارة فلسطين لمخزونها المائيّ الاستراتيجيّ وتهديد حياة المواطنين الفلسطينيين ومحاصيلهم بسبب النقص الكبير في الموارد المائيّة الذي سينتج عن عملية الضمّ.
  • تعريض 65 ألف فلسطيني يسكنون في الأغوار للتهجير.
  • تقويض إقامة دولة فلسطينيّة؛ حيث تُشكّل الأغوار ربع مساحة الضفة الغربيّة واقتطاعها يعني القضاء على آمال الشعب الفلسطينيّ بإقامة دولة فلسطينيّة مستقلة لعدم توافر المساحة والعمق الجغرافيّ الكافيين.
  • فرض السيادة الصهيونيّة على المستوطنات المحيطة بمدينة القدس المحتلة، ومن أبرزها: "معاليه أدوميم" و"كفار أدوميم"، وبالتالي تقطيع أوصال المجتمع الفلسطينيّ وعزله عن مدينة القدس وصبغها بالصبغة اليهوديّة الصهيونيّة.

    وبالنسبة لموقف القانون الدوليّ من القضية؛ فما من شك أن جريمة الضمّ الصهيونيّة التي يسعى الاحتلال لتنفيذها تأتي وسط انشغال العالم بالتصدي لمخاطر جائحة "كورونا" رغم المخالفة الواضحة لجميع القرارات والقوانين الأمميّة ذات الصلة، ومنها قرار الجمعية العامة للأمم المتّحدة والقاضي بعدم شرعية امتلاك أي جزء من الأراضي باستخدام القوة؛ الأمر الذي يضع المجتمع الدوليّ وأصحاب الضمير الإنسانيّ أمام اختبار حقيقي، يتعلق بمدى قدرتهم على حماية القيم الإنسانيّة وحقوق الإنسان والمبادئ العامة للقانون الدوليّ، والذي كفل حقّ الشعوب في تقرير مصيرها، وتجريم مسألة ضمّ أراضي الغير بالقوة.

دور أصحاب الضمير الإنسانيّ تجاه قضية فلسطين

    بهذا الإعلان والتصريح من جانب الكيان الصهيونيّ تتّضح القضية الحالية؛ وَحش مفترس يبغي افتراس قطعة من ضحية بريئة سُلب منها وسائل الدفاع. وهنا ذروة الحدث في القضية؛ إذ يأتي دور أصحاب الضمير الإنسانيّ، الذين يؤمنون بأن قضية فلسطين في أحد وجوهها هي معركة الإنسانيّة ضد الظلم بشكل عام، وضد التطرّف والقهر الصهيونيّ بشكل خاص، كما أنها جولة من معركة الخَير ضد الشَّرّ؛ إذ يتمثل هذا الشّرّ في المخطّط الصهيونيّ الخبيث. إلا أنه قد تعالت أصوات ودعوات أصحاب الضمير الإنسانيّ لتعلن تضامنها مع الشعب الفلسطينيّ، ورفضها لهذا الظلم الصهيونيّ البيّن الواقع عليه، وغنيٌّ عن البيان أن من بين تلك الأصوات التي تدعم وتناصر القضية الفلسطينيّة والشعب الفلسطينيّ دومًا، يأتي الأزهر الشريف وإمامه الأكبر أ.د/ أحمد الطيب، شيخ الأزهر، في الصدارة؛ إذ أعلن رفضه الكامل لمخططات الكيان الصهيونيّ المحتل للاستيلاء على أجزاء من الضفة الغربيّة اعتمادًا على سياسة فَرض الأمر الواقع، مؤكدًا أن هذا الأمر يُشكّل تهديدًا للسلام في المنطقة وانتهاكًا خطيرًا للقوانين والمواثيق الدوليّة، ويمثّل تعدِّيًا صارخًا على حقوق وأراضي الشعب الفلسطينيّ المظلوم.

   ولم يكن شريك فضيلة الإمام الأكبر في "وثيقة الأخوة الإنسانيّة" بعيدًا عن مساندة الشعب الفلسطينيّ ومناصرته؛ ففي خطوة استثنائيّة استدعى الكاردينال "بييترو برولين"، وزير خارجيّة الفاتيكان كلًّا من "أورن دافيد" سفير الاحتلال و"كاليستا جينجريتش" سفير الولايات المتحدة لدى الفاتيكان؛ من أجل التعبير عن قلق البابا "فرنسيس" إزاء مخطّط الضمّ الصهيونيّ، أحادي الجانب والذي من شأنه تقويض السلام في المنطقة، وهو ما يخالف مبادئ "وثيقة الأخوة الإنسانيّة".

    وفي السياق ذاته، دعت "حركة مقاطعة الاستيطان BDS" إلى مسيرة افتراضية في 4 يوليو الجاري، لمواجهة مخطّط الضم الصهيوني، لمناطق واسعة من الضفة الغربيّة. وبدوره أوضح الناشط بحملة المقاطعة BDS "فابيوباسكو" أن حركة المقاطعة أصبحت واحدة من حملات التضامن الرّئيسة مع الشعب الفلسطينيّ، وأكّد أن مثل هذه الأعمال بالتزامن مع مقاومة الشعب الفلسطينيّ، يمكن أن تؤدي إلى هزيمة "المشروع الصهيونيّ وتحرير فلسطين من النهر إلى البحر".

   وفي صورة أخرى من صور مكافحة الظلم، واتساقًا مع الحقوق المشروعة والمبادئ الإنسانيّة دشَّن مجموعة من أساتذة الدراسات اليهوديّة من مختلف أنحاء أمريكا الشماليّة والجنوبيّة وأوروبا، وداخل الأراضي الفلسطينيّة المحتلة، موقعًا إلكترونيًّا على شبكة الإنترنت؛ وذلك للقيام بحملة توقيعات ضد خطة الضمّ الصهيونيّة، لرفض استمرار الاحتلال، ونيَّته الصريحة بضمّ مناطق من الضفة الغربيّة، وفرض ظروف الفصل العنصريّ على أرض الواقع.

  جديرٌ بالذكر رَفْضُ أكثر من مائة قاضٍ يهودي من مختلف أنحاء العالم ظلم الشعب الفلسطينيّ وبربريّة هذا الكيان الصهيونيّ الغاصب وانتهاكاته المتكرّرة بحق هذا الشعب الأعزل، ووجَّهوا خطابًا إلى أعضاء الكنيست الصهيونيّ ووزراء الكيان الصهيونيّ، يُعْربون فيه عن معارضتهم لمخططات الكيان الصهيونيّ التي تهدف إلى ضمّ أراضي الضفة الغربيّة وغور الأردن إلى السيادة الصهيونيّة، والتعدي على حقوق الشعب الفلسطينيّ.

      وعلى الرغم أن القضاة قد أقرّوا بحقّ الكيان الصهيونيّ في الدفاع عن أمنه وحقه في العيش بأمان دون تهديد لمستوطنيه؛ إلا أنهم أقرّوا بأن ضمّ الكيان الصهيونيّ للأراضي المحتلة من شأنه أن يشكّل انتهاكًا صارخًا لما نصّ عليه القانون الدوليّ فيما يتعلق بتطبيق السيادة على الأراضي التي يتم الحصول عليها عن طريق التهديد أو استخدام القوة. كما صرّحوا بأن الضمّ ينتهك أيضًا المبادئ الأخرى للقانون الدوليّ، وينتهك حقّ الشعب الفلسطينيّ في تقرير مصيره، وكذلك التشريعات الإنسانيّة الدوليّة، وقوانين حقوق الإنسان.

ويشدّد مرصد الأزهر لمكافحة التطرف على أن الضمير الإنسانيّ ما زال يقظًا، ويدفع صاحبه لدعم ذوي الحقوق والمظلومين، ويؤكد المرصد أن الضمير الإنسانيّ الذي يؤلمه الظلم هو الذي يتكلم وإن اختلفت ألسنة من ينطق ويصدع بالحقّ، كما أن هذه الأساليب من التوعية ونصرة المظلوم واجبة على الدوام، وتؤَدِّي إلى منع الظالم من الاستمرار في ظلمه، وهي التي تترسّخ في الأذهان لتبني جيلًا يعرف معنى الحقوق والدفاع عنها بكل وسيلة ممكنة، ولا تنطلي عليه سياسات فرض الأمر الواقع أو تزييف الحقائق.

ويثمِّن مرصد الأزهر الشريف تلك الدعوات والحملات المنصفة لمواجهة الممارسات والمخططات الصهيونيّة الرّامية إلى الاستيلاء على أراضي الشعب الفلسطينيّ تحت أي اسمٍ. كما يدعو المرصد العالمَ أجمع -دولًا ومنظمات أمميّة وهيئات ومؤسسات حقوقيّة- إلى مساندة قضية الشعب الفلسطينيّ العادلة، وبذل الجهود كافة لإجهاض خطط الكيان الصهيونيّ للاستيلاء على الأراضي الفلسطينيّة تحت اسم "الضمّ"، مؤكدًا عواقبه الوخيمة على السلام في المنطقة.

 

وحدة اللغة العبرية

طباعة