الحياة الاجتماعيّة للمرأة لدى تنظيم داعش الإرهابي.. الصورة الذهنيّة والواقع المرير

  • | الإثنين, 20 يوليه, 2020
الحياة الاجتماعيّة للمرأة لدى تنظيم داعش الإرهابي.. الصورة الذهنيّة والواقع المرير

             لقد جعل الله سبحانه وتعالى للمرأةِ مكانة عظيمة في الدين الإسلاميّ؛ وذلك لما لها من دور فاعل في الحياة البشريّة يعمد إلى بناء المجتمعات واستقرارها، فهي الأم التي ترعى صغارها، وتربيهم على الصلاح والتّقوى، وهي الزوجة التي يسكن إليها الزوج بالمودّة والرحمة، وهى الابنة التي ترعى أبويها عند الكِبَر، ومن ثمَّ فقد كرَّمها الله سبحانه وتعالى، وأمرنا رسولنا الكريم ـصلى الله عليه وسلمـ بالرفق بها، وجعله سّمةً رئيسة عند التعامل معها.
             ولمَّا كانت التنظيمات الإرهابيّة تستغل كافة الوسائل لتحقيق أهدافها الدّامية على أرض الواقع، نظرت تلك التنظيمات المتطرّفة إلى المرأة باعتبارها صيدًا ثمينًا، وفريسةً سهلة المنال للوقوع في براثن التطرّف، بواسطة الإقناع العاطفيّ بتلك الأفكار السوداء التي ترتكز على نشر الدمار في المجتمعات الآمنة؛ لتصبح وسيلة ناجحة في تلويث عقول الأبرياء سواء من أبنائها، أو أسرتها، أو من بنات جنسها.
             وللوقوف على مدى استغلال الجماعات الإرهابيّة للمرأة والتلاعب بعواطفها بغية ضمِّها إلى صفوفهم، فقد عمدنا في هذا المقال الموجز إلى عقد مقارنة بين الحياة الخياليّة للمرأة في طيَّات سطور الإصدارات المتطرفة، وبين الواقع الاجتماعيّ الذي تعيشه المرأة عند الانضمام الفعليّ لتلك الجماعات الإرهابيّة.
واقع المرأة داخل التنظيمات الإرهابيّة 
             وقد ظهر اهتمام التنظيمات الإرهابيّة بالمرأة جليًا في عام 2017م عند إصدار أول مجلة نسائيّة تحمل شعارًا زّائفًا يعمل على جذب  النساء واستعطافهنَّ في مشارق الأرض ومغاربها تحت لواء "خير الأمة شقائق الرجال"، الأمر الذي يوحى للقارئ في بادئ الأمر أن أولئك المجرمين يحترمون النساء ويقدرونهنَّ في مجتمعهم الزّائف، وفي هذا الشأن أصدر مرصد الأزهر دراسة تحت عنوان "النِّساءُ في صُفوفِ الجماعاتِ المُتطرِّفة"؛ للوقوف على واقعيّة الحياة الاجتماعيّة التي تعيشها النساء في صفوف تلك الجماعات.
             وبالمتابعة المستمرة للإصدارات المختلفة لتلك المجلة المتطرّفة فقد ظهر تزييف تلك التنظيمات للتفاصيل الاجتماعيّة للمرأة، لإظهارها في صورة جميلة، فكان تناول التقدير الذاتيّ للمرأة، والاهتمام بجمالها، وبيتها سّمة رئيسة في التخدير المعنويّ لقرَّاء تلك المجلة من النساء، تلك المرحلة التمهيديّة التي تتهيّأ فيها المرأة لاستيعاب السمِّ بسهولة ويسر، فتقرأ المقال الأول ثم الذي يليه دون استشعار منها بالامتعاض العقليّ، الذي يرفض الأفكار السَّامة في الكلام الظاهر.
             وفي كثير من الإصدارات المتطرّفة نجد العديد من المقالات التي تناولت حاجة المرأة إلى الاسترخاء بعيدًا عن صخب المسئوليات الاجتماعيّة، وترويج صورتها باعتبارها الملكة التي تعمل في بيتها، ومن أهم مهامها العمل على تحضير بعض الوجبات السريعة لأسرتها، وبالمقارنة على أرض الواقع نجد أن تلك الملكة تعمل لدى كتيبة أسَّسها تنظيم "داعش" الإرهابيّ للعمل في "الحِسبة"، وهي المعسكر النِّسائي الذي أنشأه التنظيم الإرهابيّ؛ ليكون بمثابة "الجَناح النسويّ" المُشرف على ضبط الحياة في المجتمع النسويّ الداعشي، واستكمالًا للحياة المتوهَّمة للملكات في ذلك التنظيم الدّامي، تقول بعض العائدات في وصف نساء الحِسبة: "إنهن الأكثر شرًّا بين نساء هذه الجماعة، حيث يمارسن الضرب المُبَرِّح، والسلوك العدوانيّ، وكانت أشهر أسلحتِهِنَّ في معاقبة المخالِفات أداةً تُسمّى "العَضّاضَة"، وهي قطعة حديديّة ذات أسنان مُدبَّبة، كما كنَّ يَصْفَعْنَ وجوهَ النساء المخالفات، ويَرْكُلْنَهُنَّ بأرجلِهِنّ في الطرقات، ويُغرِّمْنَهُنَّ ليَجْمَعْنَ الغرامات الماليّة".
التلاعب بالاحتياجات الإنسانيّة لاستقطاب النساء
             أما عن الحب في حياة المرأة فنجد عدة مقالات في مجلاتهم النسائيّة إمَّا تلميحًا أو تصريحًا تفيد أهمية تلك العاطفة في الحياة الاجتماعيّة للمرأة، بينما نجد هذا الحب على أرض الواقع يتبلور في حقيقة أخرى مفادها التلاعب بالفتيات للسيطرة عليهن، وضخّ الأفكار السوداء في عقولهن، عن طريق اجتزاء النصوص من سياقها، وتفسير النصوص الدينيّة وَفقًا لأفكار مغلوطة، وإيهام المرأة بأن ذلك التفسير هو التفسير الصحيح للدين ــ كما يدَّعون دومًا ــ ومن ثم تصبح فريسة سهلة لتنفيذ ما يأمرها به المتطرف، حتى يصل بها إلى غرس فكرة الانتحار في عقلها باسم الإسلام ـ وهو منهم براء-، وهو ما ظهر جليًّا في حادثة التفجير التي استهدفت تجمع لقوات الشرطة بمدينة "الموصل" العراقيّة، حيث قامت امرأة تنتمي إلى تنظيم "داعش" الإرهابيّ في يوليو 2017، بتفجير نفسها وهى تحمل رضيعها بين يديها.  
             وعن الأمان الذي تحلم به المرأة في كنف ذويها، فقد تلاعبت به أيضًا التنظيمات الإرهابيّة في مجلاتها المتطرفة من خلال مقالات متعددة، وبالمقارنة بين ما يذكر بين طيّات سطور تلك المجلات، وبين الواقع المعيّش نجد أن هذا الأمان المزعوم يتلخّص في الأسر والعبوديّة، حيث يتم بيع النساء "في أسواق النخاسة"، ولكل واحدة منهنَّ سِعرها حسب الحاجة والطلب، تلك الأسواق التي منعها الدِّين الإسلاميّ الحنيف تكريمًا للمرأة. 
            واستكماًلا لهذا الأمان المزيَّف تطالعنا إحدى الهاربات من بين أنياب الذئاب المفترسة بقصتها الواقعيّة قائلةً: "تقوم الجماعة ببيع النساء اللاتي يأسرونَهُنَّ في أسواق النّخاسة، إلى جانب اعتماد الجماعة على نظام المقايضة"، واستطردت حديثها عن تلك المآسي قائلة: "لقد تمّ بيعي خمس مرات، خلال عشرين شهرًا، هي مُدّة أَسْري على يد الجماعة الدّامية".  
            وبالنسبة للحالة النفسيّة للمرأة نجد اهتمام التنظيم بذلك، حيث يشكل الحديث عن ضرورة الاهتمام بالحالة النفسيّة للمرأة محورًا مهمًّا في كتاباتهم، لا سيّما الاهتمام بالمرأة حينما تطرأ على المرأة بعض التغيرات النفسيّة التي تحدث للمرأة بعد الإنجاب، أو معالجة الأفكار السلبيّة في عقل المرأة التي تحدث نتيجة الضغوط التي تتعرض لها في حياتها، وبنظرة إلى الواقع الاجتماعيّ المعيّش نجد إهمالًا للمرأة في صفوفهم، واعتبارهًا كمًّا مهملًا لا ثمن له.
تربية الأطفال من منظور تنظيم "داعش" الإرهابي
            وسيرًا على نفس المنهج من خلال دسِّ السُّم في العسل، لم يغفل تنظيم "داعش" الإرهابيّ جانب التربية - كوسيلة من وسائل الجذب- حين خصَّص في مجلاته المتطرفة قسمًا خاصًّا بتربية الأطفال، وكيفية التعامل مع الأبناء خلال المراحل التعليميّة المختلفة في كل إصدار من تلك الإصدارات المتطرّفة، ودائمًا ما يتحدث هذا التنظيم المتطرّف عن كيفية احتواء الأطفال من خلال تقديم الحب لهم، وكيفية التعامل النفسيّ مع الأطفال، وحين ننتقل إلى الواقع المعيّش نجد أن تلك التربية المزعومة تؤول إلى المصائب والمآسي حيث يستخدمون الأطفال في العمليات الإجراميّة والانتحاريّة، وتلك هي الحقيقة الموجعة، والتي أشار إليها مرصد الأزهر في مقالات عديدة تتحدث عن الأطفال في تربويات "داعش".           
ومن ثمَّ ينبِّه مرصد الأزهر على البون الشّاسع والفرق الكبير بين الصورة الذهنيّة التي يرسمها التنظيم الإرهابيّ للمرأة بغية استقطاب النساء، وبين الصورة الحقيقيّة، والواقع المعيّش الذي تعاني فيه المرأة صورًا من الذّل والإهانة والاستعباد باسم الدِّين، وهو منهم براء.
 كما يؤكد المرصد على ضرورة توخى الحذر وعدم الانسياق وراء العبارات الرنَّانة التي تتشدّق بها العناصر المتطرفة في إصداراتهم، فهذه الإصدارات لا تحمل بين طيَّات سطورها سوى الغلو والتشدّد والتطرّف، مصبوغًا – زورًا وبهتانًا- بصبغة دينيّة أو اجتماعيّة أو ثقافيّة، فتلك الإصدارات ما هي إلا قنابل موقوتة تعمل على تدمير الحياة الاجتماعيّة.         
       
وحدة اللغة العربية
 

طباعة