التمكين الاجتماعي الزائف للمرأة لدى تنظيم داعش الإرهابي

  • | الأربعاء, 14 أكتوبر, 2020
التمكين الاجتماعي الزائف للمرأة لدى تنظيم داعش الإرهابي
 
تُعدُّ قضية التمكين الاجتماعي للمرأة من القضايا المجتمعية التي يهتم بها الكثير من الباحثين، لما لها من أهمية في الوجود الذاتي لكيان المرأة، ولمَّا كانت المرأة في المنظور الإسلامي هي نصف المجتمع، وتلد نصفه الآخر، من هنا حرص الإسلام الحنيف على الاهتمام  بالمحاور المختلفة التي تسهم في تمكين المرأة من الناحية الاجتماعية، حين كفل لها جملة من الحقوق تتمثل في حق التعليم، والصحة، وتقلُّد الوظائف التي تتفق مع طبيعتها الخِلقية، وبنيانها الجسدي، وغير ذلك من الحقوق التي لا تخفى على أحد، وفي الجملة يمكن التعبير عن مفهوم "تمكين المرأة" بأنه: عملية شخصية واجتماعية تستطيع المرأة من خلالها اكتساب القوة والسيطرة على حياتها واختياراتها.  
 
وقد اعتدنا من التنظيمات الإرهابية على استغلال الشرائح الاجتماعية كافة وقضاياهم المختلفة لخدمة مصالحهم، ومن ثم فقد رأينا أن نوجه النظر، ونعمل الفكر في قضية التمكين الاجتماعي للمرأة لدى الجماعات المتطرفة، باعتباره ملمحًا آخر في سلسلة القواعد الاجتماعية للتطرف، وذلك نظرًا لما وجدناه من وهم زائف نحو الاهتمام البالغ بقضايا التمكين الاجتماعي في إصداراتهم المتطرفة، في محاولة بائسة لاستقطاب النساء والقضاء على حياتهم المستقرة، متسائلين ما ماهية التمكين الاجتماعي وأنواعه؟ وكيف يتم استغلال قضايا التمكين الاجتماعي في الترويج لأهداف التنظيم الدامي ومحاولاته نحو استقطاب النساء؟ وما نظرة تنظيم داعش الإرهابي إلى التمكين الاجتماعي للمرأة؟ وكيف يبثُّ التنظيم الدامي وهمَ التمكين الاجتماعي على أرض الواقع؟ 
وبنظرة فاحصة في إصدارات التنظيمات المتطرفة نجد كثيرًا من المقالات والتقارير التي تهتم بالبعد الاجتماعي للمرأة، وهي في الحقيقة سبيلٌ زائف، غرضه الاستقطاب لا أكثر ولا أقل، ولا يمتُّ إلى تمكين المرأة عندهم من قريب أو بعيد، غاية الأمر أن ما يقدمونه من كلام معسول وألفاظ برَّاقة ما هو إلا بمثابة شباك صيادٍ ماكرٍ يتربصُّ بفريسة ضعيفة، وهو ما نستطيع تفسيره عند قضية استقطاب النساء في ضوء المحاور والمؤشرات المختلفة للتمكين الاجتماعي للمرأة، وأهمها ما يلي:
 
أولًا: المرأة والتعليم:
يُعتبر التعليم في حياة المرأة من أهم المحاور والمؤشرات التي يرتكز عليها التمكين الاجتماعي في المجتمع، وقد نجح تنظيم داعش الإرهابي -بادئ الأمر- في استقطاب بعض العناصر الحاصلة على الدرجات العلمية العليا، رغم ما يعانونه من أمية دينية، جعلتهم يفسرون النصوص الدينية بطريقة خاطئة، ومع هذا قد يتوهم العامة احتواء هذا التنظيم الإرهابي على منهجية علمية سديدة، وهو ما يحاولون ترويجه في صورة مهينة باستغلال جهلاء التنظيم من حفظة الأفكار السوداء دون أدنى إدراكٍ لفهمها، ومن ثم تتوهم المرأة عند الرغبة في  الانضمام إلى تنظيم داعش الإرهابي، وتحديدًا في مرحلة الاستقطاب أن لدى التنظيم اهتمامًا بالتعليم كما يدَّعون ذلك عبر منصاتهم الإلكترونية، ومن خلال إصداراتهم المختلفة.
 وعند إحكام القبضة على الفريسة الجاهلة تتجرع تلك الفريسة مرارة تحقيق رغبتها في الالتحاق بهذا التنظيم الإرهابي؛ فتجد الاختلاف الشاسع بين أقوال أولئك المجرمين وأفعالهم؛ وذلك كما حدث مع المرأة التي التحقت بالتنظيم الدامي، وأجرى معها الإعلامي نشأت الديهي حوارًا متلفزًا في برنامج "الورقة والقلم" بتاريخ 13/1/ 2020، وكانت قبل التحاقها بالتنظيم مهتمة بالجانب التعليمي، وتأمل في تحقيق حلمها والوصول إلى جماعة تحمل رؤية منهجية منظمة للازدهار بالجانب التعليمي بين أبنائها، وقد اكتشفت أنه لا وجود لهذا الحلم إلا في عقلها، فقد وجدت نفسها في قبضة أناس لا يحملون رؤية ماضية أو مستقبلية، ليس للجانب التعليمي فقط؛ ولكن في مختلف المجالات؛ وذلك لوجود عائق بسيط جدًّا وهو عدم وجود التعليم ذاته أو الحد الأدنى من الشق التعليمي بين صفوف هذا التنظيم، حتى وصل بها الأمر إلى رفض المنصب الذي عُرض عليها إبان التحاقها بهذا التنظيم من أنها تصبح المسئولة عن التعليم في منطقة جغرافية محددة.
 ثانيًا: المرأة والصحة: 
وفي شقٍّ آخر لمحور مهم من محاور التمكين الاجتماعي للمرأة نجد الاهتمام بصحة المرأة، وهو ما تميل إليه النساء بحكم الطبع، وفي ثنايا الإصدارات المكتوبة يركز تنظيم داعش  الإرهابي على هذا الجانب، حتى تتوهم القارئة للوهلة الأولى مدى حرص ذلك التنظيم الإرهابي على الاهتمام بأمورها وصحتها، في حين يظهر لها -بعد فوات الأوان- أن الاهتمام بالصحة لم يكن إلا مجر ستار يختفي وراءه جناحٌ نسائيٌ مدرَّب، يهدف إلى التجارة بها تحت شعارات زائفة يتبرأ منها الإسلام جملة وتفصيلًا، فهذه طفلة تبلغ من العمر ثلاثة عشر عامًا تحكى مأساتها عند اختطافها على يد تنظيم داعش قائلة: «زوجوني 5 مرات من أعضاء التنظيم، وأنا عمرى عشر سنوات، ولا أعرف شيئًا عن الزواج، وقد حملت من أحدهم ولكنى أُجْهضت لأني كنت صغيرة»،  فكيف لهذا التنظيم أن يتاجر بأجساد الأطفال تحت دعوى الزواج؟ وهل من الإسلام أن تتزوج طفلةٌ خمس مرات وهي في عمر العاشرة؟ ألا لعنة الله على من يتاجرون بدين الله، ويشوهون صورته السمحة البيضاء النقية!
ثالثًا: العنف ضد المرأة:
 لا يخفى أن تعاليم الإسلام الحنيف تشير بكلياتها وجزئياتها إلى احترام المرأة ورعايتها، وتنهى عن العنف ضدها بأي شكل من الأشكال، ولمَّا كان تنظيم داعش الإرهابي لا يكترث بالتعاليم الدينية الصحيحة، بل يخدم الأهواء الشخصية، من خلال ترجمة زائفة للنصوص الإسلامية لتحقيق المصالح، من هنا نجد العديد من جرائمهم التي ارتكبوها ضد المرأة في شكل عمليات إعدام جماعية، وإجبارهم على تغيير ديانتهم، إضافة إلى العنف الجنسي للنساء تحت مزاعم دينية؛ وذلك كما حدث ضد الأقلية الأيزيدية في أغسطس 2014، كما أفادت ذلك منظمة الأمم المتحدة، واسترقاق الكثير من النساء والأطفال، وتسبب العنف في تشريد أكثر من 350 ألف في مخيمات النزوح شمالي العراق، كما عمد هذا التنظيم الإجرامي إلى حرق منازل ومدارس الأيزيديين ودور عبادتهم، وتم الاتجار جنسيًّا بفتيات في عمر الثامنة والتاسعة.
ومن هنا يؤكد مرصد الأزهر على أهمية التثقيف الديني الصحيح، وضرورة الاحتواء داخل الأسرة، مما يدعم النسيج الاجتماعي الواحد داخل الكيان الأسري؛ حتى يتمكن أفرادها من حماية أبنائهم في المراحل العمرية المختلفة.
كما ينبغي توخى الحذر عند قراءة أبنائنا للكتب والمجلات والمقالات على الشبكات العنكبوتية، وتحذيرهم من الانسياق وراء كل ناعق؛ حتى لا تُختطف عقولهم من حيث لا ندري، وتحدث الكارثة، وقت لا ينفع الندم!
 
وحدة رصد اللغة العربية
طباعة