سمات الحياة الاجتماعيَّة لدى التنظيمات الإرهابية

تنظيم داعش الإرهابي أنموذجًا

  • | الأحد, 22 نوفمبر, 2020
سمات الحياة الاجتماعيَّة لدى التنظيمات الإرهابية


     تُعد الحياة الاجتماعيَّة أحد الجوانب المهمة في حياة الأفراد داخل المجتمع، لما لها من السمات التي تميزها عن الجوانب الأخرى في حياة الإنسان الطبيعيَّة، وعند المقارنة بين الحياة الاجتماعيَّة لدى الأفراد داخل المجتمع، وبين الحياة الاجتماعيَّة لدى التنظيمات الإرهابيّة، فإننا نجد اختلافًا كبيرًا بين الحياة الاجتماعيَّة في البيئة الآمنة المستقرة، وبين الحياة الاجتماعيَّة لدى البيئة المحيطة بتلك التنظيمات.
                 ومن خلال هذا المقال نبرز أهم السمات المختلفة للحياة الاجتماعيَّة داخل تنظيم "داعش" الإرهابي، ويأتي في مقدمتها: تنوُّع الروابط الاجتماعيَّة، باعتبارها مصدر قوة في استقطاب جهلاء جدد، حتى نجد التَّباهي الملحوظ عبر المنصات الإلكترونيَّة للتنظيم، مستندًا في ذلك إلى انضمام رجالٍ ونساءٍ من شرائح وطبقات اجتماعيَّة متنوعة، بالدول النَّامية أو المتقدمة ذات الاختلافات المتعلقة باللَّون، أو العِرْق، أو الأيديولوجية، الأمر الذي أدَّى إلى ازدياد خطورة ذلك التنظيم عند بداياته، وخاصَّة عند سيطرته على العديد من المحافظات الكبيرة في العراق وسوريا، ومن ثمَّ  انخداع الكثير من الفئات المختلفة في كثير من بقاع العالم والانضمام إليه، فإن لم يكن الانضمام الفعليّ والسفر إلى تلك البيئة، كان الانضمام الأيديولوجي، والدعم المادي لذلك التنظيم الدامي عبر الشبكات العنكبوتية.  
                جدير بالذكر أن تنظيم "داعش" الإرهابي يَدَّعي قوة أواصره والتَّماسك بين أعضائه، ويحاول جاهدًا إذابة أيَّة فوارق اجتماعيَّة أو لغويَّة أو عرقيَّة، فنجد أن هناك ألقابًا خاصَّة يطلقونها على بعضهم البعض، ولمن يحاولون استقطابهم مثل "أخ التوحيد" و"أخ الإسلام" في إشارة منهم إلى ما يشعر به أعضاء التنظيم الإرهابي من تمييزٍ عنصري في ذلك الوسط الإرهابي؛ لأنهم يعتقدون زيفًا كُفرَ جميع أبناء المجتمع من غير المنضمين إليهم، والمقتنعين بفكرهم، وبمجرد صدور أول مخالفة من أحد المنضمين إلى صفوفهم يكون الموت مصيره المحتوم، فيُهدر دمه، وتُزهق روحه، فور ارتكاب ما يتعارض مع أجندتهم الإرهابية، ويتم هذا العقاب على مسمع ومرأى من جميع أفراد التنظيم؛ حتي يُصبح عبرة لغيره، وحينها تظهر سمة أخرى من سمات حياتهم البائسة تشير إلى الضغط الاجتماعيّ، الذي ينبع من علاقات الشخص مع الآخرين، ومن البيئة الاجتماعيَّة بشكلٍ عامٍّ.
                ولمَّا كان الوسط الإرهابي متنوعًا، ويحتوي على لغات وجنسيات متعدّدة، كان لا بد من استغلال الإرهابيين لسمة أخري للحياة الاجتماعيَّة لدى تنظيم "داعش" الإرهابي، هذه السّمة تتعلَّق بـ وهم الاندماج الاجتماعيّ، باعتباره العملية التي يتمُّ من خلالها دمج القادمين الجدد أو الأقليات في الهيكل الاجتماعيّ للمجتمع المضيف، فيتم إيهامهم بسرعة اندماجهم بين أقرانهم في الوسط الدامي؛ وذلك عن طريق رفع شعار إزالة الحدود بين الدول.
                ومن سمات الحياة الاجتماعيَّة عند تنظيم داعش الإرهابي أيضًا، الخوف الاجتماعيّ، وهو خوف ناتجٌ عن التَّفاعل أو التَّحدث مع الغرباء نتيجة الوحشيَّة التي يتعامل بها هؤلاء المجرمون؛ الأمر الذي ترك أثرًا سيئًا في أذهان الهاربين والهاربات من قبضة التنظيم الإرهابي. وهو ما نطالعه لدى البحث في القضايا العراقيّة التي تختصُّ بحياة الأسرى لدى تنظيم داعش الإرهابي، ومنها قضية الفتاة الأيزيدية "أشواق حاج حميد" عند مواجهة مغتصبها الملقب بــ "أبي همام الحياني"  فذلك خير دليلٍ على مدى الخوف الذي اعتراها عند تواجدها في ذلك الوسط منذ أسْرِها وحتى تمكَّنت من الفرار من قبضتهم الإجراميَّة، فتحكي عن حياتها ومعاناتها عند مواجهته قائلة له: "كان عمري 14 سنة عندما اختطفتني، كنتَ تضربني وتغتصبني كل يوم، وأنا أقول لك أنا مثل أختك"، وتضيف باكية: "التعامل معنا بطريقة ما هي مليحة، هم ليسوا بشرًا" (هذه الشهادات من خلال "حصري من الحدث | الشابة الأيزيدية أشواق وجهاً لوجه مع مغتصبها الداعشي" المنشور خلال ديسمبر 2019). 
                ونصل إلى سمة أخرى من سمات الحياة الاجتماعيَّة عند التنظيم الإرهابي هى: الاستبعاد الاجتماعيّ، وهي سمة غلبت على أعضاء داعش الإرهابي، دون القيادات داخل التنظيم، فالقول "للأمراء" – على حد ادعائهم- وهو ما اتضح جليًا عند اعتراف أحد المقبوض عليهم من قِبَل الجهات الأمنيَّة عندما وجَّهوا إليه سؤالًا عن كيفية اختيار ضحيته "سبيته" من وسط النساء المختطفات فأجاب قائلًا: "يتم توزيع الغنائم والسبايا من الأمراء الكبار الذين يختصُّون بهذه المسألة، ما بندخل إحنا ولا نختار".    
                كما يعدّ الانتحار سمة في الوسط الإرهابي بين الرجال والنساء؛ بل وحتى الأطفال، كما يتضح ذلك في صورة العمليات الانتحارية، وهي ما يطلقون عليها في أجندتهم الإرهابية: العمليات الجهاديَّة. ومن الجدير بالذكر وجود الكثير من العمليات الانتحارية وعمليات القتل والاختطاف التي تتصدر عناوين إصداراتهم المختلفة، فنجد إظهار التَّفاخر بكثرة أعداد القتلى والجرحى من الأبرياء، وطبقًا لإحصائيات التطرّف الصادرة من مرصد الأزهر في شهرٍ واحدٍ فقط "سبتمبر 2020"، هناك 4 عمليات انتحارية في العراق، و4 عمليات أخرى في سوريا، ما أدَّى إلى مقتل ما يقرب من 50 ضحية وإصابة 60 شخصًا، ومع ذلك لم نجد النَّدم يسيطر عليهم جرَّاء ما اقترفت أيديهم من حصاد لأرواح الأبرياء.
                ومن هنا يأتي الفخر الاجتماعيّ وهو سمة للحياة الاجتماعيَّة عند التنظيم الإرهابي، والذي يظهر من خلال الانتصارات الزائفة لدى "داعش" فور انعقاد الجلسة القائمة بين أعضاء التنظيم لتوزيع النساء على الرجال عند اختطافهن بقول أحدهم: "اليوم يوم التوزيع"، ونجد ملمحًا آخر من ملامح التَّفاخر بقول أحدهم: "من يبيع سبيته أنا اشتريها"، وينتقلون إلى مرحلة أخرى من مراحل التَّفاخر من خلال المباهاة بكثرة أعداد النساء المختطفات، لتقام مزادات علنيَّة تُباع فيها النساء، بأسعار تُحدَّد طبقًا للمواصفات المحببة لأعضاء التنظيم الإرهابي. 
                وختامًا نجد أن الرفض الاجتماعيّ سمة أخرى تعتري الحياة الاجتماعيَّة لتلك الجماعة الدَّامية، ويظهر ذلك عند كثرة الملاحقات الأمنيَّة لذلك التنظيم، ووصمات العار الاجتماعيَّة التي تلحق بمن انضم إلى ذلك التنظيم، ومن ثم يلوذ بالفرار متى نجا من الملاحقات الأمنيَّة؛ ليعيش في عزلة، رافضًا أي تواصل اجتماعيّ، من شأنه أن يربط بينه وبين النَّاس.
ويؤكد مرصد الأزهر على أن استغلال تنظيم داعش الإرهابي لشعور الفرد بفقدان هويته داخل الأسرة، وتقوية الشعور النفسي بالاغتراب داخل وطنه ومجتمعه، هو الأمر الذي يجعل من هؤلاء الأفراد لقمةً سائغة للجماعات الإرهابية، وفرائس سهلة لتحقيق الأهداف الدامية للتنظيمات الإجرامية، ومن ثمَّ يؤكد مرصد الأزهر على أهمية احتواء الأسرة لأبنائها، والمجتمع لأفراده، وذلك ببناء هوية ثقافية ودينية صحيحة تكون بمثابة السد المنيع والحصن الحصين لهؤلاء الشباب، تحفظهم وتحميهم من الوقوع في براثن التطرف باسم الدين، وهو منهم براء.


وحدة رصد اللغة العربية
 

طباعة