مع الهزائم التي حاقت بتنظيم داعش الإرهابي.. لم تكن العاقبة للمتطرفين

  • | الأحد, 9 أغسطس, 2020
مع الهزائم التي حاقت بتنظيم داعش الإرهابي.. لم تكن العاقبة للمتطرفين


     "منذ أن هاجرت وبايعت وسلكت هذا الطريق وأنت في محنة وشدة وعسر، وأهلك خلفك يتضورون جوعًا وتجارتك قد تلفت، في حين أن غيرك من أهل المناهج الأخرى قد زادت تجارتهم وصلحت معيشتهم وعاشوا رغدًا وأنت فيما أنت فيه"! أو يوحي الشيطان إليه بأن يعطي الله [أهل المناهج الأخرى] عالي من الدنيا مكافأة لهم لأنهم على الحق! ولو كانوا على الباطل لما أعطاهم! بينما ابتلاه اللهُ بالخوف والجوع ونقص الأنفس والثمرات، عقابًا له على سلوكه هذا الطريق"...
           هذا الكلام مقتبسٌ بنَصِّه من إصدارٍ لتنظيم داعش الإرهابيّ، يعبِّر عن لسان حال الكثير من أتباع التنظيم، الأمر الذي لا يدع مجالًا للشكّ أن لهجة الخطاب المتطرف الصادرة من التنظيم الإرهابيّ "داعش" وغيره، من سماتها الاختلاف والتباين من أوقات النصر والنفوذ، عنها في أوقات الهزيمة والانكسار، ولكن الثابت الوحيد في هذه المعادلة هو التلاعب بالدِّين وآيات الذّكر الحكيم، لدرجة تصل بالمتتبّع إلى حدِّ التصور أن الدِّين عند هؤلاء جاء لخدمة أفكارهم، وتأييد مذاهبهم.
          هذا التلاعب المقيت بقيم الإسلام وفلسفته جعل قادة التنظيمات المتطرفة لا يألون جهدًا في أن يصوروا لأتباعهم أن وقت النصر والتمكين -كما يزعمون- كوقت الهزيمة، سواء بسواء، الأمر الذي دفع تنظيم داعش الإرهابيّ في وقت ما لنشر سلسلة كاملة أثناء هزيمته في بقاع الأرض بعنوان "والعاقبة للمتقين"، يحاول من خلالها أن يقول: حتى ولو توالت الهزائم فإن العاقبة في النهاية حتمًا ستكون لهم!
        وتراهم أيضًا يستدلون بنصوص الشرع الحنيف -أوقات سيطرتهم وعدوانهم على العديد من المدن- على أن هذا وعد الله لعباده المؤمنين؛ إذ وعدهم بالتمكين والنصر والفتح والسعة والسطوة والسيطرة، زاعمين أن خلافتهم تلك خلافة على منهاج النبوة، بشَّر بها رسول الله صلى الله عليه وسلم، وأن المسلمين سيعيشون في كنفها ويستظلون بخيرها!
        ثم لمَّا هُزموا وسقط عدوانهم واتضح كذب خلافتهم، خاطبوا أتباعهم بخطاب يختلف عن خطاب العزة والتمكين المزعوم، وهو خطاب أيضًا يستند في ظاهره إلى نصوص دينيّة تقضي بأنهم سيُمتحنون، وأن ما يعيشون فيه من محنة إنما هو لتمييز الصَّفِّ وتنقية النَّفس!
        وهذه الحيلة قد تنطلي على بعض أتباعهم من الذين عطَّلوا عقولهم وصمَّوا آذانهم، استنادًا إلى إن المسلم في حياته يعيش ما بين يسر وعسر، وما بين نعمة يشكر الله عليها وابتلاء يصبر عليه "وفي كلٍّ أجر"، لكن الأمر الفارق هنا أن تلك التنظيمات تزعم أنه في نهاية الأمر ستصير العاقبة لهم وحدهم، وأنهم سينتصرون، وقد جاء في أحد مقالاتهم المذيل بــ "والعاقبة للمتقين: "إنّ حرب الرّسل عليهم الصّلاة والسّلام وأتباعهم ليست كبقيّة الحروب في نتائجها، وإنْ اشتركتْ معها في حقيقتها ومجرياتها، فالرّسل وأتباعهم بثباتهم على الحقِّ، وصبرهم على جهاد أعدائهم، وعدم تركهم لأمر الله بقتالهم، تكون لهم العاقبة بنصر الله تعالى لهم".
        إن القول بأن العاقبة للرسل وأتباعهم المخلصين الصالحين المُصلحين لهو حقيقة أيَّدتها النصوص وشهد لها التاريخ، على أن دليل المخالفة يقتضي أنه إذا لم تكن العاقبة لهؤلاء فهذا دليل على أنهم ليسوا من أتباع المنهج الحقيقي للرسل، وإلا فلو كانوا من أتباع الرسل حقيقة لكانت العاقبة لهم كما جاءت بذلك النصوص، ولأصبحت النتيجة في نهاية الأمر إليهم، وهذا لم نجده تحقق لهذا التنظيم الإرهابيّ، ولا لغيره من التنظيمات التي تدعي أنها نائبة عن الله، بل وجدنا على العكس من ذلك، حيث عجّل الله لهم بعض المكاسب لفترة وجيزة، ثم انتقم منهم شر انتقام وشرَّدهم وهزمهم، وظهر للعالمين عوارهم وضلالهم وكذبهم، فخسروا الدنيا والآخرة، وذلك هو الخسران المبين.
            فأيُّ جهلٍ هذا الذي دفع هؤلاء إلى استغلال نصوص الدِّين لمكاسب سياسيّة وأهواء شخصيّة ومآرب دنيويّة، ولكن يأبى الله إلا أن يُظهر تدليسهم وكذبهم، فبما أنهم يستدلون بقوله تعالى: {والعاقبة للمتقين}؛ فإن العاقبة لم تكن لهم قطُّ، ولن تكون لهم أبدًا؛ فالله تعالى قال: {والعاقبة للمتقين}، وقال: {إن العاقبة للمتقين}، وقال أيضًا {والعاقبة للتقوى}، ومن معاني التقوى الإصلاح؛ إصلاح النفوس وإصلاح أحوال العباد والخوف من الله والإحسان إلى خلقه، وليست العاقبة للمجرمين المتطرفين المعتدين المخربين الإرهابيين الذين استغلوا الدين وأخذوه مطيّة لهم يصلون به إلى مكاسبهم الدنيويّة والاعتداء على المسلمين وتخريب بلادهم فنالوا من الأمة ما لم ينله أعداؤها على مدار عقود؛ لذا لم تكن العاقبة لهم ولن تكون إذ لا عاقبة للمتطرفين سوى الهزيمة والخزي والعار الذي يلاحقهم في الدنيا والعقاب الشديد في الآخرة الذي توعد الله به المفسدين في الأرض.

وحدة رصد اللغة العربية
 

طباعة