سلسلة جماعات القتل باسم الدين (3)

جماعة "بوكو حرام" في نيجيريا

  • | الخميس, 10 سبتمبر, 2020
سلسلة جماعات القتل باسم الدين (3)

 

           تعتبر جماعة "بوكو حرام" الإرهابيّة واحدة من أكثر الجماعات الدمويّة في العالم، هذه الجماعة التي لا تتورّع عن القتل وسَفك الدماء باسم الدِّين. وقد استحلت دماء أطياف الشعب النيجيريّ فلم ترقُب هذه الجماعة في إنسان قرابةً ولا ذمَّة، رجلًا كان أو امرأة، صغيرًا كان أو كبيرًا، مسلمًا كان أو غير مسلم، فالكل مستهدف، والجميع أصبح أمامهم يستحق القتل؛ والحجّة هي "إقامة الخلافة وتطبيق تعاليم الدِّين" وهذا وفق معتقداتهم الباطلة المُزيّفة.

           وقد ارتبط ذكر غرب إفريقيا وبالتحديد نيجيريا خلال الأعوام القليلة الماضيّة بالحديث عن أحداث عنف ومواجهات دامية بين جماعة "بوكو حرام" الإرهابيّة التي تحاول جاهدة السيطرة على أكبر مساحة من الأراضي النيجيريّة وغيرها من دول غرب إفريقيا وبين حكومات تلك الدول. وغالبًا ما يرتبط ذكر هذه الجماعة في وسائل الإعلام بعرض أرقام وإحصائيات لأعداد القتلى والمصابين الذين سقطوا خلال أعمال العنف المنتشرة، فضلًا عن المشردين الذين فقدوا منازلهم ولاذوا بالفرار بحثًا عن النجاة بأرواحهم من جحيم الأعمال الإرهابيّة التي تقوم بها تلك الجماعة.

           وفي الآونة الأخيرة سجّلت الإحصائيات الدوليّة ارتفاعًا كبيرًا في وتيرة العمليات الإرهابيّة بالبلاد؛ مما جعل أمنها واستقرارها الحلم الذي طالما راودَ مواطنيها، يتحوّل إلى كوابيس مخيفة ملطّخة بدماء الضحايا وصور الدمار والفوضى؛ تلك الفوضى التي تسعى إليها بقوة جماعة "بوكو حرام" الإرهابيّة، وتعمل على نشرها والعمل على استمرارها وإشعالها في كل أرجاء البلاد.

ومع كل قطرة دم تسيل وكل منزل أو مسجد أو كنيسة تُدمَّر، ومع كل طريق يُقطع أو مواطن يُحاصر أو يعذّب أيًّا كانت ديانته، وأيًّا كان توجّهه السياسيّ ترجع نيجيريا خطوة للوراء، وتذهب كافة ما تقوم به الدولة أدراج الرياح.

التأسيس والأهداف

           في عام 2002، أسَّس "محمـد يوسف" وهو آنذاك شاب نيجيري لا يتعدى عمره تسعة وثلاثين عاما، لم يجد وظيفة مناسبة بعد أن ترك تعليمه في سن مبكرة - جماعة جديدة تحمل اسم "جماعة أهل السنة للدعوة والجهاد"، متأثرًا بتداعيات أحداث 11 سبتمبر عام 2001 في الولايات المتحدة، وعُرفت ساعتها باسم "طالبان نيجيريا". وبمرور الوقت، تحوّلت هذه الجماعة من جماعة محدودة العدد والعدّة والنشاط ومحصورةٍ في مدينة "مايدوغوري" في شمال نيجيريا إلى تنظيم مسلح عابر للحدود لتشمل عملياتها أجزاءً من الكاميرون والنيجر وتشاد.  

وبالعنف الذي اتّسمت به هذه الجماعة باتت مصدر قلق يؤرِّق الجميع في غرب إفريقيا بأسره، وأصبحت هاجسًا يؤرّق العامة قبل القادة، وملفًا مطروحًا في كل القمم والاجتماعات الإقليميّة والدوليّة، مما جعل كثيرين يشبّهونها بـ"داعش" حتى أطلق عليها البعض "داعش إفريقيا". والاسم الحقيقي لهذه الجماعة هو "جماعة أهل السنّة للدعوة والجهاد"، وهو الاسم الذي يردّدونه ولا يرضون لهم اسمًا سواه، وأطلق عليهم كثيرون - وبخاصة الإعلاميون - اسم "جماعة بوكو حرام"، وهذه التسمية قد شجبها أعضاء الجماعة، ويفضّلون التسمية التي اختاروها لأنفسهم.

           وأما مفهوم "بوكو حرام"، فهي كلمة هوساوية مركبة تركيبًا مزجيًا من لغتي الهوسا واللغة العربيّة، ولم يكن يعرفها سوى أهل الهوسا، وقد كان الهوساويون يستعملون كلمة "بوكو" ويعنون بها "نظام التعليم الغربيّ"، وإذا أضيفت إليها كلمة "حرام" أصبح المعنى: "نظام التعليم الغربيّ حرام".

           وتنشط هذه الجماعة في شمال نيجيريا وتسعى لتطبيق الشريعة الإسلاميّة - حسب اعتقادها - وهي جماعة محظورة رسميًا، بدأت عملياتها ضد المؤسسات الأمنيّة والمدنيّة النيجيريّة في عام 2004، بعد أن انتقلت إلى ولاية "يوبي" على الحدود مع النيجر. وتتكوّن الجماعة من الطلبة الذين غادروا مقاعد الدراسة بسبب رفضهم المناهج التربويّة الغربيّة إضافة إلى بعض الناشطين من خارج البلاد على غرار بعض المنتسبين التشاديين.

           وقد استخدمت جماعة "بوكو حرام" الإرهابيّة الدعوة إلى الله قناعًا تستقطب من خلاله أنصارًا لها؛ فلعبت على وتر الدّين، وبعد ذلك اعتزل بعضهم زاهدين عن الدنيا ‏منعزلين عن الناس في قرية "كَنَّمَّ" (‏Kannamma‏) وفي بلدة ‏‏"غَيْدَمْ" (‏Gaidam‏) بالقرب من جمهورية النيجر، حتى يستطيعوا تدبير مخطّطاتهم الإرهابيّة بعيدًا عن أعين الشرطة؛ فاشتبه الناس في ‏تصرفاتهم، وقاموا بإبلاغ الشرطة عنهم وعندما تحرّت عنهم الشرطة لم تفلح في إيجاد دليل إدانة ضدهم في بداية الأمر لكن عندما أُبلغ عنهم في المرة الثانية بسبب كثرة ما ظهر منهم من ‏أعمال مشبوهة، داهمهم رجال الأمن ووقعت ‏اشتباكات بينهم سقط خلالها قتلى وجرحى.

           وعلى الرغم من ذلك؛ فقد اتّخذ "محمد يوسف" مدينة "بورنو" معقلًا لدعوته، واستمر يحرض الشباب على القتال ضد ظلم الحكام، وضد كل ما يتّسم بـ "الحداثة"، وقد تمكّن من حشد مجموعة من الشباب المتحمّس لإقامة ما أسموه بـ"الدولة الإسلاميّة"، فوفدوا إليه مبايعين من الأماكن التي انتشرت فيها دعوته، وخصوصًا من ولايات الشمال الشرقيّ الخمس، وهي: "غومبي"، و"أدماوا"، بالإضافة إلى "برنو"، و"يوبي"، و"بوثي". وانتشرت دعوة الجماعة أيضًا في ولايات الشمال الغربيّ، وهي: "كانو"، و"جيغاوا"، و"كاتسينا"، و"صكتو"، و"كِبِّي".

           ومع غضب زعيم الجماعة الإرهابيّة "محمـد يوسف" من عمليات الملاحقة والمداهمات التي تقوم بها الحكومة ضد عناصر الجماعة، ألقى خطابه الشهير، والذي أسماه بـ"الرسالة المفتوحة إلى رجال الحكومة الفيدراليّة"، هدّد فيه الدولة، وحدّد لها أربعين يومًا للبدء في إصلاح العلاقة بينها وبين حركته، وإلا سيبدأ عملية قتال على مدى أوسع لا يُوقِفه إلا الله! فمضت الأربعون يومًا، ولم تحرك الجماعة ساكنًا، غير أن القيادة قد أعدّت – فيما بدا للمحللين– تنظيمًا واستراتيجية استعدادًا لخوض قتال لم يتوقف حتى هذه اللحظة.

           ظلَّ أعضاء الجماعة الإرهابيّة عقب الأزمة يترقّبون صدور فتوى من قيادتهم تبيح لهم الانطلاق، وكانت تحركاتهم ومحاضراتهم وخطاباتهم في الولايات والمدن والقرى تنمُّ عن الاستعداد للمواجهة، ولهذا تحرّك رجال الشرطة في ولاية «بوثي» وهاجموا تجمّعًا للجماعة في مسجد لهم، فاندلعت المواجهة عندئذ، وتأزمت العلاقة بين الحكومة وهذه الجماعة في تلك الليلة من شهر شعبان سنة 1430هـ الموافق الأحد 26 يوليو 2009.

           وقد اغتيل زعيم الجماعة "محمـد يوسف" في 30 يوليو 2009، بعد ساعات من اعتقاله واحتجازه لدى قوات الأمن، وذلك بعد أن ألقي القبض عليه في عملية مطاردة بعد مواجهات مسلحة اندلعت أواخر يوليو 2009 في شمال نيجيريا بين عناصر تلك الجماعة الإرهابيّة وقوات الأمن والتي أسفرت حسب تقارير إعلاميّة عن سقوط مئات القتلى من المسلمين.

عناصر "بوكو حرام" وأماكن تواجدها

           وكما هو معلوم لدى كثير من المهتمين بقضايا التنظيمات الإرهابيّة، وخاصة التنظيمات الموجودة في إفريقيا، فإن جماعة «بوكو حرام» الإرهابيّة تتمركز بشكلٍ مكثَّف في كل من الكاميرون وتشاد ونيجيريا والنيجر، وتعتبر نيجيريا هي الدولة الأم للجماعة، التي تُعدُّ أكثر الجماعات الإرهابيّة دمويّة.

           ويحتوي هذا التنظيم على عشرات الآلاف من المقاتلين، بينهم نساء وأطفال، إضافة إلى رهائن يتم تحويلهم إلى قنابل بشريّة. وهؤلاء المقاتلون ينتمون إلى جنسيات مختلفة، نيجيريّة وكاميرونيّة وتشاديّة ونيجريّة وحتى طوارق شمال إفريقيا، بحسب مصادر عسكريّة من الكاميرون ونيجيريا.

           وفي هذا السياق، نشرت "ميدل إيست أونلاين" تقريرًا لها في 10 أغسطس 2015 وضّحت فيه أن عدد الأطفال الذين قامت الحركة الإرهابيّة بتجنيدهم ضمن صفوفها في نيجيريا قدّروا بما يزيد عن (4) آلاف طفل. وفي عام 2017 أجبرت جماعة "بوكو حرام" ما لا يقل عن (135) طفلًا على القيام بعمليات انتحاريّة، أي ما يقرب من خمسة أضعاف عدد العمليات التي وقعت عام 2016.            الجدير بالذكر أن «بوكو حرام» تعتمد بشكل كبير على استراتيجية استخدما الأطفال صغار السن للقيام بعمليات انتحاريّة، حيث تستغل الوجه البريء للطفل للنفاذ إلى الأهداف بسهولة، وهو كفيل بتنفيذ عملية لا يعرف خطورتها.

النشاط والعمليات الإرهابيّة

           اتّسع نطاق الهجمات الإرهابيّة للجماعة بصورة لافتة عقب تولي "أبو بكر شيكاو" القيادة؛ فبعد أن كانت تركز على القوات الأمنيّة التابعة للدولة وقوات الجيش والدفاع المدنيّ، بدأت تستهدف دور العبادة والطوائف والقادة الدينيين والسياسيين وغيرهم من المدنيين الذين تعتبرهم الجماعة ضمن قائمة أعدائها. ويلقّبه أعضاء الجماعة بـ"الإمام"، وقد استمر عناصر "بوكو حرام" في ممارسة أنشطتهم بزعامته، وبمساعدة نواب آخرين. ويعتمد "شيكاو" على سياسة الترويج الإعلاميّ كأساس لإظهار قوته، فهو شخص مهووس بالشهرة يظهر كثيرًا وفي كل ظهور له يحاول أن يبدو على هيئة البطل القائد المغوار، وقد دأب على الظهور من خلال تسجيلات مصوّرة.

           وتوالت الأحداث بتفجيرات وإطلاق رصاص يستهدف أفراد الشرطة والجنود أو مراكزهم، وكان لـ"مايدوغوري" - وهي من أشهر العواصم النيجيرية التي تأوي عناصر بوكو حرام - قسط كبير من الإغارة، وكذلك ولايتي "يوبي" و"بوثي"، وهكذا مرّ عام 2010 في اضطرابات وخصوصًا في الولايات الثلاث المذكورة آنفاً. كما شهد عام 2011 زخمًا كبيرًا على كافة الأصعدة سياسيًّا، واجتماعيًّا، واقتصاديًّا، وهو ما استغلته الجماعة الإرهابيّة حيث قامت بشنّ ثلاث حملات كبرى في ذلك العام:

أولها: كانت ضد مقر الأمم المتّحدة في العاصمة النيجيريّة "أبوجا" في 26 أغسطس 2011، والذي شكَّل لحظة تاريخيّة فارقة في عولمة أهداف الجماعة واقترابها من نهج "تنظيم القاعدة".

ثانيها: استهداف رئيس الشرطة النيجيريّة، الحاج حافظ رِنْغِمْ بتفجير كبير قبل عزله، في شهر أكتوبر 2011.

ثالثها: هجوم على كنيسة كاثوليكية في يوم عيد الميلاد للمسيحيين، يوم 25 ديسمبر، في ولاية نيجر، بالمحافظة المعروفة بـ «مادَلّلا Madalla».

           هذا وقد استغل "أبو بكر شيكاو" زعيم جماعة "بوكو حرام" الإرهابيّة فزاعة تطبيق الشّريعة في تنفيذ موجة من الهجمات الإرهابيّة في نيجيريا، فظهر في مارس 2017 خلال مقطع فيديو مدعيًا أنه سيقيم الخلافة في وسط وغرب إفريقيا! مضيفًا أن جماعته ستستمر في تنفيذ الهجمات الإرهابيّة على مدينة "مايدغوري" شمال نيجيريا، ولن تتوانى لحظة عن تنفيذ عملياتها حتى تصل إلى بغيتها، وهي إقامة الخلافة والتخلي عن الحكم بالقوانين الوضعية.

           وتُظهر "قاعدة بيانات تحديد أماكن الصراعات المسلحة ورصد الحوادث" أن "بوكو حرام" في الفترة الممتدّة من 2009 إلى 2017 قامت بتنفيذ ما يزيد عن (2445) هجومًا إرهابيًا، وقد أودت تلك الهجمات بحياة (28168) شخصًا.

           الجدير بالذكر أن جماعة "بوكو حرام" الإرهابيّة، قامت بتنفيذ نحو (430) تفجيرًا إرهابيًّا منذ عام 2017 وحتى عام 2018، قام بتنفيذ أغلبها ما يقرب من (244) امرأة والبقية من العناصر التابعة للجماعة. ووفقًا للدراسة الصادرة عن مرصد الأزهر لمكافحة التطرف تحت عنوان: "لماذا تتصدر بوكو حرام الجماعات الأكثر دموية في العالم"، فإن هذه الجماعة هي المسئولة عن قتل (6644) شخصًا خلال عام 2014، بزيادة قدرها (317) في المائة عن العام الذي سبقه.

           وعن جرائم "بوكو حرام"، تقول الدراسة إنه في عام 2014، كان أول هجوم خارج نيجيريا على المناطق الحدوديّة لدولتي تشاد والكاميرون، حيث قاموا بقتل (520) شخصًا ضمن (46) هجومًا بالكاميرون، كما قاموا أيضًا بقتل ستة أشخاص في تشاد، ثم تضاعفت العمليات ضد البلدان المجاورة في عام 2015؛ ليصل العدد إلى (53) على الأقل في سلسلة من الهجمات حتى منتصف عام 2016.

           كما أضافت الدراسة أن "بوكو حرام" استطاعت أن تضاعف من هجماتها في عام 2017 ثلاثة أضعاف من (53) إلى (107)، كما ارتفع عدد القتلى لأربعة عشر ضعفًا من (107) إلى (1490) شخصًا مقارنة بعام 2013، كما أشارت الدراسة إلى أن المدنيين يمثلون نحو 77% من الضحايا، وهم الهدف الرّئيس من الهجمات التي ترتكبها تلك الجماعة الإرهابيّة.

           أما فيما يتعلق بالعمليات الإرهابيّة التي نفَّذتها تلك الجماعة خلال عام 2018، فقد قامت بتنفيذ (136) عملية إرهابيّة خلال عام 2018، وقد أدَّت تلك العمليات إلى مقتل (1276) شخصًا، وإصابة (686) آخرين، كما قامت باختطاف (417) شخصًا خلال قيامها بتلك العمليات الإرهابيّة، وبهذا تكون جماعة "بوكو حرام" الأكثر دمويّة على مستوى القارة الإفريقيّة حتى عام 2018.

           وقد استطاعت "بوكو حرام" زيادة عدد هجماتها الإرهابيّة في نيجيريا ودول الجوار في عام 2019؛ حيث قامت بالعديد من العمليات بحق المدنيين، وكذلك شنَّت عددًا آخر من العمليات ضد المواقع العسكريّة للدول التي تنشط بها تلك الجماعة، ولهذا فإنها أصبحت من أخطر الجماعات التي يجب التخلص منها بالنسبة للنظام النيجيريّ وللقارة الإفريقيّة بشكل عام، حيث أنه بسبب ما تقوم به هذه الجماعة من قتلٍ وخطفٍ وترويعٍ للآمنين إلى جانب العديد من الهجمات الإرهابيّة التي تخالف فيها كل تعاليم الدّين الإسلاميّ الذي تتخذه ذريعة لتحقيق مآربها على الأرض أصبحت تهدّد الأمن العام على مستوى القارة، فهذه الجماعة لم تكتفِ بتنفيذ عملياتها الإرهابيّة على المستوى المحليّ فقط، بل تجاوزته إلى المستوى الإقليميّ أيضًا.

           وكان من ضمن العمليات الإرهابيّة التي نفَّذتها الجماعة خلال النصف الأول من عام 2019 قتلها لـ (60) شخصًا على الأقل، بعدما عاودت اجتياح بلدة في شمال شرقي نيجيريا. وكانت الجماعة الإرهابيّة قد اجتاحت بلدة "ران" في منتصف يناير الماضي؛ حيث طردت الجنود النيجيريين الذين كانوا يتمركزون بها، في محاولة منها لإظهار قدرتها على انتزاع مواقع من قوات الجيش. ويعتبر هذا الاجتياح أحد أكثر الهجمات الدمويّة التي تنفذها الجماعة المرتبطة بتنظيم "داعش" الإرهابيّ، خلال 10 سنوات. كذلك قامت تلك الجماعة بشنّ سلسلة من الهجمات الانتحاريّة على الأراضي النيجيريّة، والتي أسفرت عن مقتل وإصابة العشرات؛ حيث لقي 30 شخصًا على الأقل حتفهم، فضلًا عن إصابة 40 آخرين بجروح.

           كما قامت بشنّ هجومٍ إرهابيٍّ في نفس الفترة على بلدة "تشاكاماري" التابعة لمدينة "مورا" أقصى شمال الكاميرون، وأحرقت منازل البلدة، ما أسفر عن سقوط 11 قتيلًا حرقًا. وفي هجومٍ آخر يضاف إلى جرائمها السابقة، أقدمت عناصر "بوكو حرام" في 19/4/2019 على قتل 9 أشخاص في هجومين منفصلين شمال شرق نيجيريا، كما تسبّبت في نزوح عددٍ كبيرٍ من المزارعين خارج البلاد.            وقبل ذلك، لقي ما لا يقل عن 25 جنديًّا نيجيريًّا وعدد من المدنيين مصرعهم في كمين نصبه مسلحو "بوكو حرام" بشمال شرق نيجيريا، وذلك وفقًا لما نقلته وكالة رويترز، عن مصادر أمنيّة.

           وفي تقرير نشرته الأمم المتحدة بتاريخ 6/7/2020 عن الأطفال والصراع المسلح في نيجيريا والدول المجاورة؛ كشف عن مقتل 801 طفلًا بينما بترت أطراف 632 آخرين في الفترة ما بين يناير عام 2017 وديسمبر عام 2019، وذكر التقرير أن أكثر من 40% من الأطفال أي 578 طفلًا قد أجبروا على شنّ هجمات انتحاريّة، كما أشار التقرير إلى أن أكثر من 400 طفلًا قد اختطف خلال نفس الفترة.

العلاقات مع أبرز الجماعات الإرهابيّة الأخرى

           هناك ارتباط وثيق لهذه الجماعة بـ"تنظيم القاعدة"، ويظهر ذلك جليًّا من خلال الاستشهادات بأقوال رموز "القاعدة" التي يكثر "أبو بكر شيكاو" من ترديدها، فتراهُ ينقل أقوالًا عن أبي مصعب الزرقاوي، ويصفه بـ"المجاهد". واتضحت مؤخرًا علاقة جماعة "بوكو حرام" بتنظيم القاعدة من خلال بعض المواقف، وهذا ما بيّنه "موسى تنكو" الناطق الرسمي باسم الجماعة – في النشرة الهوساوية بإذاعة "BBC" – بعد مقتل قائدها؛ حيث أكد انضمام حركتهم إلى تنظيم القاعدة. وحسبما نقلته بعض وكالات الأنباء في مواقعها على الإنترنت؛ فإن هذه الجماعة قد استدعاها أمير تنظيم القاعدة في شمال إفريقيا ومنطقة الساحل الإفريقي (أبو مصعب عبد الودود) للانضمام إلى "القاعدة"، وكان من ضمن أطروحته التي صرّح بها لهم أنه "يحلم بتوسيع منطقة نفوذه لتشمل نيجيريا"، ولكن بعض المصادر تؤكد أن الجماعة على علاقة وطيدة مع التنظيم، وقد تمّت الاتفاقيات بينهم وبين "أبي يوسف" طيلة فترة دعوته إلى مبادئ الجماعة.

           وفي ذات السياق، قال المراقبون إن: «(بوكو حرام) نجحت في إقامة شبكة علاقات قوية مع التنظيمات القاعدية بشمال إفريقيا، خصوصًا مع تنظيم (القاعدة في بلاد المغرب) من خلال إرسال الحركة عددًا من مقاتليها للمشاركة في القتال في شمال مالي، إلى جانب تنظيم (القاعدة)، الذي ساعد الحركة في الحصول على التمويل والسلاح والتدريب لعناصرها». وهناك بعض المؤشرات في هذا الصدد توضح أن تنظيم «القاعدة في بلاد المغرب» مدّ الجماعة بكميات من الأسلحة.

            وبعد أفول نجم تنظيم "القاعدة" وصحوة تنظيم "داعش" الإرهابيين جاءت بيعة "شيكاو" لداعش في 12 مارس 2015 خطوةً مشجعةً ومهمةً جدًا بالنسبة إلى البغدادي الذي قبِلها ورحَّب بها؛ أملًا في مزيد من التوسع في إفريقيا وسحب البساط من تحت أقدام تنظيم القاعدة؛ حيث أعلنت الجماعة بيعتها هذه عبر تسجيلٍ صوتيّ نُسب إلى زعيم بوكو حرام، وتمّ تغيير اسم الجماعة بعد ذلك من "جماعة أهل السنة للدعوة والجهاد" إلى "ولاية غرب إفريقيا" أملًا في الحصول على المزيد من الدعم اللوجستيّ والإعلاميّ.

            وقد أصدر مرصد الأزهر لمكافحة التطرّف الكثير من التقارير التي تؤكد يومًا بعد آخر مدى همجيّة تلك الجماعة وإجرامها ومدى تعطشها لسفك دماء الأبرياء، واستعدادها لاستهداف كل من يعارض توجهاتها وأفكارها، تلك الجماعة التي ترفع شعار الإسلام - زورًا وبهتانًا - للتحريم والتكفير والتفجير، فقد بدأت بتحريم التعليم الغربيّ بصفة عامة. ولقد أباحت هذه الفئة لنفسها ارتكاب أفظع الجرائم المُستنكَرة دينًا وعرفًا وقانونًا على مستوى العالم، تحت ذريعة تطبيق الشّريعة.

            ومن أهم التقارير التي صدرت عن المرصد خلال الآونة الأخيرة والتي يحاول من خلالها كشف جرائم "بوكو حرام" ضد الإنسانيّة جمعاء، "لاجئو نيجيريا بين إرهاب بوكو حرام وجائحة كورونا"، والذي تناول تفاقم مشكلة اللاّجئين داخل نيجيريا، هذه الأراضي التي تنتشر فيها الأعمال الإرهابيّة بشكلٍ كبير، نتيجة ما تقوم به تلك الجماعة المتطرفة. كما ذكر التقرير أنه على الرغم من انشغال الحكومة النيجيريّة بجائحة كورونا، إلا أن "بوكو حرام" تستغل هذا الوباء ضد النيجيريين وتزيد من عملياتها الإرهابيّة بشكل أكبر، حتى تستطيع السيطرة على مساحات أوسع من الأراضي، وتتمكّن من توجيه ضربات مُوجعة للحكومة النيجيريّة دون النظر إلى حرمة دماء المدنيين الآمنين، الأمر الذي أدَّى إلى نزوح عدد كبير من الشعب النيجيريّ إلى مناطق أكثر أمانًا، حتى وإن اضطرّوا إلى الفرار خارج أوطانهم بشكلٍ كامل.

            كذلك من التقارير المهمة التي أصدرها المرصد فيما يتعلق بجماعة "بوكو حرام"، التقرير الذي حمل عنوان (بوكو حرام والحرب على التعليم)، وقد بيّن من خلاله أن تلك الجماعة المتطرفة تحارب التعليم، وتسعى جاهدة لإغراق العالم في ظلمات الجهل وضلالة الأفكار الشاذة، وحرمان الأجيال القادمة من حقَّهم في الحصول على قسط من التعليم. كما ذكر التقرير أن قضية الحرب على التعليم من قبل جماعات العنف والتطرّف، قد حازت على اهتمام مرصد الأزهر لمكافحة التطرّف منذ إنشائه وحتى الآن، لا سيّما ما تقوم به جماعة "بوكو حرام" الإرهابيّة التي اتّخذت من الحرب على التعليم ركيزةً أساسية في عقيدتها الفاسدة، وركنًا ركينًا لتصرفاتها غير المسئولة، بداية من تسميتها التي تعني "التعليم الغربيّ حرام"، مرورًا بجرائم كثيرة في تاريخها الأسود، استهدفت من خلالها ضرب العملية التعليميّة في مقتل، ولعل الحدث الأبرز في التاريخ الدمويّ لهذه الجماعة - جريمةُ اختطاف قرابة (300) فتاة من إحدى المدارس بمدينة "تشيبوك"، وقع ذلك في محراب العلم بزعم تحريم التعليم على الفتيات حتى اتضح الغرض الخبيث بعد ذلك من استغلالهم لأولئك الفتيات.

            ومن المؤكد أن جرائم "بوكو حرام" المتتاليّة، وما يعانيه الشعب النيجيريّ في ظل أزمة كورونا، يزيد على قوات الأمن عبئًا إضافيًا في معركتها ضد جماعة "بوكو حرام" الإرهابيّة. وبالفعل هذا ما تريده تلك الجماعات الإرهابيّة وتستغله بشكل واسع؛ حيث رفضت جميع فصائل «بوكو حرام» في وقتٍ سابق فكرة الموافقة على هدنة مع الحكومة النيجيريّة حتى في وسط المعاناة من جائحة كورونا.

ولهذا فإن مرصد الأزهر لمكافحة التطرّف أن كافة الأديان والشرائع بريئة تمامًا من كل ما يُنسب لها أو يُرتكب باسمها من خلال فئة تنتسب زورا إليها، فلو أن هؤلاء الإرهابيين التزموا مبادئ دينهم وتعاليمه الحقيقية لفكَّروا كثيرًا قبل الإقدام على ارتكاب فعل واحد من أفعالهم الإجراميّة التي خلّفت وراءها آلاف الضحايا والثكالى والمشرّدين، وجعلت من نيجيريا بلدًا غارقًا في مواجهات داميّة وفوضى عارمة يصعب معها تحقيق أي تنمية.

كما يرى المرصد أن الحل الأمثل لإنهاء كل ذلك هو تجاوز مربع الصراعات العرقيّة والقبليّة المسلحة، والقضاء على الإرهاب والتطرّف بشتى صوره ومذاهبه، والانتقال إلى مربع التنمية والتقدم ولغة الحوار والتسامح والتّعايش السلميّ، والتخلص من جُرثومة الانقسامات العرقيّة والدينيّة والقبليّة التي استغلتها قوى الإرهابِ التي تستخدم ستار الدّين من أجل تأجيج الصراع في إفريقيا لتحقيق مآربِها السياسيّةِ المقنعة.

وحدة الرصد باللغات الإفريقية

 
طباعة