تداعيات تطرف حركة الشباب الصومالية على العملية التعليمية في كينيا

  • | الأربعاء, 24 فبراير, 2021
تداعيات تطرف حركة الشباب الصومالية على العملية التعليمية في كينيا

     من المسلَّم به أن حركة «الشَّباب» الصومالية لا تزال تمثل أكبر تحدٍّ أمني؛ كونها تهدد الاستقرار والأمن الإقليمي في منطقة القرن الإفريقي، وذلك من خلال تصاعد عملياتها الإرهابية داخل الصومال والمناطق الحدودية، وتمدُّدها بشكل مُتنامٍ في المحيط الإقليمي، حيث تُسفِر هجماتها الإرهابية عن سقوط العديد من الضحايا المدنيين والعسكريين، إلى جانب استهداف المؤسسات الحكومية ودور العبادة في الأراضي الصومالية، كل ذلك من شأنه يحدث فوضى وأعمال عنف. 
ورغم الجهود الدولية لمواجهة حركة الشباب خلال الفترة الأخيرة، إلا أن هناك بعض التحديات التي تقف حائط صدٍّ لتحقيق نتائج إيجابية في سبيل القضاء عليها أو الحدِّ من أنشطتها.
ومن المؤكَّد أن الجماعات المتطرفة على مستوى العالم تسعى بشكلٍ دائم إلى زعزعة الاستقرار، ومنع وجود حالة من الطمأنينة والأمان، وفرض الخوف والرعب في قلوب البشر جميعًا، وذلك من أجل الوصول إلى أهدافها الخبيثة، ومحاولة السيطرة على أكبر قدرٍ ممكن من الأراضي التي لا يتوفر بها قبضةٌ أمنيةٌ قويّة، على مستوى الدول التي ينتشر فيها الإرهاب والمنظمات المتطرفة.
كذلك تعمل الجماعات المتطرفة بشكلٍ جادٍّ على إغراق العالم في كثيرٍ من المشاكل التي لا طائل منها، وبشكل خاص الجماعات الإرهابية المنتشرة داخل القارة الإفريقية، والتي تتسبب بشكلٍ مباشر في إعاقة تقدمها نحو التطور والتنمية. ومن أهم المجالات التي تلعب الجماعات المتطرفة على منع تقدمها داخل الدول الإفريقية المجال التعليمي، باستهدافها للمؤسسات التعليمية من خلال عملياتها الإرهابية.
ومن بين الدول التي قامت الجماعات المتطرفة باستهداف المؤسسات والعملية التعليمية داخل أراضيها خلال الآونة الأخيرة، دولة كينيا؛ حيث قامت حركة الشباب الصومالية بضرب الكثير من المؤسسات والمدارس من أجل تعطيل الدراسة بها. والحقيقة أن حركة «الشباب» الصومالية تُشكِّل في الوقت الحالي تحديًّا أمنيًّا كبيرًا للحكومة الكينية. كما تعد تلك الحركة أحد أبرز مهددات الاستقرار والأمن بالبلاد، وذلك في ضوء تصاعد نشاطها في الداخل الكيني وتمدُّدها بشكل متزايد في المحيط الإقليمي بشرق إفريقيا.
وقد زاد توغل عناصر حركة الشباب الصومالية في الشمال الشرقي لكينيا منذ نهاية عام 2019، كما أعلنت السلطات الكينية في بداية هذا العام، أن حركة "الشباب" استولت على نصف مدينة «مانديرا» شمال شرقي كينيا، الأمر الذي يؤكد على أن وجود الحركة في المنطقة يتعاظم يومًا بعد آخر، من خلال تصعيد هجماتها على الأهداف العسكرية والمدنية والمقرات الحكومية والمؤسسات التعليمية.
وفي النصف الثاني من شهر يناير 2021 صرَّح السيد «علي روبا» محافظ مدينة «مانديرا»، بأن عناصر حركة الشباب الصومالية قد نجحوا في تعطيل عملية التعليم في شمال شرق البلاد، وذلك نتيجة انسحاب المعلمين، بسبب انعدام الأمن، وعدم توافر الحماية لهم جرَّاء العمليات الإرهابية التي تقوم بها تلك الحركة، كما أضاف «روبا» خلال الإعلان عن منحة للطلاب المحتاجين بقيمة 100 مليون شيلينغ كيني "أن تأثير فشل الأطفال في الحصول على التعليم هو بمثابة تخريب اجتماعي واقتصادي على مستوى الدولة بأكملها". وأوضح كذلك أنه من غير المقبول أن يتم إيقاف المجال التعليمي في المنطقة بأكملها من قبل حركة الشباب الإرهابية؛ لأن ذلك سيعود بالسلب على جيلٍ كامل، لم تسنح له الفرصة في التعليم الجيد.
لا شك أن حركة الشباب الصومالية قد اتخذت من الحرب على التعليم ركيزةً أساسية في عقيدتها الباطلة، وأصلًا أصيلًا لتصرفاتها الغير مسئولة، بدايةً من استهدافها للأطفال الأبرياء داخل المدارس، ثم قيامها بمنع المعلمين من الذهاب إلى المدارس، مرورًا بجرائم كثيرة في تاريخها الأسود، استهدفت من خلالها ضرب العملية التعليمية في مقتل.
وقد حازت قضية الاهتمام بالتعليم والحرب عليها من قبل جماعات التطرف والإرهاب داخل القارة الإفريقية، اهتمام مرصد الأزهر لمكافحة التطرف منذ إنشائه وحتى الآن؛ ففي بداية شهر نوفمبر من عام 2017 أصدر المرصد تقريرًا بعنوان "بوكو حرام والحرب على التعليم"، أوضح من خلاله السبب الحقيقي من كون الحرب على التعليم، يعدُّ هدفًا رئيسًا للجماعات المتطرفة داخل إفريقيا. 
كما بيَّن المرصد من خلال هذا التقرير، أن الحدث الأبرز في التاريخ الدموي لجماعة بوكو حرام الإرهابية، هو جريمة اختطاف قرابة الثلاثمائة فتاة من إحدى المدارس بمدينة «تشيبوك»، وقد وقعت هذه الجريمة في محراب العلم، بزعم تحريم التعليم على الفتيات؛ حتى اتضح الغرض الخبيث بعد ذلك من استغلال أولئك الفتيات. وهذا الأمر يُظهر بشكلٍ جليٍّ الوجه الخبيث لتلك الجماعات المتطرفة، التي لا تسعى إلا للهدم والرجعية والتخلف من وراء ما تقوم به، وليس كما تدَّعي من أنها تسعى للبناء وإسقاط الحكومات، التي تسيطر على مقاليد الحكم لتلك الدول.
ومن هذا المنطلق ينادي مرصد الأزهر لمكافحة التطرّف بضرورة مواصلة الجهود الرامية لتعزيز عملية الاهتمام بالتعليم، وتقديم كل مقومات النهوض بالعملية التعليمية داخل الأراضي الكينية، وذلك لأن الجهل يأتي على رأس العوامل التي تستغلها تلك الجماعات أيَّما استغلال ، كما أنها تدفع العالم نحو الهاوية، هاوية التطرّف والإرهاب.
ويؤكد المرصد -كذلك- على أن العملية التعليمية حقٌّ للجميع، وأنه ليس من حق أيِّ جهة كانت أن تعرقل مسيرة التعليم، مما يتسبب في دمار للنشء وسلب للأفكار وتدمير للعقول، وحرمان الأجيال القادمة حقَّهم في الحصول على قسط من التعليم.
كما يطالب المرصد الجهات والمؤسسات المعنية بمحاولة إيجاد كل الوسائل التي تُمكِّن الطلابَ من الحصول على حقهم الأساس في التعليم؛ فهو الركن الركين الذي يعينهم على خوض الحياة، وتحقيق الهدف الأسمى الذي خلق الله الناس من أجله، الأمر الذي يساعدهم على المضي قُدمًا نحو مستقبل نافع لحياتهم، ويجعل منهم عناصر فاعلة في مجتمعاتهم باعتبارهم اللبنة الأولى في بنائها.

وحدة رصد اللغات الإفريقية
 

طباعة