الدواعش قَتلةٌ ضد الفطرة وليسوا مجاهدين

  • | الأربعاء, 17 فبراير, 2021
الدواعش قَتلةٌ ضد الفطرة وليسوا مجاهدين

  في يوم الخميس الموافق 21 من يناير المنصرم، شهدت العاصمة العراقية بغداد حادثًا إرهابيًّا أقل ما يقال عنه: إنه رزيّة، فقد فجّر انتحاريان نفسيهما في سوق شعبي لبيع الملابس والأدوات المستخدمة، والذي راح ضحيته نحو (30) قتيلًا وأكثر من (100) جريح، وقد أعلن تنظيم "داعش" الإرهابي مسؤوليته عن الحادث. ومما استوقفنا في قراءتنا لهذا الحادث ما جاء على لسان وزارة الداخلية العراقية ـ بحسب ما نقلته شبكة BBC- أنّ الانتحاري الأول هرَع إلى السوق، وادَّعى أنّه يشعر بالغثيان؛ حتى يتجمع الناس حوله، ثم فجَّر نفسه.

وهذا الأمر ليس بالغريب على هذا التنظيم الإرهابي الذي لا يملك رحمةً ولا إنسانية، بل كلُّ أفعاله وتصرفاته تؤكد بما لا يدع مجالًا للشك أن التنظيم الإرهابي لا يصدر عنه إلا كل ما يتنافى مع  الدِّين، فكم سمعنا عن حوادث لا تخرج في مجملها عن كونها ضد الفطرة التي خلقها الله فينا؛ فضلًا عن كونها ضد الدِّين ومبادئ الرحمة فيه.

ولنا أن نتساءل: هل من الفطرة - فضلًا عن الدين الذي يحيي في نفوسنا هذه الفطرة- أن نغدر ونقتل من يمدَّ لنا يدَ العون وهو فقير مسكين؟!

لعلهم يجيبون على ذلك بأن هؤلاء خالفوا مذهبنا، والسؤال ـ إن سلمنا جدلًا بأن لهم مذهبًا يُحترم ويُعتبر-  هل التعامل مع المخالف يكون بقتله؟!

ولنتأمل معًا كيف كان صنيع النبي - صلى الله عليه وسلـم- مع المخالفين حيث أمره الله - عزَّ وجلَّ- أن يتعامل مع من يخالفه وفق القاعدة العامة التي قرَّرها قوله  تعالى: {خُذِ الْعَفْوَ وَأْمُرْ بِالْعُرْفِ وَأَعْرِضْ عَنِ الْجَاهِلِين}[الأعراف:199].

فكان تعامله لا يخرج عن هذه المبادئ الثلاثة، التي هي تأكيد على الفطرة التي  فطر الله الناس عليها؛ لذا قال عكرمة: لمَّا نزلت هذه الآية، قال عليه الصّلاة والسّلام: «يا جبريل، ما هذا؟ قال جبريل: إنّ ربّك يقول: "هو أن تصل من قطعك، وتعطي من حرمك، وتعفو عمن ظلمك"،. فهل مَنْ قتلهم هؤلاء المجرمون ظلموهم في شيء، أو حرموهم من شيء؟!

ولو كان أعضاء التنظيم الإرهابي يعتقدون أن ضحايا هذه الأحداث الإرهابية أعداء، بناءً على كفر مَن لم يقتنع بأفكار التنظيم! فأين ما فعلوه من صنيع  النبي - صلى الله عليه وسلـم- مع الأعداء، حيث لا يخفى ما كان من أمر النبي ـ صلى الله عليه وسلـم-  في شأن أسرى بدرٍ من المشركين لمَّا أسر المسلمون سبعين رجلًا، فقال النبي صلى الله عليه وسلـم  لأصحابه: "استوصوا بالأسارى خيرًا" فانظر - إلى هذا التعامل مع أعداء محاربين، آذوا النبي - صلى الله عليه وسلـم- وأصحابه، ويريدون أن يقضوا على الإسلام وأهله، ويقول للصحابة: "استوصوا بالأسارى خيرًا".

وإذا دققنا النظر في القناعات الفكرية التي يتبناها التنظيم الإرهابي، والتي بها يستبيح أن يفعل كل جريمة دون أدنى مراجعة، ندرك أن هذا التنظيم بأفكاره الهدامة، وعقوله المتحجرة، قد وصل إلى مرحلة يناقض فيها الفطرة من حيث هي فطرة، بقطع النظر عن مخالفته للدين، حيث أقدم التنظيم منذ وجوده على أمورٍ تأباها العقول السليمة، والنفوس المستقيمة، بل ترفضها الوحوش في عالم الغابات، وسوف نسوق للقارئ الكريم طَرَفًا من هذه الأعمال التي فاقت وحشية الذئاب الضارية.

أولًا: حوادث قتل الوالدين

من الأفعال التي تصطدم مع الفطرة ما يتعلق بقتل الوالدين، ففي عام 2016، أعلن تنظيم "داعش" الإرهابي عن قيام أحد عناصره في سوريا، بقتل والده في ساحة الإعدام بتهمة الردة، قبل أن يفجر نفسه في عملية انتحارية، استهدفت قادة من تنظيم "جبهة النصرة"، وبارك عدد من عناصر التنظيم حينها فعله بتغريدات؛ مبررين ذلك بما أسموه بـ"عقيدة الولاء والبراء"!

وفي الساحة المخصصة للإعدام في مدينة الرِّقة جرم آخر، حيث قتل شاب والدته؛ لأنها أرادت الهرب من مدينةٍ سيطر عليها التنظيم، فأبلغ الابن قادته، وحكموا على والدته بالكفر، ومن ثم نفذ حكم الإعدام عليها بمشهد من الناس.

وهذه الجرائم مبنية على فتوى صدرت عام 2015 مفادها أنّ التنظيم يرى أن مقاتلة العدو القريب أولى من البعيد، وهوما أكده أحد مفتي "داعش" الإرهابي في مقطع فيديو شهير قال فيه: "قتل الأقارب مهما كان ترتيبهم مقدم على النفير"، وبعد هذه الفتوى كثرت عمليات قتل أتباع التنظيم للأقارب؛ لتؤكد على وحشية هذا الفكر واصطدامه مع الفطرة.

كما كان للخطب الدعوية للتنظيم أثر على زيادة هذا النوع من العمليات الإرهابية، والتي كانت تحضَّ على قتل الأقارب، خاصةً من العاملين في المجال الحكومي والشرطة والجيش، وذلك قبل الانضمام للتنظيم لإثبات ولائهم للتنظيم.

وإذا عرضنا هذا الخبث على شريعة الإنسانية فسنجد أنّ قتل الوالدين أعلى درجة في العقوق، الذي لا يمكن أن يستدرك صاحبه بطلب العفو، وكيف السبيل إلى عفو أب أو أم قُتلت؟! وبالتالي لا ينتظر هذا الأحمق الذي أقدم على هذه الفعلة الشنيعة إلا خسران الدنيا والآخرة، ثم أين هذا من منهج الإسلام الذي أمر ببر الوالدين والإحسان إليهما حتى لو كانا على غير دين الإسلام، ومن ذلك ما روي عن السيدة أَسْمَاءَ بِنْتِ أَبِي بَكْرٍ -رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا- حيث قَالَتْ: قَدِمَتْ عَلَيَّ أُمِّي وَهِيَ مُشْرِكَةٌ، فِي عَهْدِ رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلـم فَاسْتَفْتَيْتُ رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلـم قُلْتُ: إِنَّ أُمِّي قَدِمَتْ، وَهِيَ رَاغِبَةٌ أَفَأَصِلُ أُمِّي؟ قَالَ : "نَعَمْ صِلِي أُمَّكِ".

فمع أن أمها لا تدين بدين سماوي، وتكره الإسلام وأهلَه، إلا أن النبي - صلى الله عليه وسلـم- لم يأمرها بقتلها؛ بل أمرها بالبر وحسن الصلة.

ثانيًا: حوادث قتل الأبناء

في صورة هي أصدق ما يكون دليلًا على مخالفة هذا التنظيم لسنن الفطرة ما يتعلق بقتل الأبناء، بوصفه نوعًا من أنواع الجهاد والبذل والتضحية! ففي عام 2016 تداول نشطاء عبر منصات التواصل الاجتماعي، مقطعًا مصوّرًا لطفلة فجرَّت نفسها في أحد أقسام الشرطة بالعاصمة السورية دمشق، ولا تتعدى عشر سنوات، وفي ذات المقطع يحثّها والدها على إتمام العملية كما ينبغي!

وهناك الكثير والكثير من العمليات التي استخدم فيها هذا التنظيم الإرهابي الأطفالَ الذين لا ذنب لهم، في أن يصيروا إلى هذا التحول البعيد الذي ينافي عن الرحمة والرأفة التي أوصانا بها القرآن في غير آية، وحثَّنا عليها نبينا - صلى الله عليه وسلـم- في غير حديث، وأكَّد عليها، وكانت منهجًا له ولأصحابه، وطبقوها نعم التطبيق.

ثالثًا: تفجير الحيوانات والطيور

في عام 2019 قام تنظيم "داعش" الإرهابي في محافظة "ديالى"، شرق العراق، بتفخيخ بقرتين وتفجيرهما، ما أسفر عن إصابة شخص واحد بجروح، ولم يكن هذا الحادث هو الأول من نوعه؛ بل هناك أكثر من عشر حيوانات متنوعة؛ تم تفخيخها من قِبل التنظيم، في عامي2015، 2016.

هذا قليلٌ من كثير، وغيضٌ من فيض، ونقطةٌ في  بحر ظلمات التنظيم، ولو أردنا أن نعدد النماذج التي خالف فيها التنظيم الإرهابي أصول الفطرة لاحتجنا إلى أضعاف مضاعفة من الصفحات والمقالات، غاية ما هنالك هو أننا ينبغي أن ندرك تمامًا أن تنظيم "داعش" الإرهابي وصل إلى درجة من الوحشية ومناهضة الفطرة لا يكاد يتصورها عقل، حتى إنه  لم يسلم من بطشه وإجرامه أيُّ كائن حي حتى الطيور والبهائم، وهذا بدوره يحتم على الجميع مجابهة هذا السرطان الذي دبَّ في جسد الأمة، لابسًا زيَّ الدين، والدين منه براء، من خلال التوعية بمخاطره، وكشف مخططاته، وتعرية ما عند هذا التنظيم المتطرف من عوار فكري، وخلل نفسي واجتماعي، جعله ينحدر في أفعاله عن الحدِّ الأدنى للإنسانية.

وحدة رصد اللغة العربية

طباعة