قوافل التطعيم ضد شلل الأطفال في أفغانستان بين نيران التنظيمات الإرهابية وانعدام الوعي

  • | الأربعاء, 14 أبريل, 2021
قوافل التطعيم ضد شلل الأطفال في أفغانستان  بين نيران التنظيمات الإرهابية وانعدام الوعي


     لا تزال أفغانستان على رأس قائمة الدول التي تعاني من مرض شلل الأطفال جرّاء استهداف الجماعات الإرهابية لفرق التطعيم. فمؤخرًا، لقي ثلاثة من كوادر هذه الفرق مصرعهم على أيدي مُسلحين مجهولين بمدينة "جلال آباد" وسط ولاية "ننجرهار" شرقي البلاد. وعلى إثر هذا الحادث ناشد "وحيد مجروح"، مسؤول وزارة الصّحة الأفغانيّة، جماعات المعارضة التعاون في ملف التطعيم ضد شلل الأطفال. جدير بالذكر أن تكلفة تنظيم الحكومة الأفغانية لحملات التطعيم في عموم البلاد تقدر بحوالي 60 مليون دولار سنويًّا. 
تقول "عادله محمدي"، إحدى أفراد طواقم التطعيم ضد مرض شلل الأطفال: "ترفض أسرنا الاستمرار في هذا العمل بعد هذا الحادث، وعن نفسي قررت متابعة العمل لكن الكثير من الأخريات يشعرن بالخوف ... إذ لا يمكن لمثل هذه العمليات أن تعوق عملنا ... ولو خفنا وتراجعنا عن الخروج من المنزل للمشاركة في حملات التطعيم، فسوف يعاني مجتمعنا مشكلة كبيرة".  
وتزداد معدلات الإصابة بمرض شلل الأطفال في أفغانستان، جرَّاء استهداف التنظيمات الإرهابية لفرق التطعيم، خاصةً في المناطق التي تقع تحت سيطرة هذه التنظيمات. يقول "ميرجان راسخ"، المسؤول الإعلامي عن برنامج التطعيم ضد شلل الأطفال بوزارة الصحة الأفغانية: "توقفت حملات التطعيم ضد شلل الأطفال خلال عام 2020 بسبب انتشار وباء كورونا، وانعدام الأمن في بعض المناطق بشكل انعكس على زيادة أعداد الأطفال المصابين بهذا المرض، وتسجيل عدد 56 حالة إصابة من الدرجة الأولى، وأكثر من 300 حالة من الدرجة الثانية". وحذر من تداعيات هذه العمليات وتأثيرها السلبي على روح الأطقم الطبية المعنوية.     
ووفق إحصائيات الحكومة الأفغانية فقد ارتفعت الإصابات بمرض شلل الأطفال خلال العام الماضي بنسبة 50%، لا سيّما في المناطق الجنوبية التي تعاني الحروب والصراعات المسلحة. وثمّة مخاوف من تعرض أكثر من 3 مليون طفل من أصل 10 مليون تحت الخامسة، للإصابة بالمرض بسبب قيود الانتقال بين المنازل، فيما تعزو وزارة الصحة أسباب فشل حملات التطعيم للاضطرابات الأمنية. ووفق تقرير منظمة اليونيسيف، فقد بلغ معدل وفيات الأطفال دون ‏الخامسة حوالي 6.79٪، حيث تَحرِم الحرب الأطفال من الحصول على الخدمات الصحية. 
كان الرئيس الأفغاني "أشرف غني" قد عقد مؤخرًا اجتماعًا عبر تقنية (الفيديوكونفرانس) مع "بيل جيتس" مؤسس شركة (مايكروسوفت)، وأعضاء مؤسسة (بيل وملينداجيتس) الخيرية، وأكَّد انتشار الوباء بشكل خطير في دولتي أفغانستان وباكستان. وتعتبر برامج التحصينات ضد الأمراض المعدية، من أهم أولويات الأنظمة الصحية للوقاية من الأمراض ذات الأهمية الوبائية، وتعتبر واحدة من أهم مكونات الصحة العامة. ورغم ذلك تعارض التنظيمات الإرهابية مسألة تطعيم الأطفال، ولا تتورع عن استهداف الأطقم الطبية. 
وكان الدكتور "وحید الله مایار" المتحدث باسم وزارة الصحة، قد أعلن في تصريحات سابقة، فشل محاولات تطعيم الأطفال في المناطق التي تقع تحت سيطرة حركة طالبان وتنظيم داعش الإرهابي، وقال: "كلما ازدادت التحديات الأمنية، واجهت عمليات تقديم الخدمات الطبية الكثير من المشكلات". 
في المقابل تستفيد الحكومة الأفغانية من صندوق الطفل بالأمم المتحدة ومنظمة الصحة، ورجال الدِّين في تحفيز المواطنين على تطعيم أبنائهم. والواقع أن ثمة عوامل أخرى تتضافر في فشل المحاولات الحكومية غير الحرب على الإرهاب، مثل العادات والتقاليد، وانعدام الوعي، وانتشار الفقر؛ لذا تحتل أفغانستان المرتبة الأولى عالميًّا من حيث الإصابات بمرض شلل الأطفال. وتضيف "عادله": "ترفض بعض الأسر حتى أن تفتح باب المنزل لنا، وبعضهم لا يكتفي بذلك وإنما يهددنا بالضرب".
وما يساهم في عزوف المواطنين عن تطعيم أبنائهم كذلك الشائعات التي تروج لها التنظيمات الإرهابية عن التطعيم، ومنها: أنه مؤامرة غربية تستهدف نشر العقم بين المسلمين، أو أن التطعيم بمثابة اعتراض على قدر الله، ويحول دون نفاذ مشيئة الله. من جهة أخرى تعتقد العديد من الأسر الأفغانية احتواء التطعيم على ممنوعات، بخلاف استهداف التنظيمات الإرهابية للأطقم الطبية.  
وانطلاقًا من دور الأزهر الشريف ورسالته التي تقوم على خدمة الشعوب الإسلامية في المجالات كافة، قال فضيلة الإمام الأكبر الدكتور أحمد الطيب شيخ الأزهر تعليقًا على بعض الفتاوى الشاذة: "إن دعاة تحريم التطعيم ضد شلل الأطفال، إنما يربطون الحرمة بمقاصد أخرى كالاستعمار، والإضرار بالمسلمين، ومحاولة إصابتهم بالعقم، وهذا فهم خاطئ، ونحن على استعداد لتجهيز حملة لمواجهة هذه الدعوات، من خلال البعثات الأزهرية في البلدان التي انتشرت فيها هذه الفتوى".
كذلك، فقد احتضن الأزهر الشريف برعاية فضيلة الإمام الأكبر، فعاليات الاجتماع السادس للفريق الاستشاري الإسلامي، المعني باستئصال مرض شلل الأطفال؛ لمناقشة حجم التقدم والتحديات بالدول الموبوءة، والمعرضة لخطر ذلك المرض خلال عام 2019، وتسليط الضوء على جهود الفريق الاستشاري في مواجهة الأباطيل والمفاهيم الخاطئة والمعلومات الزائفة والشائعات، التي تطال اللقاح المضاد لشلل الأطفال وسائر المبادرات المعنية بصحة الأمهات والأطفال. 
والحقيقة أن هذه الأزمة تتطلب تضافر الجهود الدولية والإقليمية والمحلية، وتوفير الدعم اللوجيستي اللازم؛ للقضاء على مثل هذه الدعايات الخاطئة التي لن تقتصر على تطعيم شلل الأطفال فقط، لا سيّما بعد أن صنَفت المنظمة الدولية لحماية حقوق الأطفال دولة أفغانستان ضمن قائمة الدول العشر الأسوأ بالنسبة للأطفال. ونختم بصرخة "ميوا ﮔل" الطفلة الأفغانية الصغيرة المصابة بشلل الأطفال؛ علها تكون سببًا في يقظة ضمير كل المسؤولين عن هذه المشكلة، حيث قالت: "يجب تطعيم كل الأطفال، وإلا فسوف يواجهون نفس مصيري، وعليكم مساعدتهم طالما يتطلعون للغد".  


وحدة الرصد باللغة الفارسية
 

طباعة