"كورونا" كوقود للإسلاموفوبيا في بريطانيا!

  • | الأحد, 30 أغسطس, 2020
"كورونا" كوقود للإسلاموفوبيا في بريطانيا!


      (إن المصائب يجمعن المُصابينا)... مقولة تعبر عن خلاصة التجربة الإنسانيّة... نعم، هكذا تعوَّدنا، وهكذا يتعامل الناس في أوقات المِحن والأزمات، يتقاربون ويتحدون ويوقنون بوحدة مصيرهم. لكن الغريب أن نجد في وقت المِحن الكبرى من يحاول أن يستغل هذه المِحن كوقودٍ للكراهية- ربَّما عمدًا تارةً، أو بدافع الجهل تارةً أخرى. 
 ففي الوقت الذي يحارب فيه العالم كلُّه وباء "كورونا" الذي أسقط آلاف الضحايا دون تمييز في اللون أو العِرق أو الدِّين، أو حتى بين الأغنياء والفقراء، أو بين النّخبة والعوام، كان المسلمون في المملكة المتحدة أمام حملات عدائيّة لا نعلم هل هي ممنهجة أم نابعة من غياب الوعي الإنسانيّ؛ حملات لا تراعي المعايير الإنسانيّة أو القيم الأخلاقيّة، وهو ما تجسده الأرقام والإحصاءات الخاصة بجرائم الكراهية في هذه الفترة. وفي حين أن العالم في حرب عنيدة ضد الوباء، فإنَّ خطاب الكراهية المرتبط بهذا الفيروس ينتشر على شبكة الإنترنت بنفس السرعة التي ينتشر بها الفيروس ذاته أو ربما أسرع. يأتي هذا في وقت تعلن فيه الحكومة البريطانيّة أنها لا تدَّخِر جهدًا بشأن مواجهة العنصريّة، ومعاقبة كل من يُروِّج لها، لكننا نجد بعض السياسيين ووسائل الإعلام أنفسهم يستخدمون خطابًا عدائيًا ضد المسلمين.
تغذية الصور النمطية:
 وما يزيد من تفاقم الأزمة ذلك الخطاب الذي تتبنّاه بعض وسائل الإعلام البريطانيّة، حيث يتم تغذية الصور النمطيّة بمشاعر الخوف. وفي هذا السياق وجهت اتهامات لهيئة الإذاعة البريطانيّة (بي بي سي) باستهداف المسلمين خلال وباء فيروس كورونا، حيث تم إرسال شكوى إلى المدير العام للهيئة "توني هول"، جاء فيها: إنَّ الهيئة استخدمت الوباء لنشر صور سلبية عن المسلمين. وهو ما دفع البعض لمطالبة المسلمين بالتواصل مع إذاعة (بي بي سي) لإبداء مخاوفهم حول الكيفية التي مكَّنت تلك الأفكار النمطيّة العنصريّة والمعادية للإسلام أن تجد طريقها إلى التغطية الإخباريّة. 
 وتضمن الخطابُ أنماطًا معينة في هذا الصدد، منها الإشارة المتكرّرة إلى المسلمين لدى مناقشة وباء "كورونا" حيث إنه دائمًا ما يتم الربط بشكل واضح بين الاثنين في أذهان القراء والمشاهدين، مما يعزّز الصور النمطيّة الحالية عن المسلمين بأنهم "طابور خامس" أو خارج التيار الرئيسيّ. كما أن إذاعة "بي بي سي" لم تهدر أيّة فرصة لتضخيم تفشّي المرض في المجتمعات الإسلاميّة، مع التقليل من الدور الذي يلعبه المجتمع الأوسع في انتشار الوباء. 
 كذلك تطرَّق الخطاب إلى أسلوب التّحيز، وأحدث مثال على ذلك هو تغطية هيئة الإذاعة البريطانيّة للمشيعين الذين اصطفوا في شوارع مدينة "آشينجتون" لإظهار تقديرهم لجاك تشارلتون (أسطورة كرة القدم الإنجليزية) بالإضافة إلى تغطية الاحتفالات الأخرى مثل احتفالات يوم النصر، والتي تمَّ تغطيتها على نطاق واسع دون الإشارة إلى المخاطر الناتجة على المشاركين في الاحتفال بل وعلى عامة الناس.
 وفي نفس السياق أبلغت الوكالة - كما تدَّعي أنه بدافع الواجب وبدون التشكيك في مصداقيتها- نصيحة الحكومة قبل عيد الأضحى للعائلات المسلمة بشأن مراعاة التباعد الاجتماعيّ (الذي قد يؤدي فعليًّا إلي عدم الاحتفال مع عائلاتهم بالرغم أن جواز التجمع أصبح موجودًا على نطاق واسع). وبدلًا من تحدي العنصريّة والإسلاموفوبيا، فإنه من الملاحظ أن الوكالة تتمسك بالقوالب النمطيّة والارتباطات السلبيّة التي تزدهر عليها العنصريّة والإسلاموفوبيا. ولذلك فإن دور الوكالة فيما يتعلق بالخدمة العامة يجب أن يقدم جميع المجتمعات بشكل عادل ومتساوٍ.
المسلمون في قطاع الصحة:
 وفيما يخص مشاعر الكراهية والعداء التي يتعرض لها المسلمون في قطاع الصحة على الرغم مما قدموه من تضحيات منذ انتشار الوباء، فقد نشر موقع "ميدل إيست آي" البريطانيّ مقالًا عن وضع المسلمين في بريطانيا في ظل تفشّي وباء كورونا. حيث تطرق المقال إلى تصريحات السيدة "بينيش" وهي ممرضة بريطانيّة مسلمة والتي أشارت فيها إلى وجود فجوة فيما يخص إدارة هيئة الخدمات الصحيّة الوطنيّة.
 وعند سؤالها عمَّا إذا كانت تعتقد أن هذه "الفجوة" ما زالت تُمارَس بحق الخطوط الأماميّة لمكافحة وباء كورونا، مما يمنع العاملين في مجال الرعاية الصحية من الأقليات العِرقيّة من الإفصاح عن مخاوفهم بشأن التعرض المتزايد للفيروس، فَكَّرت للحظة وأجابت: "كممرضات، تعلَّمنا أنه يجب علينا الإقرار بحدود قدراتنا، ويجب أن نكون قادرين على التعبير عن هذا الأمر. ولكن هذا يختلف من الناحية العمليّة، "فإذا كنت من الأقليات العرقيّة، فهناك ضغط إضافي سيواجهك بشكل سيئ. وأذكر هنا العداء من قبل الإدارة لدى تدريبيّ في إحدى المستشفيات حيث تلقيت العديد من التعليقات السلبيّة بشأن الحجاب من قبل رئيس التمريض ومدير الجناح". 
 وعندما طُلِب منه وصف عبء عمله أثناء الوباء، أجاب سلمان وقار، الأمين العام للجمعية الطبيّة الإسلاميّة البريطانيّة بسخرية: "كم من الوقت لديك؟!"، في إشارة ساخرة منه إلى كثرتها. فقد ذكر أنه طوال فترة الإغلاق كانت المؤسسات الخيريّة تعمل شكل دائم على ترجمة وفهم طريقة تعاطي الحكومة مع المجتمعات، حيث كان هناك حالة من التناقض وعدم الاتساق والالتواء في توجيهات الحكومة. وعندما سُئل وقار عمَّا كان يُشكّل العقبة الكبرى في العمل المجتمعيّ خلال هذا الوباء، قال ببساطة "الثقة" وأضاف: "إن الحكومات لا تنصّت إلى المجتمعات المحليّة؛ بل إنها بطيئة في الاستجابة لها، كما أن طوائف الأقليات تدرك التفاوت بين تطبيق قاعدة واحدة لبعض الناس وأخرى مختلفة بالنسبة لغيرهم". 
 وكشف تقرير صادر عن مكتب الإحصاءات الوطنيّة عن خسائر الأرواح الناتجة عن وباء كورونا مؤخرًا، وأفاد بأن أعلى حصيلة للضحايا كانت في المجتمع الإسلاميّ. ولم يكن هذا بمثابة أمر جديد بالنسبة لوقار الذي قال: "لم تحدث هذه الوفيات من فراغ" بل تعكس أوجه عدم المساواة القائمة في المجتمع لفترة طويلة جدًا، لقد سلَّط الوباء الضوء على هذه الحقيقة بشكل حاد، حيث أظهرت الأرقام في أعقاب تقرير مؤجل وخاضع للرقابة من قبل وكالة الصحة العامة في بريطانيا في يونيو الماضي، أن البريطانيين أصحاب البشرة السمراء والآسيويين والأقليات العِرقية كانوا أكثر عرضة مرتين عن غيرهم من البريطانيين للموت إذا أصيبوا بفيروس كورونا". 
كما أثار تعيين "تريفور فيليبس" في التحقيق - الذي تمَّ فصله سابقًا من عضوية حزب العمل بسبب تعديه على الإسلام والمجتمع المسلم ووصفه على أنه "أمة داخل أمة"-، انتقادات من قادة المجتمع، الذين سلَّطوا الضوء على أن القرار يقوّض مصداقية التقرير للمسلمين البريطانيين. 
 وطبقًا لما ذكرته شبكة "سي إن إن"، ينشر منظرو المؤامرة إشاعات لا أساس لها على الإنترنت - تستهدف الجاليات بشكل متكرّر - منذ بداية الوباء في إنجلترا، مع إلقاء اللوم على المسلمين بشأن كونهم سبب انتشار فيروس كورونا، حيث نجح اليمين المتطرّف خلال السنوات الماضية أن يقدم نفسه للشارع الغربيّ والأوروبيّ والأمريكيّ، كبديل عن التيار المحافظ، عازفًا على وتر المستجدات التي شهدتها منطقة الشرق الأوسط، وساعده على ذلك تصاعد أعمال العنف التي تزامنت مع صعود التيارات الدينيّة المتشدّدة في الشرق الأوسط وآسيا وبعض دول إفريقيا، التي كان لها تداعيات على الشارع الأوروبيّ نفسه، وكانت فرصة سانحة للتيار اليمينيّ لتعزيز حضوره السياسيّ، وهو ما ترجمته الماراثونات الانتخابيّة في العديد من الدول. وقد أدى انتشار نظريات المؤامرة الغامضة أثناء هذه الأوقات العصيبة إلى تفاقم التعصب والتّمييز ضد المجتمعات الإسلاميّة. وفي الأشهر القليلة الماضية، ومنذ تم الإبلاغ عن أول حالات إصابة بوباء كورونا، انتشرت مجموعة واسعة من المعلومات المضلّلة عبر وسائل الإعلام الاجتماعيّة. 
 واتهم الناشطون المناصرون لليمين المتطرّف في بريطانيا ومن بينهم "تومي روبنسون"، مؤسس وزعيم رابطة الدفاع الإنجليزيّة ـــ من أكبر المنظمات التابعة لليمين المتطرّف ــــ اتّهم المسلمين بأنهم من مروجي الفيروس؛ حيث نشر "روبنسون" مقطع فيديو يظهر فيه المصلون وهم يغادرون مسجدًا في "برمنغهام" أثناء فترة الإغلاق والحظر، وتبيَّن بعد ذلك أن المقطع يرجع تاريخه إلى عامٍ مضى.
 إن مثل هذه المعلومات المضلِّلة والروايات التي لا أساس لها من الصحة والتي تُغذي التّحيز ضد المسلمين تعمل على توليد انطباع سلبيّ لدى المشاهدين الذين أصبحوا أكثر انشغالًا بالأخبار والمناقشات على شبكة الإنترنت الآن من أي وقت مضى. فهذه القصص ليست غير صحيحة وخطيرة فحسب، بل إنها تقوّض أيضًا العمل المهمَّ الذي تقوم به الجالية المسلمة في دعم الجهود الوطنيّة، بدءًا من العمل على خط المواجهة، حيث خسر عدد من الأطباء المسلمين حياتهم، إلى إنشاء مبادرات مجتمعيّة لمساعدة الضعفاء.
 إن هذه الأمثلة للمتطرفين اليمينيين الذين كانوا دائمًا يصنفون المسلمين على أنهم إرهابيون أو أنهم سببٌ رئيسٌ في انتشار فيروس كورونا في المملكة المتحدة تشير إلى مدى السرعة التي تستطيع بها شبكة الإنترنت أن تعمل كأداة للنشر والترويج، ومدى سهولة تقبل مثل هذه الروايات على نطاق واسع في المجتمع السائد. وأفاد تقرير بأن أكثر من 300 ألف تغريدة استخدمت الهاشتاج (جهاد كورونا) في الفترة من 28 مارس إلى 3 إبريل، وقد تابع هذا الهاشتاج قرابة 165 مليون شخص على تويتر.
 وعلى صعيد آخر، فإن استهداف المسلمين بالخطاب العدائيّ لم يكن حكرًا على اليمين المتطرّف البريطانيّ فقط، بل وصل الأمر إلى تبني العديد من الصحفيين العاديين خطاب الكراهية ذاته، وهو ما كشفته العديد من الدراسات التي أوضحت أن التقارير الإعلاميّة التي نشرت خلال الفترة الأخيرة ساهمت بشكل كبير في خلق جو عدائيّ ضد مسلمي بريطانيا، وذلك من خلال استخدام عناوين عنصريّة تستهدف المسلمين على وجه التحديد. ويعتبر ظهور المسلمين في الإعلام في صورة كَبش فِداء ليس بظاهرة جديدة. 
وطبقًا لدراسة أجراها علماء النفس في جامعة أكسفورد، وافق حوالي 20% على أن المسلمين كانوا مسئولين عن نشر الفيروس. كما تحمَّلت المرأة المسلمة في بريطانيا جزءًا كبيرًا من تلك العنصريّة، حينما تعرضت لأبشع صور التّمييز، وهو ما تجسده عشرات القصص والوقائع المخجلة، منها البصق على وجوههن، ونزع حجابهن بالقوة، والاعتداء على حقوقهن في التمتع بالحرية.
 ونخلص هنا إلى ضرورة أن يتحمل كل من الساسة والمنصات الإعلاميّة المختلفة مسؤولية معالجة خطاب الكراهية والأخبار الزائفة عبر الإنترنت؛ لحماية مجتمعات الأقليَّات في ظل الظروف الطارئة مثل جائحة كورونا في المملكة المتحدة وأوروبا والولايات المتحدة، حيث يتم استخدام الوباء كسلاح لتشويه صورة المسلمين بشكل أكبر والزَّجِّ بهم في سيناريوهات تتسبّب في زعزعة أمن المجتمعات وتدمير فرص الاندماج في الوقت الذي يبذل فيه المسلمين جهودًا كبيرة لتحقيق هذا الاندماج.


وحدة الرصد باللغة الإنجليزية
 

طباعة