المرأة المسلمة في الغرب بين الحقيقة والادّعاء

  • | الثلاثاء, 16 مارس, 2021
المرأة المسلمة في الغرب بين الحقيقة والادّعاء

     رسَّخ الإسلام مفهوم المساواة بين المرأة والرجل في شؤون حياتية كثيرة، ومنها جميع التعاملات المالية، كما منح الإسلام المرأة الحق في اختيار الزوج، وأناطها جزءًا كبيرًا من المسؤولية في تربية الأبناء، حيث قال - صلى الله عليه وسلم- : "والمرأة راعية في بيت زوجها ومسئولة عن رعيتها". كما أوجب الإسلام على الرجل رعاية المرأة والإنفاق عليها، وذلك إعلاءً لقدرها وبيان لأهمية دورها. أما الدساتير الغربية فقد نصَّت على العديد من المواد التي تكفل للمرأة حقوقها الاقتصادية والاجتماعية والسياسية، لكن في الوقت ذاته انطبع لدى أكثر مَنْ في الغرب الأوروبي وغيرهم ممن يجهل وضع المرأة المسلمة ومكانتها، صورةٌ خاطئةٌ للمرأة المسلمة، وأنها تعاني من الاضطهاد والكبت، وأصبحت رمزًا للنضال من أجل المطالبة بالمساواة مع الرجل، في حين أن المرأة في الغرب لا تعاني من أية أزمات أو مشكلات، وفقًا لبعضهم.
وفي هذا السياق نسرد بعض الآراء الأوروبية التي تؤكد وجود أحكام مسبقة خاطئة ومشوهة لصورة المرأة في الإسلام، حيث ترى الكاتبة الإسبانية "ناتاليا أندوجار تشيفرولير" في مقال لها بعنوان: "المرأة المسسلمة في إسبانيا: الواقع والتحديات" أن هناك مساواة بين الجنسين في الإسلام، وأشارت إلى أن هناك انتقادًا لوضع المرأة في الإسلام في معظم الدراسات الأكاديمية الأوروبية، ولكنها في النهاية تعبر عن وجهة نظر شخصية، ولا يمكن تعميمها. وبشكل عام، يقتصر الأكاديميون في إسبانيا على استنساخ النصوص الكلاسيكية في القرون الوسطى، ويولونها أهمية غير مستحقة دون التحقق من صحتها، مع إخفاء مساهمات النساء المسلمات على مر العصور، خاصة في الوقت الحاضر، مما يسلط الضوء على قضيتين مهمتين أولهما: الرؤية النمطية للإسلام والمسلمين من ناحية، والتي تغذي الإسلاموفوبيا، وحقيقة مساهمة المرأة المسلمة في الحركة النسوية في إسبانيا من ناحية أخرى. وأضافت " ناتاليا" أن صورة المرأة المسلمة التي تحملها وسائل الإعلام الإسبانية هي صورة نمطية، يتم تصويرها على أنها خاضعة ورجعية وسلبية، وغير اجتماعية وينظر إليها على أنها "إرهابية محتملة"، وذلك لسهولة استقطابهن. كما ذكرت أن وسائل الإعلام تؤكد على تعامل الإسلام مع المرأة بطريقة وحشية -حسب وجهة نظر هذه الوسائل- بسبب عدم التوافق بين الحداثة والإسلام، أو بالأحرى أن "النساء ضحايا الإسلام"، ويرى العديد من الغربيين أن الحجاب هو رمز لاستبعاد النساء.
وفي مقابل تلك الحالة من المغالطة، نجد أقلامًا مُنصِفة في أيدي مجموعةٍ من غير المسلمين، جعلتْ من القراءة النقدية الصحيحة للتاريخ ولأمهات الكتب العربية والإسلامية مُنطلَقًا لها، أو تمكّنت من الوصول إلى الحقيقة من خلال معايشة الواقع والتواصل المباشر مع المجتمعات الإسلامية؛ لذا نرى أنه من الضروري تسليط الضوء على تلك الأصوات العاقلة التي تتصف بالعدل والإنصاف عند حديثها عن الإسلام والثقافة الإسلامية، على الرغم من إيمانها بمُعتقَدٍ وثقافةٍ مُغايِرةٍ لما يؤمن به المسلمون. ومن بين هذه الأقلام نسلط الضوء على "سوسانا مانجانا" Susana Mangana، وهي أستاذةٌ جامعية متخصصة في الدراسات العربية والإسلامية بإسبانيا، ومُحاضِرة بجامعة أوروجواي الوطنية، ولها الكثير من الكتابات حول الإسلام والثقافة الإسلامية. ففي مُداخَلةٍ لها بأحد البرامج التلفزيونية في الأوروجواي، للحديث عن نظرة الإسلام للمرأة وعن الحالة السائدة من اللغط والخلط، والتي تسبّبت الآلة الإعلامية في ظهورها بين العامة، حول العادات والتقاليد الموروثة من جانبٍ، والمُعتقَدات الدينية من جانبٍ آخَرَ؛ أكدت "مانجانا" في بداية حديثها أنه قد أصبح من السهل الإشارة بأصابع الاتهام إلى الإسلام والمجتمع الإسلامي بأنه مجتمعٌ ذُكوريّ، لا يهتم بحقوق المرأة، ويعمل على التقليل من شأنها داخل المجتمع.
وترى الكاتبة أن أوروبا ـــــ والدول الغربية ـــــ تمكّنت من ترسيخ هذه الفكرة من خلال ما تَبُثّه وسائل الإعلام حول الحجاب، والقهر "المزعوم" الذي تعاني منه المرأة المسلمة في المجتمع الإسلامي؛ فضلًا عن الكتب والمجلدات التي تتناول هذه الموضوعاتِ الشائكةَ، والتي تحوّلت إلى تجارةٍ رابحة لكثيرٍ من الصحفيين والمؤلفين ممّن عايَشوا تجاربَ قصيرةً  قد لا تتجاوَز عشرةَ أيّامٍ في دولٍ إسلامية، وبمجرد عودتهم إلى بلادهم بدأوا في تسليط أقلامهم ضد المجتمع الإسلامي، كما لو أنهم قد ألمّوا بكلّ شيءٍ يَخُصّ هذا المجتمع من خلال تلك التجرِبة القصيرة، التي لا يستطيع الباحث أو الكاتب أن يتعرّف فيها على تلك المجتمعات بشكلٍ واضح؛ فيَشرعون في إصدار الكتب والمقالات ذات العناوين التجارية الخدّاعة التي تعمل على جذب انتباه القارئ، ومن ثَمّ تحقيق أكبر قدرٍ ممكن من المبيعات.
من هنا نستطيع القول: إن هذه الصورة المغلوطة المُصَدَّرة عن المرأة والتي تتحدث عن دَورها "المُهَمَّش" في الإسلام وحقوقها "المُعتدى عليها"، لا تتجاوز كونها مجرد مزاعم يطلقها بعض الكُتّاب ومُدّعو الدفاع عن حقوق المرأة، وتساهم بعض وسائل الإعلام الغربية، التي لا تعكس التنوع الموجود داخل هذه المجتمعات، في انتشارها والترويج لها. 
ولا يفوتنا أن نوضح أن هناك بالفعل بعض المُمارَسات الخاطئة تجاهَ المرأة؛ ولكنها صادرةٌ من أناسٍ لم يفهموا صحيح الدين، ولم يعملوا على تفعيل مبادرات تكريم الإسلام للمرأة، وبالتالي فإن ذلك لا يُعَبِّر مطلقًا عن الإسلام، والدليل على ذلك: أن الأستاذة الجامعية التي نُسلّط الضوء عليها في هذا التقرير، إنما أشارت إلى تلك المفاهيم المغلوطة حول المرأة في المجتمع الإسلامي بعد قراءةٍ متأنية لما ورد من نصوصٍ دينية إسلامية، تؤكّد على أهمية دَور المرأة وخُصوصيتها؛ وبالتالي: فقد استطاعت أن تُكَوِّنَ فكرةً صحيحة عن الإسلام.
ويدعو مرصدُ الأزهر لمكافحة التطرف، العالمَ، إلى الإنصات إلى تلك الأصوات العاقلة، التي قلّما نجدها في المجتمعات الغربية في الوقت المعاصر، وأن تكونَ نظرتُه موضوعيّةً لحالة المجتمعات الإسلامية، بدلًا من الاستناد إلى نظريّاتٍ فَرديّة وانطباعاتٍ غيرِ دقيقة. ويجدر بنا كذلك الإشارة إلى بعض النجاحات والنماذج المضيئة للمسلمات في إسبانيا وأمريكا اللاتينية؛ بهدف إبراز قدرتهن على الاندماج في المجتمعات اللاتي يقطنّ فيها. ومن بين هذه النماذج نذكر على سبيل المثال لا الحصر: "هاجر قاسمي"، الفتاة المسلمة من أصول مغربية، والتي تقيم في مدينة "مرسية"، وقد حصلت على إحدى "الجوائز الوطنية الإسبانية للشباب" لعام 2016، وذلك لإسهاماتها في الحوار الثقافي بين الشرائح والأطياف المجتمعية المختلفة في إسبانيا، وتسلمتها من نائبة رئيس الوزراء الإسباني "سريا سانيث دى سانتاماريا"، وهي بذلك تمثل أنموذجًا مشرفًا للمرأة المسلمة ذات الأصول العربية والمندمجة مع المجتمع الإسباني الغربي، وكل هذا يعكس مدى نجاحها، كما يؤكد قدرة المسلمين على التعايش والاندماج مع المجتمعات الأخرى؛ رغم الاختلاف الثقافي والديني؛ بل وحيازة جوائز قومية وتحقيق نجاح مبهر.
وفي حوار لها مع راديو مرسية Onda Regional de Murcia في برنامج "صباح الخير" أوضحت أنها تعيش في إسبانيا منذ أكثر من 12 عامًا، واستطاعت الاندماج في المجتمع وهي تدرس اللغويات الإنجليزية بجامعة مرسية. وفي حديثها عن الحجاب قالت: "إنه ليس دليلًا على القمع، بل على العكس تمامًا هو دليل على الحرية في اختيار من يرى جسدي ومن لا يراه وهو قرار شخصي حر، وذلك كمن تُقرر أن تقوم بعمل وشم في جسدها، فحريتي في الحجاب مثل حريتها في الوشم، كثير من الناس يقولون: "إنني أجمل بدون الحجاب ولكني أفضل ارتداءه". 
كما لم تغب المرأة المسلمة عن المشهد السياسي في إسبانيا، حيث فازت المرشحة "نجاة درويش" في 2019 بمقعد في البرلمان الإقليمي في قطلونية، عن حزب اليسار الجمهوري لتصبح أول نائبة مسلمة داخل البرلمان. الجدير بالذكر أن النائبة "نجاة درويش" مغربية الأصل ولدت عام 1981، ووصلت إلى إسبانيا منذ 12 عامًا فقط. ويعد فوز "نجاة درويش" بمقعد داخل البرلمان في إقليم قطلونية إضافة إيجابية لصالح المطالب التي يسعى المسلمون إلى تحقيقها، فضلًا عن أن هذا الفوز يمكن أن يُسهم في نقل صورة إيجابية أفضل عن المسلمين في إسبانيا، ولا سيّما المرأة المسلمة التي لم يمنعها حجابها ولا كونها مسلمة من ممارسة حقوقها الدستورية، بل بالعكس سوف يعكس أن الإسلام يشجع المرأة ويعطيها كامل حقوقها ولم يقف أبدًا –كما يشيع البعض - حجر عثرة أمامها.
كما يدلل هذا الفوز على أن اختيار النائبة المسلمة داخل البرلمان القطلوني يعكس حجم النشاط الإيجابي الذي لعبته "نجاة درويش" خلال مدة لم تتعد العشر سنوات، مما جعلها جديرة بالثقة لأنْ تحتل هذه المكانة، وهذا المنصب الرفيع بعد أن استطاعت أن تثبت ذاتها في هذا المكان في توقيت شديد الحساسية يمر به إقليم قطلونية داخل الجغرافيا السياسية والإقليمية الإسبانية.
وعلى المستوى الأدبي والصحفي يبرز اسم -الصحفية الإسبانية المُسلمة بجريدة "إل موندو" الإسبانية- "أماندا فيجيراس"، والتي استقبلها مرصد الأزهر في مايو 2018 حيث اعتنقت الإسلام في يونيو 2015، وأصدرت مؤخرًا كتابًا باللغة الإسبانية بعنوان: "لماذا الإسلام؟"؛ للتعريف بالإسلام في العالم الغربي؛ حيث ردَّت فيه على كثير من المغالطات والآراء المُسبقة التي تطبع مواقف بعض الناقدين حول مكانة المرأة في الإسلام وظاهرة "الإسلاموفوبيا"، ودعت إلى تغيير الصورة النمطية عن الدِّين الإسلامي، وعرضت فيه حياتها بوصفها امرأة أوروبية مسلمة.
وفي الإكوادور يبرز اسم "مايبيلين ثريا ألباريث"، التي تبلغ من العمر 33 عامًا، وتعمل بالقوّات الجوية للإكوادور منذ عام 2008، بعدَ أن تخرّجت في معهد علوم الطيران، وتُعَدّ أوّلَ قائدةٍ مسلمة في مجال الطيران في أمريكا اللاتينية عمومًا، حيث تعمل في سلاح الجَوّ بالإكوادور، ووالداها من أصولٍ مصرية ويعتنقان الإسلام، وقالت "ثريا ألباريث" في حوار صحفي: "إن جميع الأبواب فُتحت لها، رغم أنه لم تَصِلْ أيُّ امرأةٍ مسلمة لهذه الوظيفة، بأيٍّ من دول أمريكا اللاتينية"، مؤكّدةً أن كلَّ أصدقائها يعرفون أنها مسلمة ويحترمون ذلك، وتشعر بالفخر أكثرَ؛ لأنهم بدأوا في التعرُّف على الإسلام. وأضافت: أنها واجهت العديد من الصعوبات في البداية، إلا إنها لم تفقد الأمل أبدًا في تحقيق حلمها؛ نظرًا لإيمانها القويّ بقدراتها، موضّحةً: أن لجنة الاختيار في القوات الجوية أَبدت اندهاشًا وقلَقًا للغاية عند تقدُّمها لهذه الوظيفة، فقط لأنها مسلمةٌ، وبتفوقها ونشاطها واجتهادها أثبتت جدارتها بهذه المهمة. 

وفي الأرجنتين، ذكرت "ناتاليا بيردون " في حوار صحفي مع جريدة "إنفوباي" الأرجنتينية، أنها  اعتنقت الإسلامَ عام 2011، قائلة: إنها قد وجدت فيه ضالّتَها، كما اعتنق زوجُها الإسلام. وأكدت أن حجابها لم يعقها عن نجاحها في العمل، وأوضحت أنها بعد عامين من البحث والقراءة عبْرَ المواقع الدينية ‏المختلفة، وجدتْ إجاباتٍ على العديد من التساؤلات التي كانت تجول بخاطرها عن الإسلام؛ ومن ثَمّ قررت اعتناق الدين الإسلامي، وعن حال المرأة ووضْعها في الإسلام، أكّدت "ناتاليا" أن المرأة في الإسلام ليست خاضعةً أو مضطهدة كما يتصور البعض، وحقيقةُ الأمر: أنها مُكَرَّمةٌ ومحفوظة في الإسلام، وأضافت: أن الحجاب ليس ‏مظهرًا لحجْب المسلمة ومنْعها من حقوقها، بل هو تعليمٌ ديني ومبدأٌ قرآني لتغطية المرأة لجسدها؛ ‏من بابِ صَوْنها وتكريمها.
ومن هذا المنطلق، أكد فضيلة الإمام الأكبر الأستاذ الدكتور/ أحمد الطيب شيخ الأزهر الشريف، خلال كلمته التي ألقاها في أبوظبي في ديسمبر 2016 في افتتاح المؤتمر الدولي لرئيسات البرلمانات حول العالم، تحت عنوان: "متحدون لصياغة المستقبل"، بمشاركة 50 رئيسة برلمان حول العالم والأمين العام للأمم المتحدة وأكثر من 100 شخصية عالمية، أن "الحداثة الغربية" ليست النموذج الأمثل لتعميمه في العالم. وأضاف أن الإسلام قد أنصف المرأة المسلمة وحررها من الأغلال والقيود في حين كانت ضحية في السابق. وأن المرأة المسلمة قد تأثّرت بالعادات والتقاليد أكثر من تأثرها بالنصوص الإسلامية من القرآن والسنة، كما أنها احتفظت بمجموعة من تلك العادات والتقاليد التي سبقت نزول القرآن في حياتها المعاصرة. 
ولا يجد مرصد الازهر غضاضةً في القول بأن المرأة المسلمة في الشرق والغرب تفوقت على كثير من النماذج من نظيراتها الغربيات، وهو حق مكفول للنساء المسلمات، واعتراف واجب باجتهادهن وتفوقهن في شتى المجالات. ويؤكد المرصد على أن واقع المرأة المسلمة مختلف كل الاختلاف عما يروج له بعض الأقلام المغرضة، وما تشيعه بعض وسائل الإعلام المنحرفة، التي تسعى إلى قلب الحقائق وتغيير الواقع. وإننا إذ نحتفي بيوم المرأة في هذه الفترة فإننا نقدر للمسلمات في الشرق والغرب سعيهم إلى النجاح، ودورهن في فرض حداثة متوازنة تحافظ على ثوابت الدين وتواكب تطورات العصر، في نموذج فريد لا مجال لإنكاره أو طمس آثار نجاحاته.  

وحدة رصد اللغة الإسبانية

طباعة