الخطاب المتشدّد ودوره في صناعة التطرّف

  • | الإثنين, 31 أغسطس, 2020
الخطاب المتشدّد ودوره في صناعة التطرّف


             بات الخطاب المتشدّد الذي تتبناه الجماعات المتطرفة، وكذا الخطاب الذي يتبناه اليمين المتطرّف، في ظل التطور التكنولوجيّ الهائل، بمثابة وعاءٍ لترويج الأفكار المغلوطة، لاسيّما التي تنتشر ويرصدها مرصد الأزهر عبر منصات التواصل الاجتماعيّ، ما بين تعليقات عنصريّة وعدوانيّة، تدعو وتبرّر وتشجع الكراهية على أساس التعصب ورفض الآخر، ما يدفع ببعض الشباب نحو التشدّد وتبنّي الآراء الداعمة للعنف، والتي تُشعل مشاعر السخط والاستياء ضد كل شيء يحمل الطابع المؤسسيّ أو المجتمعيّ، في محاولة للتأليب ضد الحكومات والدول، وإحداث انقسامات اجتماعيّة خطيرة، من خلال ترسيخ مبدأ "نحن" و"هُم"، ما يتسبّب في اضطراب هُويَّة الشباب، وجعلهم فريسة سهلة لدعم الأيديولوجيات المتشددة، والتي تتمثّل خطورتها في كونها مرحلة انتقاليّة، تسبق مرحلة الانخراط في أعمال العنف أو دعمها. 
        لذا كانت لغة الكراهية والتشدّد أحد محركات التطرّف، وهي من تدفع أتباعها لتبني العنف كوسيلة للتعامل مع الآخرين وتهميشهم، ولكن هذه اللغة لا بدَّ لها من مناخ يدعم الكراهية سواء الدينيّة أو العِرقيّة أو القوميّة، ويعمل على تغييب العقل وتزييف الحقائق. ومن هنا نجد أن "خطاب الكراهية" هو المحرك الرّئيس لكل أعمال العداء والتّمييز والعنف، في ظل غياب خط فاصل متفق عليه دوليًا أو على المستوى المحليّ للدول بين حرية التعبير التي يكفلها القانون الدوليّ لحقوق الإنسان، وبين ما يُعتبر تحريضًا ضد شخص ما أو مجموعة من الأشخاص بسبب دين أو عرق أو لون أو جنس. 
           كما أن الأحداث الإرهابيّة التي ضربت العديد من دول العالم، سواء على يد أحزاب "اليمين المتطرف"، أو على يد الجماعات الإرهابيّة التي تنتسب زعمًا للأديان، خير دليل على أن هذه الإيديولوجيّة المتطرفة العابرة للحدود، كانت ولا تزال تمثل مصدر إزعاج للعديد من الدول، لا سيّما تلك الدول التي تضم مختلف الديانات والأطياف. 
           فنجد أن التطرّف يبدأ بخطاب متشدّد يعمل على إثارة وتعزيز شعور الانتقاميّة، ورفض الآخر وإقصائه، يُروج له في دور العبادة، أو عبر شاشات التلفاز، أو عبر أثير الإذاعة، أو عبر منصات التواصل الاجتماعيّ، مما جعل للإعلام دورًا مهمًّا في تشكيل الرأي العام حول ظاهرة الإرهاب لدى المتلقي، سواء كان رأيًا كاملًا أو منقوصًا، فالمتلقي يتخذ موقفًا وسلوكًا من المادة الإعلاميّة المقدَمة له، سواءً كان رأيًا سلبيًّا أو إيجابيًّا، ويعمل بعد ذلك على نشر هذا الرأي متشبثًا به ومدافعًا عنه.
          ويرى مرصد الأزهر أن هذا هو العامل الذي جعل من التغطية الإعلاميّة للأحداث الإرهابيّة سلاحًا ذو حدين، أخطر ما فيه هو استغلال الجماعات المتطرفة للمنصات الإعلاميّة في نشر أيديولوجيتها، وأفكارها المسمومة والمغلوطة على سمع ومرأى المتلقي، ما يُكسبها تعاطف وتأييد المتلقي الذي قد يتطرّف وينتهج نهج تلك الجماعات المتطرفة لزعزعة استقرار المجتمع المحيط به. 
          لذا يرى مرصد الأزهر لمكافحة التطرّف ضرورة العمل على توعية الرأي العام، لا سيّما الشباب، من مخاطر الإرهاب والوقوع في براثن التطرّف، وخلق خطاب بديل يعمل على دفعهم نحو تبني سلوكيات إيجابيّة تغذي وتدعم التفكير النقديّ، ونشر ثقافة التسامح والوسطيّة والاعتدال وقبول الآخر.
 

وحدة رصد اللغة الفرنسية
 

طباعة