التمييز على أساس اللون وتهديد القيم الإنسانيّة

  • | الإثنين, 28 سبتمبر, 2020
التمييز على أساس اللون وتهديد القيم الإنسانيّة


        مع اقتراب انتهاء العقد الثاني من القرن الحادي والعشرين، ما زال العديد من الساسة والناشطين الحقوقيين يتشدّقون بدعوات الانفتاح وحرية التعبير باسم الديمقراطيّة، بينما تطالعنا الصحف العالميّة بين الفينة والأخرى بأحداث يندى لها الجبين، تعكس كدر العيش الذي يتكبّده البعض بسبب لون البشرة في تمييز عنصريّ واضح. ومؤخرًا ظهر هذا جليًّا في الولايات المتّحدة الأمريكيّة بعد عدد من الحوادث التي أثارت غضب الرّأي العامّ بها.
        وفي هذا الصّدد، يجري مكتب التحقيقات الفيدراليّ أكثر من (300) تحقيقًا حول أعمال الشغب والاحتجاجات التي اندلعت مؤخرًا بسبب التّمييز العنصريّ الممارس ضد الأمريكيين من الأصول الإفريقيّة منذ شهر مايو المنصرم؛ حيث اعتقل على خلفية هذه التحقيقات ما يقرب من (100) شخص من مدينة "بورتلاند" بولاية "أوريجون" ــ منبع الاحتجاجات التي أثيرت جراء مقتل المواطن الأمريكيّ ذي الأصول الإفريقيّة "جورج فلويد" على يد أحد أفراد الشرطة الأمريكيّة في 25 مايو 2020 بمدينة "منيابولس" بولاية "مينيسوتا" الأمريكيّة. 
        وقد صرّحت إرين نيلي كوكس، المدعي العام للمقاطعة الشماليّة لولاية "تكساس" بالولايات المتحدة بأنه تم البدء في إجراء التحقيقات بعد 28 مايو الماضي، أي بعد ثلاثة أيام من الواقعة. 
        هذا المشهد العنصريّ الذي شاهده العالم في واقعة "جورج فلويد" تكرّر بعد 3 أشهر مع "ديجون كيزي" البالغ 29 عامًا على يد أفراد من شرطة مقاطعة "لوس أنجلوس"، أثناء محاولة توقيفه جرّاء ما قيل إنه انتهاك للقواعد السلوكيّة لقيادة الدراجات النارية. وتسبب هذا المشهد المتكرّر في تجدّد الاحتجاجات ضد الانتهاكات التي ترتكب ضد الأمريكيين من الأصول الإفريقيّة، حيث تعالت هتافات أسر الضحايا وذويهم مردّدين: "إنكم لا تبيدون عرقًا، إنكم تقتلوننا كأمريكيين؛ وهو أمر لا يُصدق".
        وهنا يمكننا القول: إن العالم الحديث لم يتمكن من التخلص من نزعة التّمييز العنصريّ رغم دعوات التحضر القائمة والمزعومة في كثير من الأحيان؛ إذ إن التحضّر فعل وسلوك راقٍ وليس مجرد كلمات مُنمّقة. فما يشهده العالم من حالات تمييز متكرّرة على أساس اللون أو العرق أو الدين... إلخ، يعكس زيّف الشعارات التي يتم المناداة بها من قِبل البعض باسم المساواة والحرية واحترام الآخر.
        هذه الممارسات العنصريّة دفعت البعض إلى تأسيس حركة ناشطة باسم “Black Lives Matter”؛ بهدف إعلاء قيم التسامح والعيش المشترك دون تمييز عنصريّ على أساس اللون مؤكدين في شعاراتهم أن الجميع بلا استثناء من حقهم التنعّم بحياة كريمة في مجتمعٍ سويّ، يحفظ لهم حقوقهم الإنسانيّة، مندّدين في الوقت ذاته بالعنف الممارس ضد الأمريكيين من الأصول الإفريقيّة من قبل بعض ضباط الشرطة خاصة منذ عام 2012 الذي شهد إطلاق الرصاص على "ترايفون مارتين"، وصولًا إلى الأحداث الراهنة التي شهدها عام 2020 والتي أشرنا إليها في مستهل الحديث. 
        وأمام هذه الممارسات العنصريّة لا يسعنا سوى التذكير بسماحة الإسلام وتعاليمه الواضحة في المساواة بين بني البشر. فإذا ما استحضرنا مواقفه الإنسانيّة منذ ما يزيد على (1400) عامًا، وجدنا أن الإسلام جعل التفاوت بين البشر قائمًا على الأخلاق الطيبة والعمل الصالح، فالطبيعة البشريّة واحدة لا تفاوت بينها بسبب لون أو عرق... إلخ، فرسول الله صلى الله عليه وسلم أكد على هذه المعاني الإنسانيّة في أكثر من حديث نشير إلى أحدها: (ليس منا من دعا إلى عصبية، وليس منا من قاتل على عصبية، وليس منا من مات على عصبية) أخرجه أبو داود.
        وإذا ما تأملنا تقديم النبي صلى الله عليه وسلم لسيدنا بلال الحبشي للأذان وتفضيله على غيره لنداوة صوته، ظهر لنا جليًّا الحد الفاصل بين العلم والجهل، فالتّمييز العنصريّ والتفرقة بين الناس بناء على اللون أو العرق أو الدين - كفيل بتردي الحضارة الإنسانيّة إلى الهاوية والعودة إلى البدائيّة؛ حيث لا أخلاق تنفع ولا ضوابط تردع. لذا يرى مرصد الأزهر لمكافحة التطرف أن الإنسانيّة الآن في أمسّ الحاجة لعودة الضوابط الرادعة للانتهاكات كافة؛ حفاظًا على القيم الإنسانيّة وما تم إنجازه على مدار أعوام في مجال مكافحة العنصريّة.

وحدة الرصد باللغة الإنجليزية


 

طباعة