الرد على قولهم: الحديث سبب المذهبية العشوائية

الجزء الثاني

  • | الخميس, 21 أبريل, 2016
الرد على قولهم: الحديث سبب المذهبية العشوائية

بسم الله الرحمن الرحيم

،بناء على ما ورد في جريدة المقال بتاريخ 5/10/2015 تحت عنوان "فتنة علم الحديث قادتنا إلى المذهبية العشوائية" نورد الرد في الحلقات الآتية

" الحلقة الثانية"

المحور الثاني: تعرض فيه الكاتب للطعن في كتاب يُعدُّ من أعظم كتب التاريخ الإسلامي، وامتد به النزق الفكري حتى طعن في مؤلفه شيخ الإسلام الإمام الطبري المتوفى سنة (310 هـ)، وبنى على طعنه هذا الطعنَ فيمن أخذ عن هذا الإمام كابن الأثير، بل واختلق في خياله خصومة فكرية بين ابن خلدون وابن كثير، متوهمًا أن بينهما اختلافا في التوجهات الفكرية والعقدية، وسأبين مواطن الخلل المنهجي والفكري فيما زعمه الكاتب في النقاط التالية:

أولا: تهجم الكاتب على الإمام الطبري، ونقد صنيعه في ذكره أحاديث وأخبارًا ضعيفة ومكذوبة أحيانًا، بل وإكثاره في النقل عن الرواة الضعفاء مع إخلاء الإمام الطبري مسؤوليته عن هذه الأخبار وإلقاء مسؤوليتها على من رواها عنه من الرواة، وادعى أن الإمام الطبري بذلك قد "أراح نفسه"، وأن من نقل عن الطبري فعلوا ذلك –أيضا-، و"أراحوا أنفسهم "،وألقوا المسؤولية على الطبري.

وحقيقة أقول إن من "أراح" نفسه في واقع الأمر هو كاتب المقال، فلم يكلف نفسه عناء التعرف على أصول النقد الحديثي، ومناهج العلماء في ذلك، وإنما جعل من عقله القاعدةَ والمنهجَ، فحكم على أهل العلم وكتبهم في ضوء ذلك، ولو أننا فعلنا هذا في كل العلوم كالطب والهندسة لفسدت العلوم، وانهارت الحضارات؛ إذ لابد لكل علم من مختصين يتولون العناية به وإثراءه بالبحث والمناقشة.

والمنهج الذي سلكه الإمام الطبري في إيراد الوقائع التاريخية قائم على إيرادها بأسانيدها مع الاهتمام الشديد بنقل وجهات النظر المتباينة حول الأحداث، وذلك بغض النظر عن صحتها أو ضعفها، وبغض النظر عن انسجامها مع فكر الطبري أصلا، وما حال الإمام الطبري في صنيعه هذا إلا كحال رجل البحث والتحري الذي يجتهد في جمع أدلة القضية دون إهمال أي دليل مهما كان ضعفه أو تناقضه، وإنما يجمع ويوثق؛ كي يضعها أمام القارئ مسندة؛ كي يقارن بينها؛ ليصل إلى الحق والصواب.

كما أنه لم يكن يعلق على الحوادث بتصويب أو تفنيد، وإنما كان يترك هذا لمن يأتي من بعده؛ حتى يرجح في طمأنينة وحرية، فأين المذهبية إذن؟!!

وهل جمع الروايات المختلفة في الوقائع المتباينة بأسانيدها فيه استرواح!! فأين العناء إذن؟!!

وَذِكْرُ الوقائع بأسانيدها له أهمية عظيمة؛ إذ إن القاعدة العلمية في مثل هذا هي "من أسندك فقد أحالك"، أي أحالك إلى البحث في الإسناد؛ لمعرفة حاله، والعلماء لم يتركوا القارئ في حيرة، وإنما صنفوا كتبا خاصة بحال الرواة، حتى يستطيع أن يعرف الثقة من الضعيف من الكذاب، ولولا هذا ما استطاع أن يعلم من نقل عنه الكاتب أن في الكتاب رواةً ضعفاءَ.

وما أورده الكاتب من ألفاظ في الجرح والتعديل تتعلق بصفات الرواة فيها حجة عليه لا له؛ إذ تبين بجلاء مفارقة الأئمة العصبية المذهبية بكل صورها؛ فقد عَدَّلُوا مخالفيهم بضوابطَ علميةٍ وعقليةٍ لا يجحدها أحد ممن درسها، والعبرة بالدراسة لا بالنظرة السطحية للأمور.

ثانيا: أما ترك ابن خلدون لكتاب ابن كثير على الرغم من كونه أقرب إليه من جهة التاريخ، واعتماده على كتاب ابن جرير الطبري فليس فيه -كما زعم الكاتب- أدنى علاقة بخلاف منهجي أو عقدي أو فكري أو مذهبي، وإنما غاية الأمر هو تطبيق أصول منهج البحث والكتابة العلمية -والتي يظهر لنا جليا عدم معرفة الكاتب بها-؛ ذلك أن الإمام ابن كثير اعتمد في توثيق الأحداث التاريخية، وبخاصة أحداث الفتنة على مصادرَ من أهمها كتاب الإمام ابن جرير الطبري، وأدنى نظرة في كتاب ابن كثير تُبَيِّنُ هذا، فكان ترك ابن خلدون لكتاب ابن كثير والنقل من كتاب الإمام ابن جرير هو الحرص على النقل من المصدر الأصل مباشرة دون اللجوء إلى مصادر وسيطة، فهل يعاب على العلماء تطبيق قواعد الكتابة العلمية والتي كان لهم فيها قصب السبق أم يعاب على من جَهِلَهَا وَظَنَّهَا خِلَافًا؟!!

طباعة
الأبواب: صحف صفراء
كلمات دالة: